لو عاد وزير الدعاية النازي “بول غوبلز” إلى الحياة، فسيخيب أمله من سوء أداء بعض اللبنانيين في تطبيق مقولته الشهيرة: “إكذب إكذب حتى يصدقك الناس”، لتتحول على يد حزبٍ كالقوات اللبنانية إلى “إكذب إكذب… فلن يصدقك الناس”.
مأساة مقتل القيادي في القوات اللبنانية باسكال سليمان في نيسان ٢٠٢٤، لم تراعِ فيها قيادة القوات مشاعر أسرته وحقهم الحصري في ولاية الدم ومعرفة حقيقة ملابسات الجريمة. حينها قفزت القوات فوق الدماء والدموع والتحقيقات الأولية للأجهزة الأمنية، واستثمرت -كالعادة- مأساة الناس في لعبة التشفي السياسية، فسارعت عبر وجوه قيادييها وإعلامييها ونوابها إلى اتهام عناصر من حزب الله.
شارل جبّور ◀️ ‘المقاومة اغتالت باسكال سليمان لحرف الأنظار عن الجنوب ولتتنازل عن الحدود..’ العمى كيف حسيها هيك❗️
— علي (@allouush) April 12, 2024
أقل من عام على وقوع جريمتي القتل والتحريض، وكلاهما جرائم مستمرة، حتى انتهت التحقيقات الأمنية إلى إدانة مجموعة من الأفراد العسكريين تورطوا مع موقوفين سوريين في ارتكاب جرائم رشى تسببت بوقوع سلسلة جرائم، كان من بينها جريمة مقتل سليمان. فإلى ماذا انتهت القضية؟
مسار التحقيقات والأحكام القضائية
بعد تحقيقات مكثفة تولتها مخابرات الجيش اللبناني وشاركت فيها قوى الأمن الداخلي، أصدرت المحكمة العسكرية اللبنانية قبل أيام أحكامًا بحق المتورطين في قضية مقتل الشاب “باسكال سليمان” بتاريخ ٧ نيسان/أبريل من العام ٢٠٢٤. إذ حُكم على الرقيب ج.ك. والمعاون ج.ب.ل. من مخفر غبالة في جبل لبنان بالسجن خمس سنوات مع الأشغال الشاقة، مع تجريدهما من حقوقهما المدنية، وتغريمهما خمسين مليون ليرة لبنانية، بعد ثبوت تورطهما في تلقي رشىً من “أفراد سوريين خطرين، مقابل السماح لهم بالخروج ليلًا من النظارة لسرقة السيارات”.
وكشفت التحقيقات أن السوريين فراس ميمو وباسل علوش، اللذين استفادا من هذه التسهيلات، كانا وراء قتل باسكال سليمان بعد شهرين من فرارهما، وصدر بحقهما حكم غيابي بالسجن 15 عامًا مع الأشغال الشاقة، إضافة إلى غرامة مالية وتسليم مسدس حربي، مع تنفيذ مذكرة توقيف بحقهما.
كما حكمت المحكمة العسكرية برئاسة العميد وسيم فياض بسجن معاونين آخرين في المخفر لمدة شهر، بسبب مخالفتهم التعليمات العسكرية بعدم الإبلاغ عن خروج السجينين من النظارة. وفي السياق ذاته، أُدين الرقيب ر.ط. بالسجن سنة بعد تلقيه رشوة بقيمة مئة دولار!! كما صدرت أحكام بالسجن لمدة سنة على نزيلَي النظارة يوسف م. وجورج ك.، مع منعهما من حمل السلاح الحربي مدى الحياة.
أما السوري عبد الحجي، النزيل السابق، فقضت المحكمة بسجنه ستة أشهر، بينما تأجلت محاكمة السوري علي سويدان إلى 7 من الشهر المقبل.
التحقيقات أظهرت أن العسكريين المسؤولين عن المخفر كانوا على علم بإخراج السجينين السوريين ليلًا، حيث كان أحدهم، ج.ك، يرافقهما في “نزهاتهما الليلية” بسيارته الخاصة، قبل أن يقوما لاحقاً بسرقتها والهروب بها بعد أن ألقيا به في منطقة غزير. وبهذه السيارة تم ارتكاب مجموعة جرائم كان آخرها قتل المواطن اللبناني باسكال سليمان بهدف سرقة سيارته، دون أي علم للجناة بهوية باسكال او انتمائه السياسي.
القوات اللبنانية تضلل الرأي العام وتستثمر في الجريمة
”إرهابي إرهابي حزب الله إرهابي”…على وقع هذا الهتاف شيع جمهور حزب القوات اللبنانية “باسكال سليمان” منسق حزب القوات اللبنانية في منطقة جبيل، إلى مثواه الأخير .. رفض حزب القوات اللبنانية للرواية الأولية الرسمية التي قدمتها الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها مخابرات الجيش، ومفادها أن الجريمة كانت نتيجة عملية سرقة نفذها أفراد من عصابة سورية.
بالنسبة لزعم أنّ عصابة سرقة سيّارات قتلت الشهيد باسكال سليمان pic.twitter.com/RO1NBT7q7l
— Federal Lebanon (@FederalLebanon_) April 9, 2024
حينذاك، أصدرت الأجهزة الأمنية بيانات تحدثت فيها عن جريمة قتل في منطقة جبيل، شمال شرق بيروت، ذهب ضحيتها باسكال سليمان أثناء عودته من واجب تعزية. وأعلن الجيش اللبناني في حينها أن الضحية قُتل أثناء محاولة الجناة سرقة سيارته، وأنهم نقلوا جثته إلى سوريا.
إلا أن حزب القوات اللبنانية رفض هذه الرواية، مطالبًا بتحقيق “شفاف وعلني”، معتبرًا أن الجريمة تحمل أبعادًا سياسية تتجاوز كونها حادثة سرقة عادية.
لم تناسب تلك التحقيقات رغبات القوات، فسارعت إلى استبدال لحن الموت في جنازة أحد قيادييها إلى النفخ في بوق الفتنة وتوجيه أصابع الاتهام نحو حزب الله دون أي حجة أو مستند، بل اكتفى بعض وجوهها ليعتبر على وسائل الإعلام بأن انتقاد باسكال سليمان لحزب الله العلني هو “قرينة” على أن عناصر من حزب الله هم من قتل وسرق السيارة وأخفى الهاتف الجوال للضحية.
لبنانيون يهتفون ضد حزب_الله اللبناني خلال تشييع جنازة باسكال_سليمان
شعارهم هو 👇
حزب الله ارهابي ،، ارهابي ارهابي pic.twitter.com/JCINkEfnkV
— Baydaa Hameed (@BaydaaHameed2) April 10, 2024
تصرف القوات هذا أدى إلى توترات تجاوزت منطقة الجريمة إلى عموم المناطق لا سيما العاصمة بيروت، وتعرض بعض اللاجئين السوريين لاعتداءات من قبل محازبين غاضبين، إلى أن وصل الأمر بإصدار دعوات من بعض الأطراف السياسية إلى إنهاء الوجود السوري في لبنان.
🚨 القوات اللبنانية تقوم (ببناء الدولة) عبر التهجم على اللاجئين السورين بعد الإعلان عن مقتل باسكال سليمان .
برسم الأجهزة الأمنية pic.twitter.com/HJ81BvFuX0
— xp² | 🏁 (@xpmov) April 8, 2024
كشف حقيقة الجريمة يستدعي مساءلة وسائل إعلامية
حملة القوات التحريضية والتضليلية لعبت خلالها بعض وسائل الإعلام اللبنانية دورًا في تصعيد التوتر عبر تبني فرضيات غير موثقة، بدلاً من التركيز على تقديم معلومات دقيقة. وتم الزج بالجريمة “المسيسة” في مقدمات نشرات الأخبار والحوارات السياسية، ما أدى حينها إلى تعقيد المشهد لدى الرأي العام أكثر، في وقت كان الأجدر فيه التركيز على متابعة التحقيقات ومساندة أسؤة المجني عليه في الحث على تحقيق العدالة والكشف عن الجناة الحقيقيين.
الmtv عاملين مقال عن الجرائم ب ٢٠٢٤ ورفع عتب مرقوا “اغتيال إسرائيل لشخصيات سياسية وعسكرية في حزب الله”، وركزوا بباقي المقال على مقتل باسكال سليمان..
هني شافوا العدوان الإسرائيلي كان بس على حزب الله مش على لبنان، مجزرة البيجرز اللي طفّت عيون وقطعت كفوف ٦٠٠٠ شخص هني وعم يمارسوا… pic.twitter.com/oS8B2Rbi3F
— دقيق (@da2eee2) January 1, 2025
محاولات مستمرة لإلصاق التهم بحزب الله
لحسن الحظ، كُشفت حقيقة جريمة قتل سليمان وجريمة الاستثمار في دمه أيضا، لكن محاولات التضليل والبروباغندا ضد حزب الله لم تنته، في وقت تخرس فيه الألسن “عن جرائم العدو الإسرائيلي ومسؤوليته عن القتل والإبادة والاحتلال والتدميرى، كما يقول الإعلامي بيار أبي صعب لموقع المنار الإلكتروني.
يوضح أبي صعب أن هذه المحاولات تستغل الأحداث بطريقة سياسية، وأن قضية باسكال سليمان هي مثال حي على ذلك،وأضاف أبي صعب أن “باسكال سليمان كان ضحية لمجموعة من المجرمين واللصوص، وكذلك لبعض السياسيين، مشيراً إلى أن القرار القضائي قد أدان المجرمين الحقيقيين وهم لصوص وقتلة ولكن ذلك لم يغير الواقع السياسي، حيث تستمر بعض الجهات في استغلال الحوادث الفردية لأغراض سياسية: “سمير جعجع لم يخرج من معراب حتى خلال الاحتجاجات الشعبية التي قال أنه يدعمها عام ٢٠١٩، ولكنه نزل إلى الشارع بعد وقوع جريمة مقتل سليمان، مستغلًا الحادثة لتحقيق مكاسب سياسية”.
واعتبر أبي صعب أن هذه الجريمة استُغلت سياسيًا لخدمة أجندات انعزالية في لبنان، والتي ترتبط بجبهة تدعم إسرائيل، وأن “هذه الجبهة تسعى إلى تشويه صورة المقاومة وتحميل حزب الله مسؤولية جميع الشرور، بينما هو بريء منها”.
إلى متى؟
بالنسبة للقرار القضائي في جريمة قتل سليمان، يشعر الكثيرون بلا شك بالارتياح لانكشاف الحقيقة، لكن في الحقيقة، فإن باسكال سليمان هو ضحية للجريمة مرتين؛ الأولى حين قُتل، والثانية حين استُغل موته من قبل تجار الفتنة الذين حولوا مأساته إلى ورقة سياسية لتحقيق مكاسب ضيقة. لقد ضحوا به وبمأساة أسرته على مذبح الصراعات الضيقة التي لا تهدف إلا إلى تشويه صورة الحقيقة، وتصبح الجريمة الوحيدة التي يُحاسَب عليها حزب الله، في نظر خصومه، هي مواجهته للعدو الإسرائيلي وتصديه للاحتلال والتدمير، وهما تهمتان تحرص القوات اللبنانية على عدم التسرع فيها، بل على عدم الخوض فيها أصلا، وطبعا، ليس لأن هذه الجرائم لم تكتمل أركانها وأدلتها
المصدر: المنار