يصل الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند السبت الى لبنان، في اطار جولة شرق أوسطية يزور خلالها مصر والأردن. الزيارة الثانية للرئيس الفرنسي الى لبنان تبدوا مختلفة هذه المرّة في ظل التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة سياسيا وأمنيا، إضافة الى الظروف التي يعيشها لبنان في ظل غياب رئيس للجمهورية وعدم القدرة على انتخاب رئيس جديد حتى الساعة.
أجواء السياسة والاعلام في بيروت لا تشي بأن الضيف يحمل الكثير، خاصة وأنَّ الزيارة تأتي بعد تراجع كبير في الدور الفرنسي على صعيد المنطقة ولبنان. وتجلى هذا التراجع فيما خص لبنان بالعجز عن التأثير في إنتخاب رئيس للجمهورية، وتظهر ذلك عبر محاولات توسط ومقترحات حلول باءت بالفشل. وظهر التراجع الفرنسي على صعيد المنطقة جليّاً من خلال التعاطي مع الأزمة السورية، إذ شكّل فشل الخيارات الفرنسية مزيدا من إنحسار الدور، فكانت باريس شبه وحيدة في انتقادها للإنتخابات التشريعية السورية التي اقيمت قبل ايام قليلة، كما انّ الإيليزيه لم يتمكن من منع عدد كبير من البرلمانيين الفرنسيين من زيارة سوريا أكثر من مرة خلال الفترة الماضية ولقاء الرئيس السوري بشار الاسد وعدد من المسؤولين في دمشق.
لم تنجح فرنسا منذ خمس سنوات بفرض خياراتها في المنطقة وخاصة في سوريا، بعد دعمها خيار رحيل الرئيس السوري، فدعمت الارهاب بشكل مباشر وغير مباشر وهو ما اثّر عليها سلبا وادى الى تراجع دورها وفقدان عاصمتها صفة الوسطية، فلم تعد محجاً للسياسيين اللاجئين من اجل حلّ مشكلاتهم، أو الطمع من أجل طلب مقعد هنا وكرسي هناك تمنحهم إياه باريس. وجائت التفجيرات في اوروبا “باريس وبروكسيل” كدليل على تراكم الأخطاء في سياسة باريس الخارجية، وهو ما زاد من عزلتها السياسية بشكل أكبر، ففقدت تأثيرها على الدول واللاعبين في المنطقة، وأصبح الأهم بالنسبة لها لملمة مشكلاتها الداخلية من الامن الى السياسة، والاستحقاقات الانتخابية الداخلية.
في هكذا ظروف يصل الرئيس الفرنسي الى بيروت، فيصح عندها التساؤل حول الأهداف التي تحملها هذه الزيارة؟ وهل سيكون الرئيس الفرنسي قادرا على تقديم اكثر من مجرد النصح بضرورة إنتخاب رئيس للجمهورية بأسرع وقت ممكن، او تطمين اللبنانيين انهم في دائرة الاهتمام الفرنسي عبر عبارات الود؟
وهل تصح التوقعات بأن يحتل ملف المهاجرين موقع الصدارة في جدول أعمال هولاند في لبنان وحتى في الاردن، بالنظر الى الاهمية القصوى التي يوليها الاوروبيون عموما لهذا الملف، وما يرافق ذلك من طرح دائم لمشاريع التوطين؟ وهو ما ظهر واضحا في زيارة الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى لبنان والاردن قبل اسابيع، حيث طالب بتوطين مئات آلاف اللاجئين، وجعل عودتهم الى سوريا اختيارية، وهو ما طرحته أيضا مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني خلال زيارتها الى المنطقة.
يصل الرئيس الفرنسي الى لبنان وسط كلّ هذه الاجواء الملبدة، ومن المقرر أن يلتقي عددا من الشخصيات بينهم رئيس الحكومة تمام سلام إضافة الى مرجعيات دينية واجتماعية للإستماع منهم وتبادل وجهات النظر، فالمشكلات كبيرة والهواجس أكبر، ولكن هل للرئيس الفرنسي قدرة على حلحلة بعضها؟ أم ان الزيارة ستكون مجرد محطة علاقات عامة في جولة شرق أوسطية؟