“يبدو أنّ التفاؤل باقتراب دخول أوروبا موسم الخريف الذي يجلب الأمطار في شكل متطرف أحياناً، ويتسبب في فيضانات، لا يتناسب مع الآثار الكارثية لموسم الجفاف الأسوأ الذي تشهده القارة منذ 500 سنة”. هذا ما ينقله تقرير أصدره أخيراً مركز الأبحاث المشتركة “جي آر سي” التابع للمفوضية الأوروبية الذي يدرس أهم التحديات التي تواجه مجتمعات القارة، ويقدم إرشادات وتوصيات بما يجب تنفيذه لتخطي المشاكل.
ويوضح خبراء المركز أنّ “الجزء الأوروبي من روسيا يستطيع أن يعتمد على إنتاج قياسي للحبوب هذا الصيف، لكنّ هذه الحال لا تشمل غالبية دول الاتحاد الأوروبي، من ألمانيا إلى جنوب القارة، التي ستضرب موعداً مع كارثة على مستوى الأمن الغذائي تتأثر بانخفاض غير مسبوق في محاصيل الحبوب، بسبب حالات الجفاف التي هبت على القارة. وفي مقدمة هذه المحاصيل، القمح والذرة ودوار الشمس وفول الصويا، وأخرى كثيرة تعتبر مهمة لتأمين الغذاء في أوروبا. وقد ينعكس ذلك سلباً على الأسعار ويرفع تكاليف عيش المواطنين”.
ويتوقع التقرير انخفاض إجمالي محصول القمح في الاتحاد الأوروبي بنسبة تزيد قليلاً عن واحد في المائة مقارنة بمتوسط السنوات الخمس السابقة، لكنه يشير إلى أنّ “الخسائر ستكون أكبر بكثير بالنسبة إلى بلدان مثل إسبانيا وإيطاليا والبرتغال وفرنسا والمجر، وقد تتراوح بين 2.9 في المائة و16 في المائة”.
وقد ترافقت مشاهد جفاف الأنهر الأوروبية مع عدم تجاوز كمية الأمطار التي هطلت نصف معدلاتها المعهودة في غالبية الدول الأوروبية، وهو ما شمل مناطق زراعية مهمة لم تشهد بعضها أي أمطار بين الأول من يوليو/ تموز و15 أغسطس/ آب الماضيين، باستثناء يومين في المتوسط.
واللافت أنّ مناطق مثل شمال غربي إيطاليا وجنوب ووسط إسبانيا كانت تعاني فعلاً من انحسار الأمطار، وانحسار كميات المياه في الخزانات المخصصة للمحاصيل الزراعية، ما جعل مزارعين كثيرين يتخلون عن ري بعض الحقول.
وبدا جلياً هذا الصيف أن وتيرة ارتفاع درجات الحرارة في العالم الذي حذرت من تداعياته مؤتمرات عدة بحثت التغيّرات المناخية ومنظمات دولية متخصصة، بينها وكالات للأمم المتحدة، يتسارع أكثر بكثير من المتوقع، ما أصاب خبراء بالذهول، في وقت يراهنون على الاتفاقات الدولية لحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض بـ 1.5 درجة مئوية.
كما ذكّرت حوادث الحرائق وموجات الجفاف في القارة العجوز بأن الاتفاقات على الورق لن تنقذ الأرض من لهيب غازات الدفيئة والاحتباس الحراري التي تنتج من استمرار البشر في إطلاق الغازات الضارة في الغلاف الجوي للأرض. وعملياً لا يشكك علماء بالعلاقة بين نقص هطول الأمطار وانتشار الجفاف وتراجع المحاصيل، وتراجع صحة مناخ الأرض. وهم يحذرون منذ سنوات من التغيّرات التي تؤدي إلى انحسار الرقع الجليدية على الأرض، واستمرار استهداف الغابات المطيرة وبث الغازات الضارّة في الفضاء التي زادت التبخر وتسببت في تراجع كميات المياه في الأنهر الجليدية الأوروبية، وجعلت تدفقات الماء هزيلة في عدد منها.
ولا يؤثر ذلك على المواسم الزراعية فقط، بل يفاقم أيضاً أزمة إمدادات الكهرباء التي تعاني في الأصل من مشكلة عميقة على صعيد الاعتماد على الغاز الروسي، كما تؤثر على الطاقة المائية والنووية باعتبار أن محطات توليد الطاقة تحتاج إلى المياه لإنتاج الكهرباء والتبريد.
وبالنسبة إلى بعض الخبراء “يواجه الأوروبيون اليوم وحشاً متعدد الرؤوس تعكسه مشاهد الجفاف وأزمات الطاقة وارتفاع معدلات التضخم”.
ويتوقع باحثون أوروبيون استمرار ارتفاع درجات الحرارة في سبتمبر/ أيلول الجاري وأكتوبر/ تشرين الأول المقبل، وتواصل الجفاف الذي يرون أنه يقترب من نصف مساحة الاتحاد الأوروبي (47 في المائة منها)، مع ملاحظة أن 17 في المائة من أراضي القارة شهدت حالات الجفاف الأشد.
المصدر: العربي الجديد