لا زالت تداعيات نتائج جولة القتال الأخيرة تتوالى في اقليم “ناغورني قره باغ”. الأخير بات قطعاً تحت سيطرة أذربيجان التي بدأت شرطتها بالانتشار في عاصمة الاقليم “ستيباناكيرت”، مقابل استمرار الأرمن بالمغادرة، مما يطرح علامة استفهام حول فرص نجاح ما أطلقت عليه باكو تسمية “عملية إدماج الأرمن في الاقليم، والحفاظ على تعدد الإثنيات”، الأمر الذي اتهمت باشينان بتعطيله عقب تصريح الأخير بأنه “لن يبقى أرميني في الاقليم في غضون أيام”.
وفي التفاصيل، فقد بدأت الشرطة الأذربيجانية اليوم الجمعة الانتشار فعلياً في عاصمة إقليم ناغورني قره باغ بعد أيام من استعادة باكو السيطرة على المنطقة التي كانت خاصعة للانفصاليين الأرمن، فيما نزح حتى الآن أكثر من ثلثي سكان الإقليم إلى أرمينيا.
ويأتي انتشار الشرطة الأذرية في مدينة ستيباناكيرت (خانكندي بحسب التسمية المعتمدة في أذربيجان) لسد الفراغ الناجم عن غياب سلطات قره باغ التي أعلنت أمس الخميس حل نفسها.
هذا الانتشار الأمني يأتي أيضا بعد نزوح أعداد كبيرة من السكان، مشيرا إلى أن وجود الأرمن في ناغورني قره باغ بات محصورا تقريبا في ستيباناكيرت.
وقد بثت وسائل إعلام أذربيجانية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات تظهر انتشار الشرطة الأذربيجانية في ستيباناكيرت.
وكان سامفيل شهرامانيان، رئيس ما تسمى “جمهورية آرتساخ”، التي أعلن الانفصاليون الأرمن قيامها مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقع أمس مرسوما بحل “الجمهورية” ومؤسساتها اعتبارا من مطلع 2024.
ووفقا للمرسوم، فإن هذا الكيان لن يكون له وجود اعتبارا من الأول من يناير/كانون الثاني المقبل.
وبعد عملية عسكرية خاطفة بدأت في 19 سبتمبر/أيلول الجاري واستغرقت نحو 24 ساعة، وافق الانفصاليون على إلقاء السلاح، وأعلنت أذربيجان استعادة السيادة على الإقليم.
عمليات النزوح
في غضون ذلك، أفادت وكالة ريا نوفوستي الروسية بأن أكثر من 84 ألف شخص عبروا الحدود إلى أرمينيا من إقليم ناغورني قره باغ.
وقبل العملية العسكرية الأخيرة، كانت التقديرات تفيد بأن عدد سكان الإقليم يقارب 120 ألفا.
وكان رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان قال أمس إنه لن يبقى أي أرميني في الإقليم في غضون أيام، واتهم السلطات الأذرية بتنفيذ ما وصفه بتطهير عرقي للسكان الأرمن.
ونددت باكو بتصريحات باشينيان ووصفتها بالمضللة، واتهمته بتعطيل جهود أذربيجان في المساعدة الإنسانية وعملية إعادة الإدماج بإقليم قره باغ.
ودعت الخارجية الأذربيجانية السكان الأرمن إلى عدم مغادرة منازلهم، متعهدة بالحفاظ على مجتمع أذربيجان متعدد الإثنيات، على حد تعبيرها.
ونقل “موقع الجزيرة” عن مصادر محلية في قره باغ قولها إن “جولة ثالثة من المحادثات بين باكو وممثلي الأرمن بشأن عدد من المسائل وعلى رأسها دمج السكان في أذربيجان ستعقد خلال أيام”.
وفي السياق، دعت السلطات الأذرية السكان الأرمن إلى التسجيل الإلكتروني للاستفادة من كل الخدمات الحكومية وتلبية احتياجاتهم الاقتصادية والإنسانية والاجتماعية، مشيرة إلى أن ذلك يندرج في إطار إعادة دمجهم بشكل متواصل مع المجتمع الأذربيجاني.
كما دعا زعيم أرمن قره باغ سكان الإقليم الموجودين داخله أو خارجه إلى التعرف على شروط الاندماج داخل دولة أذربيجان.
وأعلنت الحكومة الأرمنية أن أكثر من 85 ألف شخص نزحوا عن إقليم قره باغ إلى أرمينيا خلال الفترة بين 24 سبتمبر/أيلول الجاري و29 منه.
وفي وقت سابق قال مساعد الرئيس الأذربيجاني حكمت حاجييف، إن دمج أرمن إقليم قره باغ في الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لأذربيجان سيكون صعبا، ويجب على المرء أن يكون مستعدا لحقيقة أن البعض سيقررون المغادرة.
وأكد الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أن السكان الأرمن في قره باغ سيكون لهم نفس الحقوق التي يتمتع بها مواطنو أذربيجان.
وكان رئيس وزراء أرمينيا نيكول باشينيان قد أكد أنه لن يبقى أرمني واحد في إقليم قره باغ، حيث “سيتم ترحيلهم في إطار سياسة تطهير عرقي ممنهجة”، وهو ما أثار امتعاض السلطات الأذربيجانية.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس جمهورية قره باغ غير المعترف بها وقع مرسوما بحل كافة المؤسسات الحكومية في الجمهورية حتى 1 كانون الثاني/يناير 2024.
وتم إصدار الأوامر لسكان قره باغ بمن فيهم من يعيشون خارج الجمهورية بعد دخول المرسوم حيز التنفيذ، بالتعرف على شروط إعادة الاندماج التي قدمتها أذربيجان، كي يقرروا بعد ذلك ما إذا كانوا سيبقون في المنطقة أم لا.
الكرملين: انضمام أرمينيا للجنائية الدولية قرار عدواني
من جهة ثانية، ندّد الكرملين الخميس بقرار أرمينيا الانضمام إلى نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية، ورأى فيه قراراً عدوانياً تجاه روسيا. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن بلاده لا ترحب بقرار يريفان الانضمام إلى الجنائية الدولية.
وكانت الجنائية الدولية أصدرت مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ملف مرتبط بجرائم حرب ارتكبت في أوكرانيا.
وفي وقت سابق، أعلنت أرمينيا أن التصديق على نظام روما الأساسي لا يرتبط بعلاقاتها مع روسيا، بل برغبتها في ملاحقة مسؤولين أذربيجانيين.
وشهدت الفترة الأخيرة توترا في علاقات روسيا بأرمينيا، رغم أن البلدين حليفان تقليديان. وقد استدعت روسيا مؤخرا سفير أرمينيا للاستفسار منه عن “إجراءات غير ودية” اتخذتها بلاده، بعدما أعلنت يريفان عن تدريبات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة.
المصدر: مواقع إخبارية