ما هي الأهداف المخفية للإدارة الأمريكية في مطار بيروت؟ – موقع قناة المنار – لبنان
المجموعة اللبنانية للإعلام
قناة المنار

ما هي الأهداف المخفية للإدارة الأمريكية في مطار بيروت؟

مطار بيروت
حنين الموسوي

تختلف الحُجج والذرائع التي تسوقها الإمبراطوريات لتوسيع وتعزيز نفوذها، لكن الهدف يبقى واحدًا: المزيد من التحكم بمفاصل العالم. ما يحدث اليوم في مطار بيروت ليس بالأمر الجديد. لطالما كانت للولايات المتحدة الأمريكية مطامع في لبنان، ومن البديهي أن أي دولة تسعى إلى توسيع نفوذها يكون مدخلها الأساسي عبر المرافق والمطارات الحيوية في تلك الدولة.

فالطائرة الإيرانية التي مُنعت من الهبوط في مطار بيروت، بفعل البلطجة والتهديدات الأمريكية، مُنعت لهدف واحد أراد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيصاله، وهو أن “الأمر لي”. إنها الإدارة الأمريكية وأحلامها بالسيطرة على العالم، تارةً بتهجير الفلسطينيين، وأخرى بتوسيع الكيان الإسرائيلي، أو حتى بالتهديد بضم كندا إلى بلاده، واليوم نشهد ملامح مساعيه لتوسيع نفوذه في لبنان.

تعود المطامع الأمريكية في لبنان إلى أهمية موقعه الجغرافي الاستراتيجي في منطقة شرق المتوسط، وذلك ارتباطًا بموقعه العام في المنطقة. وفي هذا السياق، قال الكاتب والباحث السياسي علي مراد لموقع المنار: “من الناحية الجيوسياسية، ترى الولايات المتحدة الأمريكية أن السيطرة على الجزء الشمالي من منطقة غرب آسيا، بالإضافة إلى الجزء الجنوبي، ولا سيما دول الخليج، تُعدّ مسألةً جوهرية في ظل الصراع مع القوى المنافسة، كما كان الحال قبل عقود عندما كان الاتحاد السوفيتي قائمًا”.

وأضاف أنه منذ خمسينيات القرن الماضي، وتحديدًا خلال عهد الرئيس كميل شمعون، كان التوجه الأمريكي واضحًا، حيث طلب شمعون دعمًا أمريكيًا، مما أدى إلى تنفيذ “مبدأ أيزنهاور”، ورست القوات البحرية الأمريكية آنذاك على شواطئ بيروت. وكان اهتمامها منصبًا على مطار بيروت، إذ إنه عند السعي إلى تحقيق النفوذ في بلد معين، يكون المدخل الأساسي عبر المنافذ الاستراتيجية لذلك البلد، مثل المرافق العامة والمطارات.

وأشار مراد إلى أنَّ الولايات المتحدة تسعى إلى جعل المطارات عنصرًا محوريًا في تعزيز نفوذها خلال المرحلة المقبلة، إذ ستكون السفارة الأمريكية في بيروت مركز عمليات إقليميًا، ما يستوجب سرعة في التنقل والوصول، مما يجعل المطارات عنصرًا أساسيًا في هذا التوجه. ونظرًا إلى أن مطار بيروت هو المطار الدولي الوحيد في لبنان، فقد كان دائمًا محطةً رئيسية ضمن المساعي الأمريكية لتعزيز سيطرتها على البلاد.

مطار رياق

سعت الولايات المتحدة إلى توسيع نفوذها في لبنان من خلال إعادة تفعيل بعض المطارات، مثل مطار رياق، الذي كان سابقًا قاعدةً عسكريةً للجيش اللبناني، لكنه اليوم يشهد تواجدًا عسكريًا أمريكيًا وبريطانيًا مقلقًا، نظرًا إلى موقعه الاستراتيجي في قلب سهل البقاع.

تجدر الإشارة إلى أن مطار رياق تم افتتاحه رسميًا كقاعدة جوية عسكرية تابعة للجيش اللبناني في عام 2011، بعدما عُدَّ على مدى السنوات السابقة مطارًا جويًا. وقد شهد المطار قبيل افتتاحه كقاعدة عسكرية عدة أعمال توسعة، جرت كلها بتمويل وإشراف مباشر من قبل السفارة الأمريكية، ما يعكس مدى اهتمامها به.

ومؤخرًا، شهدت القاعدة المذكورة أعمال توسعة إضافية، بدأت في عام 2019، وانتهت هذا العام (2023)، حيث أُضيفت إليها المزيد من الهنغارات ذات السعة الكبيرة، وزُوّدت برادارات وأجهزة مراقبة حديثة.

وتشير تقارير الجيش اللبناني المنشورة على موقعه الرسمي إلى رحلات قامت بها طائرات عسكرية إلى القاعدة، من بينها رحلة قامت بها طائرة C-130 في عام 2011 (الموقع الرسمي للجيش اللبناني، العدد 318 – كانون الأول 2011).

كما يُذكر أن الجيش اللبناني أشار إلى الدور الذي لعبته القاعدة في دك أوكار الجماعات المسلحة خلال معركة الجرود، حيث كان لها، وفق تقرير منشور على موقع الجيش بتاريخ آذار 2015 (العدد 357)، الدور الأبرز في إضعاف دفاعات تلك الجماعات وتحصيناتها.

مطار القليعات

أما مطار القليعات، فرغم قربه من الساحل، فقد استخدمه الأمريكيون كقاعدة لوجستية لطائرات الهليكوبتر، وذلك لربط سفارتهم في عوكر بالقواعد الأمريكية في قبرص واليونان وبقية المنطقة. وفي هذا السياق، قال مراد إنَّ المشروع الأمريكي الجديد، المتمثل في تأسيس أكبر سفارة أمريكية في شرق المتوسط، بل وثاني أكبر سفارة أمريكية في العالم، سيكون في بيروت، ما يشير إلى الأهمية الاستراتيجية للبنان في المخططات الأمريكية.

وأردف أنَّ هناك خطأ في التسمية، فالمطار القريب من عوكر هو مطار حامات وليس مطار القليعات. أما مطار القليعات، فهو قريب من سوريا، وهذا ما يجعله موقعًا استراتيجيًا مهمًا بالقرب من القواعد الروسية. وتماشيًا مع التوجهات المستقبلية، فمن المتوقع أن تبقى القاعدتان الجوية والبحرية الروسيتان في طرطوس واللاذقية، مما يعزز الأهمية الاستراتيجية لمطار القليعات بالنسبة للأمريكيين.

وأضاف أنَّ هناك توجهًا أمريكيًا لإنشاء منشأة في مطار القليعات لتسهيل عمليات إدخال المعدات والموارد اللازمة لدعم حلفائها في لبنان. وبالنظر إلى إمكانية قيام الولايات المتحدة بتسليح جماعات أو أحزاب لبنانية، اعتبر مراد أنَّ مطار بيروت، نظرًا لقربه من الضاحية الجنوبية، يُعدُّ خيارًا غير مريح بالنسبة لهم، بالإضافة إلى أنه يحمل ذكرى سيئة للأمريكيين بسبب تفجير المارينز، الذي وقع بالقرب من مبنى المطار.

إنَّ مطارات لبنان الصغيرة بحجمها والكبيرة بتأثيرها تشبه إلى حد بعيد حال لبنان الصغير بحجمه، الكبير بتأثيره. لذا، لا ينبغي لأحد أن يتوهم بأن أعمال التوسعة التي شهدتها السفارة الأمريكية في عوكر مؤخرًا، والتي جعلت اللبنانيين يستذكرون سطوة مقار المارينز في ثمانينيات القرن الماضي، لا تهدف إلى الإطباق على المقاومة، أو في الحد الأدنى إلى ممارسة نفوذ وضغوط على الجهات الرسمية اللبنانية مستقبلًا، لدفعها إلى الضغط على المقاومة والحد من حرية حركتها، بحجة تفادي العقوبات الأمريكية المالية والسياسية.

اعتداء العدو الإسرائيلي عام 1968 على مطار بيروت

في عام 1968، نفذت وحدات خاصة تابعة للعدو الإسرائيلي إحدى أكبر العمليات العنيفة المبكرة، حيث قامت بمهاجمة مطار بيروت وتدمير أكثر من نصف الأسطول الجوي المدني اللبناني. أُطلق على تلك العملية، التي استغرقت حوالي 15 دقيقة، اسم “دار”، ولم تواجه قوات الإنزال الخاصة الإسرائيلية أي مقاومة.

تلك العملية، التي استهدف خلالها الجيش الإسرائيلي هدفًا مدنيًا، كانت ردَّ فعلٍ مدويًا وعنيفًا على قيام مقاومين فلسطينيين تابعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في 22 تموز/يوليو 1968، باختطاف طائرة ركاب مدنية إسرائيلية تابعة لشركة “العال”، كانت في رحلة من روما إلى تل أبيب، وإجبار طاقمها على التوجه إلى الجزائر والهبوط في عاصمتها.

بعد هبوط الطائرة المختطفة في الجزائر، تم إطلاق سراح ركابها، باستثناء 35 إسرائيليًا.

شارك في تلك العملية الإسرائيلية الكبيرة، التي أثارت ردود فعل دولية غاضبة آنذاك، كلٌّ من سرية استطلاع لواء المظلات “سايريت تسانخانيم” و”سيريت ماتكال”، وهي وحدة رئيسة خاصة بالاستطلاع في الجيش الإسرائيلي. وكان مقر هذه القوة، المكلفة بتنفيذ الهجوم على مطار بيروت، في قاعدة “رمات ديفيد” الجوية، جنوب شرق حيفا، فيما تم تعيين العميد رافائيل إيتان قائدًا لها.

وفقًا لخطة الهجوم، جرى تقسيم منطقة مطار بيروت إلى ثلاثة قطاعات، في كل منها كان من المقرر أن تعمل مفرزة تتألف من 20 إلى 22 شخصًا. وكانت مهمة القوات الخاصة إلحاق أكبر قدر من الضرر بشركات الطيران العربية، مع تجنب إلحاق أضرار بطائرات شركات الطيران الأخرى.

في تلك العملية، شاركت 15 طائرة مروحية متنوعة، منها واحدة من طراز “سا 341 غزال”، وست مروحيات إنزال من طراز “إس إيه 321 سوبر فريلون”، وثماني مروحيات من طراز “بيل”. علاوة على ذلك، شاركت في العملية ست طائرات حربية نفاثة من طراز “إيه-4 سكاي هوك”، وأربع مقاتلات “فوتور”، وست طائرات مساندة (أربع من طراز “نورد” واثنتان من طراز “بوينغ”). كما استخدمت أربع قوارب صاروخية من فئة “سار”، واثنان من قوارب الطوربيد، بالإضافة إلى العديد من قوارب الإنزال الآلية للطوارئ، تحسبًا للحاجة إلى إخلاء المظليين من الساحل أو إنقاذ طواقم وركاب المروحيات من البحر.

في يوم 28 كانون الأول/ديسمبر، انطلقت مروحيات “سوبر فريلون” محملة بمجموعة من قوات الإنزال الخاصة. وبعد 40 دقيقة، وصلت إلى الهدف وبدأت عملية الإنزال. تم تشكيل حاجز من الدخان لحجب الرؤية في مطار بيروت بواسطة مروحيات أخرى، كما تم إلقاء مسامير على الطريق المؤدي إلى المطار لعرقلة حركة المرور. إضافة إلى ذلك، أُطلقت نيران تحذيرية عدة مرات من المروحيات على سيارات كانت تحاول دخول المطار.

انتهت عملية الإغارة والإنزال الجوي بتدمير أكثر من نصف الأسطول الجوي المدني اللبناني، حيث دُمرت 13 طائرة ركاب. كما قام المظليون الإسرائيليون بتعطيل سيارات الإطفاء في المطار، وتعرضت شاحنة تابعة للجيش اللبناني لأضرار إثر استهدافها بنيران مروحية إسرائيلية.

في المحصلة، لم تكن سوى حجج وذرائع وادعاءات… إنه المشروع الأميركي الجديد، فهل يصبح لبنان أداة لتحقيق أحلام الإدارة الأميركية؟

المصدر: موقع المنار