كثيرة هي التهديدات التي أطلقها الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية منها ما يتعلق بالمسلمين والمهاجرين وصولا للعلاقة مع بعض الدول العربية والاسلامية وفي طليعتها السعودية، حيث هدد الرياض أكثر من مرة بضرورة دفع “ضريبة الحماية” التي تقدمها لها الولايات المتحدة، فالرجل كان واضحا في شعاراته الانتخابية التي كررها اكثر من مرة ان على السعودية إما الدفع او سترفع الحماية عنها.
وقال ترامب “نحن دولة تقدم الكثير مقابل خدمات الحماية ودولة عليها ديون واجب ان يتم تغطيتها .. قد يضطروا إلى الدفاع عن أنفسهم أو عليهم مساعدتنا فنحن دولة لديها ديون تبلغ 20 ترليون دولار..”، فالمال هو الهدف الذي يريده ترامب من السعودية كثمن لاستمرار “العلاقة التاريخية” مع المملكة، وسيكون الابتزاز هو السلاح الامضى لسحب كل ما تريده الادارة الاميركية من القيادة السعودية.
وفي هذا الاطار يمكن الاشارة الى التهنئة التي قام بها الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لترامب بعيد الاعلان عن فوزه كرئيس للولايات المتحدة، فقد أشاد الملك سلمان بـ”العلاقات التاريخية” الوثيقة بين واشنطن والرياض، التي يتطلع “الجميع” إلى تطويرها وتعزيزها في المجالات كافة لما فيه خير ومصلحة البلدين.. فهل هذه العلاقة التاريخية ستتعزز من جديد ويجري العمل لتطويرها فعلا عبر ضخ المال السعودي الذي ترصده الادارة الاميركية الجديدة؟ وهل لدى السعودية -التي تعاني ما تعانيه اقتصاديا وماليا- ان تدفع أثمانا جديدة اليوم لواشنطن؟ ألا يكفي كل ما سبق ان دفعته هذه الدولة من خيراتها وخيرات شعبها للاميركيين حتى يأتي اليوم من قيادتها من يتمادى بالتفريط بأموال الناس وحقوقهم؟
ترامب.. الشعارات ام المبادئ؟!
والاهم من كل ذلك هل ترامب على استعداد لقبض الثمن والابقاء على الرضى الاميركي عن السعودية التي باتت اليوم تثقل كاهل الادارة الاميركية عبر تورطها في حروب عديدة؟ ام ان لترامب مبادئ لن يحيد عنها فيما يتعلق ببرنامج عمل أعلنه للناخبين الاميركيين الذين انتخبوه لانه على هذه الصورة وعلى هذا المنوال من التصعيد الناري بل على هذا الطراز من الجنون؟ ولكن قد يعتبر البعض ان اليوم ترامب هو ساكن للبيت الابيض بصفته رئيسا ولن يتصرف إلا انطلاقا من هذا الامر، حيث لا شعارات انتخابية ولا حملات احتفالية تجعله يطلق المواقف الحماسية، فهل سنرى ترامب يتصرف بعقلية الرئيس الذي همه يجب ان يكون البحث عن مصالح دولته اولا واخيرا بعيدا عن المزايدات الانتخابية؟
والأكيد ان الادارة الاميركية سواء بوصول ترامب ام قبله، فهي لا تعرف الصداقات الدائمة والمطلقة – اللهم إلا فيما يتعلق بالكيان الاسرائيلي الغاصب الذي يبقى على رأس سلم اولويات الولايات المتحدة – فالتجارب اثبتت ان الاميركي يتخلى عن حلفائه واتباعه عندما تتطلب مصلحته ذلك، حتى ولو كان هذا التابع مخلصا لدرجة تشبه بعض الانظمة العربية التي سقطت بغمرة ما يسمى بـ”الربيع العربي” نتيجة التآمر والرغبة الاميركية والاسرائيلية رغم كل ما قدمته هذه الانظمة للاميركي والاسرائيلي على مدى عشرات السنين.
الحماية.. ام الضوء الاخضر؟!
وفي هذا الاطار يمكن الاشارة الى قانون “جاستا” الذي أوجدته السلطات الاميركية لمزيد من الضغط على السعودية وقياداتها، بحجة تعويض أهالي ضحايا “11 أيلول/سبتمبر”، بما يشكل باباً مهما لابتزاز المملكة، فهل سيعمل ترامب على تفعيل وتزخيم هذا القانون بوجه السعودية ام انه سيكتفي بالاثمان التي سيحصل عليها من كضربية لتقديم الحماية لها من الاخطار؟ ولا ندري ما هي الاخطار التي تهدد المملكة، فهل هي الجماعات الارهابية التي هي سعودية الفكر والمنشأ والتمويل؟ ام ان التهديد يأتي من اليمن الذي تقود عليه السعودية بضوء اخضر اميركي حربا شعواء دمرت فيه كل شي ولم توفر لا الانسان ولا البنى التحتية ولا اي معلم من معالم الدولة الحضارية؟ ام ان التهديد المقصود سيأتي من العراق وسوريا والبحرين التي لا يتوانى قادة السعودية عن التآمر عليها؟ ام ان التهديد قد يأتي من مصر التي تريد السعودية التدخل في شؤونها ولا توفر فرصة إلا وتسعى للتلاعب بمصالحها الوطنية؟ فالأجدر بترامب القول إن الولايات المتحدة تريد ان تحصل على مزيد من الاموال السعودية كثمن للتغطية على الممارسات السعودية على امتداد المنطقة والعالم لان الحماية يجب ان تقدم لباقي الدول من افعال السعودية لا العكس.
إلا ان ترامب مهما حاول الذهاب بعيدا في تطرفه المعروف عنه إلا ان الجميع يدرك انه ليس هو من يرسم السياسة العامة للولايات المتحدة بل هناك غرف مغلقة تقرر فيها هذه السياسات، وصحيح ان للرئيس -وفريق العمل المساعد له- بصمة على الاحداث واتخاذ بعض القرارات، إلا ان المشهد ترسمه بالاضافة الى البيت الالبيض، مراكز عديدة منها: وزارتي الحرب والخارجية، مجلسي الشيوخ والنواب، أجهزة الاستخبارات المختلفة، شركات تصنيع وبيع السلاح، اللوبيات المختلفة وفي طليعتها اللوبي الصهيوني واللوبي الاقتصادي..
وبالختام لا بدَّ من التذكير ان ترامب لم يصل الى البيت الابيض إلا بعد تجاوزه معارضة واضحة له سواء على صعيد حزبه الجمهوري او على الصعيد الوطني الاميركي، فالرجل تواجهه معارضة قوية داخل الكونغرس ذات “الاغلبية الجمهورية” ناهيك عن التواجد “الديمقراطي” مما يزيد من فرص تقييد الرئيس في اي قرار سيتخذه ولا تقدر الأغلبية انه يحقق مصلحة البلاد، أي ان ترامب رغم كل هذه الهالة التي يحاولون تصويره بها في الاعلام إلا انه سيكون مقيدا في اكثر من محطة تحت سقف المصالح الاميركية.
المصدر: موقع المنار