يعيش اليمين المتطرف في فرنسا أفضل فتراته نتيجة المتغيرات الدوليّة الحاصلة من خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي او ما عرف بالـ”بريكسيت” وصولا الى نجاح المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسيّة الامريكيّة، دون إغفال التطورات الفرنسيّة الداخليّة وخاصة الدورة الاولى من الانتخابات المناطقية التي اقيمت منذ اشهر وأظهرت تحوّل في رؤيّة الشارع الفرنسي.

التحوّل في المزاج الفرنسي بدأ بشكل أساسي مع بدء موجة الهجرة غير الشرعية الى اوروبا عبر المتوسط، وما تبعها من أحداث أمنية كان آخرها قبل عام، وهو الهجوم على مسرح “الباتاكلان” في ضاحية باريس وأدى وقتها الى مقتل اكثر من 150 شخصا وجرح العشرات. هذه التطورات المتسارعة استغلها اليمين المتطرف “الجبهة الوطنية” وزعيمته مارين لوبان التي كثّفت حملة التصويب على الاداء السياسي في فرنسا “داخليا وخارجيا”، كما دعت الى طرد غير الفرنسيين واتخاذ خطوات بحق العمال من اصول غير فرنسية.

ويعتبر نجاح دونالد ترامب في الانتخابات الامريكية وهو الذي جاهر بعدائه للمهاجرين وغير الامريكيين، فرصة لزعيمة اليمين المتطرف الفرنسي في حملتها للوصول الى الرئاسة الفرنسية على حساب منافسيها من يمين الوسط واليسار. وتلعب لوبان اليوم على وتر الدولة القومية مستغلة الاحداث الامنية وجنوح الرأي العام الاوروبي والامريكي نحو اغلاق الابواب على المهاجرين والاهتمام بالسياسة الداخلية. في هذا الاطار يرى رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن مرشحة “الجبهة الوطنية” للانتخابات الرئاسية المقررة في آيار/مايو من العام القادم مارين لوبان يمكن أن تفوز بالسباق. وحذر فالس من فوز ممكن لزعيمة اليمين المتطرف بعد أيام من الصدمة التي أحدثها انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة.

وتظهر استطلاعات الرأي حتى الآن تقدما ملحوظا لليمين المتطرف رغم أن الوقت لا يزال طويلا قبل الوصول الى الانتخابات الرئاسية. وتشير هذه الاستطلاعات إلى أن لوبان ستصل إلى الدورة النهائية من الانتخابات، وهو ما يعني في حال حصوله تغيرا كبيرا في توازن الحياة السياسية الفرنسية، ودخول افكار جديدة حيال السياسات الداخلية والخارجية.

وتتفق أحزاب يمين الوسط واليسار مع رئيس الوزراء مانويل فالس لجهة التحديات الكبيرة التي ستكون أمامها فرنسا في حال وصول اليمين المتطرف الى قصر الاليزيه، وخاصة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، إذ ترى هذه الجهات ان الانكماش الاقتصادي سيتفاقم وسط ارتفاع موجات الكراهية ضد غير الفرنسيين، وهو ما يجعل الامور مفتوحة على امكانية حصول صدامات.

وفي سبيل التقليل من حدّة المخاوف حيال وصول لوبين الى الاليزيه، ذكّر سياسيون فرنسيون بانتخابات العام 2002 الرئاسية والتي وصلت فيها الجبهة الوطنية بقيادة جان ماري لوبان والد المرشحة الحالية إلى الدورة النهائية بعد فوزه على رئيس الوزراء الاشتراكي ليونيل جوسبان مثيرا مفاجأة كبرى، قبل أن يهزمه جاك شيراك في المعركة الاخيرة بفارق وصل الى 82% من الاصوات. وتؤكد هذه المصادر ان ما تسعى اليه لوبان اليوم هو تقليل هذه النسبة، واستغلال امكانية وصولها الى الجولة النهائية من الانتخابات الرئاسية، للحصول على مقاعد اكبر في البرلمان في الانتخابات التشريعية التي ستقام في فرنسا بعد وقت قصير من موعد الانتخابات الرئاسية.

سبعة اشهر تفصل الشارع الفرنسي ومن ورائه الاوروبيين عن موعد الانتخابات الرئاسية، لا شك انها ستحمل الكثير من التطورات المؤثرة على مزاج الشارع الفرنسي، فأي احداث امنية او اقتصادية ستصب في صالح اليمين المتطرف بكل وضوح، في حين أي ان سقطة او تطور سلبي في الولايات المتحدة وبريطانيا بعد انتخاب ترامب وحصول البريكسيت، سيصب في صالح اليسار ويمين الوسط. الايام وحدها كفيلة بتوضيح الصورة.

المصدر: موقع المنار