تعدّ مسألة إعفاء المتدينين- الحريديم من الخدمة العسكرية في الجيش الصهيوني من أكثر القضايا إثارة للجدل والخلافات بين التيّارات والأوساط الصهيونية منذ تشكّل الكيان المؤقت، نظراً لما تنطوي عليه هذه القضية من أبعاد قيمية وميثاقية واجتماعية واقتصادية.
الجدير ذكره أنّ قضية تجنيد الحريديم أو إعفاؤهم من الخدمة العسكرية قد مرّت بالعديد من المحطات منذ العام 1948، وخلال الـ 75 عاماً من عمر الكيان المؤقت شُكِّلت العديد من اللجان وطُرحت العديد من القوانين الهادفة إلى إيجاد حلّ لهذه المسألة، ولكن في كلّ مرّة كانت المحكمة العليا تقف سدّاً أمام إقرار قانون يُعفي الحريديم من الخدمة العسكرية على خلفية تعارضها مع مبدأ المساواة الاجتماعية وتكريس التمييز البنيوي بين “فئات الشعب”.
ما زاد من حضور هذه القضية أخيراً، هو الضغط الذي فرضه جدولان زمنيان، الأوّل تفرضه المحكمة العُليا، حيث تنتهي المهلة المعطاة للكنيست لإقرار قانون عادل بعد نحو شهرين، والثاني تفرضه الأحزاب الحريدية التي تريد اعفاء طلاب المدارس الدينية، وفقاً للاتفاقات الائتلافية مع بنيامين نتنياهو، والتي تشترط مصادقتها على ميزانية الدولة، قبل نهاية شهر أيار المقبل، بتمرير قانون التجنيد. تجدر الإشارة إلى أنّه إذا أخفقت الحكومة في تمرير الموازنة في الكنيست قبل نهاية شهر أيار، فتُعتبر مستقيلة بحسب القانون.
ومطلع هذا الأسبوع عقد رؤساء أحزاب الائتلاف، جلسة أولى في موضوع قانون التجنيد، فيما على جدول الأعمال خفض سنّ الإعفاء من الخدمة العسكرية للشبان الحريديم إلى 21 سنة بدلاً من 26 حالياً. ما يعني أنّه من أجل تجنّب تجنيد الشاب الحريدي في الجيش، فإنّ عليه التعلُّم في اليشيفوت [المدارس الدينية] التوراتية لغاية وصوله إلى سنّ الإعفاء، الذي هو اليوم 26 سنة، مع العلم أنّ الخدمة الإلزامية تُفرض بدءً من سن الـ 18.
وفي ضوء قرب نفاد المهلة التي حدّدتها المحكمة العُليا للكنيست، لطرح قانون خدمة يضمن المساواة الاجتماعية بين مختلف الشرائح السكانية، فإنّ الموضوع عاد بقوّة إلى العناوين الرئيسية بسبب رغبة الأحزاب الحريدية في سنّ قانون يخفّض عمر إعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية إلى 21 عاماً. بينما يروّج وزير الأمن يوآف غالانت لمخطّط يتمّ بموجبه تغيير نموذج الخدمة الإلزامية بحيث يحصل من يخدم على سلسلة من المزايا الاقتصادية كتعويض على خدمته.
ولفت مُعلّقون ومُحلّلون إلى أنّ طرح هذا الموضوع اليوم، يتميّز عن كلّ المرّات السابقة، كوْنه يأتي في ذروة انقسام سياسي واجتماعي، وخَضّة غير مسبوقة في الجيش على خلفية موجة الاستنكاف عن الخدمة الاحتياطية اعتراضاً على الخطة القضائية. وأيضاً في ظلّ تحوّلات أمنية واستراتيجية في المنطقة.
قانون نهاية جيش الشعب
إعادة طرح قضية إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، أثار موجة ردود فعل سياسية وإعلامية، لاسيّما من جانب أحزاب المُعارضة. وتطرح المعارضة في هذا السياق شعارات كبيرة، من قبيل أنّ إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، يميّز بين دمٍ ودم، وينسف مفهوم الجيش الصهيوني كـ “جيش الشعب”، وقد يؤدّي إلى تفكيك الجيش.
وبعد تحريك هذا الملف الملتهب في الحكومة الأحد الماضي، هاجم رئيس المُعارضة، يائير لابيد، بشدّة مشروع القانون الذي بدأت الحكومة بالترويج له، معتبراً أنّه قانون يمثّل “نهاية جيش الشعب” ويُعمّق الانقسامات داخل “المجتمع الإسرائيلي”.
ومُعللاً ذلك قال لابيد: “فقط أولادنا (العلمانيون والليبراليون) سوف يلتحقون بالجيش، فقط أولادنا هم مَن سيُخاطرون بحياتهم. أولئك الذين لا يلتحقون (الحريديم)، ستزيد مخصّصاتهم وسيكون أولادنا فقط هم السذّج الذين يعملون ويدفعون الضرائب”.
من جهته، رأى وزير الأمن السابق، ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، أفيغدور ليبرمان، أن قانون التجنيد المقترح يهدف إلى شرعنة التهرّب من الخدمة العسكرية.
وفي المقلب الآخر، ثمّة خشية في الائتلاف الحكومي من أمرَين: الأوّل، ردّة الفعل الجماهيرية على دفع قانون تجنيد يعمّق التمييز الاجتماعي ؛ الأمر الآخر، يتمثّل بتوافق آراء في الائتلاف من أنّه لا مناص من دفع القانون، وإلا يمكن للأحزاب الحريدية أن تفكّك الحكومة، خصوصاً أنّ القرار بهذا الشأن يعود إلى المرجعيات الدينية التي ينتمي إليها حزبا شاس و”يهدوت هتوراه” الحريديّين.
قانون يرسي طبقتين في الكيان المؤقت
طَرحُ مشروع قانون جديد لتجنيد الحريديم، أعاد الحرارة إلى السجال الإسرائيلي المتجدّد حول تجنيد الحريديم في الجيش، ومساهمتهم في الدورة الإنتاجية والاقتصادية.
ويُظهر السجال الإعلامي أنّ الأمر يتجاوز مسألة الحاجة الى أعداد إضافية من المتجنّدين في الجيش، ويتغلغل إلى جوهر الصراعات الاجتماعية والسياسية بين الصهاينة.
وفي هذا السياق تطرّق إعلاميون إلى القضية من زاوية أن القانون المتبلور، الذي يرى فيه الحريديم تنازلاً، يمثّل فضيحة بالنسبة للعلمانيين، لأنّ حكومة “الكيان المؤقت” تُرسي حقيقة وجود طبقتَين : طبقة، مستوى1، لا تخدم ولا تُعرّض حياتها لخطر(الحريديم)، وطبقة مستوى2، تخدم وتخاطر بحياتها. وفي هذا تمييز بنيوي صرف بين فئة وفئة.
المصدر: قناة المنار