’’هذا إنجاز للشعب، الإنجاز الذي حققه شعبنا في عام 2014، الآن نعيده في عام 2022’’
رئيس جمهورية دونيتسك دينيس بوشيلين في تعليقه على نتائج استفتاء ضم مقاطعات شرق أوكرانيا (دونيتسك ولوغانسك وزابوريجيا وخيرسون) إلى روسيا.
أوكرانيا.. الخط الأحمر
في شباط/فبراير من العام 2014، تحديداً عندما شهدت أوكرانيا ما سُمي وقتها بثورة أدّت إلى الإطاحة بالرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، عمّت مدينة سيفاستوبول في القرم مظاهرات موالية لروسيا. أعلن المتظاهرون أنهم ضد الحكومة الأوكرانية الجديدة وصوتوا لصالح إقامة إدارة موازية. عقب ذلك أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه “يتعين علينا أن نبدأ العمل على إعادة ضم القرم إلى روسيا”.
فبلاده كانت تراقب عن كثب ما يجري في كييف، خصوصاً أنه منذ انفصال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي، تنافست كل من موسكو والغرب من أجل نفوذ أكبر في تلك البلاد من أجل الحفاظ على ميزان القوى في المنطقة لصالحهما، هذا لأن واشنطن والاتحاد الأوروبي يعتبران أوكرانيا منطقة عازلة حاسمة بين روسيا والغرب.
لكن في آذار/مارس، حدث ما أراده بوتين، إذ صوّت 96.77% من سكان القرم على الانضمام إلى روسيا، إذ لم تحل عقوبات الغرب وواشنطن دون السير سريعاً باجراءات انضمام شبه جزيرة القرم (المساحة: 26000 كيلومتر مربع) والتي تكتسب أهميتها الاستراتيجية من تموضعها في البحر الأسود على مقربة من مضيقي البسفور والدردنيل اللذين يربطانه بالبحر الأبيض المتوسط من جهة، والقوقاز – بما في ذلك شمال القوقاز الروسي – من جهة أخرى، مما منح روسيا تفوقاً بحرياً في تلك المنطقة.
رسالة “انضمام القرم” عام 2014، والتي ضربت بها موسكو بمذكرة بودابست عرض الحائط، كانت واضحة، لن تقف روسيا مكتوفة الأيدي تجاه أي عبث بالخطوط الحمر. أوكرانيا، التي تشترك وروسيا في مئات السنين من الروابط الثقافية واللغوية والعائلية، مذ كانا جزءاً من الاتحاد السوفيتي السابق، هي جزء من الأمن الروسي، الذي أكد على أهميته الرئيس فلاديمير بوتين في لقاء بالفيديو مع نظيره الأميركي جو بادين عام 2022، محذراً الأخير من خطورة توسع الكتلة العسكرية للناتو شرقًا، مطالباً بـ “ضمانات”، لم يقدمها الرئيس الأميركي، إذ وصف الكرملين اللقاء بالسلبي، فأبقى بوتين على حشوده العسكرية على الحدود مع أوكرانيا، إلى أن أعطى في 24 شباط/فبراير من العام نفسه الضوء الأخضر لبدء العملية العسكرية في أوكرانيا والتي لا تزال مستمرة، بالرغم من فرض الغرب عقوبات هي الأقسى من نوعها على روسيا، وهدفها الأساس: تحرير أراضي الدونباس.
الاستفتاء.. دعوة روسية لتجنب اندلاع حرب نووية
“قريباً جداً سنعيش جميعاً في أسرة واحدة”، هكذا هنأ سكرتير مجلس الاتحاد الروسي أندريه تورتشاك في السابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2022 إلى أهالي دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوروجيه بنتائج الاستفتاء الذي امتد من 23 إلى 27 أيلول/سبتمبر، وتجاوزت نسبة المشاركة فيه الـ 50%، حسبما أعلنت الهيئات الانتخابية في جميع الكيانات الأربعة.
توقيت الاستفتاء ليس عبثاً. إنها خطوة بالنسبة لروسيا واعدائها لا تقل أهمية، لجهة الأسباب والتداعيات، عن أصوات المدافع والصواريخ المستمرة بالسقوط على الجبهات الساخنة. فمما لا شك فيه أنه بعد مضي سبعة أشهر على بدء العملية العسكرية والتي استنزفت تداعياتها اقتصادات الدول المتحاربة، وجنوح مسارها نحو المراوحة، كان لا بد للرئيس الروسي الذي تقاتل قواته لاستعادة خاركيف أمام تقدم أوكراني، أن يمضي قدماً بخطوة الاستفتاء على ضمّ ما لا يقل عن 15% من الأراضي الأوكرانية إلى بلاده، والذي ترافق مع خطوة الاعلان عن التعبئة الجزئية. إذاً ما الذي حققه بوتين؟
نقلت وكالة “أسوشيتد برس” عن المحللة الروسية تاتيانا ستانوفايا قولها إن الاستفتاءات هي “إنذار روسي لأوكرانيا والغرب” ودعوة لهما إلى التراجع لتجنب اندلاع حرب نووية، موضحة أن “عملية الضم ستضفي الشرعية على حق روسيا في اللجوء إلى الأسلحة النووية لحماية أراضيها”.
الأمر الذي يتقاطع ايضاً مع ما أعلنه النائب في مجلس الدوما الروسي ألكسندر بوروداي بأن “هذه الأقاليم باتت فعلياً جزءاً من روسيا، ولكن انضمامها رسمياً قد يغير الطابع الناعم للعملية العسكرية الخاصة التي ستتحول إلى الدفاع عن الأقاليم الروسية. ولذلك تم الإعلان عن التعبئة الجزئية، لا العامة، إذ إن الأمر لا يستدعي إشراك ملايين الأفراد في أعمال القتال”.
وهو ما أكده خبراء بالقول إن “اندلاع أية أعمال قتالية في تلك الأقاليم، سيعني إعادة تصنيف الحرب في أوكرانيا من عملية عسكرية خاصة في الخارج إلى عملية عسكرية للدفاع عن الأراضي الروسية”، مما يطرح أسئلة حول التغيرات التي ستطرأ على الاستراتيجية العسكرية الروسية في الفترة المقبلة ومآلات الحرب الدائرة.
اقتطاع 27% من مساحة أوكرانيا
بضم هذه الأراضي (دونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزابوريجيا) إلى السيادة الروسية فإن عدد الأقاليم الروسية سيرتفع من 85 إلى 89 إقليماً.
وتبلغ مساحة مقاطعة دونيتسك 26.517 كيلومتراً مربعاً، ولوغانسك 26.684 كيلومتراً مربعاً، وزابوريجيا 27.183 كيلومتراً مربعاً، وخيرسون 28.461 كيلومتراً مربعاً.
وبعدما ضمّت روسيا القرم، البالغة مساحتها 27 ألف كيلومتر مربع، بالقوة، تُصبح مساحة المناطق التي اقتطعتها روسيا من أوكرانيا 135.845 كيلومتراً مربعاً، من أصل 603.628 كيلومتراً مربعاً، أي أكثر من 27 في المائة بقليل من المساحة الإجمالية لأوكرانيا.
وسبق أن أكد خبراء اقتصاديون أن “انتهاء الاستفتاء لصالح الانضمام لروسيا، سيمنحها قوة اقتصادية إضافية، فضلًا عن أن اندماج الأراضي الزراعية التي تشمل منطقتي زاباروجيا وخيرسون، سيحولها إلى أكبر اللاعبين في سوق الحبوب الروسية”.
ماذا عقب الاستفتاء؟
منذ البداية، كان من المتوقع أن تضع روسيا عقب الاعلان عن نتئاج الاستفتاء قوانين سريعة وجديدة حول ضم المناطق الأربعة.
وفي السياق، أعلن المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أن “مراسم التوقيع على معاهدات انضمام الأراضي المحررة إلى كيان الاتحاد الروسي” ستقام في التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر في الكرملين بحضور الرئيس بوتين.
وسبق ذلك وصول قادة ورؤوساء جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك وزابوروجيه وخيرسون إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي ولاستكمال الإجراءات القانونية لتصبح تلك المناطق “جزءاً لا يتجزأ من روسيا”.
المصدر: موقع المنار