أمل وزير الثقافة في حكومة تصريف الاعمال القاضي محمد وسام المرتضى “ان يكون دور دولة قطرالذي قد بدأ في ادارة حوارٍ بين المكوّنات اللبنانية محموداً على أمل أن يثمر إنفراجاً قريباً”.
وقال خلال تمثيله لبنان في مؤتمر وزراء الثقافة في العالم الاسلامي المنعقد في الدوحة برئاسة الشيخ عبد الرحمن بن حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني :”لا يفوتني أن أنقل إليكم وجعنا اللبناني من الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى وقد طال أشهرًا. هذا الفراغ لا يمكن ملؤه إلا بالحوار الوطني الذي يفضي إلى المخارج المتاحة، تحت سقف الدستور والقوانين، التي تحفظُ الوطن والعيش الواحد، ومصادر سلامه، وعناصر قوّته متمثّلة ً بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة”.
وشددا على أهمية الاحتضان العربي للبنان، وقال :” لكننا في الوقت ذاته نعوِّلُ جدًّا على احتضان من اشقائنا لوطننا الذي بالإضافة إلى أزمته السياسية المضافة الى أزمات أخرى منها العدوانية الإسرائيلية المتربّصة، والأزمات الاقتصادية والمعيشية، والأعباء المرهقة الناتجة عن النزوح السوري واللجوء الفلسطيني وارتداداتهما الأمنية والاجتماعية. ولقد كانت دولة قطر، مبادِرةً دومًا تجاه لبنان في أكثرَ من استحقاق، ولها أفضالٌ يعرفها اللبنانيون حكومةً وشعبًا، وهم يستذكرون”.
وأضاف :” وأقتبس هنا عن دولة رئيس مجلس النوّاب اللبناني الأستاذ نبيه برّي:” أنّ قطر دولةً وأميراً كانت أوّل من زار لبنان بعد عدوان يوليو العام 2006، وعاينت التدمير والتنكيل الإسرائيليين، وأغاثت القرى والمدن اللبنانية، وكفكفت دموع الأيامى واليتامى، وأعادت البناء ودعمت المقاومة، وواست كلّ اللبنانيين بلا تمييز، ثمّ إجترحت لنا إتفاق الدوحة في العام 2008 الذي أنهى حينها واحدةً من أعقد أزماتنا السياسية،” واليوم نعوّل كما بالأمس يا معالي الوزير على دورٍ قطري محمود قد بدأ في ادارة حوارٍ بين المكوّنات اللبنانية على أمل أن يثمر إنفراجاً قريباً، فأنتم المصداق لقناعةٍ راسخةٍ لدى اللبنانيين مفادها: “اذا كان أوّل الغيث قطرةً فإنّ أفعل الغوث قطر.
ولفت الى ان ” اهتمام الدولة بالثقافة لا يعني قيدًا على حرية الرأي والتعبير والإبداع. إنُه تكامل العام والخاص من أجل رؤيةٍ معرفيةٍ واضحةِ القسمات، تُشكِّل الأداةَ الوطنيةَ المثلى لبناء الإنسان الجديد. كان الفيلسوف البريطاني برتراند راسل يقول ما معناه: “علينا أن نعرف أيَّ نوعٍ من الإنسان نبتغي قبل أن نبحثَ عن نوعِ التعليم الأفضلِ والأكثرِ ملاءمةً”. هذا القولُ الدائرُ حولَ التربية بمعناها التعليمي الحصري، ينطبقُ بإجماله على الثقافة، وبه يصيرُ احتضانُ الدولة للثقافة والمثقفين كبيرًا وفاعلًا بمقدار ما يؤدّي إلى حماية الهويّة والحقوق والقيم”.
نص كلمة المرتضى
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾
صدق الله العظيم
“معالي رئيس المؤتمر الشيخ عبد الرحمن بن حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني
معالي الدكتور سالم بن محمد المالك المدير العام لمنظّمة الإيسيسكو،
أصحاب المعالي رؤساء الوفود
الحضور الكرام وكلّكم أصحاب مقامات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
على عهدِ الثقافة نلتقي اليوم، في ضيافة دولة قطر الشقيقة وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني حفِظه الله، وكلُّنا يقينٌ بأنَّ العلمَ فضيلةٌ يشدِّدُ عليها الإسلام الحنيف، كحاجةٍ إيمانيةٍ وإنسانية بها يرتقي البشرُ ويُفْلِحونَ في عِمارةِ الأرض. ولأنَّ الثقافةَ جامعةُ العلوم، وخُطةُ سيرِ الأوطان على دروبِ العصر، وجسرُ العبور إلى الحضارة، لا بدَّ من أن يكون لها في أوطاننا قسطٌ وافرٌ من الاهتمامِ الرسمي المواكب للحَراك الإبداعي الفردي الذي من أوّلِ شروطه الحرية.”
اهتمام الدولة بالثقافة لا يعني قيدًا على حرية الرأي والتعبير والإبداع. إنُه تكامل العام والخاص من أجل رؤيةٍ معرفيةٍ واضحةِ القسمات، تُشكِّل الأداةَ الوطنيةَ المثلى لبناء الإنسان الجديد. كان الفيلسوف البريطاني برتراند راسل يقول ما معناه: “علينا أن نعرف أيَّ نوعٍ من الإنسان نبتغي قبل أن نبحثَ عن نوعِ التعليم الأفضلِ والأكثرِ ملاءمةً”. هذا القولُ الدائرُ حولَ التربية بمعناها التعليمي الحصري، ينطبقُ بإجماله على الثقافة، وبه يصيرُ احتضانُ الدولة للثقافة والمثقفين كبيرًا وفاعلًا بمقدار ما يؤدّي إلى حماية الهويّة والحقوق والقيم.
من هنا، وإنسجاماً مع عنوان هذا المؤتمر:”تجديدُ الثقافة في العالم الإسلامي”، يبقى السؤال هو هو: أيَّ إنسانٍ مسلمٍ نريد؟ لا شكَّ في أن الجوابَ أكبرُ من أن تحتويه عُجالةُ خطاب، لكنْ يمكننا القولُ بإيجازٍ إننا نريدُ لإنساننا أن يكون حرًّا في عملية التفكير والإبداع والإنتاج المعرفي، وفي الوقت ذاته متشبِّثًا بالقيم العليا التي اكتنزها تراثنا، وخصوصًا في ظلِّ ما تتعرَّضُ له مجتمعاتُنا من مفاهيم غريبةٍ، مبتدَعةٍ ومدمِّرة للكيان الإنساني. إننا في زمن العولمة الذي شرَّع الأبواب أمام أصناف التحديات كافة. وهذا يحتّمُ علينا أن نحافظَ على هويتنا الثقافية، لا لأجل الانغلاقِ فيها تجاه الآخر، بل لإثباتِ دورِنا الرائد في صنع الحضارة الإنسانية التي تتكوّن من هويات شتى، منها الإسلامية بالتأكيد.”
أهمية أن يكون لنا في فضاء الزمن الرقمي الحديث محتوًى تقنيٌّ معاصر، يبرزُ عناصر هذه الهوية الإسلامية الثقافية بكل مكتنزاتِها التراثية والتجديدية، وبخاصة تلك المتعلّقة بالحقوق الإنسانية والوطنية، والإسهامات التي أضافها المفكرون والعلماء المسلمون في أوطانهم ومغترباتهم، على مسار الفكر والعلم الحديثين. ولعلَّ منظمةَ الإيسيسكو، تقوم بهذه المهمة الجليلة التي نأمل من خلالها أن يصل العالم إلى عصرٍ يخرج فيه تراثنا الثقافي الإسلامي من إطار المتلقّي الى رحاب المحرّك لمسار الحضارة.
أما التحديات فكثيرة وخطيرة، أختصرها باثنَين: أولهما الإغتراب الثقافي والحضاري، والثاني هو تحدّي تحفيز النُّخَب.
في الأوّل يجب أن نعي أنْ ليس كلُّ ما في الغربُ منتوجَ قيمٍ، وليس كلُّه أيضًا من الموبقات. مؤتمركم هذا مدماكٌ في بناء الوعي المجتمعي حتى لا يأخذ من الغرب إلا ما يُسهم في تدعيم البناء المعرفي والأخلاقي لبلداننا، لأننا من دون ذلك نقع في الاغتراب الثقافي وتتعرّى شجرةُ القيم التي نتفيَّأُ ظلَّها.
وأما النُّخب فموجودة بوفرة في مجتمعاتنا الإسلامية، لكنهم ربما على تواصلٍ معرفيٍّ متقطّع. هذا الإطار الذي قدّمته لنا الإيسيسكو ووزارة الثقافة القطرية يمثّل نداءً لهم ليبادروا ويقودوا معركة الاعتزاز بالمخزون التاريخي للأمّة، كما معركة التواصل والتكامل ضمن صيانة الخصوصية والفرادة. نعم يا اصحاب المعالي، هذا اللقاءُ في قطر مدماكٌ في عمارة المعرفة المتبادلة ولَبِنةٌ في عمارة قبولِ الآخر والعيش معه كما هو، لأنه جزءٌ منا، به نلغي اغترابنا عن أنفسِنا، ونصونُ مشتركاتنا، ونسهمُ إيجابيًّا في الحضارة الإنسانية.
ان التنمية الثقافية عنوان استراتيجي. والإيسيسكو منظّمةٌ فيها ما يكفي من الدينامية لوضع مقاربات فعّالة حول المواضيع المطروحة من برنامج تثمين الكنوز البشرية الحيَّة والمعارف التقليدية في العالم الإسلامي، إلى المبادئ التوجيهية للسياسات الثقافية ومؤشرات التنمية المستدامة في عالم متحوّل، إلى استراتيجية مكافحة الاتّجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية في العالم الإسلامي، إلى غيرها من الموضوعات التي بات “للإيسيسكو” باعٌ طويلة في معالجتها نظرًا للنخب والكفاءات التي تتشكّل منها.
وفي ظلّ الصراعات الكبرى التي تسود العالم، يبقى الصراعُ الثقافي واحدًا من أهمّها، بل لعلَّه أهمُّها على الإطلاق، ذلك أن النجاحات العسكرية والأمنية والاقتصادية، وسواها، تبقى إلى حينٍ، مهما طال أمدُها، ثم تزول آثارُها إلا من كتب التاريخ؛ أما النجاحاتُ الثقافية فتظل ساطعةً ما دامت البشرية. من هنا دعوتي إلى أن يبقى سعيُنا منصبّاً على حفظ معالم الهويّة الإيمانية، كجزءٍ من التراث الإنساني، بدءًا بالمحافظة على معنى الحقوق:حقوق الإنسان كفردٍ في مجتمع يسوده القانون، وحقوق الأمة في وجودِها وكيانِها، وفي المقدمة حقّ تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، لإنقاذها من اعتداءاته اليومية ضد الإنسانية على الناس والممتلكات والمقدسات، وعلى التراث الإسلامي والمسيحي فيها بمظهرَيْه الماديِّ والمعنوي. وكذلك حقُّ حفظ التنوع، بدعم لبنان ليبقى النموذجِ الحيِّ للعيش الواحد بين المسلمين والمسيحيين، والمثالِ الناطقِ بالسماحة والانفتاح والتراحم بين الدينين وبين المؤمنين بهما؛ علمًا أن إظهار هذه الفضائل، وهي فضائل السماحة والإنفتاح والجاهزية للعيش الواحد مع الآخر المختلف، هو من أهم الأهداف في أي حَراك منبثقٍ من الثقافة الإسلامية فإيماننا يفرض علينا أن ندخل في حالة تحاببٍ وتفاعلٍ ايجابيٍّ مع الناس كلّ الناس فهم بالنتيجة وكما قال الإمام علي عليه السلام إمّا أخوة لنا في الدين أو نظراء لنا في الإنسانية.
صاحب المعالي الشيخ عبد الرحمن،
أصحاب المعالي: لا يفوتني أن أنقل إليكم وجعنا اللبناني من الفراغ في سدّة الرئاسة الأولى وقد طال أشهرًا. هذا الفراغ لا يمكن ملؤه إلا بالحوار الوطني الذي يفضي إلى المخارج المتاحة، تحت سقف الدستور والقوانين، التي تحفظُ الوطن والعيش الواحد، ومصادر سلامه، وعناصر قوّته متمثّلة ً بمعادلة الشعب والجيش والمقاومة. لكننا في الوقت ذاته نعوِّلُ جدًّا على احتضان من اشقائنا لوطننا الذي بالإضافة إلى أزمته السياسية المضافة الى أزمات أخرى منها العدوانية الإسرائيلية المتربّصة، والأزمات الاقتصادية والمعيشية، والأعباء المرهقة الناتجة عن النزوح السوري واللجوء الفلسطيني وارتداداتهما الأمنية والاجتماعية.
ولقد كانت دولة قطر، مبادِرةً دومًا تجاه لبنان في أكثرَ من استحقاق، ولها أفضالٌ يعرفها اللبنانيون حكومةً وشعبًا، وهم يستذكرون، وأقتبس هنا عن دولة رئيس مجلس النوّاب اللبناني الأستاذ نبيه برّي:” أنّ قطر دولةً وأميراً كانت أوّل من زار لبنان بعد عدوان يوليو العام 2006، وعاينت التدمير والتنكيل الإسرائيليين، وأغاثت القرى والمدن اللبنانية، وكفكفت دموع الأيامى واليتامى، وأعادت البناء ودعمت المقاومة، وواست كلّ اللبنانيين بلا تمييز، ثمّ إجترحت لنا إتفاق الدوحة في العام 2008 الذي أنهى حينها واحدةً من أعقد أزماتنا السياسية،” واليوم نعوّل كما بالأمس يا معالي الوزير على دورٍ قطري محمود قد بدأ في ادارة حوارٍ بين المكوّنات اللبنانية على أمل أن يثمر إنفراجاً قريباً، فأنتم المصداق لقناعةٍ راسخةٍ لدى اللبنانيين مفادها: “اذا كان أوّل الغيث قطرةً فإنّ أفعل الغوث قطر.
شكرًا لقطر أميرًا وحكومةً وشعبًا، شكراً لكم يا معالي رئيس المؤتمر الشيخ عبد الرحمن بن حمد بن جاسم بن حمد آل ثاني، شكرًا للإيسيسكو ولمعالي مديرها العام الدكتور سالم بن محمد المالك، وفقّنا الله جميعاً لما يحبّه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمةٌ منه وبركات”.