يستعجل بعضنا في إطلاق أحكام نهائية على الحرب المزمنة والمركبة الدائرة بين أطراف محور المقاومة من جهة وبين المحور الصهيوني ــ الأمريكي ــ الأطلسي ومن يدور في فلكه من جهة أخرى، ويبدو أنه يحلو لبعض الأقلام التبشير أو التحذير من هزيمة حتمية ستنتقل بالعدوى تباعاً لتشمل كل أطراف محور المقاومة لأن أمريكا تقف بكل ثقلها في الطرف المقابل، ولا طاقة لأحد بمواجهة تلك الأمريكا، في حين تذهب أقلام أخرى للحديث عن نصر ناجز وسريع تتبلور معالمه بخروج كلي للولايات المتحدة الأمريكية من كامل منطقة الشرق الأوسط بإذلال، بالتزامن مع تذويب الكيان السرطاني الصهيوني وكأن شيئاً لم يكن، أو كأن الأمر بالمستطاع فعله.
لكن محور المقاومة يتردد في إنجاز ذلك، وما بين هذا وذاك تذهب وجهات نظر أخرى إلى الاكتفاء بالندب وجلد الذات وتحميل مراكز القرار المقاوم المسؤولية عن كل ما حصل من تدمير وقتل وكوارث، وكأن تل أبيب بحاجة إلى ذرائع لتعميم إجرامها ومجازرها عندما تستطيع فعل ذلك، أو كأن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تعنيها القيم الإنسانية وأعراف المجتمع الدولي وقوانينه إلا بما يخدم أجندتها الذاتية بتسخير العالم كله لخدمة مصالح بلاد العم سام وما تبقى تفاصيل.
باختصار شديد يمكن القول: أية استنتاجات أو تحليلات تستند إلى رؤية آنية مجتزأة لا يمكن أن تقنع العقل، ولا أن تساهم في إيجاد ما يخفف الوجع، أو يقلل الخسائر، أو يقدم رؤى ومقترحات يمكن الاستفادة منها وتصلح للبناء عليها، فالقراءات ووجهات النظر والرؤى التحليلية تخرج عن سكة الوصول إلى الهدف مسبقاً طالما أنها تنطلق من الأمنيات العاطفية والرغبات ـــ وإن كانت مشروعة ـــ لأن تاريخ الصراعات والحروب مليء بالشواهد والبراهين على أن الحروب المزمنة كلما اقتربت من نهايتها كلما كان وقعها أشد وأوجاعها أكبر ومفرزاتها أكثر سوءاً وكارثية، وهذا هو ديدن الحروب.
فما من حرب في الكون منذ أن عرفت البشرية ظاهرة الحروب بين المكونات المجتمعية المختلفة حتى ما قبل ظهور مفهوم الدولة القومية إلا وخلَّفت القتل والموت والتدمير وتعطيل دورة الحياة الطبيعية، لكن ما لا يجوز نسيانه ولا تناسيه، ولا غيابه عن الذهن أن الأضرار والخسائر في الحروب لا تكون على جانب واحد، بل على الجانبين، وبغير ذلك تحسم قبل أن تتحول من صراع مسلح وحرب تقليدية مؤقتة إلى حرب مزمنة تستمر سنوات وقد تطول أكثر من ذلك، وأي حديث عن نصر أو هزيمة بالمفهوم المطلق يبقى ثرثرة لا يبنى عليها، وهناك محددات أساسية ومؤشرات عامة لا بد من اعتمادها قبل الحديث عن النصر أو الهزيمة، ويمكن باختصار تحديد مجموعة عوامل تلعب دوراً ملحوظاً في رسم معالم الطريق إلى النتيجة النهائية للحروب، فأية حرب مهما اشتدت وتعقدت ستصل يوماً ما إلى نهاية.
من الطبيعي أن يكون لدى الجميع توق مشروع لمعرفة تلك النهاية قبل موعدها، فالفضول ومتعة الانتقال بالذات من واقع أحلام اليقظة والرغبات والأماني إلى الواقع القادم المجهول يجعل الناس عرضة لتجاذبات ورؤى وتحليلات متناقضة، وهنا يأتي دور النخب الفكرية والثقافية والسياسية والإعلامية الوطنية في تقريب المفاهيم القابلة للإدراك، وشرح أبعاد الواقع المتشكل بجميع مدخلاته التي تلعب دوراً أساسياً وفاعلاً في نوعية المخرجات التي تحدد بدورها معالم المحطة الأخيرة في هذه الحرب أو تلك.
من المهم الاتفاق المسبق مع أي قارئ أو محاور أو مخاطب على أهم العوامل الداخلة في حسابات النصر والهزيمة، وبعيداً عن الغوص في العمق الأكاديمي التخصصي ومعادلات حساب القوة الشاملة لأية دولة أو طرف يمكن باختصار الإشارة إلى أهم تلك العوامل التي يمكن تقسيمها إلى جانبين: مادي وبشري، ويدخل في قوام العوامل المادية:
ـــ السلاح والذخائر المتوفرة ونوعيتها وطاقتها التدميرية، وهذا يشمل مختلف صنوف الأسلحة البرية والجوية والبحرية والإلكترونية و … الخ.
ـــ التقدم التقني والمعلوماتي والقدرة على التعامل مع تداعيات الحرب السيبرانيية بشفيها المدني والعسكري.
ـــ المساحة الجغرافية والعمق الإستراتيجي المهم للمناورة بالقوات والوسائط.
ــ التحالفات العسكرية مع أطراف أخرى، ومدى فاعلية هذه التحالفات.
أما ما يتعلق بالجانب البشري فيمكن ذكر الجوانب التالية:
ـــ عديد القوات العاملة والاحتياطية، ومدى كفاءتها لخوض الأعمال القتالية.
ـــ إرادة القتال والروح المعنوية التي تترك تأثيراتها المباشرة على جميع العوامل الأخرى كافة، وهي تشمل الجانبين المدني والعسكري بآن معاً.
ـــ الخبرات القتالية والمهارات الذاتية المتراكمة في خوض الأعمال القتالية بمختلف أنواعها وظروفها المحتملة بما في ذلك غير المتوقع منها.
ــ البيئة الحاضنة للقوات المسلحة ومدى تماسكها وقدرتها على تحمل تكلفة الحرب، والمدة الزمنية التي تستطيع فيها التعايش مع ظروف حرب مفتوحة.
ـــ القيادة الكفوءة ومهاراتها القيادية والإستراتيجية في إدارة البلاد في ظروف الحروب المزمنة.
ـــ الانسجام وتكامل الأداء العسكري والسياسي، والقدرة على التعامل مع المتغيرات التي تفرضها ظروف الحرب مهما كانت معقدة ودراماتيكية.
ـــ مستوى الإمكانية في تعويض الخسائر المحتملة، وبخاصة ما يتعلق بالخسائر البشرية.
ــ الصمود النفسي والثبات الانفعالي، ونظرة العسكريين والمدنيين إلى فلسفة الموت والحياة.
على طاولة التشريح والتحليل
قد يكون هناك عوامل أخرى تتداخل بشكل أو آخر مع العوامل المذكورة، لكن إذا اكتفينا بما تم ذكره، ووضعنا جميع هذه العوامل على طاولة التشريح والتحليل، فالنتيجة النهائية تشير إلى ما يلي:
– غالبية العوامل المادية يتفوق فيها العدو الصهيوني ومن يدعمه، فهو متفوق من حيث نوعية السلاح وكميته والذخائر والطاقة التدميرية لكل منها، لكن أطراف محور المقاومة ليست خالية الوفاض، ولديها ما تستطيع به الدفاع عن نفسها ووجودها، وتستطيع أن تؤلم به العدو بغض النظر عن الفارق الكبير في الكمية والنوعية.
– التفوق الرئيس لصالح العدو متعلق بالقوة الجوية والتفوق التكنولوجي، ومن المسلم به أن التفوق الجوي لا يحقق وحده نصراً، فالعامل الحاسم هو العنصر البشري، وراية النصر ترفع بأكف الرجال، وليس بطائرات “إف 35” أو غيرها، ولا يكون رفعها عبر الشبكة العنكبوتية والإنترنيت، بل ترفع أولاً على الأرض وبعدها تنتقل إلى فضاءات أخرى، أما ما يتعلق بالحرب السيبرانية والتقدم التقني والتكنولوجي فعلى الرغم من رجحان كفة العدو إلا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية قد قطعت أشواطاً لا يستهان بها في هذا المجال، وهناك العديد من العقول النوعية لدى أطراف محور المقاومة، وكل منها قادر على المساهمة ولو المتواضعة في سد الثغرة وجسر الهوة تدريجياً يوماً بعد آخر، وما لدى طهران قد يكون لدى بقية أطراف محور المقاومة، أو أنه جاهز للاستخدام لمصلحة الجميع.
وإذا كان الأعداء لديهم ما لا نملكه اليوم، إلا أننا قد نملكه في المستقبل القريب، لكن لدينا ما لا يملكه الأعداء لا اليوم ولا في المستقبل القريب ولا البعيد، وهو الجانب المعنوي والروحي والإيمان المطلق بأننا أصحاب حق ومستعدون للتضحية في سبيله، واليقين مطلق بالقدرة على بلوغ النصر، لأن المقاومين أعدوا مقوماته ومستلزماته، وجاهزون لدفع مهره وضريبته مهما ارتفعت، وحق على الله نصر المؤمنين.
– ما يتعلق بالمساحة الجغرافية والعمق الإستراتيجي فالكفة ترجح فيه لصالح أطراف محور المقاومة، ومن المهم هنا التذكير بأن قطاع غزة المحاصر منذ عقود، والذي لا تتجاوز مساحته/365كم/ استطاع الصمود في وجه جيش الاحتلال ومن يدعمه، واستطاع أن يسجل نقاطاً مؤلمة انطلاقاً من افتقاد الكيان للعمق الإستراتيجي المطلوب، وهذا ما دفع ترامب للعزف على وتره في حملته الانتخابية عندما أشار إلى أن مساحة “إسرائيل” صغيرة، وأنه سيعمل إذا تم انتخابه رئيساً على توسيع حدود تلك الخارطة.
الأمر الآخر المتعلق بالمساحة الجغرافية والعمق الإستراتيجي يتصل بالواقع القائم، وهو يمنح أطراف محور المقاومة فرادى أو مجتمعين القدرة على جسر الهوة الكبيرة المتعلقة بتفوق الكيان بالسلاح ووسائط الصراع، ومهما كانت كثافة النيران التي تستهدف داخل الكيان متدنية إلا أنها تترك تأثيراتها الواضحة لأن العدو يفتقر إلى العمق الإستراتيجي المطلوب.
– موضوع التحالفات والدعم الخارجي تميل كفته لصالح العدو، ويعوض بعض الخلل الكبير في ذلك ما اجترحته إستراتيجية المقاومة باعتماد مبدأ وحدة الساحات وتكامل الجبهات.
إذا انتقلنا إلى العوامل المتعلقة بالجانب البشري يتضح لنا العديد من المؤشرات التي ترجح فيها كفة محور المقاومة، وبمستويات تجعل من التفوق المادي بالقوى والوسائط عاملاً غير حاسم في النتيجة النهائية لهذا الفصل من فصول الحرب الدائرة.
وهنا يمكن تسجيل ما يلي
– بغض النظر عن أن غالبية التجمع الاستيطاني الإسرائيلي يحمل السلاح، والجميع ذكوراً ونساء يخضعون للتجنيد والدعوات الاحتياطية إلا أن العدد الذي يمكن زجه في القتال يبقى أقل بكثير مما لدى محور المقاومة، ويعمل الكيان على تجاوز هذا الخلل من خلال محاولة الاستفراد بكل جبهة على حدة، فالجهد الرئيس كان مركزاً للقضاء على المقاومة في غزة على امتداد قرابة عام، وهنا تظهر أهمية جبهات الإسناد التي دخلت مسرح العمليات، وبخاصة حزب الله الذي كان جزءاً منذ اليوم التالي لطوفان الأقصى، أي منذ الثامن من تشرين الأول 2024 وحتى اللحظة الراهنة،، ولا شك أن تخصيص قرابة ثلث الجيش الإسرائيلي للتعامل مع الجبهة الشمالية أي جنوب لبنان قد خفف الكثير من الضغوط عن غزة، بغض النظر عن حجم الإجرام الذي ارتكبته وما تزال قوات الاحتلال منذ عام كامل.
– موضوع كفاءة القوات العاملة: واقع الحال يقول إن الجيش الإسرائيلي لم يخض أعمالاً قتالية حقيقية منذ نهاية حرب تموز وآب 2006م. بل اقتصر دوره على ملاحقة الفلسطينيين في الداخل وحملات المداهمة والاعتقال والقتل الممنهج من دون تكلفة تذكر، أي أن المهارات القتالية الفعلية التي اكتسبها وأضافها جيشه إلى سجله تكاد تكون صفرية، وعلى النقيض من ذلك يظهر رجال حزب الله اليوم وهم يخوضون معاركهم بخبرات ميدانية وقتالية لا نظير لها بعد السنوات التي كانوا فيها جزءاً مهماً وفاعلاً في الحرب الإرهابية التكفيرية التي فرضت على سورية منذ آذار 2011م. وما اكتسبه مقاتلو حزب الله من مهارات قتالية وخبرات كفيلة بمنحهم تفوقاً جوهرياً ونوعياً وغير قابل لأية انزياحات محتملة لا اليوم ولا في المستقبل.
• ما يتعلق بإرادة القتال والروح المعنوية يمكن القول بيقين كبير إن جيشاً لديه ما لدى الجيش الإسرائيلي من إمكانيات وسلاح ودعم لامحدود بمختلف أشكاله، ويعجز بعد مضي عام كامل في غزة عن تحقيق أية أهداف أساسية تم الإعلان عنها، فهذا الجيش يفتقد إرادة القتال، ولديه مشكلة كبرى متعلقة بالروح المعنوية، فالروح المعنوية هي التي تقاتل، وليس السلاح الفتاك مهما كانت طاقته التدميرية هائلة، والجندي الذي يسحب من داخل دبابته هو جندي غير مؤهل للمشاركة في أية أعمال قتالية حقيقية.
– ما يتعلق بالبيئة الحاضنة للقوات المسلحة، فالداخل الإسرائيلي وعلى الرغم من عدوانيته وعنصريته التي فاقت كل عنصرية في التاريخ البشري، إلا أن الدلائل الدامغة تثبت أنه داخل هش، ولم يعد له ثقة بقدرة الجيش على حمايته، ومن يفقد الثقة بجيشه لا يمكن أن يكون بيئة صالحة لدعم ذاك الجيش، ومن يتابع صراخ المستوطنين وخوفهم من سماع صفارات الإنذار يدرك كم هو حجم الهزيمة الداخلية المعششة في أعماق المستوطنين، وكذلك الأمر فيما يتعلق بالهتافات والصيحات التي تطلق في التظاهرات المطالبة بإسقاط حكومة نتنياهو، أو تلك التصريحات التي يطلقها المستوطنون الفارون من مستوطناتهم والرافضون العودة إليها إلا بظروف آمنة، وهذا خارج طاقة نتنياهو وقواته وآلة القتل والتدمير وسفك الدماء التي يمتلكها جيش الاحتلال وسلطاته الأخرى.
– من يتابع ما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلي، وما تعج به صفحات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية الإخبارية والمجتمعية يدرك مدى الهوة التي تزداد اتساعاً بين القيادة العسكرية ومرؤوسيها من جهة، وبين القيادة العسكرية والسياسية من جهة أخرى، وبين المستوطنين والقيادتين السياسية والعسكرية من جهة ثالثة، وعندما يتحول رفض تنفيذ الدعوات الاحتياطية إلى ظاهرة، وتتحول الهجرة العكسية إلى ظاهرة متفاقمة عندها يتضح لمن يريد قراءة الحقيقة، مدى خطورة الوضع المتشرذم والمنقسم والمأزوم في الداخل الإسرائيلي.
– موضوع الثقة بالقيادة السياسية ومدى كفاءتها في إدارة الحرب وتداعياتها، فهناك شبه إجماع في الداخل الإسرائيلي بأن القيادة الحالية مسؤولة بشكل مباشر عن كل الإخفاقات والفشل الذريع المتنامي منذ انطلاق الموجة الأولى لطوفان الأقصى، والعديد من الشخصيات الرسمية والنخب الفكرية والسياسية والمجتمعية والمسؤولين الحاليين والسابقين يؤكدون أنه كان على نتنياهو وكل حكومته والقيادة العسكرية أن تتنحى بعد طوفان الأقصى، وتغص وسائل الإعلام الإسرائيلي بدعوات من شخصيات رفيعة بمن فيهم رؤساء وزراء ووزراء ورؤساء أركان وأجهزة أمنية سابقين يجمعون على أن نتنياهو يقود الكيان إلى الهاوية، ويختصر الزمن للوصول إلى الخراب الثالث، والجميع يؤكد أن نتنياهو يقدم مصلحته الشخصية ومصالح فريق عمله على مصالح الكيان، وهذا يفرز أخطاراً وجودية تتراكم وتتعاظم مع مرور الوقت.
– الرؤية العامة التي يشكلها أي متابع للداخل الإسرائيلي تؤكد على حالة الخوف والقلق والاضطراب، وغياب الأمن، وفقدان الثقة بالحاضر والمستقبل، وهذا بحد ذاته كفيل بإضافة عامل قوة نوعية إلى ما لدى أطراف محور المقاومة، فشتان بين من يهرب من الموت لأنه على يقين أنها النهاية ويريد الاستمتاع بالدنيا وإشباع رغباته ونزواته الشريرة وأحلامه الشيطانية، وبين من يواجه الموت غير هياب ولا وجل، ويرى في الاستشهاد معراجا للخلود إلى جنان الفردوس مع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
خلاصة
كل ما ذكر ليس أكثر من تسليط الضوء على ضرورة المحاكمة المتزنة لأية تداعيات أفرزتها أوقد تفرزها هذه الحرب المستمرة والمستعرة، فمثل هذه الحروب القاسية والمركبة تقاس بخواتيمها وليس بتداعياتها اليومية، مع أن الكثير من القرائن الدالة تشير إلى أن التداعيات اليومية تصب في صالح محور المقاومة وليس العكس، وهذا لا يقلل من فداحة الخسائر والتكلفة العالية والغالية للوقوف في وجه طواغيت الكون ورأس حربتهم الشريرة المتمثل بالكيان السرطاني اللقيط، وهذه هي طبيعة الحروب وما تخلفه من كوارث وويلات وأزمات متعددة الأشكال والأنواع، وتبقى النتيجة النهائية مرهونة بالإرادة، فالحرب مكاسرة إرادات، وكل ما يستطيع أعداء الله والإنسانية فعله قد فعلوه، وليس لديهم ما يؤلمون به المقاومة وجمهورها أكثر، في حين أن لدى أطراف محور المقاومة الكثير الكثير مما يؤلمون به تل أبيب وداعميها، كما أن قدرة عشاق المقاومة على التحمل والتعايش مع ويلات الحروب أضعاف قدرة المحور المعادي.
وكل المعطيات تشير إلى أن الحرب المفتوحة قد دخلت مرحلة اللاعودة منذ مجزرتي تفجير أجهزة البيجر وبعض الأجهزة اللاسلكية في لبنان، وما تلاها من جرائم يندى لها جبين الإنسانية في العديد من المناطق اللبنانية، وكان أشدها في الضاحية الجنوبية واستشهاد قائد المقاومة وسيد شهداء العصر سماحة السيد حسن نصر الله رضوان الله عليه، ومن يتابع مجريات المواجهات البرية على امتداد الحدود، ووقوف جيش الاحتلال عاجزاً عن أي تقدم بري بالرغم من القصف الوحشي على مدار الساعة يدرك بأن رجال الله المزروعين في تراب الجنوب ومع صخوره وأشجاره لا يمكن للنصر إلا أن يكون معقوداً براياتهم، وإذا كان هناك من تساوره الظنون بأن استشهاد سماحة السيد وعدد من قادة المقاومة قد يضعف حزب الله فهذا مشتبه ومأفون، لأن حقد المجاهدين المقاومين على العدو ومن يدعمه تضاعف عشرات المرات، وحمل دم الشهداء أمانة في أعناق الجميع، فكيف بخير من أدى الأمانة وصان الرسالة وأوفى بالعهد والوعد، ولسان حال المقاومين قال كلمته بوضوح في الرسالة التي وجهها المجاهدون لروح سماحة الشهيد القائد نصر الله رضوان الله عليه: “كما كنت تعدنا بالنصر دائما نعدك بالنصر مجدداً”.
المصدر: موقع المنار