في ظل ظروف جيوسياسية أمنية دولية حساسة دعت روسيا مئة ودولتين، حضر منهم 800 مندوب من 76 دولة وثماني منظمات دولية (الأمم المتحدة، منظمة معاهدة الأمن الجماعي، منظمة شنغهاي للتعاون، رابطة دول جنوب شرق آسيا، جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي…) للمشاركة في مؤتمر الأمن الدولي في نسخته الحادية عشرة، واستثنت موسكو الدول الغربية لكنها لم تستبعد الكيان الصهيوني، الذي جرت العادة على مشاركته على مستوى ملحق سفارة أو سفير.
وكان أن حضرت الصين، الهند، جنوب إفريقيا، تركيا، إيران، المكسيك وكوريا الشمالية، إضافة لدول عربية منها المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر وغيرها…
وتركز جدول أعمال المؤتمر على البحث في قضايا الاستقرار العالمي، في سياق ظهور عالم متعدد الأقطاب، والتفاعل بين إدارات الدفاع والأجهزة الأمنية لمختلف الدول. ذلك فضلاً عن الجوانب العسكرية للأمن الإقليمي في أوروبا وآسيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وإفريقيا. وقد تمكن الخبراء المستقلون، بمن فيهم الغربيون، من مناقشة القضايا الحادة المدرجة على جدول الأعمال بصيغة نادي الحوار “عالم واحد-أمن مشترك”.
ويمكننا القول إن روسيا رغم الإجراءات العدائية الممارسة ضدها اقتصادياً، سياسياً، أمنيًا وعسكرياً، مستمرة في تنظيم هذه الفعاليات الدولية الطابع، ولا تزال توفر منصة لمناقشة أدق قضايا الأمن الدولي والإقليمي، ما يعزز مكانتها كضامن للقوى العالمية، التي تعدُّ نفسها مستقلة عن النفوذ الغربي أو تسعى لذلك.
وبينما تجهد الصين لتبؤ دورها الريادي الاقتصادي في العالم، تبقى روسيا القطب الدولي الأول في توفير الأمن وضامنًا أساسًا للاستقرار والتوازن الأمني والسياسي للقوى الصاعدة الرافضة للتبعية الأحادية والساعية لانتهاج سياستها السيادية المستقلة.
ومن بين معالم طموح روسيا لترسيخ دورها كضامن أساس للأمن والاستقرار محاولاتها المستمرة تكثيف مساعيها بين الأطراف المتناقضة، السعودية وإيران، الهند وباكستان، أرمينيا اذربيجان بين الفصائل الفلسطينية فيما بينها، وبين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في رسالته للمشاركين، أشار إلى أن “مثل هذه المباحثات المفتوحة والصادقة وغير المتحيزة مهمة للغاية، وتُعَدُّ تبر مطلباً في يومنا الحاضر”. إذ بحسب بوتين “علينا جميعاً، على المجتمع الدولي بأسره على قدم المساواة مهمة رسم ملامح المستقبل”.
وقال الرئيس الروسي “نحن نرى مدى استمرار تشكل عالم متعدد الأقطاب. وأن معظم الدول مستعدة للدفاع عن سيادتها ومصالحها الوطنية وتقاليدها وثقافتها وطريقة حياتها. في حين يجري تعزيز المراكز الاقتصادية والسياسية الجديدة. كل هذا يمكن أن يصبح أساسًا مهمًا للتنمية العالمية المستقرة بصورة تدريجية، من أجل إيجاد حلول عادلة، والأهم من ذلك، حلول حقيقية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والبيئية، لتحسين نوعية الحياة والرفاهية لملايين البشر”.
وأضاف الرئيس الروسي أن “الناتو يواصل بناء قدراته، ويستخدم وسائل الضغط العسكرية وغير العسكرية. والولايات المتحدة الأميركية تحاول إعادة صياغة نظام العلاقات الدولية في مناطق آسيا والمحيط الهادئ على نحوٍ يخدم مصالحها، بينما تتلاعب بعض الدول بشعوب العالم وتؤجج صراعات لإجبار بلدان أخرى على الانصياع لإرادتها ضمن سياسة الاستعمار الجديدة”.
من جانبه، لفت وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو النظر لتنامي دور الدول الآسيوية والإفريقية ودول أمريكا اللاتينية في النظام العالمي، “حيث قللت العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا من قدرة الغرب الجماعي على فرض سلطته على مناطق مختلفة من العالم”.
وفيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، رأى وزير الدفاع الروسي أن “الوضع يتطور إيجابياً مع عودة سوريا لجامعة الدول العربية، ما يشكل بحسب رأيه عاملاً قوياً لاستقرار المنطقة كلها، ويفضي إلى نتائج ذات طابع استراتيجي، ولا سيما مع تطبيع العلاقات بين الممملكة السعودية وإيران، إذ إن ذلك يشير إلى نشوء نظام أمني مستقل تدريجياً في المنطقة”.
غير أن شويغو حذر من احتمال مواصلة الغرب إثارة النزاعات بقوة في المنطقة، “التي لديها ما يكفي من نقاط ساخنة محتملة، ولذا لا بد من الاستعداد لمثل هذا التطور السلبي للأحداث، واتخاذ تدابير احترازية، بما في ذلك في مجال الاكتفاء الذاتي العسكري”، على حد تعبير وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
نجحت روسيا في تحقيق المهمة الرئيسة للمؤتمر، الذي نظمته مؤسستها الأمنية العسكرية لخلق جو من التعاون وتعزيزه، مثبتة بذلك أنها الضامن الأمني والأكثر موثوقية في العالم في تحدٍ واضح للخطوات العدائية الممارسة ضدها، المرافقة للتحولات المؤدية لتكوين نظام عالمي متعدد الأقطاب.
خمسة مسائل على المستوى الجيوسياسي تمت ملاحظتها خلال انعقاد منتدى “الجيش في روسيا” المنتدى العسكري التقني الدولي “جيش 2023”.
اجتماعات
المنتدى شهد العديد من الاجتماعات المفتوحة والمغلقة تناولت قضايا الساعة المختلفة.
من أهم الاجتماعات المغلقة اجتماع المائدة المستديرة الدولي المتعلق بمناقشة القانون الدولي، الذي نظمه مركز دراسة القانون الدولي والتكاملCILIS) وتناول كذلك مناقشة “الفضاء القانوني المشترك لمنظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة دول البريكس بعنوان : الواقع الحالي آفاق التطوير”.
عقد الاجتماع بمشاركة بعض دول البريكس ومنظمة شانغهاي للتعاون، بالإضافة إلى خبراء القضايا القانونية الجيوسياسية والدولية. و تطرق خبراء دوليون مثل بروفيسور العلوم السياسية يلينا زينوڤيڤا. العالم السياسي غافور منصوروف، و د. علوم سياسية أرايك ستيبانيان و بروفيسور سيرجي ديكتياريف.
تطرق هؤلاء الخبراء البارزون في السياسة والقانون الدولي إلى العديد من الموضوعات الأساسية، مثل إمكانات منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس في مكافحة مظاهر الإرهاب والتطرف، والاستقلال المالي والاقتصادي للدول في الظروف الحديثة، إضافة لتناول قضية إنشاء نظام دفع موحد او تبادل مالي ودوره في ضمان الاستقرار الأمن المالي لمنظمة شنغهاي للتعاون والدول الأعضاء في البريكس، وتوحيد التشريعات القانونية كقوة دافعة للتنمية الاقتصادية.
كما بحث الخبراء مسألة التنظيم القانوني للمناطق الاقتصادية الخاصة ومجالات التنمية ذات الأولوية ، وأخيراً و ليس آخراً اولى الباحثون المجتمعون اهتماماً خاصاً بموضوع الذكاء الاصطناعي كعامل تهديد للأمن الدولي و آفاق تنظيم الاطر القانونية الدولية لتطوير منظومات الذكاء الاصطناعي
المصدر: موقع المنار