يسود توتّر في العلاقات الأميركية – الصهيونية في الفترة الأخيرة، على خلفية مضي الحكومة الصهيونية قدماً في خطتها “للإصلاح القضائي”، وقيامها بدفع تشريعات وإجراءات تؤدّي إلى تغيير الوضع الراهن في الضفّة الغربيّة، والتي كان آخرها، إقرار الكنيست، قانون “إلغاء خطة فك الارتباط”، (يسمح القانون للصهاينة بالدخول مجّدداً إلى المستوطنات التي أُخليت في العام 2005).
مكالمة بايدن نتنياهو
ذكر بيان صادر عن ديوان رئاسة الحكومة الصهيونية (الاثنين)، إنّ الرئيس الأميركي جو بايدن أجرى (الأحد) مكالمة هاتفية مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وتحدث الاثنان لمدّة نصف ساعة تقريباً، ناقشا خلالها، من بين أمور أُخرى، التغييرات في الجهاز القضائي في الكيان المؤقت. وأضاف البيان أنّ بايدن أعرب لنتنياهو عن قلقه بشأن الوضع الداخلي في الكيان ، ودعاه إلى إيجاد حلّ بشأن التغييرات القضائية التي بادر إليها الائتلاف الحكومي.
ووصف مصدر كبير في الإدارة الأميركية، بحسب تقارير صهيونية ، هذه المكالمة بأنّها “صريحة وبنّاءة”. وأضافت مصادر مطّلعة على تفاصيل المكالمة أنّه “لم يحصل “توبيخ” لنتنياهو من جانب بايدن، لكن كان واضحاً أنّ الاتصال يُعبّر عن موقف الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي “القلق جداً” ممّا يحصل في الكيان .ولفتت تقارير إلى أنّ البيان الأميركي حول زيارة بايدن، يدلّ على وجود “ثغرات مهمّة بين واشنطن والقدس حالياً”، حتى لو كانت مغطّاة بلغة دبلوماسية. وأضافت هذه التقارير أنّ “الثورة القضائية في إسرائيل هي قضية تُقلق الأمريكيين، الذين يتابعونها عن كثب”.
وعلى المستوى الإعلامي، أشار مُعلّقون إلى أنّ دعوة بايدن لنتنياهو من أجل التوصّل إلى تسوية حول الخطة القضائية، هي تدخّل غير مألوف من واشنطن في الشؤونٍ الداخلية للكيان الصهيوني، وأضافوا أنّ هذا التدخل يشير إلى القلق العميق الذي تشعر به الإدارة الأميركية من الثورة القضائية.
ونشر معهد أبحاث الأمن القومي “إنذاراً إستراتيجياً” مفاده أنّ “إسرائيل أمام تضافر تهديداتٍ خطيرة على أمنها القومي”، من بينها الشروخ التي تتّسع في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، والتي ستقلّص من قدرة الكيان على التعامل مع أعدائها، وعلى استمرارها في الحصول على دعم صديقاتها، وعلى رأسهن الولايات المتحدة.
ولفت مُعلّقون إلى أنّ الحساسية التي يبديها المسؤولون السابقون في المؤسّسة الأمنية الصهيونية مردّها إلى قلقهم من تضعضع التحالف العسكري مع واشنطن، فهم “يعرفون ما يميل الإسرائيليون إلى كبته- لا أمل لوقف إيران في طريقها إلى النووي إلا بمساعدة أميركية”.
نتنياهو ينتظر دعوة الى الولايات المتحدة
بعد مضي ثلاثة أشهر على أداء حكومة نتنياهو اليمين، لم يتلقّ نتنياهو بعد دعوة إلى البيت الأبيض، و”هذا حدث غير مسبوق”، بحسب مُعلّقين صهاينة.
وفي هذا السياق، أفادت تقارير صهيونية أنّ نتنياهو لا يريد تلقّي دعوة إلى واشنطن وحسب، بل يريد أيضاً أن يكون المسؤول الأوّل في حكومته الذي يزور الولايات المتحدة الأميركية، لذلك أصدر مكتبه توجيهاً لسفارة الكيان في واشنطن يفيد بعدم تنسيق لقاءات في العاصمة الأميركية لأيّ وزير صهيوني قبل زيارة رئيس الحكومة وهذا هو أحد أسباب عدم سفر وزير الخارجية إيلي كوهِن إلى الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من تلقّيه دعوة رسمية من نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن.
وفي المقابل، نُقِل عن مسؤولين كبار في الإدارة الأميركية أنّ الأميركيين بعثوا رسالة واضحة إلى الكيان الصهيوني بأنّه “يُفضل ألا يأتي نتنياهو إلى واشنطن في الوقت القريب”. وأضافت تقارير أنّ دبلوماسيين أمريكيين يقدّرون أنّ نتنياهو لم يُدعَ إلى واشنطن، كي لا يتعرّض هناك لـ”إذلال”(مراسم استقبال مهينة)”.
وتعليقاً على عدم دعوة نتنياهو حتى الآن إلى واشنطن، أفاد مُعلّقون صهاينة أنّه “بصورة رسمية، الأميركيون يقولون إنّ نتنياهو سيتلقّى دعوة”، لكنّهم يقومون بتجفيف (تنشيف) دمه، فالرسائل التي ينقلونها إلى الكيان من وراء الكواليس هي أنّ نتنياهو سيُدعى بعد أن يحصل توافق حول الثورة القضائية التي تسعى حكومته إلى دفعها. وهذه طريقة الأميركيين للإعراب عملياً عن دعم الاحتجاج، ومعارضة الخطة القضائية.
توبيخ السفير الصهيوني في واشنطن
إقرار الكنيست، بكامل هيئته، بالقراءتين الثانية والثالثة، قانون “إلغاء خطة فك الارتباط”، (يسمح للصهاينة بالدخول مجدداً إلى المستوطنات التي أُخليت في العام 2005، ومن بينها حومش وسانور) بغالبية 31 عضو كنيست مقابل معارضة 18، لم يلقَ قبولاً لدى الأميركيين، إسوةً بالخطة القضائية التي تسعى الحكومة الصهيونية لتمريرها. حيث عمدت الإدارة الأميركية، بحسب تقارير صهيونية، إلى استدعاء سفير الكيان في واشنطن، مايك هرتسوغ، يوم الثلاثاء، في خطوة غير مألوفة، إلى “محادثة توبيخ” في وزارة الخارجية الأميركية، في أعقاب قرار الكنيست.
إضافة إلى استدعاء السفير، أصدر المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، (الثلاثاء)، بياناً شديد اللهجة انتقد فيه إلغاء قانون فك الارتباط، ووصفه بالاستفزازي، وعدّه انتهاكاً لالتزام قدمته الحكومة الصهيونية لإدارة بوش قبل 20 عاماً، وانتهاكاً أيضا لالتزام أعطاه الكيان للولايات المتحدة بمنع التصعيد في وقت سابق من هذا الأسبوع خلال قمة شرم الشيخ. وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية أنه “قبل يومين فقط، أكدت إسرائيل التزامها بمنع التصعيد وعدم تشجيع البناء الجديد في المستوطنات في الأشهر الأربعة المقبلة”.
ودعت الخارجية الأميركية الحكومة الصهيونية إلى “عدم السماح للمستوطنين بالعودة إلى شمال الضفة الغربية”، وقالت إن إدارة بايدن منزعجة من القانون. وورد في البيان أيضا أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن مثل هذا القانون قد مُرّر بتأييد 31 عضواً فقط من أعضاء الكنيست الـ 120.
ردود صهيونية على واشنطن
الانتقادات الأميركية للحكومة الصهيونية لم تحظَ برضا مسؤولين من الائتلاف الحكومي، فقالت وزيرة الاستيطان أوريت ستروك، من كتلة الصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش، إنها تنصح الأميركيين “بعدم الحديث عن توافقات لم يحترموها”، وأضافت أن الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما ” لم يجد رسالة بوش عندما قام أرييل شارون، بحماقة فك الارتباط مع قطاع غزة من أجل إرضائهم”.
ورد عضو الكنيست من الليكود، دان إيلوز، أيضاً على استدعاء السفير الصهيوني ، قائلاً: “ليس لدينا مشكلة في التوضيح للولايات المتحدة في كل محادثة نُدعى إليها أن أرض إسرائيل تعود لشعب إسرائيل. إنهم مدعوون إلى دعوتنا لتوضيح هذا في كل وقت. نحن متوفرون ونُسر بفعل هذا”.
وفي أبرز التعليقات الإعلامية في الكيان، على استدعاء السفير، وإصدار بيان الإدانة، قال مُعلّقون إن هذا الحدث “استثنائي مع الكثير جداً من الأبعاد، في التوقيت، وفي القرار بعدم الاكتفاء بكلامٍ عام”، إذ في البيان الذي أصدره الأميركيون، يتبين أنهم يشعرون أن “حكومة إسرائيل لا تراهم من مسافة متر (لا تقيم لهم وزناً)، وهذا لشديد الأسف، سيأتي مع ثمن”.
المصدر: قناة المنار