يزداد يوما بعد يوم الحديث عن قانون الانتخاب بالتزامن مع ضيق الوقت لدعوة الهيئات الناخبة في العشرين من الشهر الجاري، ويترافق مع كل هذه الاجواء الكلام عن “هواجس” لدى بعض الافرقاء من اعتماد أنظمة معينة في اي قانون جديد للانتخاب لا سيما بخصوص النسبية وبشكل أدق اعتماد النسبية الكاملة في هذا القانون، وفي طليعة هؤلاء يأتي وبصراحة وبشكل علني رئيس “اللقاء الديمقراطي” النائب وليد جنبلاط، بينما يقف خلفه بعض الاطراف الاخرى بدون المجاهرة الصريحة.
والواضح ان جنبلاط يخوض وحيدا معركة الدفاع عن قانون “الستين” ورفض النسبية، وهو لهذه الغاية أرسل وفدا من كتلته النيابية للقيام بجولات على مختلف الاطراف لشرح هواجسه وطروحاته تجاه اي قانون انتخابي جديد لا سيما بخصوص النسبية.
كما يندرج في خانة التوجس من النسبية(ولو بصورة أقل من جنبلاط) “تيار المستقبل” الذي يرفض حصرا النسبية المطلقة ويحاول “اختراع” الحجج المختلفة للهروب من أي قانون قد يظهر الاحجام الحقيقة للقوى السياسية في كل لبنان، لذلك يسعى “المستقبل” للبحث عن المخارج التي تقلل له خسائره في الانتخابات النيابية المقبلة ولا تظهره بعيدا عن التوافق مع بقية القوى السياسية، خاصة ان العديد من الاستطلاعات وتوقعات المراقبين ترى ان “تيار المستقبل” هو اكثر فريق سياسي سيخوض “معارك ضارية” في الانتخابات المقبلة في الاماكن التي له تواجد شعبي فيها.
قانون الانتخاب.. بين النسبية والطائفية!!
ولكن كيف يمكن ان تشكل النسبية هاجسا لاي طرف؟ وما هي الهواجس التي تظهر للبعض من النسبية او من تغيير قانون الانتخاب؟ فمثلا ما هي هواجس النائب جنبلاط حول تغيير هذا القانون؟ وهو الذي اعتبر مؤخرا ان “وضع قانون الانتخاب كالعملية الجراحية التي تحتاج الى أطباء مختصين وان وضع هذا القانون يحتاج الى دقة وصبر وحوار”، فما هي هذه الهواجس التي تشكل هذا العائق الكبير امام اقرار قانون الانتخاب والتي تستوجب كل هذا “التعاطف” مع النائب جنبلاط؟ هل تصل هذه الهواجس فعلا الى حد الخوف من إلغاء طائفة بأكملها ام ان البعض يعمل على تضخيم هذه الهواجس لغايات في “نفس يعقوب”؟ ولماذا يقبل “تيار المستقبل” بالنسبية في مكان ويرفضها في آخر؟ أليس الامر يتعلق بحسابات انتخابية وكل كلام خارج هذا السياق مرفوض جملة وتفصيلا؟
وهل الاسباب التي يسوقها “اللقاء الديمقراطي” سيؤخذ بها من باقي الافرقاء في لبنان ام انه سيتم مراعاتها فقط؟ خاصة ان أحد نواب “اللقاء الديموقراطي” أعلن مؤخرا خلال جولة الوفد على القيادات السياسية ان “النسبية لا تتلاءم مع الطائفية وان اعتماد النسبية غير ممكن في ظل الظروف التي يمر بها لبنان”، فهل هذا الكلام يعني ان لا نسبية في لبنان حتى إلغاء الطائفية؟ وهل هذا يعني البقاء على النظام الأكثري طالما الطائفية موجودة في لبنان؟ وكيف نتحدث عن إصلاح في قانون الانتخاب بعدم اعتماد النسبية أم ان للأمر مخارج ستطرح في ربع الساعة الاخير اي خلال الايام المقبلة؟
وقد لاقت مواقف النائب جنبلاط والوفد الاشتراكي تضامنا من اكثر من جهة لبنانية، فقد نُقل عن “مدير مكتب الرئيس سعد الحريري” نادر الحريري قوله إن “كتلة المستقبل والرئيس الحريري لن يوافقوا على قانون للانتخاب لا يوافق عليه النائب جنبلاط”، وكأن التيار الازرق رمى الكرة في ملعب جنبلاط، فيما يعتبره البعض انه “رغبة للاطاحة بالنسبية انطلاقا من الهوجس الجنبلاطية”.
قانون الانتخاب.. والميثاقية
وايضا برزت مواقف لعدة أطراف تتلقف مخاوف وهواجس جنبلاط، إلا ان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كان جازما عندما اعلن أكثر من مرة ان الانتخابات ستجري وفقا لقانون جديد مع اعتماد النسبية، والعماد عون لديه من القوة السياسية نتيجة التحالفات القائمة في البلد ما يكفي لتمرير خطوة اقرار قانون جديد للانتخابات، ولكن هل يمكن فرض قانون جديد دون التوافق مع كل الافرقاء، خاصة ان البعض راح يتحدث عن ميثاقية واجبة لقانون الانتخاب.
وهنا يمكن الاشارة الى ما قاله النائب اكرم شهيب في احدى جولات الوفد الاشتراكي على القيادات السياسية، حيث لفت الى انه “كما يحق لغيرنا الحديث عن الميثاقية وصحة التمثيل يحق لنا أيضا الحديث عن ذلك”، في اشارة الى ان الامر يتعلق بطائفة الموحدين الدروز والمسألة لا تقتصر فقط على الحزب التقدمي الاشتراكي او شخص النائب وليد جنبلاط.
وبحسب شهيب فإن “الدروز مستهدفون كطائفة وإن كان دور النائب وليد جنبلاط لا يقاس بعدد نوابه او بالحقائب الوزارية المخصصة للحزب الاشتراكي”، مشيرا الى ان “الهمّ الاول لجنبلاط وللاشتراكيين هو الحفاظ على المصالحة التي حصلت في الجبل”، مؤكدا ان “جنبلاط يشكل ضمانا وطنيا قبل ان يكون ضمانة درزية”.
ولكن هل فعلا يُستهدف الدروز في لبنان اذا ما اعتمدت النسبية في قانون الانتخاب أم ان الامر يتعلق بزعامات سياسية داخل الطائفة وفي بعض المناطق؟ ولكن لماذا لا يؤخذ بطلب النائب جنبلاط بضرورة تطبيق اتفاق الطائف عبر انشاء مجلس للشيوخ ينتخب على اساس طائفي بينما يتم انتخاب مجلس النواب خارج القيد الطائفي؟ وهل هذا الامر بات ممكنا في ظل ضيق الوقت؟
الأكيد ان مثل هذا الطرح صعب التحقيق في القريب العاجل والجميع يعرف انه غير قابل للتطبيق قبل الانتخابات المقبلة، إنما هو طرح قد يتم التعامل معه بشكل او بآخر لتحقيق نتائج سياسية في التسويات التي ستنتج عن المفاوضات القائمة ويأخذ بمراعاة بعض الحالات السياسية في لبنان.
والحقيقة ان اللقاءات الرباعية التي تجمع ممثلين عن حزب الله وحركة امل والتيار الوطني الحر وتيار المستقبل صحيح انها لا تختصر الجميع ، إلا انها تشمل جزءا كبيرا من الافرقاء في البلد ممن لديهم تحالفات مع الجميع، والاكيد ان هذه المفاوضات لا تلغي احدا ولا تمنع الحوارات الثنائية والثلاثية الاخرى التي تحصل بين الافرقاء وإن كان بإمكانها تهيئة الارضية المناسبة لاقرار قانون جديد للانتخاب، والايام المقبلة ستكون حاسمة في هذا الموضوع وستبين امكانية التوصل الى قانون جديد للانتخاب من عدمه وستظهر شكل ومضمون هذا القانون.
وباختصار حول مسألة قانون الانتخاب وكيفية انتاج طبقة سياسية جديدة في لبنان، يمكن الاستفادة في هذا المجال مما قاله المدير العام الاسبق للامن العام اللبناني اللواء جميل السيد في تغريدة له على موقع “توتير” حيث كتب “ولا أي قانون إنتخاب من أيّ نوع، يجبرك أَيُّها اللبناني أن تصوّت لغير من ترغب! أنت بتختار بين الآدمي والأزعر، المسؤولية عليك ما تلوم غيرك ..”.
المصدر: موقع المنار