تناولت الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الثلاثاء 6-8-2024 سلسلة من الملفات المحلية والاقليمية والدولية.
الاخبار:
إيران تثبّت روايتها… وتكثّف مشاوراتها: «العقوبة القاسية» حتميّة
طهران | تمرّ ستة أيام على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في طهران، فيما تذهب التكهنات المختلفة نحو كيفية الردّ الإيراني علی هذا الاغتیال، الذي تراه الجمهورية الإسلامية انتهاکاً لسیادتها، وتتواصل، في الوقت نفسه، المشاورات الديبلوماسية لمنع تصاعد التوتّر. ووسط تكهنات في شأن الردّ الإيراني، توجّه أمين مجلس الأمن القومي الروسي، سيرغي شويغو، أمس، إلى طهران، حيث التقى بشكل منفصل كلّاً من الرئيس مسعود برشکیان، وأمين مجلس الأمن القومي علي أكبر أحمديان، ورئيس الأركان العامة للقوات المسلحة محمد باقري. وتقول إيران إنها دعت المسؤول الأمني الروسي الرفيع المستوى إلى طهران، لمناقشة القضايا الإقليمية والدولية والعلاقات الثنائية.في هذه الأثناء، وفي زيارة نادرة، وصل وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، الأحد، إلى طهران، حيث التقى الرئیس الإیراني، ووزير الخارجية بالوكالة علي باقري، فيما جاءت الزيارة استمراراً للاتصالات الديبلوماسية لمنع مزيد من التصعيد في المنطقة. وأکد الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في مؤتمره الصحافي، أن بلاده «لا تتبادل الرسائل مع الاحتلال، ولا تعترف بمشروعيته»، موضحاً أن زيارة الصفدي تأتي في إطار التشاور الطبيعي بين البلدَين.
جاء ذلك في وقت جدّد فيه قائد «الحرس الثوري» الإيراني، حسين سلامي، أمس، تأكيده أن «الاحتلال الإسرائيلي أخطأ في حساباته باغتيال هنية، وسيتلقّى رداً قاصماً». وفي الأيام الأخيرة أيضاً، أعلن المسؤولون الإيرانيون مراراً وتكراراً أن اغتيال قائد «حماس» في طهران يشكّل انتهاكاً لسلامة أراضي الجمهورية الإسلامية، وأن البلاد لها الحقّ في الدفاع عن نفسها استناداً إلى المادة الـ 51 من ميثاق الأمم المتحدة.
ومع مرور ستة أيام على «الواقعة»، تذهب التكهنات حول كيفية تنفیذ الاغتيال في اتجاهات مختلفة، ما يزيد الأمور تعقيداً. فبينما قال «الحرس الثوري»، منذ الساعات الأولى للحادثة، فجر الأربعاء الماضي، إنه بدأ تحقيقاته، فهو أعلن، في بيان مساء السبت، أن الاغتيال تم «بواسطة إطلاق مقذوف قصير المدى برأس حربي يزن 7 كيلوغرامات، رافقه انفجار هائل». ووفقاً لِما أعلنه، فإن الإطلاق «تمّ من خارج المبنى الذي كان يقيم فيه الضيوف». ولدواعٍ أمنية، كان هنيّة يقيم في أحد مراكز استقبال الضيوف التابعة لـ»الحرس الثوري»، ويدعى «إيثار»، ويقع في حي زعفرانية شمال طهران. وفي ذلك المبنى بالذات، وفي الطبقات الأخرى منه، كان يقيم أعضاء الوفد المرافق لهنية، إلى جانب الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، زياد النخالة. لكن «الحرس» لم يفصح عن كيفية إطلاق «المقذوف» في اتجاه مقرّ إقامة هنية، وما إن كان قد أُطلق بواسطة طائرة مسيّرة، أو شخص ما، أو جهاز إطلاق ذكي تم تركيبه في المناطق المحيطة بالمبنى؟ وقدّم الحرس، في بيانه، إسرائيل باعتبارها المخطّط والمنفّذ لعملية الاغتيال، متهماً أيضاً الولايات المتحدة بدعمها، فيما أكد، في ختام البيان، أن «الثأر» لإسماعيل هنية «حتمي»، وتوعّد بأن «عقوبة قاسية» تنتظر إسرائيل «في الزمان والمكان المناسبَين وبالطريقة الملائمة والحاسمة».
جاءت الرواية الرسمية الإيرانية حول كيفية اغتيال هنية لتناقض السردية التي اعتمدتها بعض وسائل الإعلام الغربية
وقبيل ساعات من صدور بيان «الحرس الثوري»، ذكرت وكالة «تسنيم» التابعة للأخير أن الانفجار نجم عن مقذوف جاء من خارج المبنى. وأضافت: «في هذا الاغتيال، لم يتمّ استخدام العامل الإنساني وزراعة قنبلة، بل استُخدمت التكنولوجيات الإرهابية الحديثة». وفي هذا السياق، قال العضو في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، أحمد بخشايش أردستاني، في حديث إلى موقع «ديده بان (راصد) إيران» الإخباري، إن ثمة «سيناريوَين محتملَين» حول اغتيال إسماعيل هنية: أحدهما يتمثّل في أن «الإسرائيليين استخدموا طائرة مسيّرة صغيرة، أطلقوها من المحطّة الرقم 2 (تله كابين) في جبل توجال (شمال طهران) لتصيب الموقع المنشود»؛ والسيناريو الثاني هو أن «العملاء المندسّين داخل إيران انتشروا في حدود تلك المحطة الرقم 2 في توجال، واستهدفوا مركز الإقامة بسلاح يُشبه الصاروخ».
وجاءت الرواية الرسمية الإيرانية لتناقض السردية التي اعتمدتها بعض وسائل الإعلام الغربية، بما فيها «نيويورك تايمز» و»ديلي تلغراف» و»أكسيوس» و»بلومبرغ» و»سي إن إن» حول الحادثة، والتي نقلت عن مصادر مختلفة، قولها إن «اغتيال هنية كان ناجماً عن انفجار قنبلة زُرعت قبل فترة، في الغرفة التي أقام فيها» رئيس المكتب السياسي لـ»حماس».
ومع ذلك، فان وسائل الإعلام التابعة لـ»الحرس»، بما فيها وكالة أنباء «فارس»، دحضت هذه الرواية، وقالت إن هدف وسائل الإعلام الغربية من الترويج لفكرة زرع عبوة ناسفة هو مساعدة إسرائيل، و»الوقاية من التداعيات» اللاحقة. وبعبارة أخرى، فإن التركيز على زراعة القنبلة كأسلوب لاغتيال هنية، يمكن أن يسهم في التقليل من شأن «العدوان وانتهاك وحدة الأراضي» الذي يبرز عادةً في الهجوم الصاروخي، ويحتوي بالتالي الردّ الإيراني على هذا الاغتيال.
وكانت صحيفة «نيويورك تايمز» قد ذكرت، في تقرير لها، السبت، أنه في أعقاب اغتيال إسماعيل هنية ومرافقه، تم القبض على أكثر من 24 شخصاً، بمن فيهم كبار ضباط الاستخبارات والعسكريين وموظّفي مركز الاستقبال المذكور في طهران». وأضافت الصحيفة، نقلاً عن مصادرها، أن «هذه الاعتقالات على مستويات عليا، تأتي كرد فعل على الثغرات الأمنية الواسعة، والفضيحة التي طاولت المنظومة الأمنية للجمهورية الإسلامية نتيجة مقتل إسماعيل هنية في طهران».
وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «تلغراف» البريطانية عن مسؤولَين حكوميَّين اثنَين في إيران، قولهما إن «الموساد كان وراء الهجوم القاتل على إسماعيل هنية. ولتنفيذ هذه العملية، جنّد اثنين من عملاء الاستخبارات الإيرانية».
وأضافت: «في البداية، كان مقرّراً قتل هنية في شهر أيار الماضي أثناء مشاركته في مراسم تشييع جثمان الرئيس الإيراني السابق، إبراهيم رئيسي، الذي قُتل إثر تحطّم المروحية التي كانت تقلّه. لكن وبسبب الاكتظاظ والاحتمال الكبير لفشل العملية، جرى إلغاء الخطّة». ونقلت الصحيفة عن مصدَرين، قولهما: «عوضاً عن تلك الخطة، كُلّف عميلان للموساد بوضع القنابل في ثلاث غرف في دار الضيافة التابعة للحرس الثوري.
وتُظهر صور كاميرات المراقبة أن العميلين يدخلان عدة غرف ومن ثم يخرجان منها خلال بضع دقائق». وبيّن تقرير «تلغراف» أن هذه القنابل تم تفجيرها من خارج البلاد، وأن «العميلَين غادرا البلاد بعد الانفجار، لكنهما كانا على اتصال مع مصدر محلّي. وقاما في الساعة الثانية من فجر يوم الأربعاء بتفجير العبوات الناسفة من خارج البلاد في الغرفة التي كان يوجد فيها هنية وذلك عن طريق التحكم عن بعد».
كذلك، ذكرت «نيويورك تايمز»، الخميس، أن إسماعيل هنية قُتل بواسطة تفجير عبوة ناسفة معقّدة، كانت قد زُرعت قبل شهرين في مركز الاستقبال التابع لـ»الحرس الثوري» في طهران، «وليس بواسطة الصاروخ الذي تتداوله وسائل الإعلام على نطاق واسع».
ونُشرت رواية غير رسمية أخرى في وسائل الإعلام المختلفة تزعم بأنه تمّ تعقّب هنيّة عن طريق تثبيت تطبيق للرصد والتتبّع على تطبيق «واتسآب» في هاتفه الجوّال، ومن ثم قُتل من خلال اختراق طائرة مُسيّرة تفجيرية لغرفته.
وقالت «نيويورك تايمز»، نقلاً عن سبعة مصادر شرق أوسطية بما فيها مصدران إيرانيان وواحد أميركي، إن «هذه العبوة الناسفة كانت قد نُقلت خفية، قبل نحو شهرين، إلى مبنى الحرس الثوري في طهران».
ردّ محور المقاومة: انتقام وعقاب… وضغط لوقف الحرب على غزة
ابراهيم الأمين
بمجرد إعلان المرجعيات القيادية في إيران واليمن وحزب الله عن حتمية الرد، سقط النقاش حول أصل القرار، وما تبقّى ثرثرة فائضة عن حدّها بشأن الكيفية والنوعية والتوقيت، وهي لزوم ملء الوقت الفاصل عن تنفيذ هذه الردود، أو أقله عن أولها. فيما تكثر التحليلات والتعليقات بما يحجب الصورة عن حقيقة الهدف الفعلي للرد.
الثابتة الأكيدة هي أنه لولا تعقّد عملية العدو في غزة لما اتّجه لتنفيذ عملياته في لبنان وإيران واليمن. ومشكلة العدو مع هذه الأطراف أنها لم تترك غزة وحيدة، وأنها مصرّة على إسناد القطاع وأهله ومقاومته. وإذا كانت عقلية الثأر والعقاب ثابتة في عقيدة العدو، فإن تفعيلها مرتبط بلحظة حساسة، وخدمة لهدف ضروري، ما يعني أن إسرائيل تريد من هذه العمليات استثماراً في حربها المفتوحة على غزة، وتريد – قبل أي شيء – دفع محور المقاومة إلى ترك غزة في عزلة تدفعها إلى الكسر الكامل ورفع الراية البيضاء.
في المقابل، تعي قوى المحور أن دورها في هذه المرحلة هدفه خدمة المقاومة في غزة، وأن الضغط الذي تمارسه جبهات الإسناد يهدف إلى تعقيد مهمة العدو في القطاع، وصولاً إلى دفعه لوقف العدوان بصورة كلية، وبالتالي، منع انكسار المقاومة. وتعرف هذه القوى أنها منذ الساعة الأولى لاتخاذها قرار الإسناد المباشر، باتت معرّضة لدفع أثمان متنوعة، وهي تظهر استعداداً لتحمل هذه الأثمان بدرجة أو بأخرى.
وقد رسمت لنفسها دائرة لا يمكن أن تقبل بتجاوزها من قبل العدو، ما يعني أنه في حال تجاوزت الكلفة ما هو مقدّر، فإن قوى المقاومة التي لن تبادر مطلقاً إلى وقف إسناد غزة، ستكون مضطرة لتعديل طريقة عملها، مع وجهة لتدفيع العدو ثمناً أكبر من الثمن الذي يدفعه في حرب الاستنزاف القائمة على عدة جبهات.
طبعاً، لا ينبغي إهمال كل العناصر السياسية والنفسية والمعنوية التي تلزم أطراف المحور بالرد على العدو. وهي فعلاً عناصر أساسية، وليست شكلية كما يفترض من لم يقتنعوا بعد بأن القوى العاملة في فلك الفكرة الخمينية لا يمكنها تجاهل شكل وطبيعة العدوان، وليس أصله فقط. وهذا لا ينتقص أو يقلّل من التطور النوعي في عقل قوى المقاومة، ليس فقط على صعيد القدرات وآليات القتال، بل على صعيد الإدارة السياسية أيضاً. وهو ما يقودنا إلى مقاربة ما يجري بطريقة أكثر وضوحاً.
ربما يكون الرد قد بدأ عندما تُقرأ هذه السطور، وهذا لا يؤثّر في أصل الفكرة، إذ تجب الإشارة إلى أن الردود المنويّ القيام بها، دفعة واحدة أو على دفعات، مجتمعة في خطوة واحدة، أو موزّعة بحسب الجبهات، هي ردود تستهدف مجموعة أمور، وترتيب أهدافها منطقياً وواقعياً يقود إلى البحث عن أفضل استثمار لها في معركة الدفاع عن غزة، وإجبار العدو على وقف الحرب.
كذلك، يجب الفصل بين ردّ إيران وردّ حزب الله وردّ «أنصار الله». ويجب إضافة أن حماس وبقية الفصائل الفلسطينية معنية أيضاً بالرد، سواء من داخل فلسطين أو من خارجها. والفصل سببه أن هناك ضوابط تتحكم بالرد الإيراني، كونه يتصل بعقاب على جريمة موضعية ومحددة، وهي ضوابط تقود إلى تقدير قوي بأن المدنيين في الكيان ليسوا هدفاً بحد ذاتهم، وأن فعالية الرد، تكمن في الوصول إلى أهداف تتصل بدائرة القرار في كيان العدو، وأدواته التنفيذية ذات البعد الاستراتيجي.
أما ضوابط حزب الله، فمختلفة بعض الشيء. صحيح، أن هامشه كبير بفعل طبيعة الاغتيال الذي نُفذ في الضاحية (اقرأ في العاصمة)، وبفعل أن العدو لم يأخذ في الاعتبار وجود المدنيين، وأنه تعمّد توجيه رسالة كبيرة إلى المقاومة. لكن، وإن كان بمقدور المقاومة اختيار أهداف، فيمكن أن تكون ساحتها في تل أبيب نفسها، وقد تصيب مدنيين على هامش الهدف الرئيسي، إلا أن الفعالية الجدية تكمن في أن تصيب الأهداف مركزاً بارزاً للجسم الذي اتخذ القرار وشارك في تنفيذه.
وبخلاف إيران وحزب الله، لا تخضع حركة «أنصار الله» للضوابط نفسها. فالعدو تعمّد ضرب منشأة مدنية في ميناء الحديدة، وهو يعرف مسبقاً أن مدنيين سيُقتلون أو يُجرحون، وتباهى بتنفيذه عملية عسكرية نوعية. وإذا كان العدو يتذرع بأن مُسيّرة «يافا» أصابت هدفاً مدنياً في تل أبيب، وتسببت بمقتل مستوطن لم يكن في الخدمة العسكرية، فإن آلية عمل وتفكير وتنفيذ «أنصار الله» تجعل من الممكن الاعتقاد، أو حتى المراهنة، على توجيه رد يصيب منشآت حيوية للعدو، سواء مدنية أو عسكرية، ولا فرق إن تسبب الرد بمقتل عسكريين أو مستوطنين.
لكن، في جوهر ردود أطراف المحور، هناك من ينظر إلى تأثيرها على ما يجري في قطاع غزة. وحتى عندما تُطرح احتمالية تدحرج الأمور نحو مواجهة واسعة، فإن من يدرس الردود، يفكر أيضاً في تأثير توسّع المواجهة على أصل الهدف المتمثل في وقف العدوان على غزة. وبالتالي، فإن ما يفترض بالعدو أن ينتظره، إلى جانب الردود نفسها، هو الرسالة السياسية الأساسية، التي تقول إن قرار الإسناد قائم ولا عودة عنه، مهما كانت الأثمان، وهي أثمان تُدفع يومياً جراء الحرب على الجبهة مع لبنان، أو بالحصار والحرب الأميركية على اليمن، أو الضغوط والعمليات الأمنية في إيران، وصولاً إلى القصف المركّز في العراق وسوريا. كما أن قرار الإسناد قائم حتى لو انتقلت المواجهة نحو حرب واسعة. وفي هذه النقطة، كان يفترض بالعدو، قبل أن يتخذ قراره بالعمليات في لبنان واليمن وإيران، أن يدرك أنه ليس هناك أي احتمال، على الإطلاق، لأن يترك المحور غزة وحدها، وأن الإسناد هو الخيار الوحيد، وليس هناك أي خيار آخر على الإطلاق.
وبالتالي، إذا كان العدو يريد تهديد قوى المحور برفع مستوى العدوان، رداً على استمرار جبهات الإسناد، فربما كان من الأجدى، أن يقتنع بأن خيار الإسناد لا فكاك منه. وبالتالي، فإن الردود المرتقبة ستعيد النقاش إلى النقطة الصفر: من يوقف مجانين إسرائيل عند حدّهم، ويقدر على وقف عدوانهم على غزة؟
ما لا تصدّقه إسرائيل وأميركا بعد، أن إسناد غزة خيار لا فكاك منه ولو كانت كلفته الحرب الشاملة
إضافة إلى ذلك، ربما فات العدوَّ، وداعميه من الأميركيين والغربيين، أن النقاش لا يقف فقط عند الحسابات الدقيقة. بل ثمة عامل إضافي يضغط على محور المقاومة هو عامل الجمهور. هذا الجمهور لا يريد الحرب أساساً، وهو معجب بما يُطلق عليه «العقل البارد» لقادة المحور. كما أنه لا يدعم حرباً مفتوحة من دون أفق واضح. لكن الصحيح أكثر وأكثر، أن لهذا الجمهور صوته الذي يهدر طوال الوقت، ويظهر في عيون وفلتات اللسان، وهو نفسه صوت أهل غزة، الذين يحق لهم ما لا يحق لغيرهم، في القول والفعل، لكنه صوت ثقله كبير، ووقعه أقوى من صوت القذائف، هو صوت يريد الرد ليس فقط لحسابات سياسية صلبة، بل للانتقام، وإصابة العدو في عنقه، ليس فقط لأن العدو تجرّأ أكثر من اللازم، بل لأنه لم يعد ينفع معه أي علاج آخر خارج الميدان.
غير ذلك، هي أحداث ستحصل، الآن وفي أي وقت، وقد لا يكون لها شكلها الواحد، أو مداها الزمني المُقيّد. وهي أحداث يمكن أن تفتح الأبواب على ما هو أكثر خطورة. ومن يناقش في أصل الرد، عليه أن يعيد ترتيب أوراقه، سواء أكان طرفاً فاعلاً، كما هي حال الغرب بقيادة أميركا، أو شريكاً مقنّعاً، كما هي حال النظام الرسمي العربي، أو حفنة من العملاء كما هي حال حكومات وقوى لبنانية وفلسطينية وعربية وإسلامية. والنصيحة الأفضل لكل هؤلاء أن يفكروا بأمر واحد: أوقفوا الحرب على غزة، أو فكّروا في كيفية إبادة محور المقاومة بكل دوله وقواه وجمهوره!
الأوزاعي «مسقط قلب» السيد محسن: من هنا ستسمعون عنا كثيراً
بالنسبة إلى الحاجة أمينة حمود، فؤاد شكر (السيد محسن) «صديق ابني محمد» نعمة يوسف الذي استشهد قبل نحو 40 عاماً. تتوجه إلى غرفة الجلوس وتشير إلى زاوية فيها: «الشهيد فؤاد وابني محمد كانا يجتمعان هنا حتى ساعة متأخرة من الليل، وعندما كنت أدخل عليهما بإبريق الشاي، يتوقفان عن الكلام». أما بالنسبة إلى سكان الأوزاعي، فهو «ابن المنطقة» الذي كانوا متأكدين أنه «مسؤول كبير في الحزب»، لكنّ أحداً لم يكن يعرف أنه القائد العسكري الأول في المقاومة.بعد أسبوع على رحيله، تملأ صور القائد الجهادي الكبير أزقة الأوزاعي التي يتحدث أبناؤها عن وفائه بـ«عهد العَشرة»، وهو العهد الذي قطعه عشرة شبان في مسجد الأوزاعي إبان الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، بـ««مواجهة العدو حتى الشهادة». تسعة منهم وفوا بالعهد: سمير مطوط، حسن شكر، جعفر المولى، محمد حسونة، أحمد شمص، محمد نعمة يوسف، علي زين الدين، أسعد برو، ومحمود محمد يوسف، فيما بقي عاشرهم مجهولاً إلى أن أُعلنت شهادة «السيد محسن».
تقول ابنته خديجة إن علاقة خاصة جمعته بالأوزاعي، «مسقط قلبه» كما تصفها، إذ سكنها عندما كان في الثامنة، وعاش طفولته وشبابه فيها. غادر الشهيد شكر الأوزاعي قبل 36 عاماً، وتنقّل بين عشرات المنازل التي سكنها في بيروت والجنوب والبقاع، لكن الأوزاعي ظلّت تسكنه بأرضها وناسها وشاطئها وبقيت لها مكانة خاصة لديه، و«كنت ألاحظ ذلك من تغيّر نبرة صوته ولهفته عندما يذكرها»، تقول خديجة، و«كنت أرى شخصاً ثانياً كلما رافقته إلى منزل جدتي هناك. تحيته للناس، حديثه معهم، وحتى تعابير وجهه كلها تشعرك أنه في بيته.
كان يحفظ المنطقة عن ظهر قلب ويتنقل بخفّة بين أزقتها ودهاليزها». لذلك، ورغم المحاذير الأمنية، حافظ على تواصله معهم، وظلّ يزورهم بين حين وآخر ويؤدي الواجبات الاجتماعية كتقديم عزاء أو زيارة مريض. «لم يبتعد السيد محسن أبداً وظلّ يطلّ علينا ولو بظهور سريع»، يقول أحد عارفيه، وهو حتى خلال «طوفان الأقصى» شارك في مراسم دفن ابن أخيه الشهيد علي جمال شكر في كانون الثاني الماضي، وتقبّله التعازي في حسينية الأوزاعي، وكان يردّ على التحذيرات الأمنية بأن «المسلّم الله». وتعزو خديجة هذه المرونة في الحركة في الأوزاعي تحديداً إلى «ثقة الشهيد بأبناء المنطقة وشعوره بالأمان بينهم». وهو، رغم كثرة المساجد حول أمكنة إقامته في الضاحية الجنوبية، واظب على زيارة مسجد الأوزاعي في المناسبات الدينية، والمشاركة في إحياء ليالي القدر وزيارة الشهداء في «روضة الهادي» في مقبرة الأوزاعي.
هنا «يعرفه الجميع، كباراً وصغاراً، إما شخصياً أو من خلال الحديث عنه، لذلك شاركوا جميعاً في تشييعه»، يقول رجل سبعيني يجلس أمام محل للمفروشات في الأوزاعي. ولذلك، «عزّ علينا ألا يكون ضريحه في روضة الهادي بجوار رفاقه الشهداء». وتلفت خديجة إلى أن الشهيد ردّد باستمرار في الثمانينيات أنه يرغب في أن يُدفن بجوار رفاقه في الأوزاعي. لكنه في الآونة الأخيرة فوّض السيد حسن نصرالله اختيار مكان دفنه، ووثّق ذلك في وصيته بالقول: هو ولي أمري ويحدد المكان المناسب».
يتناقل أهالي الأوزاعي قصصاً كثيرة عن الشاب الطويل القامة، الشديد الحماسة، الذي لا يعرف الخوف طريقاً إلى قلبه. يقول صديقه أبو علي: «كان يهوى السباحة، هواية الفقراء ومن يجاورون البحر. وكان ملاكماً قوياً، نتفادى مواجهته أثناء التدريب لأن أي جولة معه لا تستغرق أكثر من دقيقة، وفي أحيان كثيرة كنا نصرخ: خفّف الضربة يا زلمة». ويضيف: «في شبابه كنا نناديه «أبو البنات» لاستفزازه قبل أن يَرزق ابنَه محمّد، لكن لم يكن ذلك يستفزّه إطلاقاً، بل كان يوزّع الحلوى كلما رُزق فتاة».
إلى الجانب العسكري، كان السيد محسن ينشغل بهموم الناس والمشاكل الشخصية للشباب الذين يعملون معه، وقضايا أهل منطقته، و«كان لا يوفّر جلسة أو جمعة ليستدرجنا لمعرفة أوضاع الناس ومشاكلهم، ولأنه عايش المعاناة الشعبية في فترة الثمانينيات بسبب انقطاع السلع الأساسية، لا يغفل السؤال عن هذه المسائل في وقت السلم والحرب».
في الأوزاعي، يتناقل الجميع قصة البطل الحقيقي الذي خطّط ونفّذ في معركة خلدة وأسر أول دبابة إسرائيلية. يحفظون القصة عن ظهر غيب: «عندما وصلت الدبابات الإسرائيلية إلى خلدة، خاطب الجموع التي تجمهرت مذهولة من الاجتياح: الحسين في خلدة، ومن يردْ نصرته فليلتحق بي»، والتحق به عدد من الشباب، فيما ترك ستة شبّان عند باب الأوزاعي بعدما أوصاهم: «نحن ذاهبون ولن نعود، عندما يصل العدو، قاتلوه حتى آخر رمق، فإما أن تمنعوه من الدخول أو أن تستشهدوا». بعدما استولى ورفاقه على دبابة إسرائيلية في خلدة، سألته صحافية: «من أنتم»؟ أجابها: «نحن الخمينيون»، ولم يكن ذلك مصطلحاً شائعاً في ذلك الوقت. «لم نسمع عنكم من قبل»، قالت له، فردّ عليها: «استعدّي، لأنّك ستسمعين عنا كثيراً».
اللواء:
الحرب تضغط على الصدور.. وتحرُّك دبلوماسي لتحييد المؤسسات الحيوية
السيد نصرالله يحدِّد اليوم مسار المواجهة.. والتربية تردُّ على وصف الراعي الإمتحانات «بالمهزلة»
السؤال ـــ الشاغل للبنانيين والدبلوماسيين والمعنيين في لبنان وعموم المنطقة والمهاجر: ماذا عن ردّ طهران على جريمة اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية في مضيفه في العاصمة الايرانية: ليس المهم متى، بل المهم حجم الرد، حدودها، وما بعدها؟ بكلمة الحرب تجثم على صدور اللبنانيين والعرب والناس اجمعين.
في الخضم عينه، ماذا عن ردّ حزب الله، وهل المسألة تتعلق بالعودة الى قواعد الاشتباك، ولو المتطورة، او المتوسعة، ام ان «الرد الحقيقي» مرهون بتوقيت وتنسيق وتلازم وتزامن مع سائر جبهات أطراف المقاومة في المحور، او ما اصطلح على تسميته «بالجبهات المساندة» للمقاومة الفلسطينية في غزة.
اليوم الثلاثاء، يحيي حزب الله ذكرى مرور اسبوع على استشهاد القيادي في الحزب فؤاد شكر ويتحدث في المناسبة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الذي من الممكن ان يكشف بعضاً من مسارات المواجهة، فضلاً عن الملابسات المحيطة بالوضع البالغ التعقيد في الشرق الاوسط.
ولئن كانت الدبلوماسية الاميركية تعمل على خط دعم القوة الهجومية والدفاعية لدولة الاحتلال، فإن ما يصدر من بيانات عن الخارجية الاميركية يشير الى ان اتصالات وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكن تركز على جملة نقاط:
1- استئناف مفاوضات «صفقة التبادل» على الرغم من الموقف الاسرائيلي الرافض، لا سيما موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.
وحسب بيان للخارجية الاميركية ان بلينكن تحدث الى رئيس وزراء وزير خارجية قطر ووزير خارجية مصر بشأن التوتر في الشرق الاوسط.
2- بلينكن ابلغ نظراءه الذين يتصل بهم ان العالم يمر بلحظة حرجة، في الشرق الاوسط، ومن المهم خفض التصعيد.
3- قال بلينكن ان وقف النار في غزة خطوة حاسمة لتهدئة توترات اوسع نطاقاً.
4- وكشف وزير الخارجية بالنسبة لطهران بعتنا برسالة الى ايران مفادها ان التصعيد ليس في مصلحتها.
بو حبيب الى مصر
وتوجه وزير الخارجية والمغتربين عبد الله بو حبيب الى مصر لاجراء محادثات مع المسؤولين المصريين.
وقبل مغادرته، استقبل المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان جينين هنيس – بلاسخارت، وتداول معها في الموقف الدولي بعد قصف الضاحية الجنوبية.
وتلقى بوحبيب تصالا هاتفيا من نظيرته البلجيكية حجة لحبيب، تم خلاله البحث في آخر التطورات الخطيرة التي شهدها لبنان والمنطقة والعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي اللبنانية.
وعزت الوزيرة البلجيكية بـ«الضحايا المدنيين وعناصر الجيش اللبناني الذين سقطوا جراء العدوان الاسرائيلي على لبنان».
وأعربت عن «قلقها البالغ من ازدياد وتيرة التصعيد بشكل خطير»، مؤكدة «دعم بلجيكا الكامل لجهود الوساطة التي تقوم بها فرنسا والولايات المتحدة لتطبيق القرار 1701».
وتنشط الدبلوماسية للضغط لإبعاد الدمار في حال وقعت الواقعة عن المنشآت الحيوية كالمطار والمرفأ والكهرباء والجسور، فضلاً عن تأكيد حرص لبنان الدولة على السلام وتطبيق القرارات الدولية الخاصة بالجنوب لا سيما القرار 1701.
السيناريو والرد على الراعي
محلياً، وفيما السياسة تكاد تغيب بالكامل عن المشهد، أوضحت مصادر سياسية مطلعة لـ«اللواء» أن التركيز الرسمي منصب على متابعة الأوضاع الراهنة والبقاء في حال من الجهوزية تحسباً لأي طارىء على أن ما من قرارات استثنائية يعمل عليها في الوقت الراهن، لأن ما من تكهنات أو توقعات بما قد يستجد على أن عبارات الرد والرد المضاد هي من تتحكم المشهد وكل ذلك يؤدي إلى السيناريو الأسوأ، لأن فتيل الحرب سهل اشعاله.
وردت وزارة التربية والتعليم العالي على كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الذي انتقد ما انتاب الامتحانات، وفقاً لما قال، ووصفها «بالمهزلة والاخفاق والانحطاط».
واذ اعربت الوزارة عن اسفها للكلام الصادر «عن مرجعية وطنية دينية لما تثيره من التباسات»، واعتبرت كلامه يطال القطاع التربوي، معتبرة ان ما اشار اليه عن «اقصاء شريحة اساسية عن ادارة العملية التربوية فهو غير مقبول».
البنزين
في مسألة تأمين الاحتياجات والضرورات الحياتية في حال اندلعت الحرب، او اخذت منحى متوسطاً، تركز الاهتمام على هذا الموضوع.
وقال رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس، «في حال ارتفعت اسعار النفط عالمياً فهي سترتفع في لبنان»، مشيراً في حال وقعت الحرب فالاسعار سترتفع..
وفيما يتعلق بتوفر البنزين يشدد على أن البضاعة متوفرة بكميات تكفي إلى شهر تقريباً وبطلب عالٍ،طالما أن سلسلة التموين لم تنقطع والبواخر لا زالت تأتي إلى لبنان بشكل طبيعي ولم يحصل حصار أو أي عمليات عسكرية ميدانية تؤدي إلى تغيير الأمور وتبدلها رأساً على عقب.
ويختم شماس قائلاً:«إذا الأمور بقيت كما هي،فلا مشكلة لدينا على الإطلاق،ولكن في حال حصول تطورات عسكرية في الميدان فيُبنى على الشيء مقتضاه لأنه لا نستطيع أن نعرف مسبقاً أو نتوقع ما سيحصل وكيف ستتطور الأمور لاحقاً».
المشهد في المطار
في مطار رفيق الحريري الدولي، تجمع المسافرون في صفوف ضاغطة امام الواح مواعيد الرحلات المغادرة والآتية، وصفوف اخرى امام اكشاك الامن العام.
وحسب مكاتب ووكالات السفر، فإن الغاء الرحلات وارتفاع نسبة التوتر، أدَّيا بكثيرين الى تسبيق مواعيد الرحلات أياماً.
وانضمت سفارات الى دعوة رعاياها المغادرة على عجل، فعلقت الخطوط الجوية الكويتية رحلاتها من مطار بيروت بدءاً من يوم امس، كذلك دعت سفارة الصين رعاياها الى توخي الحذر وتعزيز اجراءات السلامة، في حين حثت اليابان وتركيا الرعايا الى المغادرة، في حين اوضحت «الخطوط الجوية القطرية» انها اعادت جدولة رحلاتها من والى لبنان.
المرفأ
وتحولت مناسبة إحياء الذكرى الرابعة لانفجار مرفأ بيروت الاحد الماضي الى حملة على «الثنائي الشيعي» لجهة ازدواجية المعايير بين غزة وبيروت، حيث تم دعم غزة فيما لم يتم دعم قضية انفجار مرفأ بيروت، مشيراً الى ان القضاة تعرضوا الى التهديد لمنعهم من استكمال التحقيق.
وحمل المشاركون في إحياء الذكرى صور الضحايا ورفعوا الاعلام اللبنانية والشعارات المطالبة بتحقيق العدالة وبمحاسبة المسؤولين عن ذلك الانفجار.
ومن مركز فوج الاطفاء، اعلنت ممثلة الامين العام للامم المتحدة جينين هينيس انها تقف الى جانب اهالي الضحايا الذين يطالبون بموقف واضح منذ حوالى 4 سنوات وبأنها موجودة اليوم لتؤكد تضامن الامم المتحدة معهم، وبأن العدالة يجب ان تتحقق.
وعن كيفية تحقيق تلك العدالة اجابت: «نتحدث بهذا الامر لاحقا، لكنني اؤكد ان العدالة يجب ان تتحقق».
الوضع الميداني
ميدانياً، طاول القصف مساءً الناقورة وعلما الشعب وجبل اللبونة والعلام، كما استهدف الطيران المعادي دراجة على الطريق بين بلدتي جبشيت وعبا.
وكانت المقاومة الاسلامية شنت فجر امس هجوماً انقضاضياً بالمسيَّرات على موقع المالكية، كما استهدفت ثكنتي زرعيت وراميم وموقع رأس الناقورة.
وليلاً، اعلن الجيش الاسرائيلي عن اغتيال علي جمال الدين جواد، ووصفه بالقائد في قوة الرضوان، في منطقة عبا، الذي نعته المقاومة الاسلامية لاحقاً.
البناء:
اكتمال الاستعدادات الأميركية لحماية الكيان وتأمين بقاء احتلال سورية والعراق
مساعٍ عربية لتسويق حل سياسيّ لحماية الكيان وتخفيض الرد والمطالب الفلسطينية
إيران تعلن اكتمال الجهوزيّة للرد… وإصابات أميركيّة في العراق بقصف للمقاومة
كتب المحرّر السياسيّ
رغم كل التسريبات المبرمجة للإيحاء بأن واشنطن غير راضية عن خطوات حكومة كيان الاحتلال ورئيسها بنيامين نتنياهو، وأن الرئيس الأميركي جو بايدن فوجئ بالاغتيالات، وأن نتنياهو يسعى لتوريط واشنطن بحرب كبرى لا تريدها، واصلت وزارة الدفاع الأميركية حشد قواتها في البر والبحر والجو بتوفير مظلة الحماية التي طلبها نتنياهو في مواجهة الردّ الآتي حكماً من إيران واليمن ولبنان، كما قال قادة إيران والمقاومة. وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية أنها استكملت استعداداتها لحماية كيان الاحتلال بأعلى جاهزية ممكنة، بينما تعاملت قوى المقاومة مع الكلام الأميركي عن الغضب من نتنياهو بصفته نوعاً من المناورة السياسية لإضعاف رد قوى المقاومة وإيران، وتوفير شبكة الأمان السياسية والأمنية التي يحتاجها الكيان. وتساءلت المصادر المتابعة للمواقف الأميركية، عن معنى الكلام الأميركي عن حق الدفاع عن النفس لكيان الاحتلال، إثر تفجير مجدل شمس، ولم يكن كيان الاحتلال يحتاج إلى أكثر من هذا الكلام كضوء أخضر للقيام بعمليات الاغتيال واعتداءاته على بيروت وطهران، وهذا الضوء الأخضر كان تتمة لتفاهمات جرت في واشنطن خلال زيارة نتنياهو ويبدو أن موسكو عرفت بها وفضحتها في كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الرئيس السوري بشار الأسد في قمة استثنائيّة تحت عنوان التصعيد مقبل الى المنطقة، قبل تفجير مجدل شمس. وها هو التصعيد قد جاء ونحن في قلبه بذريعة تفجير مجدل شمس وتحت غطاء الكلام الأميركي عن الدفاع عن النفس.
الهدف الملازم لحماية كيان الاحتلال بدا أنه حماية بقاء القوات الأميركية في سورية والعراق، وخوض حرب تثبيت هذا الاحتلال، وهذه الحرب المقرّرة يخوضها نتنياهو بالأصالة عن الكيان وحكومته وبالوكالة عن واشنطن، أسوة بما جرى في حرب تموز 2006 ورسمت أهدافها يومها كونداليسا رايس لولادة شرق أوسط جديد، بينما تخاض اليوم بصمت أميركي، لكن بأهداف أبعد من المنطقة محورها السعي لقطع الطريق على تقدّم روسيا والصين استناداً إلى هزيمة تلحقها إيران وقوى المقاومة بأميركا والكيان في المنطقة. وبعدما كانت واشنطن قد قررت تجاهل صراعات الشرق الأوسط وتجميدها للتفرغ لمواجهة روسيا والصين، صارت معادلات المعركة مع روسيا والصين ترسم في المنطقة وحروبها.
بالتوازي، نشطت في المنطقة الحركة الدبلوماسية العربية والأوروبية لترجمة الأهداف الأميركية بتخفيض حدود الردّ المقرّر من إيران وقوى المقاومة، تحت شعار ضبط النفس وتسهيل التوصل لحل سياسي، بينما أعلنت إيران بلسان قادة الحرس الثوري جاهزية الرد، وانتظار القرار السياسي بالتوقيت، وبتوقيت لافت أعلن البنتاغون وقوع إصابات بين الجنود الأميركيين في قاعدة عين الأسد في العراق بصواريخ للمقاومة العراقية، بينما قالت صحيفة الواشنطن بوست إن طائرة أميركية مسيّرة قد اغتالت أحد قادة حركة انصار الله اليمنية المتخصص بإطلاق الطائرات المسيّرة خلال وجوده في بغداد للتنسيق مع المقاومة العراقية.
فيما يعيش كيان الاحتلال والمحور الأميركي – الغربي الداعم له تحت وطأة وثقل انتظار الرد الإيراني ومحور المقاومة على اغتيال قائدين كبيرين في المقاومة، تتجه الأنظار الى الكلمة التي سيلقيها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم في أسبوع القيادي في الحزب فؤاد شكر.
ويتحدّث السيد نصرالله في القسم الأول من الخطاب وفق ما علمت «البناء» عن السيرة الجهادية الطويلة للشهيد شكر وإنجازاته ودوره في قيادة المقاومة على مستوى التخطيط والتنفيذ وصناعة عوامل القوة العسكرية ومعادلات الردع ضد العدو الإسرائيلي والحركات الإرهابية في لبنان وسورية والعراق، وأيضاً دور القائد شكر في التنسيق بين جبهات محور المقاومة لا سيما في الحرب على غزة. كما يستعرض السيد نصرالله آخر التطورات على الساحة الفلسطينية والتصعيد الإسرائيلي وحالة الذعر والاستنفار التي تسود الكيان الصهيوني جراء انتظار الردّ. كما يتطرّق السيد نصرالله الى التهديدات الإسرائيلية بعدوان استباقي على لبنان لفرض معادلة جديدة على المقاومة، كما سيؤكد السيد نصرالله على الردّ على اغتيال فؤاد شكر وعلى استعداد محور المقاومة للردّ على الردّ حتى لو انزلق الوضع الى الحرب المفتوحة أو الشاملة.
وتوافرت معلومات وأجواء مفادها أن رسائل عدّة وصلت إلى إيران تطالبها بأن يكون ردّها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» اسماعيل هنية «مقبولاً» ولا يستفز «إسرائيل» لتجنّب احتمالات الحرب الواسعة.
لكن على ما يبدو فإن محاولات احتواء ما حصل فشلت، إذ أفاد ديبلوماسي غربي لـ«هآرتس» العبرية بـ«فشل جهود التهدئة مع إيران»، لافتاً إلى توقع «رد خلال يومين»، كاشفاً عن استعداد «لأيام من تبادل الضربات في المنطقة».
لكن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أبلغ وزراء خارجية دول مجموعة السبع أن هجوم إيران و»حزب الله» على «إسرائيل» قد يبدأ يوم الاثنين (اليوم) حسبما أفاد موقع «أكسيوس» الإخباريّ.
وذكر التقرير نقلاً عن مصادر لم يسمّها أن «بلينكن أبلغ نظراءه في مجموعة السبع أن هجوم إيران وحزب الله على «إسرائيل» قد يبدأ الاثنين (أمس)».
وأشارت المصادر لـ «أكسيوس» إلى أن بلينكن قال إن «الولايات المتحدة تعتقد أن إيران وحزب الله سينتقمان، لكن ليس من الواضح بعد ما هو الشكل الذي سيتخذه الانتقام.
وفي سياق ذلك دعت عدد من الدول الأجنبية والعربية رعاياها إلى مغادرة الأراضي اللبنانية. في السياق، حثت الخارجية اليابانية رعاياها في لبنان على المغادرة. كذلك، دعت تركيا مواطنيها إلى مغادرة لبنان.
ميدانياً، خرق طيران الاحتلال الحربي جدار الصوت بشكل عنيف فوق الجنوب وبيروت محدثاً دوي انفجار هائل.
واستأنف حزب الله عمليّاته، صباح أمس، وفي أولى عمليّاته شنّ «هجوماً جوياً بِسربٍ من المسيّرات الانقضاضية على مقر قيادة الفرقة 91 المُستحدَث في ثكنة إيليت، مُستهدفاً أماكن تموضع واستقرار ضباطها وجنودها وأصابها بشكلٍ مباشر، وأوقع فيهم عدداً من القتلى والجرحى».
واعلن أيضاً أنه استهدف «موقع المالكية بِمسيرة هجومية انقضاضية فأصابت أهدافها بِدقة».
وردت «إسرائيل» باستهداف مسيّرة محيط الجبانة قرب الساحة في بلدة ميس الجبل، مما أدى الى سقوط شهيدين ووقوع عدد من الإصابات، تم نقلها الى مستشفى تبنين. وفي وقت لاحق، نعت جمعية كشافة الرسالة الإسلامية الشهيد محمد فوزي حمادي (أبو زينب) وهو مسعف في الدفاع المدني من بلدة ميس الجبل مواليد 12-10-1982، مشيرة إلى أنه استشهد أثناء قيامه بواجبه الوطني والإنساني دفاعاً عن لبنان والجنوب. كما نعى حزب الله علي غالب شقير «جهاد» مواليد عام ١٩٩٦ من بلدة ميس الجبل في جنوب لبنان، والذي ارتقى شهيداً على طريق القدس.
كما أغار الطيران المسيّر بصاروخين على منطقة درب الحورات في ميس الجبل.. وأغار الجيش الإسرائيلي على رب ثلاثين، وتعقيباً، صدر عن مركز عمليات طوارئ الصحة العامة التابع لوزارة الصحة العامة بيان أعلن أن الغارة العدوة التي وقعت في البلدة أدت إلى جرح شخص نقل إلى المستشفى وحالته مستقرة.
من جهته، أعلن حزب الله أنه استهدف ثكنة زرعيت بالقذائف المدفعية. أيضاً أعلن انه استهدف موقع رأس الناقورة البحري بالقذائف المدفعية الثقيلة.
ومساء امس، أعلن الإعلام الحربي في «حزب الله»، أنه «دعماً لشعبنا الفلسطيني الصامد في قطاع غزة وإسناداً لمقاومته الباسلة والشريفة، ورداً على اعتداءات العدو الإسرائيلي على القرى الجنوبية الصامدة، وخصوصاً الاغتيال الذي نفّذه في جبانة بلدة ميس الجبل، شنّ مجاهدو المقاومة الإسلامية هجوماً جوياً بسرب من المسيرات الانقضاضية على قاعدة جبل نيريا (مقر قياديّ كتائبيّ تشغله حالياً قوات غولاني) مستهدفة أماكن تموضع ضباطها وجنودها وأصابت أهدافها بدقة وحققت فيهم إصابات مؤكدة».
رسمياً، تلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اتصالاً من وزيرة خارجية كندا ميلاني جولي جرى خلاله البحث في الوضع في لبنان والتطوّرات في المنطقة. وكان تشديد على ضرورة وقف التصعيد واللجوء الى الحلول السلميّة وتطبيق القرارات الدوليّة وفي مقدّمها القرار 1701. وكان رئيس الحكومة عقد سلسلة لقاءات واجتماعات في السراي. وفي هذا الإطار، استقبل الرئيس ميقاتي سفير سلوفاكيا ماريك فارغا في لبنان في زيارة وداعيّة. كما التقى سفيرة لبنان في سويسرا رولا نور الدين.
المصدر: صحف