لم يكن مصادفة توقيت تجميد روسيا عملها ضمن صفقة الحبوب، ولم يكن هذا القرار مرتبطًا فقط بالوضع الميداني والهجمات الإرهابية المتكررة على جسر شبه جزيرة القرم، إذ إن هذه الصفقة لم تجد حلاً لتلبية احتياجات الدول الفقيرة ومنها الدول الإفريقية، بل انحصرت منفعتها بالدول الغربية الداعمة لنظام كييف. فخلال عام من تجربة صفقة الحبوب جرى تصدير 32.8 مليون طن من البضائع الأوكرانية، حصلت الدول الفقيرة منها على مليون طن فقط، في حين استحوذت البلدان الغنية على أكثر من 70 في المئة من إجمالي الصادرات، بحسب بوتين.
الجواب على سر هذا التوقيت كشفته القمة الروسية الأفريقية المنعقدة في مدينة سان بطرسبورغ الروسية، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استعداد بلاده لإرسال الحبوب إلى الدول الإفريقية من دون مقابل مع الأخذ بعين الاعتبار الوفرة المتوقعة في الإنتاج هذا العام. فقد صدرت روسيا، بحسب بوتين، 10 ملايين طن من الحبوب إلى افريقيا خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري – وذلك رغم العقوبات الغربية. بوتين أوضح، قائلا: “الأرقام تتحدث عن نفسها، في العام الماضي زادت تجارة المنتجات الزراعية بين روسيا والدول الإفريقية بنسبة 10 في المئة وبلغت 6.7 مليارات دولار، وفي الفترة من كانون الثاني / يناير إلى حزيران / يونيو من هذا العام ارتفعت على نحو قياسي بنسبة 60 في المئة”.
وأشار بوتين إلى أن شحنتين فقط من أصل 262 ألف طن من الأسمدة الروسية المحتجزة في أوروبا أُرسلت إلى ملاوي وكينيا. 20 ألف طن منها إلى ملاوي و34 ألف طن إلى كينيا، كعمل إنساني بحت.
وأضاف الرئيس الروسي: “جرى إرسال شحنتين فقط من أصل 262 ألف طن من الأسمدة (الروسية) المحتجزة في الموانئ الأوروبية”.
كما أعرب بوتين عن استعداد موسكو لإرسال الحبوب إلى الدول الإفريقية الأكثر احتياجا على نحو مساعدات.
وتابع: “لقد قلت سابقا إن حبوب بلدنا قادرة على الحلول محل الحبوب الأوكرانية سواء أكان ذلك على أساس تجاري أم بصورة مساعدات مجانية لأكثر البلدان الإفريقية احتياجا، وخاصة أن من المتوقع أن يسجل محصول هذا العام رقماً قياسياً مرة أخرى”.
الرئيس الروسي ذهب إلى أبعد من تلبية احتياجات تلك الدول من الحبوب ليتوقع أن تصبح إفريقيا مُصدِّراَ رئيساً للأغذية في المستقبل، معرباً عن استعداد روسيا لدعمها في هذا المجال. وجاء في كلام الرئيس الروسي خلال جلسة المنتدى الاقتصادي والإنساني لقمة روسيا-إفريقيا: “… من حيث المبدأ، نحن على قناعة من أن تطبيق التقنيات الزراعية المناسبة والتنظيم المناسب للإنتاج الزراعي، لن يمكِّن إفريقيا في المستقبل من إطعام نفسها وضمان أمنها الغذائي فحسب، بل سيجعلها أيضاً مُصدِّرة لأنواع مختلفة من الغذاء”. وأضاف: “أؤكد لكم أن روسيا ستدعم ذلك”. ولفت بوتين إلى أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للقارة الأفريقية تجاوز المؤشرات العالمية هذا العام، وذكر في كلامه أن “إمكانات إفريقيا واضحة للجميع، ومتوسط معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي للقارة (الإفريقية) خلال الأعوام العشرين الماضية حوالي 4-4.5٪ سنويا، وهذا يتجاوز المستويات العالمية”.
أما من ناحية تنامي حجم التبادل التجاري بين روسيا والدول الأفريقية فقد بلغ 18 مليار دولار كنتيجة ملموسة لنجاح قمة سوتشي الروسية الإفريقية السابقة.
وأضاف: “أنا على يقين من قدرتنا جميعا على العمل لزيادة التجارة بصورة جذرية في المستقبل المنظور”.
ويعول بوتين على تصدير البضائع المنتجة في المنطقة الصناعية الروسية بالقرب من قناة السويس إلى جميع الدول الإفريقية التي تأمل روسيا ببدء نشاطها العملي في القريب العاجل.
وخلال كلمته الافتتاحية في القمة، ذكَّر بوتين بأن صادرات النفط والغاز الروسيين إلى إفريقيا زادت بمقدار 2.6 مرتين عن معدلاتها السابقة. كما أعلن الرئيس الروسي عن الإعداد لإطلاق 30 مشروعاً للطاقة بمشاركة روسية في 16 دولة إفريقية بقدرة إنتاجية تصل إلى 3.7 غيغاوات”.
بدوره، أعلن وزير الطاقة الروسي نيقولاي شولغينوف أن روسيا تعتزم توجيه نحو 18-20 مليون طن من المنتجات النفطية إلى إفريقيا عام 2023 مقارنة بـ8 ملايين طن في العام الماضي.
وقال شولغينوف على هامش قمة روسيا-إفريقيا:”… يوجد القليل جداً من النفط الخام، و(هم) يطلبون المزيد من المنتجات النفطية، والديزل، في المقام الأول. ونحن هذا العام، أرسلنا خلال نصف عام بالفعل الكمية السنوية نفسها، ونتوقع أن يكون هناك نحو 18-20 مليون طن هذا العام”.
من جانبه رأى رئيس الاتحاد الإفريقي، رئيس اتحاد جزر القمر، غزالي عثماني، أن روسيا هي الشريك الأهم لإفريقيا مشيراً إلى أن الاستثمارات الروسية أسهمت في انتعاش اقتصاد عدد من دول القارة. وطالب عثماني بتسهيل نقل الحبوب الروسية والأوكرانية إلى دول القارة، وأضاف أن تعليق صفقة الحبوب قد يؤثر في إفريقيا في الوقت الذي تبذل فيه روسيا جهوداً كبيرة لحل المشكلات الغذائية.
وقال عثماني في القمة الروسية-الإفريقية المنعقدة في سان بطرسبورغ “إن روسيا شريك مهم، وإن الاتحاد الروسي وقف إلى جانب إفريقيا في حل جميع المشكلات التي واجهتها القارة، كما إن الاستثمارات الروسية أسهمت في انتعاش عدد من الدول الإفريقية، ونحن ممتنون للغاية لذلك”.
وشكر عثماني نظيره الروسي على دعوته إلى قمة سان بطرسبورغ، مؤكدا أهمية هذا اللقاء “ليس للعلاقات الروسية الإفريقية فحسب، بل وللعالم بأسره، لأن روسيا قوة عالمية”، بحسب تعبيره.
ورأى غزالي عثماني أن إفريقيا يجب أن تتمثل في مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة، معلنًا أن موسكو تدعم هذا التوجه.
وفي سياق متصل أكد الرئيس الروسي أن موسكو تؤيد ضم الاتحاد الإفريقي إلى عمل المنظمات الدولية، وتعول على أن يصبح الاتحاد عضواً كامل العضوية في مجموعة العشرين في سبتمبر / أيلول من هذا العام. وخلال لقائه غزالي عثماني، قال بوتين: “نحن نؤيد ضم الاتحاد (الإفريقي) إلى عمل الجمعيات الدولية الرائدة”. مذكرًا بأن “روسيا كانت من أوائل الدول التي استجابت إيجابياً لمبادرة منح الاتحاد الإفريقي العضوية الكاملة في مجموعة العشرين”. وتابع: “نحن نعول على اتخاذ هذا القرار في سبتمبر / أيلول خلال قمة مجموعة العشرين في نيودلهي”.
كما أشار بوتين إلى أن روسيا تنظر إلى الاتحاد الإفريقي “كمنظمة إقليمية رائدة تشكل بنية أمنية حديثة في القارة وتهيئ الظروف لضمان مكانة لائقة لإفريقيا في نظام العلاقات الاقتصادية العالمية”.
وأكد الرئيس الروسي أن بلاده مستعدة للمساعدة بكل الطرق الممكنة في تعزيز سيادة الدول الإفريقية، وللمساعدة في جعل إفريقيا أحد الشركاء الرئيسين في نظام العالم المتعدد الأقطاب الجديد، مضيفاً: “سنولي اهتماماً خاصاً لهذا الأمر”.
المصدر: موقع المنار