سررت مؤخراً لرؤية سائح إسرائيلي في مدينة باهير دار، شمال غرب أثيوبيا، وقد بدا عليه الاستياء لأن الزوار الأجانب يدفعون رسم دخول إلى المتاحف والكنائس وغيرها من المعالم السياحية في البلاد أكثر بكثير ممّا يدفعه المواطنون الأثيوبيون.
* بيلين فرنانديز/جريدة الأخبار
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أنّ الدخل السنوي للفرد في أثيوبيا يقدر بـ550 دولاراً بحسب أرقام البنك الدولي، ما يعتبر أقل حتى من سعر تذكرة سفر ذهاباً وإياباً بين تل أبيب وأديس أبابا. وقد وصل الحدّ بالسائح الإسرائيلي لوصف هذا التمييز من حيث رسم الدخول بـ”العنصرية”، وهو اختيار لافت للمفردات، خاصة أن من يتفوه به شخص أبيض من دولة تترسخ فيها العنصرية لأقصى حدّ، وهو يقوله في معرض حديثه عن أثيوبيا.
يقدر حالياً عدد الجالية الأثيوبية في إسرائيل بحوالى 135 ألف نسمة. فقد بدأت هجرة اليهود الأثيوبيين إلى الدولة العبرية في سبعينيات القرن الماضي. ويشير مقال للـ”بي بي سي” إلى أن جهاز الاستخبارات الإسرائيلية -الموساد – نظّم هجرتهم من خلال مخيمات لللاجئين في السودان حيث كانوا يفرون من الحرب والجوع والاضطهاد. وفي الثمانينيات والتسعينيات، قام الجيش الإسرائيلي بعمليتيّ نقل جوي سريتين عرفتا باسم “عملية موسى” و”عملية سليمان”، فيما استمرت الهجرة بعد ذلك ولكن بزخم أقل.
وفي حين أسهم تدفق اليهود الأثيوبيين في تعزيز مكانة إسرائيل كموطن رسمي لليهود حول العالم من حيث العدد، ما ساعدها في الاعتراض على مطالبة الفلسطينيين الشرعية بالمنطقة، إلا أن فئات واسعة ضمن المجتمع الإسرائيلي رفضت ما نجم عن الخطة لناحية لون البشرة.
فبالنسبة الى الأثيوبيين في إسرائيل، العنصرية والتمييز يشكّلان اللعبة السائدة. إذ توجد عوائق كثيرة تمنعهم من التمتع بعيش لائق إلى حد ما، من ضمنها محدودية فرص التعليم والعمل، مع اضطرار الكثير من الأولاد للانخراط في نظام مدرسي وصل في السنوات الماضية إلى حد الفصل العنصري. وقد جاء في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية عام 2016 إنه “بين الطلاب (الإسرائيليين) الذين أنهوا الصف الثاني عشر عام 2013 وخضعوا للامتحانات، 26% فقط منهم من أصول أثيوبية تمكنوا من الحصول على العلامات التي تمنحهم القبول في الجامعات فيما بلغت النسبة 52% على الصعيد العام في البلاد”.
ويبدو أن الرقم 52 يتكرر كثيراً. ففي عام 2013، أشارت الصحيفة عينها إلى أن “حوالى 52% من العائلات الأثيوبية المهاجرة (في إسرائيل) تعيش تحت خط الفقر”. وكما هو متوقع، فإن معدلات البطالة أعلى لدى اليهود الأثيوبيين وأجورهم أدنى.
أسهم تدفق اليهود الإثيوبيين في تعزيز مكانة إسرائيل
وتراوحت الممارسات العنصرية الممارسة ضد اليهود من أصحاب البشرة الداكنة بين قرارات اتخذها بعض أصحاب العقارات بعدم تأجير المنازل للعائلات من أصول أثيوبية إلى تكرار رفض إعطاء رخص زواج للإسرائيليين من أصول أثيوبية في مدينة بيتا تيكا وسط إسرائيل.
وحين رفضت إدارة الخدمات الصحية الطارئة وبنك الدم في إسرائيل “ميغن دافيد أدوم” عام 2013 قبول تبرع بالدم من النائب الإسرائيلية المولودة في أثوبيا بنينا تامانو- شاتا، أفاد موقع “يديعوت أحرونوت” أن “العاملين قالوا لها إن بإمكانها التبرع بالدعم ولكن تبرعها سيجمد ولن يستخدم”.
ولا بد من الإشارة إلى أن تومانو- شاتا جندية سابقة في الجيش الإسرائيلي. إذاً لا بأس بأن يضحي الأثيوبيون بدمائهم في القتال ولكن دماءهم غير مقبولة لأهداف إنسانية.
وعلى أي حال، توجد طرق أخرى لسفك الدم. فمن الأمثلة الكثيرة على عنف الشرطة ضد الجالية الأثيوبية، أشعل اعتداء عناصر من الشرطة بالضرب على جندي إسرائيلي من أصل أثيوبي العديد من التظاهرات التي واجهتها الشرطة الإسرائيلية باستخدام قنابل الصعق وخراطيم المياه وغيرها من الأدوات المؤذية.
وقد عاد الأثيوبيون للتظاهر مؤخراً في القدس، هذه المرة ضد تراجع الحكومة الإسرائيلية عن قرارها القاضي بالسماح لأكثر من 9 آلاف من الفلاشا مورا الأثيوبيين بالهجرة إلى إسرائيل. والفلاشا مورا هم من سلالة أثيوبية يهودية اعتنقوا المسيحية، وكان قد سمح لأعضاء من هذه الطائفة بالالتحاق بأعضاء من عائلاتهم سبقوهم إلى إسرائيل.
وكان قرار إسرائيل الأول بالسماح بهجرة هذا العدد من الأثيوبيين قد شكّل مفاجأة لمن هم على علم بالممارسات الطبية الإسرائيلية المتعلقة بإجبار النساء الأثيوبيات على استخدام عقاقير منع الحمل، وذلك بالطبع من أجل الحدّ من عدد هذه الجالية.
بالطبع إسرائيل معروفة ببراعتها في الحدّ من الزيادة السكنية، إذ يكفي أن تجري بحثاً عبر موقع غوغل حول اعتداءاتها على قطاع غزة، ما يقودنا إلى موضوع قد يجعل وضع الأثيوبيين في إسرائيل يبدو أقل سوءاً: ونعني بذلك الفلسطينيين.
فحتى لو نال الأثيوبيون حقوقهم بالمساواة في إسرائيل بفعل عجيبة ما، لن يغير ذلك من واقع أن دولة إسرائيل بحد ذاتها قائمة على الرفض الدائم لحقوق السكان الأصليين لهذه الأرض الذي تتبع ضدهم سياسات تطهير عرقي. وللمناسبة، هذا المصطلح ذاته استخدمه الصحافي الكندي – الإسرائيلي ديفيد شيم لوصف سياسة إسرائيل الحالية تجاه اللاجئين الأفارقة غير اليهود.
وبحسب صحيفة “إندبندنت” البريطانية، حذّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عام 2012 من أن “المهاجرين غير الشرعيين من أفريقيا يهددون وجودنا كدولة يهودية ديمقراطية”. لكن للمفارقة، لا يمكن تهديد شيء ليس موجوداً في الأصل.
(ترجمة هنادي مزبودي ــ عن موقع MIDDLE EAST EYE)
* كاتبة إسبانية