إنه الانقلاب الحادي عشر في النيجر. انقلب الحرس الرئاسي هناك على رئيسهم المنتخب محمد بازوم، واحتجزوه في مقر إقامته في العاصمة نيامي. حتى اللحظة، يبقى بازوم محتجزاً، إذ يصرّ المتمردون على استقالته، ضامنين له الحصانة وعدم المحاكمة. وقد أعلن المتمردون، في بيان متلفز، عزل بازوم ضمن إجراءات أخرى من بينها إغلاق الحدود وفرض حظر التجوال ابتداء من هذه الليلة.
وبحسب مصادر إعلامية، فإن الوضع في نيامي لا يزال مبهماً، وسط شحّ في المعلومات حول منفذي المحاولة الانقلابية، إذ يدّعي أنصار محمد بازوم أن الحرس الرئاسي لم يشارك في التمرد بكامل قوامه.
في غضون ذلك، لم يعلن محمد بازوم استقالته بعد، في وقت أعلن فيه قادة الدول الأفريقية المجاورة دعمه واعتباره رئيساً شرعياً للبلاد، حتى أن رئيس بنين باتريس تالون ذهب إلى نيامي للتفاوض مع المتمردين.
في السياق، ظهرت مقالات ترجح أن “محمد بازوم لم تتم إزالته من السلطة فحسب، بل إن هذه محاولة لتغيير المسار السياسي للبلاد من موال لفرنسا إلى موال لروسيا والصين. حتى أن بعض ما نشر وجه اصابع الاتهام الى مقاتلين من أفضل الشركات العسكرية الخاصة السابقة، التي تقدم خدمات لسلطات مالي المجاورة، في اشارة واضحة الى شركة Wagner”.
تضامن دولي مع بازوم
وربما يفسر ذلك، الإدانات الصادرة عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر، للانقلاب، إذ أعربت الأخيرة على لسان وزيرة خارجيتها كاترين كولونا عن إدانتها “أيّ محاولة للاستيلاء على السلطة بالقوّة”. كما سبق أن أعرب الرئيس ايمانويل ماكرون عن قلقه، لكن القوات الفرنسية المتمركزة في النيجر لم ترد بعد على ما يحدث، بانتظار ما ستؤول إليه المواجهة في نيامي ربما.
كما طالبت الولايات المتحدة بإطلاق سراح بازوم. وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جايك ساليفان، في بيان “ندين بشدة أي محاولة لاعتقال أو لإعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديموقراطياً في النيجر، والتي يديرها الرئيس بازوم”.
بدوره، دعا وزير الخارجيّة الأميركي، أنتوني بلينكن إلى “الإفراج الفوري” عن رئيس النيجر، قائلاً من نيوزيلندا “تحدّثتُ مع الرئيس بازوم في وقت سابق هذا الصباح، وقلت له بوضوح إنّ الولايات المتحدة تدعمه بقوّة، بصفته رئيساً للنيجر منتخباً بشكل ديموقراطي”.
وعقب العملية، دان “الاتحاد الأفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” (إيكواس) الانقلاب. كذلك، دان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، “أي محاولة لتولي الحكم بالقوة”، داعياً إلى احترام الدستور النيجري. ومساءً، أعلن المتحدث باسم الأمين العام أنّ غوتيريش “تحدّث مع بازوم”، معرباً له عن “دعمه الكامل وتضامنه”.
يبدو كل شيء حتى الآن وكأنه صراع شخصي بين الرئيس بازوم والجنرال عمر تشياني، الذي كان يقود الحرس الرئاسي لأكثر من 12 عاماً. ففي عام 2021 ، كان عمر تشياني وحراسه هم الذين قمعوا محاولة تمرد للجيش، حاول قادته منع تنصيب محمد بازوم رئيسا للنيجر.
على ما يبدو، فإن الجنرال، الذي كان في منصب رئيسي في النيجر غير المستقرة على مدى سنوات عديدة، تخيل نفسه “صانع الملوك” أو شخصية سياسية رئيسية، أما الرئيس فقد قرر التخلص من جنرال طموح.
ويؤكد ذلك بدء التمرد فور إعلان محمد بازوم نيته إقالة الجنرال عمر تشياني.
يُذكر أنه حتى الآن، من الواضح أن سياسة بازوم التي ترمي إلى تعزيز العلاقات مع فرنسا وزيادة وجودها العسكري في البلاد لم تسبب احتجاجات سواء في المجتمع أو على صعيد القوات المسلحة النيجرية (عمر تشياني نفسه كان أحد المروجين لهذه السياسة لأكثر من عقد من الزمن، في ظل تعاقب الرؤساء).
هل سيستفيد خصوم روسيا من انقلاب النيجر؟
لن تكون مفاجأة إذا حاول خصوم روسيا اتهام موسكو بالوقوف وراء تنظيم انقلابات عسكرية في بلدان أفريقية غير مستقرة سياسياً. قد يدعمون وجهة نظرهم بالقول إنه في بوركينا فاسو ومالي وجمهورية إفريقيا الوسطى المجاورة للنيجر تم، في العامين الماضيين، استبدال الأنظمة الموالية لفرنسا بتلك التي تميل في علاقاتها الخارجية إلى كل من روسيا والصين.
هذه المقاربة قد تؤدي إلى مزيد من التدهور في العلاقات بين روسيا وفرنسا. من جهتها، روسيا التي تحتضن قمة مع قادة وممثلي 49 دولة من أصل 54 دولة افريقية أظهرت تحفظاً تجاه الانقلاب في النيجر.
بعد عزل الرئيس يمكن توقع مرحلة أكثر حدة في الصراع الداخلي الى درجة الانزلاق الى حرب اهلية، وحتى تدخل باريس وربما واشنطن عسكرياً، حسبما يرجح خبراء.
المصدر: موقع المنار