للمرة الأولى منذ نشأة الكيان الصهيوني، أجمع خمسة رؤساء أركان سابقين في جيش العدو الإسرائيلي، على أن العودة للاتفاق النووي مع إيران هو بمنزلة الكابوس الذي يقلق الكيان الصهيوني، لأنه يخلّ بميزان القوى، ويفقد إسرائيل الشعور بالتفوق العسكري والتكنولوجي، الذي تمتعت به لأكثر من سبعة عقود متواصلة، الأمر الذي يضع إسرائيل على خشبة المقصلة.
جاء ذلك في مقابلة تلفزيونية نادرة أجرتها «قناة 12» الإسرائيلية مع خمسة من رؤساء أركان سابقين في جيش العدو الإسرائيلي، وهم إيهود باراك، موشيه يعلون، غابي أشكنازي، بني غانتس، وغادي آيزنكوت، وذلك ضمن فعاليات افتتاح مكتبة متخصصة بإرث المنظّر لفكرة الكيان الصهيوني ديفيد بن غوريون.
المقابلة التلفزيونية عُرضت مساء يوم الجمعة الماضي، على «القناة 12» وظهر فيها الجنرالات الخمسة وهم من أصل سبعة قادة عسكريين سابقين لا يزالون على قيد الحياة.
مذيع «القناة 12» الذي أدار الحوار في المقابلة، توجه للجنرالات بأسئلة تمحورت حول المخاوف التي تعتري إسرائيل من الاتفاق النووي الإيراني، وخصوصاً بعد ورود معلومات تفيد بأن الولايات المتحدة وقوى عالمية أخرى قد حسمت مسألة العودة للاتفاق مع إيران قريباً، وعما إذا الجنرالات الخمسة لا يزالون يؤمنون بالقدرة الإسرائيلية على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، في ظل المتغيرات الحاصلة بالمنطقة والعالم.
بني غانتس الذي يشغل منصب “وزير الدفاع” في الكيان الصهيوني، كان أول المبادرين للإجابة عن موضوع الاتفاق النووي وذلك النحو التالي:
إن إسرائيل تعرف كيف تتعامل مع الوضع ولو تم التوقيع على الاتفاق المليء بالثغرات، وأضاف أعتقد أن شعب إسرائيل سوف ينجو، ودولة إسرائيل ستبقى، وسنكون أقوى دولة في المنطقة، فالتوقيع ليس نهاية القصة، وسنعرف كيف نخرج من أي مأزق، ونستثمر في الجانب الإيجابي، وسندافع عن أنفسنا، ونتصرف وفقاً لمصالحنا، بغض النظر عمَّا حدث أو قد يحدث.
بني غانتس أفصح عما دار بينه وبين الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن الاتفاق النووي مع إيران قائلاً:
لقد أُتيحت لي فرصة التحدث مع الرئيس الأميركي جو بايدن مؤخراً، وقد سألته إذا كان سيستخدم القوة ضد إيران كملاذ أخير، وأجابني بـ«نعم» وأرى أنه من واجب الأميركيين لكونهم قادة للعالم الغربي أن يلتزموا بهذا الأمر، ليس فقط لأن الاتفاق يسبب مشكلة لدولة إسرائيل، بل لأن أميركا تمثل قيادة العالم، وعليهم منع حدوث ذلك وآمل أن يحترموا كلمتهم.
اما غازي آيزنكوت فقال:
إن منع إيران من أن تصبح قوة نووية هو الهدف الثابت لإسرائيل لا نقاش حوله، وغير ذلك يعني أننا سنسمح بتغيير التوازن الإستراتيجي في الشرق الأوسط وهذا مستحيل، وأعتقد أن الجميع يتفقون على ذلك، وأضاف: “نحن منذ 20-30 سنة نتصدى لكل مخططات الإيرانيين، بما في ذلك مشروعهم لإنتاج قنبلة نووية”، حسب تعبيره، كما أننا استطعنا حتى الآن منع إيران من امتلاك قدرة نووية، نتيجة العمليات الإسرائيلية العسكرية والسياسية والدبلوماسية والتي تميزت بالسرية، وهنا يجب على المرء أن يُقلّل من الكلام ويُكثر من الأفعال.
أما إيهود باراك فقد سُئِل عمَّا إذا كانت إسرائيل قد أخطأت في عدم مهاجمة إيران، عندما كان وزيراً للدفاع في عهد رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، فأجاب:
كنت ونتنياهو من مؤيدي توجيه ضربة عسكرية لمنشآت نووية إيرانية بين عامي 2010 و2011، لكن تم منعنا من قبل رئيس أركان الجيش غابي أشكنازي ومعظم الوزراء، بمن فيهم موشيه يعالون نفسه، وفي الحقيقة لم يكن لدينا فكرة بل من الصعب معرفة التطورات وكيف كانت ستنتهي الأمور، لو نفذنا ضربة عسكرية وقمنا بمهاجمة منشآت إيران في ذلك الوقت، أما الآن فنحن أمام حقيقة مرة وهي أن إيران تقف على عتبة الدولة النووية بحكم الأمر الواقع، ومن الصعب أن نعرف ما الذي يمكننا فعله حتى نؤخر وجود إيران النووية لعدة سنوات.
إيهود باراك ختم حديثه مثنياً على ما قاله بني غانتس، بأن إسرائيل ستكون قادرة على التعامل مع إيران نووية، وإن «إسرائيل لن تنهار، ولن يحدث لنا أي شيء دراماتيكي، حتى لو وقع الأسوأ وأصبحت إيران دولة نووية.
أما موشيه يعالون فقد أبدى موافقته على ما قاله باراك وغانتس، من أن إسرائيل تعرف تماماً واجبها في مواجهة التهديد الإيراني ونحن نعرف ماذا سنفعل وفي الوقت المحدد.
مفاجأة موشيه يعالون كانت في التركيز على أن التهديد الجدي الذي يكتنف إسرائيل حالياً، ليس كون إيران دولة نووية أم لا، واصفاً تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية للجيل الفلسطيني الجديد في الداخل، أسهمت في فقدان ثقة المجتمع الإسرائيلي بدولته، وهذا سيؤدي حتماً إلى انهيار التماسك الاجتماعي الإسرائيلي، ما يعني أننا أمام تهديد أكثر خطورة مصدره الداخل الإسرائيلي، واصفاً انهيار التماسك الاجتماعي الحاصل اليوم داخل إسرائيل، بأنه أكثر ما يُهدد وجود الدولة اليهودية ومستقبلها، وأن هذا التهديد الداخلي هو أكبر وأكثر خطورة من إيران النووية، أو حزب الله أو حماس، وهذا يعني أننا أصبحنا أمام واقع يتمثل بإخراج إسرائيل من إسرائيل.
موشيه يعالون ختم كلامه قائلاً: أن جميع رؤساء الأركان الأحياء، في الجيش الإسرائيلي والموساد والشاباك، يقرون بأن التهديد الأكبر لوجود إسرائيل هو انعدام التضامن الداخلي وإن جميع الأشخاص المتورطين بالفساد والرشوة والممارسات العنصرية من قبل الذين كانوا على رأس جهاز الأمن، يفهمون اليوم أننا نواجه تهديداً أكثر خطورة على مستقبل دولة إسرائيل.
الملاحظ أن أي من الجنرالات الخمسة، لم يتحدث عن خطر حماس والجهاد ولا حزب الله ولا اليمن، ولا عن التقارب الإيراني الروسي، ولا عن التنسيق الصيني الروسي، ولا عن مآل وتأثير العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولا عن احتمالات تفكك الاتحاد الأوروبي، بل إن الجنرالات الخمسة ركزوا على الخطر الداخلي، الناتج عن تفسخ المجتمع الصهيوني نتيجة تفشي حالة الفساد وتحلل الشباب اليهودي الجديد من عقيدة بن غوريون الصهيونية.
وهنا تدخل ايزنكوت معللاً بأن التحلل من عقيدة بن غوريون عند الجيل اليهودي الناشئ، ظهر جلياً بعد تزايد العمليات الهجومية التي يقوم بها الجيل الجديد من الفلسطينيين وفي قلب مناطق وإحياء الضفة الغربية، الأمر الذي زاد من فقدان ثقة المجتمع بالدولة اليهودية، ما وضعنا في مواجهة مع تهديد جدي، يتمثل بفرط عقد تماسك الجبهة الداخلية، وبالتالي إلى تفكك المجتمع والكيان الصهيوني، الذي بات أمام واقع أليم وهو نهاية الحلم الصهيوني.
المحاور في «قناة 12» قال للجنرالات الخمسة: بناء على قدمتموه نفهم منكم بأن الفيل صار في داخل الغرفة، وعليه فإن الفيل كفيل بإخراج إسرائيل من إسرائيل.