صدرت مذكرة توقيف عن القضاء الفرنسي بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد تغيبه عن الحضور لجلسة التحقيق معه بجرم اختلاس وتبييض اموال، واللافت ان سلامة بادر لانتقاد ما جرى معتبراً ان الخطوة غير قانونية ومخالفة لأبسط القوانين.
وقد انتشرت معلومات عن تعذر القضاء اللبناني إبلاغ سلامة بموعد الجلسة لعدم ايجاده في مكان سكنه المحدد، ما يعني ان سلامة لم يتبلغ موعد الجلسة ما دفع القضاء الفرنسي لاصدار مذكرة التوقيف، ويبدو ان سلامة لم يتبلغ أصولا موعد الجلسة ما يدفعه للتذرع بعدم علمه بالجلسة وبالتالي يبرر له عدم الحضور.
لكن ما جرى يدفع الى طرح العديد من التساؤلات حول هذا الموضوع، فهل فعلا يتعذر تبليغ رياض سلامة وهو موظف لديه مركز واضح ومكان عمل محدد ومواعيد للحضور والمغادرة؟ هل الامر قضائي بحت ام ان عدم تبليغه مقصود؟ وماذا عن الخطوة التالية لمذكرة التوقيف؟ هل تحتاج الى اجراءات معينة ام ان الامر يقف عند هذا الحد؟ وهل رياض سلامة الذي يتذرع الآن بعدم علمه بموعد الجلسة التي عقدت الثلاثاء 16-5-2023 سيبقى يتذرع بعدم العلم بأي جلسات لاحقة ام انه سيضطر الى تعيين مكان محدد لإبلاغه فيه، او يعين وكيلا قانونيا في فرنسا يتم التبليغ في مركزه؟
من المتصور ان عدم تبليغ رياض سلامة موعد الجلسة قد تم بـ”غض نظر” من السلطات المعنية بذلك في لبنان ويحمل شبهة عدم وجود نية لابلاغه، فالرجل معروف مكان السكن والعمل، وبالتالي خير رد على ما هذا الامر ما قالته القاضية غادة عون “القضاء اللبناني: تعذر إبلاغ رياض سلامة، مجهول محل الاقامة”، متسائلة “هل هذا معقول؟”، وتابعت “القضاء الاوروبي دون تردد أصدر مذكرة توقيف دولية بحق سلامة”، مضيفة “بعدهن عم يتذاكوا ما صارت مفهومة اللعبة”.
وهنا لا بد من اجراءات إضافية لاعطاء مذكرة التوقيف الفرنسية قوة تنفيذية، ذلك عبر إبلاغ الانتربول الدولي بها لتعميمها والطلب بإلقاء القبض على الرجل، اللهم إلا اذا تم تعديلها وذلك بعد حصول الطعن بها بالاستئناف من قبل وكيل سلامة القانوني، فرياض سلامة بعد صدور المذكرة أكد انه “سيطعن بها لمخالفتها لأبسط القوانين”.
وبالتالي سننتظر ما ستحمله الايام المقبلة من تطورات قضائية كي يُبنى على الشيء مقتضاه، ولكن كل ذلك لا بد انه يضيّق الخناق على سلامة الذي بات محاصرا من قبل القضاء الاوروبي والفرنسي بعد قدرته على التفلت من القضاء اللبناني، وهو لاحقا لن يكون بمقدوره التذرع كثيرا بعدم تبلغه مواعيد الجلسات وإنما على الأرجح سيبحث عن أعذار اخرى للتهرب من الحضور فيما لو أراد او قدّر ان مصلحته هي بعدم الحضور، فالموضوع من الآن وصاعدا سيكون مرتبطا بـ”التكتيك” الذي سيعتمده الفريق القانوني لسلامة سواء قرر الحضور من عدمه.
يبقى ان ننظر للموضوع من بُعده السياسي المحلي والدولي، خاصة ان هناك منظومة سياسية اقتصادية طالما كانت تحمي رياض سلامة في الداخل والخارج، ولا شك ان هذه المنظومة التي قامت منذ ما بعد العام 1992 كانت تشكل الحاضنة الآمنة لحاكم مصرف لبنان، الذي شكل أحد أهم حلقاتها، وقد تبين ذلك بشكل واضح خلال الأزمات المالية والاقتصادية التي يعاني منها لبنان منذ اكثر من 3 سنوات، فكل شيء مرتبط بحاكم المصرف المركزي ويحتاج لتوقيعه كي تُفتح الاعتمادات ويتم إدخال السلع والمواد الى لبنان.
من كل ذلك يظهر أن هناك جانبأ من الغطاء السياسي الخارجي قد رُفع عن رياض سلامة ما سمح بملاحقته في سويسرا وفرنسا بالعديد من الملفات والقضايا، بينما يتواصل الغطاء الأميركي له خاصة انه أحد أهم الممثلين التاريخيين لمصالح واشنطن في لبنان، بانتظار ما ستحمله الايام المقبلة من تطورات في هذا الملف.
المصدر: موقع المنار