أصبح من المؤكد أن المناخ الجديد في العلاقات الدولية والإقليمية المستجدة، سيساهم في حلحلة الملفّات الساخنة في منطقة الشرق الاوسط، التي شتت الوطن العربي في المرحلة الزمنية السابقة، كإنهاء الحرب في اليمن، واستعادة عافية سوريا وعودتها إلى ممارسة دورها الطبيعي في الواقع الإقليمي والدولي، ودورها المركزي في معالجة الأزمات في المحيط العربي.
اما المشهد الأهم مؤخراً على صعيد الساحة العربية هو انكسار الحصار الاميركي الغربي على سوريا، والذي تجسد ميدانياً بالدعم الرسمي من قبل العديد من الدول الأجنبية، والدعم الرسمي العربي والشعبي، في الوقوف بعد كارثة الزلزال مع سوريا في محنتها، وهذا ما أضعف مشروعية عقوبات قانون قيصر، وتبلور قدرة سوريا، داخلياً، من خلال التكافل والتضامن بين كافة أطياف المجتمع السوري، وبروز شخصيات وطنية، تمرست في سنوات الحرب الإرهابية على الصمود والمواجهة، سارعت منذ اللحظات الأولى للكارثة، إلى لملمة جراح أهلهم السوريين، ومواجهة التداعيات الانسانية والمادية على الصعيد الوطني السوري وفي مناطق الزلازل.
في خضم هذه الاحداث المتسارعة يبرز إلى الواجهة واقع أميركي جديد في منطقة الشرق الأوسط، يتميز بسقوط الأحادية الأميركية، في فرض الأزمات والحلول المبرمجة على دول المنطقة، ومما لا شك فيه أن المواجهة المركزية للإدارة الأميركية، في سوريا هو الاساس في ميزان الخيارات الاستراتيجية الاميركية، من حيث القوة أو الوهن.
وما تصريح وزارة الخارجية الأمريكية الأخير حول رفض إدارتها لتطبيع العلاقات مع سوريا، ودعوة الحكومات الصديقة أيضاً إلى رفض هذا التطبيع، محاولة أمريكية جديدة للضغط على بعض الحكومات العربية لعدم الانخراط في أجواء الانفراج في العلاقات العربية – العربية، والعربية – الإسلامية التي ساهمت واشنطن وتل أبيب وبعض النخب الحاكمة في البلدان العربية والإسلامية في تغذية أجواء الانقسام والفتنة على مستوى الأمّة والإقليم.
هذه التصريحات وما تحمله من تدخّل سافر في قرارات دول مستقلة، تفضح طبيعة العقل الأميركي. ورأت مصادر إقليمية مطّلعة أن الدعوة الأمريكية لبعض الحكومات العربية بعدم “التطبيع” مع سوريا وهي مكون طبيعي وأصيل في الجسم العربي والإسلامي، تتناقض مع منهجية العلاقات الدولية السليمة خارج اطر العنجهية الاميركية، حيث تضغط هي نفسها على هذه الحكومات من أجل التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، وهو كيان غاصب وغريب وهجين عن المنطقة والإقليم، ورأت في ذلك استمرار واشنطن ودول الغرب، بالكيل بمكيالين وازدواجية المعايير.
ترتكز استراتيجية السياسة الأميركية في سوريا، بعد هذه المعطيات المذكورة، التي تؤكد تخبط الادارة الاميركية الديمقراطية، على تنفيذ ملفين أساسيين لتحسين شروط هزيمتها في سورياً:
١- ملف النازحين السوريين، والذي أصبح واضحاً استخدام الامم المتحدة كأداة من أدوات القرار الاميركي، باستغلال معاناة النازحين، والدول التي تأويهم، كورقة تفاوض أميركياً للضغط على سوريا.
٢- الملف الثاني هو ملف فرض العقوبات الاقتصادية والمالية، ليس على سوريا الدولة فقط، إنما على شخصيات سورية تتعاطى الشأن العام.
هنا لا بد من إظهار الحقائق التالية في هذا الملف بالتحديد:
أ- الملفت في خضم ما ذكرنا سابقاً هو توقيت إصدار هذه العقوبات بحق شخصيات سورية، كان لها دور فعال في دعم صمود أهل سوريا، أثناء الحرب الإرهابية، التي كانت مدارة فعلاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وإن تكرار فرض العقوبات على هذه الشخصيات، التي تمثل شريحة كبيرة من الشعب السوري الذي رفض الاستسلام، وواجه بالوقوف إلى جانب شعبه ومساعدة أهله ودعمهم المستمر في السنوات العجاف، سنوات الحرب الأرهابية الكونية على سوريا، وخاصة بعد كارثة الزلزال، فضحت مسرحية تعليق العقوبات لمدة 180 يوما بحيث لا تشمل الأشخاص، ان هذه العقوبات ترتكز على تنفيذ الاجندات الاميركية، ضد مصالح الشعوب وتعتبر الأكثر حقداً في القرارات العالمية، وتبرهن نيتهم الخبيثة بعدم مساعدة الشعب السوري والتمييز بين ضحية واخرى في هذه الكارثة، وأن قرارها بتعليق العقوبات، ما هو إلا خجلاً امام الرأي العام العالمي.
ب- إن الخبث الأميركي المكشوف في فرض العقوبات، هو وضع أسماء هذه الشخصيات السورية الوطنية ضمن ملف العقوبات فيما يتعلق بتجارة المخدرات، لتشويه سمعتهم، والتركيز في المعركة الإعلامية على تشويه صورتهم، واستخدام الارهاب الفكري ضدهم، مع الاشارة أن سجل الأميركيين ووكالة استخباراتهم الشهيرة الـCIA كانت السباقة والمبدعة، عبر تاريخها في تمويل عملياتها الاجرامية، لمواجهة المد الشيوعي كما يدعون في العالم، حيث استخدموا أموال كارتيلات المخدرات في أميركا الجنوبية وأشهرهم كارتيل المخدرات الكولومبي.
كل هذه المؤشرات فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه سوريا، من خلال القرارات بفرض العقوبات على شخصيات وطنية سورية، والتصريحات للناطقين باسم البنتاغون والخارجية والبيت الأبيض، يؤكد ان أميركا في وضع استراتيجي حرج في منطقة الشرق الأوسط، وخوفها الأكبر، أن تبدأ الانهيارات المتتالية مثل أحجار الدومينو، وبسرعة مفاجئة للأدوات العسكرية والسياسية التي تديرهم مباشرة في المنطقة، وتفقد بالتالي مقومات الهيمنة على المنطقة الأكثر ديناميكية استراتيجية في العالم.
وأولى بوادر هذه الحيثية الأميركية المستجدة، بدأت بإضعاف البيترودولار، وأبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من خلال الموقف السعودي، وانفتاحه على الشرق، والقرار الملفت لدول النفط العربي بخفض الانتاج، وآخر استحقاق مهم بهذا الاتجاه هو اللقاء الإيراني – السعودي الذي حصل برعاية صينية، والهدف منه تنظيم موضوع الطاقة والنفط وبالاخص التسعير والعملات المحلية، ويعتبر ذلك كابوساً للأميركي، فكانت رد الفعل السريعة والمتسرعة بمحاولات كبح جماح العودة العربية الرسمية إلى دمشق والاستمرار بفرض العقوبات الاقتصادية كسلاح في المنطقة العربية.
في المحصلة النهائية لإرهاصات فرض العقوبات على الشخصيات الوطنية السورية، بذرائع لا تستند الى أي مرتكز قانوني دولي وشرعي، يؤكد قيمة صمود الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي السوري، بقيادته وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد والشعب السوري، وطاقاته الإنسانية المبدعة في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية، في حربها الإرهابية على الجمهورية العربية السورية، وما تفعله الإدارة الأميركية من فرض عقوبات يصب في خانة تحسين شروط هزيمتها في سوريا، وبالتالي في المنطقة ككل، وحتى الآن من خلال الواقع وليس الإعلام الموجه أميركياً فإن العقوبات المفروضة تضر بمصالح الشعب السوري ككل وليس بالأفراد، وكلما زاد إصرار الأميركيين على استخدامها كسلاح للهيمنة الاحادية، كلما ضعف تأثيرها وتلاشت تداعياتها، وأصبح مردودها الفعلي معكوساً ويشكل ضرراً على الولايات المتحدة الأميركية.
المصدر: بريد الموقع