غريب شهر شباط/فبراير بما يحمله من أحداث عظيمة، تبدأ بانتصار الثورة الإسلامية الايرانية بقيادة الامام الخميني(قده)، فيما يعرف بعشرة الفجر -وهي الأيام الممتدة من 1 الى 11 شباط/فبراير- من العام 1979، وتتوالى بعدها الاحداث المفصلية بما لها من دلالات وصولا الى استشهاد شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب في بلدة جبشيت جنوب لبنان يوم 16 من نفس الشهر عام 1984، وبعدها بسنوات في العام 1992 بنفس اليوم(16 شباط) استشهد سيد شهداء المقاومة السيد عباس الموسوي بُعيد مغادرته الحفل التأبيني السنوي للشيخ راغب حرب في جبشيت، ومن ثم في العام 2008 استشهد القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية يوم 12 شباط في قلب العاصمة السورية دمشق.
وكل الاحداث التي تم ذكرها كانت ترتبط بمواجهة المشروع الاميركي الصهيوني في المنطقة، فالثورة الاسلامية الايرانية خلعت نظام الشاه الذي يعتبر أعتى حلفاء وأذرع هذا المشروع ما شكل ضربة قوية لاميركا وكيان العدو الاسرائيلي وأدواتهما في المنطقة، ما دفع الى شن الحروب العسكرية والاقتصادية ضد إيران تحت عناوين مختلفة، وبُذلت الكثير من المحاولات لـ”شيطنة” إيران الثورة والاسلام لانها وقفت منذ اللحظة الأولى بجانب القضية الفلسطينية التي كان يسعى الغرب وعلى رأسه واشنطن ومن معها في المنطقة لتصفيتها وإنهاء الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
والشهداء القادة في لبنان جميعهم قضوا على طريق فلسطين التي شكلت البوصلة للمقاومة في كل مراحلها، وبناء على ذلك قدمت الشهداء والتضحيات الجسام ورفضت المغريات وتعهدت بعدم تقديم التنازلات أيا كانت الضغوطات وصولا الى الهدف الأسمى والواضح بإزالة الكيان الصهيوني المؤقت من الوجود وتحرير الاراضي العربية كافة من الاحتلال الاسرائيلي، وبهذا الاطار، قال الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته يوم الخميس 16-2-2023 بمهرجان ذكرى القادة الشهداء “… هم تحركوا في ظروف صعبة حيث وقف قادتنا الشهداء وقالوا كلمتهم بجرأة وصراحة ولم ييأسوا وكانت خياراتهم توصف بالجنون ولكن لم يملوا ولم يضعفوا، قادتنا الشهداء تمسكوا بخيار المقاومة رغم كل الصعوبات والخذلان والطعن في الظهر”، وأكد انه “من دماء الشهداء القادة وكل الشهداء تحققت انجازات كبرى، مسؤولية الجميع ان نحافظ عليها وهي المعركة التي تخاض الان”، واوضح انه “من دماء كل الشهداء في لبنان تحققت انجازات كبرى منها تحرير لبنان على مراحل وتحرير الاسرى واستعادة الدولة والسلم الاهلي في لبنان وتحرير المياه الاقليمية والمنطقة الاقتصادية وقطاع النفط والغاز”.
وبالتأكيد ان ما يجري اليوم في فلسطين المحتلة من عمليات شبه يومية من قبل الشباب الفلسطيني الثائر في القدس والاشتباكات مع جنود الاحتلال في مناطق الضفة التي تشتعل تحت أقدام الصهاينة، يظهر ان الهدف المشخص والمحدد من قبل المقاومة قابل للتحقيق اكثر من أي وقت مضى، خاصة مع تطور قدرات محور المقاومة الذي يحاصر كيان العدو في العديد من الساحات، وبهذا السياق، قال السيد نصر الله في كلمته يوم 16-2-2023 إن “حكومة العدو الحمقاء قد تدفع باتجاه التصعيد في كل المنطقة وهذا امر وارد سيما اذا تم المس بالمسجد الاقصى”، واكد “اننا امام مقاومة وانتفاضة فلسطينية حقيقية واهمية العمليات الفردية انها محتضنة من قبل الشعب الفلسطيني”.
ولا شك ان إحياء ذكرى القادة الشهداء في كل عام هو محطة هامة للمجتمع المقاوم ككل لان إحياء هذه المناسبات المضيئة في مسيرة المقاومة ليست فقط لتخليط أصحاب الذكرى، بل هي أيضا للتزود من هذه المسيرة وهذه التجارب التي صنعت الامجاد والانتصارات بالدم الحي وحققت ما عجزت دولا في المنطقة عن تحقيقه بمواجهة العدو الاسرائيلي، والانتصارات المتتالية منذ العام 1982 وحتى اليوم ترسم أنصع صورة لما أنجزه هؤلاء القادة الشهداء بحضورهم كما في غيابهم، لان المقاومة بما فيها من طاقات وكوادر وتلامذة وأخوة لهؤلاء الشهداء يواصلون الدرب ويحققون ما يجب تحقيقه.
وهنا لا بد من الاشارة لما قال السيد نصر الله يوم 16-2-2011 بذكرى القادة الشهداء حيث اكد ان “.. نحن عندما نحيي ذكراهم(ذكرى القادة الشهداء) لا لتمجيدهم، وهم بغنى عن كل تمجيد ومدح وإنما من أجلنا نحن وليس من أجلهم هم، نحن في إحيائنا لذكرى القادة الشهداء وكل الشهداء نجلس في حضرتهم، بين أيديهم وهم الأساتذة وهم المعلمون، نتعلم منهم، نستلهم من جهادهم وسيرتهم ونسترشد من آرائهم وأرواحهم الذكية، وأيضاً نجلس في حضرتهم مجدداً لنجدّد معهم عهدنا والميثاق على مواصلة الطريق الذي عبّدوه بدمائهم الزكية”، وبنفس المعنى قال سماحته في كلمته يوم 16-2-2023 “نستحضر الشهداء القادة في كل عام وفاء لهم ولجهادهم وتضحياتهم.. نحيي ذكراهم تعريفا وتذكيرا بهم من جديد لأن الكثير من الأجيال الحاضرة قد لا يعرفون من 40 أو 30 سنة ماذا حصل لديهم”.
المصدر: موقع المنار