من نقطة رخوة استسهل الاحتلال الإسرائيلي فرض سيطرته عليها، إلى ساحة مواجهة وكمائن للمقاومة .. هكذا تحول محور نتساريم جنوب مدينة غزة.
ومنذ بداية العملية البريّة لجيش الاحتلال في قطاع غزة قبل سبعة أشهر تقريباً، كان واضحًا سعيه لخلق واقع ميداني جديد يساعده في تحقيق أهدافه المعلنة؛ رداً على عملية طوفان الأقصى، أو على أقل تقدير جزء منها، تلك الأهداف التي حملت في طياتها رغبة في تغيير الواقع العملياتي في القطاع الصغير مساحة الكبير فعلا وتأثيرًا.
وشكّل قطاع غزة خلال السنوات التي تلت الانسحاب الصهيوني منه عام 2005 معضلة لم يتمكّن العدو من الإفلات منها، أو تلافي تأثيراتها التي أصابت كلّ مفاصل الحياة في كيان الاحتلال، ولا سيما خلال الحروب متوسطة أو مرتفعة النسق التي جرت بينه وبين المقاومة الفلسطينية منذ العام 2008-2009، عندما وقعت أول معركة “كبيرة ” بعيد الاندحار من القطاع.
محور نتساريم
ولأن الاحتلال يعرف طبيعية المنطقة نظرا لامتلاكه تكنولوجيا هائلة فقد اختار مناطق مهمة للسيطرة كان منها محور نتساريم الممتد من كفار عزة شرقا وحتى شاطئ البحر غربا بطول ستة كيلو مترات.
ونتساريم مستوطنة كانت مقامة على مساحات واسعة من أراضي المواطنين جنوب غرب مدينة غزة، قال يومًا ما في عام 2002 بشأنها مجرم الحرب الإسرائيلي الأسبق أرئييل شارون إن نتساريم كتل أبيب، وما هي إلا 3 سنوات حتى انسحب الاحتلال منها ومن كل قطاع غزة.
ويشكل هذا الممر حاليا أحد نقاط الخلاف في المفاوضات الجارية للوصول إلى وقف إطلاق نار، بغض النظر إن كان مؤقتاً أو مستداماً.
ويكاد يكون “الإنجاز العملياتي” الأهم الذي تمكّن “جيش” الاحتلال من تحقيقه، إذ إنه وعلى الرغم من وقوعه في منطقة شبه فارغة من السكّان، وهي في معظمها أراضٍ زراعية، ولم يكن يحوي قبل سنوات قليلة أي منشآت أو مؤسسات حيوية باستثناء ما تم إنشاؤه مؤخراً، مثل قصر العدل والمشفى التركي وبعض الجامعات، إلا أن سيطرة “جيش” الاحتلال عليه، وعلى مناطق واسعة في محيطه من الجهتين الجنوبية والشمالية، ومنعه بالقوة المفرطة أي حركة على جانبيه إلا تلك الخاصة بشاحنات المساعدات الإنسانية، أو بعض سيارات الإسعاف وسيارات الصليب الأحمر ووكالة الغوث، قد حوّل هذا الممر إلى منطقة تكاد تكون استراتيجية، أو على أقل تقدير بالغة الحساسية.
مسارات عرضية
ويصل طول ممر نتساريم من الشرق باتجاه الغرب إلى نحو ستة كيلومترات ونصف الكيلومتر، وهو مكوّن بحسب بعض الشهود من ثلاثة مسارات عريضة، أحدها مخصّص لعبور الآليات المجنزرة، فيما الثاني للجيبات والعربات ذات العجلات المطاطية، أما الثالث فمقام عليه بعض المواقع لمبيت الجنود الصهاينة، وتخزين السلاح، ومنشآت أخرى خاصة بالتحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين.
وحسب التقارير؛ فإن جيش الاحتلال يستخدم المحور من ناحية استراتيجية لفصل غزة إلى نصفين ومنع عودة النازحين بالقوة المفرطة واستخدام المحور كنقطة انطلاق لتوغلات برية في مناطق شمال وادي غزة وجنوبه واستخدامه كقاعدة عسكرية في قلب غزة.
محور عمليات
المقاومة ونظرا لدرايتها الكاملة بخطوة التموضع الإسرائيلي في المنطقة كان المحور هدفاً مهما لعملياتها المستمرة. وخلال الأيام الماضية كان لافتاً استخدام المقاومة قذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى ضد المحور إضافة لبعض الكمائن المحققة التي أوقعت خسائر مؤكدة في صفوف جيش الاحتلال.
ضربات دقيقة
ويظهر مقطع مصوّر وزّعه الإعلام العسكري للمقاومة الفلسطينية، مشاهد سقوط قذائف الهاون النظامية الدقيقة في نقاط تخييم قيادة جيش العدو المستحدثة عند تلك النقطة، ما يشير إلى جملة معطيات.
أول هذه المعطيات أن المقاومة لم تعد تقوم بعمليات استهداف محور الانتشار الوحيد لجيش العدو في القطاع، إلا بعد رصد كثيف ومدروس ومطوّل، تُحدّد من خلاله مواقع التخييم المأهولة، وترصد أماكن القيادة المحصّنة والخبيئة خلف السواتر الترابية، ثم يجري تنفيذ عمليات القصف بالأعيرة المدفعية المناسبة، لتصيب ما تمّ رصده بشكل نقطي دقيق.
وليس هذا المستوى من العمل تطوراً في الأسلوب، بقدر ما هو تطبيق لما تدرّب عليه مقاتلو وحدات المدفعية والصاروخية التابعة للمقاومة طوال سنوات طويلة، فيما سمح الوضع الميداني الحالي بتطبيق البرتوكول القتالي على نحو مريح.
أما عن مستوى تلك الضربات وزخمها، فتشير الأيام الماضية إلى خروج الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة، من حالة الإشغال، إلى التركيز على تحقيق هدف معين.
وفي هذا السياق، يُلاحَظ أن كتائب القسام، أعادت إلى المشهد منظومة صواريخ الرجوم قصيرة المدى التي استخدمت في عملية طوفان الاقصى في السابع من أكتوبر. ويشير خبراء أن عودة استخدام هذه المنظومة من الصواريخ يؤكد أن المشكلة لم تكن لوجستية مطلقاً بل تخضع لاعتبارات ميدانية.
ولا يجد الاحتلال أمامه للرد على هذا الاستنزاف والمشاغلة سوى دك منازل الأبرياء بقذائف الدبابات وارتكاب مزيد من الجرائم.
المصدر: المركز الفلسطيني للاعلام