نشرت منظمة العفو الدولية تقريرها السنوي، لتكشف النقاب عن وضع سوداوي لحقوق الإنسان عبر العالم بفعل الصراعات المتفاقمة. وحمل التقرير في طياته تشريح مفصل لأوضاع حقوق الإنسان في مختلف دول العالم، ومن بينها فرنسا، البلاد التي حملت تاريخيا لقب “بلاد حقوق الإنسان”، والتي تعرف حاليا “تآكل وتدهور مقلق لوضع حقوق الإنسان” حسب المنظمة.
وواصل وضع حقوق الإنسان في فرنسا “تآكله” في عام 2023، حسب منظمة العفو الدولية التي دعت المجتمع المدني إلى “المزيد من اليقظة”. وبهذه العبارة لخص جان كلود صامويلر، رئيس المنظمة في فرنسا خطابه خلال مؤتمر صحفي عقد في باريس لتقديم التقرير: ” خطاب الكراهية غير المقيد في تصاعد.. والقانون الدولي يفقد فعاليته”.
كما عبرت المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من لندن مقراً لها، عن قلقها إزاء ما تؤكد انه يشكل ضربة لحرية التظاهر، وذكرت مثالا على ذلك المسيرات الحاشدة ضد إصلاح نظام التقاعد التي انطلقت مطلع السنة الماضية واستمرت لمدة ستة أشهر، والمسيرات الداعمة لفلسطين على ضوء الحرب الإسرائيلية الدامية على قطاع غزة والتي أصبحت موعدا أسبوعيا منذ شهر اكتوبر/تشرين الاول الماضي، حيث لجأت السلطات إلى “القوة التعسفية والوحشية” بحجة “الحفاظ على النظام العام” .واستنكرت منظمة العفو الدولية في هذا السياق “عمليات تفكيك وتفريق عنيفة للتجمعات وضرب عشوائي للمتظاهرين”.
وأشارت المنظمة كذلك إلى مقتل الشاب نائل ذو الاصول الجزائرية عن عمر 17 سنة، على يد ضابط شرطة في مدينة نانتير في يونيو/حزيران 2023 ، في حادثة “أثارت موجة من الغضب إزاء الإفلات من العقاب الذي يتمتع به أفراد الشرطة في فرنسا “. ما أدى إلى اندلاع مظاهرات حاشدة مرفوقة بعمليات تخريب على نطاق واسع، تعاملت معها السلطات بعنف، إذ اكدت المنظمة “فتح ما لا يقل عن 32 تحقيقا في حالات مزعومة للاستخدام المفرط للقوة ” طيلة المدة التي دامت خلالها أعمال الشغب التي قادها شباب أغلبهم تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و25 سنة.
من جهة آخرى، تطرقت المنظمة إلى القانون الذي يجيز استعمال المراقبة الخوارزمية بالفيديو والتي تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بينما تحاول السلطات تقديم المخطط على أنه “تجريبي” وهدفه الاول هو ضمان الأمن خلال الألعاب الأولمبية والبارالمبية التي ستعقد في باريس هذ الصيف، إذ قالت المنظمة انها تخشى ان يسمح هذا القانون “بتوسيع صلاحيات الشرطة بشكل مفرط من خلال الرفع من ترسانة معدات المراقبة بشكل دائم”.
وفي إطار النقاشات المجتمعية الكبيرة التي تعيشها فرنسا، وصفت منظمة العفو الدولية قانون الهجرة المثير للجدل الذي تم إقراره في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد ان خضع جزء منه للرقابة من قبل المجلس الدستوري، بأنه “تمييزي ومعادٍ للأجانب “.
وقالت المنظمة ان ” القيود المفروضة على تجديد تصاريح الإقامة وتسوية اوضاع المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين، إضافة إلى حقوق الاستئناف جعلت وضع المهاجرين أكثر هشاشة”.
تهمة “تمجيد الإرهاب” ووصم المسلمين
وفيما يتعلق بحرية التعبير، أوضحت نتالي غودار، مديرة العمل في منظمة العفو الدولية في فرنسا أن المنظمة تطالب “منذ سنوات بإلغاء الجرائم المبنية على تهمة الدعوة إلى الإرهاب او تمجيد الإرهاب”. وقالت أن “حرية التعبير يجب أن تقتصر على مسائل التحريض على الكراهية، ولكن تمجيد الإرهاب جريمة يتم تعريفها بطريقة غامضة وذاتية للغاية، وبالتالي فهي تمثل في حد ذاتها خطر “الاعتداء على حرية التعبير “.
ويأتي تطرق المنظمة إلى هذه النقطة في خضم سجالات سياسية، خاصة بعد الإعلان عن استدعاء زعيمة نواب حزب “فرنسا الابية” ماتيلد بانو من قبل الشرطة في إطار تحقيق يخص مزاعم “تمجيدها للإرهاب” على ضوء دعم حزبها للفلسطينيين في قطاع غزة واتهامها للعدو الصهيوني بارتكاب “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” في القطاع. كما استدعت الشرطة في نفس السياق، المحامية الفرنسية ذات الاصول الفلسطينية ريما حسن، المرشحة ايضا للانتخابات الاوروبية عن الحزب اليساري بقيادة جون ليك ميلونشان.
المصدر: مواقع