ارتكب العدو الاسرائيلي في أقل من 24 ساعة عدوانين موصوفين، الأول باستهدافه منطقة مدنية سكنية في حارة حريك بالضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت حيث ارتقى 7 شهداء(بينهم نساء وأطفال) وجرح العشرات من المدنيين، والثاني باستهدافه مقر إقامة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد اسماعيل هنية الذي كان يزور العاصمة الايرانية طهران بدعوة رسمية من السلطات الحكومية.
ولا شك ان ما ارتكبه العدو في هاتين الجريمتين هو انتهاك فاضح للقوانين الوطنية والدولية ولا يحق له التذرع بأي شكل من الأشكال أو بأي سبب من الاسباب لانتهاك حرمة المناطق السكنية المدنية او التعدي على سيادة الدول تحت حجة ملاحقة شخصية معينة سواء عسكرية او سياسية، ولا يجوز له بعد ذلك الحديث انه في حالة حرب لتجاوز كل المحرمات وانتهاك حرمة الانسان وحقوقه المصانة وفقا للقانون الدولي والاتفاقات المعمول بها في هذ الإطار، لا سيما اتفاقيات جنيف لحماية المدنيين سواء في زمن السلم او في زمن الحرب، فحتى في زمن الحرب الانسان المدني له حماية امام استخدام القوة من قبل المتقاتلين.
وحتى لو كان هناك “حالة حرب” في قطاع غزة او على بعض جبهات المساندة لغزة، فهذا لا يعني ان الحرب موجودة في بيروت وضاحيتها او في طهران حتى يقال ان هناك امكانية للتذرع الاسرائيلي المعلن بملاحقة شخصيات معينة، او الحديث ان هذه الجريمة او تلك تأتي ردا على حدث ما هنا او هناك، وبالتالي فالجريمة في الضاحية او طهران واضحة وضوح الشمس ولا مجال بعد ذلك لأي حجة قد يسوّق لها العدو لتبرير جرائمه، مع الاشارة الى ان هناك جو إعلامي وسياسي، إقليمي ودولي لتبرير ما يرتكبه العدو وتقزيم جرائمه التي يرتكبها بحق الانسانية.
لكن يبقى السؤال الأساس من الناحية القانونية: هل عملية “طوفان الاقصى” والتي أدت الى قتل بعض الصهاينة وأسر العشرات الى قطاع غزة تبرر استخدام كل هذا الافراط باستخدام العنف وارتكاب هذا الكم الهائل من الجرائم؟ وانطلاقا مما سبق هل يجيز القانون للعدو اغتيال الشهيد اسماعيل هنية في طهران كجزء من الرد على طوفان الاقصى؟ وهل يجوز للعدو اغتيال القائد الجهادي الكبير السيد فؤاد شكر(السيد محسن) كرد على جبهة الإسناد اللبنانية لغزة؟
الأكيد انه وففا للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني لا يجوز استهداف مناطق مدنية سكنية كما جرى في الحالتين(الضاحية وطهران) لان ذلك يعرض حياة المدنيين للخطر وهذا ما حصل فعلا حيث تم قتل مدنيين عزل وأبرياء من النساء والاطفال، ففي الضاحية قضى طفلان أخوان هما حسن(10 سنوات) واميرة(6 سنوات) فضل الله.
كما انه وفقا للقانون الدولي لا يحق الاعتداء على سيادة لبنان وايران من قبل كيان العدو الاسرائيلي، فهذه السيادة مصانة وفقا للقانون والاتفاقيات الدولية والقرارت الصادرة عن المنظمات الدولية لا سيما الامم المتحدة ومؤسساتها من الجمعية العامة ومجلس الامن وايضا محكمة العدل الدولية.
ووفقا للقوانين المحلية والدولية والاعراف القانونية لا يجوز لدولة احتلال ككيان العدو الاسرائيلي ملاحقة القادة السياسيين والعسكريين لحركات المقاومة والتحرر ممن يناضلون لرفع الاحتلال عن بلدانهم وشعوبهم وامتهم، كما هو الحال مع الشهيدين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية والقائد الجهاد الكبير في المقاومة الاسلامية السيد فؤاد شكر.
وبالسياق، نشير الى ان المادة السابعة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص الى أن “أي فعل من الأفعال التالية جريمة ضد الإنسانية متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين وعن علم بالهجوم:
أ- القتل العمد، ب- الإبادة….”.
كما ان المادة الثامنة من إنشاء المحكمة الجنائية توضح مفهوم جرائم الحرب بانها “القتل العمد، التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية، تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة، إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة، تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية , أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية، تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة، مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت”.
وبالاطار، اعتبر قرار الأمم المتحدة الصادر بتاريخ 11 ديسمبر/كانون الأول 1946 أن الإبادة الجماعية هي “ارتكاب أي عمل من الأعمال الآتية بقصد الإبادة الكلية أو الجزئية، لجماعة ما على أساس القومية أو العرق أو الجنس أو الدين، مثل:
-قتل أعضاء الجماعة.
-إلحاق الأذى الجسدي أو النفسي الخطير بأعضاء الجماعة.
-إلحاق الأضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بشكل متعمد بهدف التدمير الفعلي للجماعة كليا أو جزئيا.
-فرض إجراءات تهدف إلى منع المواليد داخل الجماعة.
-نقل الأطفال بالإكراه من جماعة إلى أخرى”.
ويبقى كل ما سبق هو برسم كل من يدعي انه من الممكن مواجهة وردع العدو الاسرائيلي بالقانون الدولي وبالقرارات الأممية وان ما يطلقون عليه اسم “المجتمع الدولي” قادر على حماية بلداننا او شعوبنا، في حين نرى كبرى الانظمة الغربية ولا سيما الادارة الاميركية لا تترك مناسبة إلا وتؤكد فيها انها تدافع عن أمن ومصالح “إسرائيل” واليوم هي تبرر كل جرائم العدو، ومن المفيد التذكير ان هاتين الجريمتين في الضاحية وطهران حصلتا بعد عودة رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتانياهو من زيارته الى واشنطن، فهو قد حصل بلا شك على تأكيد استمرار “الضوء الأخصر” الاميركي للعدو الاسرائيلي بمواصلة تصعيده في المنطقة وجرائمه ضد بلدانها، ما يجعل الراعي الدولي للكيان المؤقت مسؤولا وشريكا عن الجرائم المرتكبة.
المصدر: موقع المنار