بعدَ مرورِ عامٍ كاملٍ على إعلانِ صنعاءَ عن دخولِ “معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس” إسنادًا للشعب الفلسطيني، وعلى كُـلِّ موازين الردع والمكاسب والقدرات، يقفُ المعسكرُ الصهيوني الغربي الذي تحَرّك بكل ما يملكُ من قوة ونفوذ لقمع جبهة الإسناد اليمنية خالي الوفاض ومفلسًا من أية إنجازات قريبة ولو بشكل جزئي من أهدافه المعلَنة.
وتحيط به اعترافات وشهادات صريحة بالفشل الذريع، سواء في رفع الحصار البحري اليمني على كيان العدوّ، أَو في التأثير على الترسانة اليمنية وعلى قرار القيادة الوطنية، التي تقف على الجهة المقابلة برصيد كبير من الإنجازات غير المسبوقة والكاسرة للمألوف، متحديةً رغبةَ العدوّ وشركائه الإقليميين والدوليين في الاندفاع إلى تصعيد جديدٍ؛ للالتفاف على هزيمتهم التي لم يعد هناك حتى إمْكَانية للتغطية عليها إعلاميًّا فضلًا عن التعافي منها!
في تقرير جديد نشره يوم الجمعة، قال موقعُ “إنرجي إنتلجنس” الأمريكي المتخصص في معلومات الطاقة: إن هجمات قاذفات “بي-2” الشبحية الأمريكية على اليمن لم تؤثر على العمليات اليمنية، سواء على الجبهة البحرية أَو على الأراضي الفلسطينية المحتلّة، بل إنها تصاعدت خلال شهر أُكتوبر المنصرم.
ونقل التقرير عن جاكوب لارسن، رئيس الأمن البحري في منظمة الشحن “بيمكو” قوله: إن أقساط التأمين على السفن المعرَّضة للاستهداف قد تواصل الارتفاع، مُضيفاً أنه “في حال تطبيع الوضع الحالي؛ فَــإنَّ السفن التي تستوفي شروطَ الحوثيين ستكون أكثر تنافسية مقارنة بالبقية” في إشارة إلى السفن التي لا علاقة لها بكيان العدوّ وأمريكا وبريطانيا ولا تتبع شركاتٍ منتهكةً لقرار الحظر، وفي المقابل أكّـد أن “هذا سيؤثر على أصحاب السفن المرتبطة بإسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة”.
ويعتبر هذا التصريحُ شهادةً جديدةً على ثبات نجاح القوات المسلحة اليمنية في السيطرة بشكل تام وغير مسبوق على مجريات الوضع في منطقة العمليات البحرية الواسعة، وهي شهادةٌ تأتي عقب عام كامل من مساعي الغرب بقيادة الولايات المتحدة لإنهاء العمليات اليمنية، من خلال حشد الأساطيل البحرية وشن الضربات العدوانية على اليمن والضغوط السياسية والاقتصادية؛ وهو ما يعكس فشلًا ذريعًا ليس من السهل تجاهُلُه.
هذا أَيْـضًا ما أكّـده “العديدُ من المحللين” الذين نقل عنهم الموقعُ الأمريكي قولهم: إن العمليات اليمنية “ستستمر على الرغم من الضربات الجوية التي تشنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسرائيل”.
وفي هذا السياق نقل التقريرُ عن دينا عرقجي، المحللة في شركة “كنترول ريسكس” للمخاطر الأمنية، قولها: إن القوات المسلحة اليمنية “أصبحت على مدى ما يقرب من عشر سنوات أكثرَ قدرة على الصمود في وجه القصف والغارات الجوية من القوات الأجنبية، وتعلَّمت البقاءَ على قيد الحياة وإعادة التجمع خلال الحملات الجوية المُستمرّة التي شنها التحالُفُ بقيادة السعوديّة من عام 2015 إلى عام 2022”.
كما نقل التقرير عن مارتن كيلي، كبير المحللين لشؤون الشرق الأوسط في شركة استشارات المخاطر البحرية “إي أَو إس ريسك جروب” قوله: إنه “خلالَ الحرب مع التحالف الذي تقوده السعوديّة، كان الحوثيون يتمكّنون من الرد على الغارات في غضون بضع ساعات في بعض الأحيان، حتى بعدَ عدد كبير من الضربات الجوية للتحالف” حسب وصفه، مُضيفاً أن القوات اليمنية “سريعة الحركة أَيْـضًا، حَيثُ إن منصات إطلاق الصواريخ المضادة للسفن والطائرات بدون طيار متحَرّكة ويمكن نقلُها بسهولة خارج نطاق رؤية الهدف قبل إرسال أية طائرة عسكرية”.
وأشَارَ إلى أن الهجوم الذي شنته الولايات المتحدة الشهر الماضي بقاذفة “بي-2” الشبحية، لم يكن له تأثير.
وسلَّط التقريرُ الضوءَ على الغواصة المسيَّرة “القارعة” التي كشفت عنها القوات المسلحة اليمنية قبل أَيَّـام، ونقل عن المحلل مارتن كيلي قوله إن: “اكتشافَ هذه الغواصات تحت الماء والدفاع ضدها أصعبُ بكثير” مُشيرًا إلى أن هذه الغواصة “يمكن أن تحمل رأسًا حربيًّا يزن 40 كيلوغرامًا؛ مما قد يتسبب في فقدان السفن للطاقة إذَا ضُربت من الخلف”.
وَأَضَـافَ أن اليمنيين “لديهم قدرات محلية خَاصَّة بهم، حَيثُ يمكنهم صُنعُ طائرات بدون طيار وصواريخ داخل اليمن ومواصلة مهاجمة السفن”.
ونقل التقرير عن أران كينيدي، الباحث في مركز “كنترول ريسكس” قوله: إن “مركبةً غيرَ مأهولة تحت الماء، إذَا تم نشرُها على نطاق واسع، ستثبت تطورًا كَبيراً آخرَ في تكتيكات الحوثيين” حسب وصفه، لافتًا إلى أنه سيكون من الصعب على أية مهمة بحرية تقليدية أن تحمي أية سفينة من “هجوم مزدوج بالغواصة والطائرات المسيرة”.
هذه الشهادات من الخبراء والمتخصصين في الغرب تصدّق على عام كامل من الفشل الأمريكي الأُورُوبي والصهيوني في الحد من عمليات جبهة الإسناد اليمنية، وهو فشلٌ يتجاوز حدود زمان ومنطقة العمليات والمواجهات ويعبُرُ التأريخ صانعًا متغيراتٍ جيوسياسية جديدة ثابتة؛ إذ لم يعد بالإمْكَان أن تعودَ موازينُ الهيمنة البحرية إلى سابقة عهدها في المنطقة بعد أن استطاعت القوات المسلحة أن تفرضَ سيطرةً غيرَ مسبوقة تمكّنت فيها من تحييد الأساطيل الغربية وفرض كامل شروط قرار الحظر على حركة الملاحة في المنطقة؛ الأمر الذي يجعل هذا الفشل يرقى إلى مستوى “هزيمة” بحسب وصف صحيفة “تلغراف” البريطانية التي قالت في تقريرٍ جديدٍ يوم الخميس الماضي: إن ما يحدث في البحر الأحمر “يشكّل إحراجًا لحلف شمال الأطلسي في الوقت الحالي”.
وأشَارَت الصحيفة إلى أن اليمنَ “كشف عن عقود من نقص الموارد للقوات البحرية الغربية، وهو ما تفاقم بسَببِ الاستراتيجية الخاطئة، وتضاعف بسَببِ عدم القدرة على تنسيقِ الأنشطة البحرية التشغيلية والتكتيكية الأَسَاسية بين مجموعات مختلفة” لافتة إلى أن روسيا والصين تراقبان هذا الفشلَ في البحر الأحمر.
ولم يقتصر الفشل الغربي في مواجهة جبهة الإسناد اليمنية خلال عام كامل على العجز عن وقف العمليات أَو التأثير على القدرات أَو القرار، بل شمل أَيْـضًا الإخفاق في وقف التأثير الإقليمي المتزايد لهذه الجبهة الفاعلة، حَيثُ قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية نهايةَ الأسبوع الماضي: إن من وصفتهم بالحوثيين تحولوا إلى حركة “عالمية” وإنهم “يتوسَّعون بسرعة في الخارج، ويقيمون روابطَ دولية مع مجموعة من الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط وإفريقيا ومناطقَ بعيدة مثل روسيا، وفقًا لمسؤولين غربيين” حسب ما ذكرت الصحيفة.
ونقل تقرير الصحيفة عن المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، قوله: إن “أحد الامتدادات المؤسفة للصراع في غزة هو أن الحوثيين قد ضاعفوا اتصالاتِهم مع الجهات الفاعلة الأُخرى في المنطقة وخارجها” حسب وصفه، وَأَضَـافَ أن “هذا الاتّجاه بأنه مقلقٌ للغاية” وأن “الولايات المتحدة تتحدث مع شركاءَ إقليميين حول كيفية التعامل مع ذلك”.
ومن خلال كُـلّ هذه الشهادات والتصريحات، يبدو بوضوح أن جبهة الإسناد اليمنية لغزةَ قد استطاعت خلال عام واحد أن تضعَ معسكرَ العدوّ الصهيوني بأكمله في وضع حرج للغاية، فيما يتعلق بالفعل والقدرة على تغيير المعادلات وإحداث التأثير، وهي نتيجةٌ مزعجة وفاضحة للغاية بالنسبة لكل أطراف هذا المعسكر الذي لطالما بنى سُمعتَه على عناوين الهيمنة والردع والحسم العسكري والنفوذ الذي لا يُقهر، حَيثُ انهارت كُـلُّ تلك العناوين وبقي عنوانٌ واحدٌ هو الهزيمة والفشل الذريع الممتد من منطقة العمليات البحرية الواسعة إلى عُمق الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وُصُـولاً إلى آفاق الدبلوماسية والسياسة الإقليمية والدولية.
وفيما يحاول العدوّ البحثَ عن مسارات تصعيد جديدة للالتفاف على هذا الواقع الفاضح، كما يشير تصريحُ ليندركينغ بوضوح؛ فَــإنَّ كُـلّ الاحتمالات والحسابات لا تسير في صالحه، حَيثُ تحتكرُ صنعاء رصيدَ الإنجازات وفرض المعادلات والنجاحات خلال عام كامل من المواجهة، كما أكّـد قائدُ أنصار الله السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي نهاية الأسبوع الماضي الاستعدادَ الكاملَ لمواجهة أي مستوى من التصعيد؛ وهو ما يعني امتلاكَ زمام الجاهزية العملية المسبقة أَيْـضًا.
المصدر: المسيرة نت