قد لا يجِد المستوطنون الصهاينة أفضل من التشكيلة اليمينية المتطرفة في حكومة بنيامين نتانياهو، لمواصلة المسلسل اليومي العدواني الذي يُرتكب بحق الفلسطينيين سواء بأوامر السلطات السياسية والعسكرية، أم من المستوطنين أنفسهم، لكن ما أغفله المستوطن العادي، أن حكومة نتانياهو التي تجمع أقصى اليمينيين المتطرفين مع أقصى المتشددين الدينيين، تضُمّ متهمين بالفساد وفي طليعتهم رئيس الحكومة نفسه، ولو أن وزير الداخلية والصحة زعيم حزب شاس الديني المتشدد أرييه درعي، كان كبش المحرقة الشهر الماضي عبر إقالته قضائياً من منصبه بتهمة التهرُّب الضريبي، وأبلغه نتانياهو عبر كتابٍ خطي، أنه “بقلب مثقل وحزن كبير، نحن مجبرون على إقالتك من منصبك كوزير في الحكومة”.
والباحثون في الشأن الإسرائيلي يُجمعون على أن الإدارة السياسية في هذا الكيان اعتادت على التصعيد مع الفلسطينيين للتغطية على فشلها الداخلي، في ظل استمرار المظاهرات والاحتجاجات في الشارع الإسرائيلي رفضاً للحكومة اليمينية وقراراتها، خاصة تلك التي تستهدف تقزيم صلاحيات القضاء لصالح الحكومة والكنيست، وهذه التحركات في الشارع الإسرائيلي غير مسبوقة، وهي ليست فقط للتضامن مع القضاء وصلاحيات المحاكم، بل ضد تحالف أحزاب اليمين مع اليمين، في ما يُشبه قصم ظهر المجتمع الإسرائيلي، والمُغالاة في “نهش” الصلاحيات بين اليمينيين والمتدينين من جهة، وبينهما وبين القضاء والمحكمة العليا من جهة أخرى، والتشدد من حكومة نتانياهو على عدم أحقية هذه المحاكم الإدعاء على أية شخصية سياسية خلال وجودها في الحكم، وهذا ما يؤجج الصراع الذي ينعكس في الشارع تهديدات شعبية لهذه الحكومة.
والمخاوف من محاولة نتانياهو قمع المحكمة العليا واقتناص صلاحياتها لصالح الحكومة والكنيست، أبداها الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ورئيس الحكومة السابق يائير ليبيد الذي شارك بإحدى التظاهرات الشعبية الضخمة، فيما يُبدي الكثيرون مخاوفاً أكبر، من جنون حكومة يمينية في تطويع القضاء لصالح السلطة السياسية على طريقة تطويع الجيش في تركيا وإخضاعه للقرارات الحكومية بعد أن كان ممسِكاً بزمام حماية الدستور منذ زمن أتاتورك.
هذه الإرباكات على مستوى الكيان السياسي الإسرائيلي أو الانقسام الشعبي، تُجمِع القيادات الفلسطينية أنها فرصة مناسبة لتفعيل المقاومة بمواجهة كل أساليب العدوان، على غرار العملية الناجحة التي حصدت سبعة مستوطنين إسرائيليين منذ أسبوع في القدس الشرقية، رداً على الجرائم الصهيونية في الضفة الغربية.
وإذا كانت أوساط مراقبة، قد شبَّهت ما يحصل في الشوارع الإسرائيلية بأنه نسخة عن “الربيع العربي” لجهة الفوضى الشعبية، فإن للفلسطينيين الحق والقدرة في حماية أنفسهم على الأقل، من الفلتان الذي يرتدّ عليهم عندما تكون أية حكومة صهيونية في أزمة، وتكثيف ردودهم على التعديات بمختلف الطرق.
ولعل الإيذاء الجسدي المباشر عبر انتفاضة السكاكين عامي 2015 و 2016 جاء ترجمة متواضعة فعالة زلزلت المجتمع الإسرائيلي يومذاك، وألزمت آلاف الإسرائيليين البقاء في بيوتهم خوفاً من أية عملية طعن خلال انتقالهم من منازلهم الى مراكز عملهم وبالعكس.
نقول هذا، لأن إسرائيل التي كانت حكوماتها تهرب الى الأمام نحو العرب في حروبٍ عدوانية مفتعلة لتنفيس الداخل السياسي الإسرائيلي المُحتقن، ترتكب العدوانية نفسها الآن مع الداخل الفلسطيني، خاصة أن بعض العرب قد فرشوا صحاريهم للتطبيع معها ولكن، هناك أطراف صادقة من عربٍ وغير عرب، وضعوا علناً على أجنداتهم وإرادات شعوبهم ضرورة مقاومة الكيان الوبائي، والفلسطينيون أولى بالواجب وبالمعروف في قطف اللحظة…