الانفاق في سبيل الله
الشيخ دعموش في خطبة الجمعة:المقاومة تصنع اليوم اقوى المعادلات لفك الحصار عن لبنان.
نص الخطبة:
﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُون ( المائدة 55-56
يصادف يوم الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة ذكرى تصدُّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه أثناء صلاته، وقد اعتبر هذا اليوم بداية اسبوع للصدقة والانفاق في سبيل الله.
ونظراً لأهمية هذه المناسبة وقيمتها وما تحمله من مضامين ومفاهيم ودلالات وابعاد أنزل الله تعالى فيها هذه الآية التي تلوتها وهي اية الولاية فقال عزّ وجلّ : ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ، وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)
وهذه الآية تحصر الولاية “بالله والرسول والذين آمنوا” وقد عبر الله تعالى عن صاحب الصدقة اي عن علي(ع) بصيغة الجمع من اجل التفخيم والتكريم والاحترام والتقدير حيث جرت عادة العرف التعبير عن احترام الشخصية بمخاطبته بصيغة الجمع لا المفرد.
وحديثنا في هذه الخطبة ليس عن الولاية وانما عن االتصدق والصدقة حيث إنّ نزول آية الولاية في تصدَّق أمير المؤمنين عليه السلام بخاتمه يدلّ على مكانة الصدقة في الإسلام وعلى قيمة الانفاق في سبيل الله وعلى اهمية ان يعطي الانسان وينفق من ماله وامكانته ورزقه على من يحتاجها .
فنعم الله سبحانه وتعالى كثيرة لا تعد ولا تحصى ( وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ). إبراهيم 34 . ومن أعظم النعم : نعمة المال والرزق، وهذا المال الذي يحصل عليه الانسان هو مال الله تعالى ونعمة من الله اودعها لدى عباده ، ليبتليهم ويختبرهم أيشكرونه بان يستعملوا هذه النعمة في طاعة الله وفيما يحب الله وفي خدمة الناس وقضاء حوائجهم أم يكفرون بها بان يستعملوها في معصية الله، قال تعالى : ( وأمددناكم بأموال وبنين ) الإسراء: 6، وقال سبحانه ( وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم ) العنكبوت: 60.
وللمال حق على صاحبه، فمن حقوق المال على الانسان ان ينفقه في المجالات والموارد الصحيحة والمشروعة:
والمجالات المشروعة واجبة ومستحبة: الواجبة، مثل الإنفاق على النفس والاولاد والزوجة والعائلة، وأداء الخمس والزكاة الواجبين ونحو ذلك .
واما المستحبة، فمثل صدقة التطوع ، والإنفاق في أوجه البر والخير المتنوعة كالنفقة على اليتامى والأرامل والفقراء والمساكين ، والتبرع للمؤسسات الخيرية وبناء الصروح الانسانية ونحو ذلك
الوقوف الى جانب المحتاجين والملهوفين والمتعسرين ومساعدتهم للتخفيف من معاناتهم يكشف عن حس انساني وسمو اخلاقي عظيم، وله اثار ونتائج على حياة الانسان المتصدق في الدنيا والاخرة.
من اهم نتائج واثار الانفاق والتصدق:
1-دخول الجنة ، يقول تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) آل عمران 133 ، 134 .
2- الوقاية من النار ، وتكفير السيئات ، روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال اتقوا النار ولو بشق تمرة
وفي حديث اخر عنه صلى الله عليه واله وسلم : ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)
3-تكثير الحسنات ، ومضاعفة الأجر وزيادة الرزق اضعافا، يقول تعالى: (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) البقرة آية 361 . ويقول سبحانه (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأقرضوا الله قرضاً حسناً وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) المزمل آية 20 .
البعض يخاف ان ينفق من امواله لانه يخشى ان ينقص ماله!
للذين يخافون من نقص اموالهم نقول ان الله يعوض عليكم ما تنفقونه فلا تخافوا.
قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (اي يعوضه) وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}.
4- الإنفاق يطهرقلب المنفق ويزكي نفسه، وينمي ماله ويكون سلامة له من الآفات والامراض، يقول تعالى ( خذ من أموالهم صدقة تظهرهم وتزكيهم بها ) التوبة 103
ولكي يوصل الإنفاق الى تلك النتائج العظيمة والفوائد الجليلة لابد وأن يكون المنفق والمتصدق:
اولا: مخلصا لله : بان لا يكون هناك اي شبهة رياء أو سمعة أو غيرهما، فإذا أنفق على نفسه وأسرته ينفق شاكراً لله تعالى على ما أعطاه من هذه المال ، حامداً له على هذه النعمة ، وإذا أنفق على الفقراء والمساكين ، أو مشاريع الخير وأعمال البر ينفق لوجه الله ولانه يريد الأجر والثواب من هذه الإنفاق
إن القيمة الحقيقية لتصدق أمير المؤمنين عليه السلام بحيث استوجب نزول قران فيه ليس لان الخاتم الذي تصدق به غالي الثمن فقد يكون ثمنه بسيطا، ولا لاجل هذا العمل المجرد البسيط بل للخلفية الإيمانية والروحية وصفة الاخلاص التي حركت الإمام علي عليه السلام للتصدُق بخاتمه.
عن النبي(ص) : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )
فمن انفق يبتغي الأجر فله ذلك ، ومن أنفق رياء أو سمعة أخذ حظه من ثناء الناس في الدنيا ، وليس له حظ في الآخرة .
ثانيا:عدم المن والأذى ، المن هو ان يتحدث الانسان بما اعطى وانفق ويقول انا اعطيت فلان او المؤسسة الفلانية انا ساعدت علان بما يؤدي الى اسقاط كرامة الناس والخدش بسمعتهم فيتؤذيون من ذلك .
يجب ان يحافظ المعطي على كرامة وعزة نفس المحتاج ، فتلك النفس تأبى أن يكون هذا العطاء مقروناً بمن أو أذى، لأن المن يخدش كرامة النفس ويجرح مشاعرها ، ويشعرها بالذل والهوان، والله يرفض اذلال الناس.
الصدقات المقرونة بالمن والأذى لا قيمة لها وهي باطلة وغير مقبولة، يقول الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (البقرة آية 264
(الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ۙ لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
واذا احد حدثته نفسه بالمن على الاخرين فالاعتذارافضل ورد المحتاج برفق وبقول جميل ومعروف خير من الصدقة مع الاذى.
قال تعالى: قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)
ثالثا: الإنفاق من المال الطيب فأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، فقد أمر سبحانه بالإنفاق من بالاشياء المحبوبة لدى الانسان والاشياء الصالحة التي تنفع الاخرين لا الفاسدة والتالفة ، يقول تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقوا ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه وأعلموا أن الله غني حميد ) .البقرة آية 267.
والبر والأجر إنما ينال بالإنفاق من المال الطيب المحبوب ، يقول الله تعالى : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون ) عمران آية 92
رابعا: الاعتدال في الإنفاق : فان المال أمانة عند صاحبه ، فهو مال الله تعالى، رزقه هذا الإنسان ، ليتعامل به وفق منهج الله تعالى ، فلا يتعالى فيه فيبذر ويسرف ويتجاوز حد الاعتدال ، ولا يقتر فيبخل ويمسك يده، يقول تعالى : ( والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما )
هذه هي ثقافة الاسلام الاجتماعية والانسانية التي تجعل الفرد والجماعة يشعرون ببعضهم وبهموم بعضهم ويتكافلون ويتعاونون.
اليوم بفعل هذه الثقافة مجتمعنا يساند بعضه البعض في الازمة الاقتصادية والمعيشية التي نمر بها
استنادا الى هذه الخلفية الثقافية والايمانية والانسانية هناك الكثير من الافراد والمؤسسات والجمعيات ولجان التكافل في مجتمعنا يمدون يد العون الى المحتاجين ويبادرون ويساعدون من اجل التخفيف من معاناة الناس وهذا من علامات الخير المضيئة في مجتمعنا .
اليوم مجتمعنا افضل حالا على الصعيد الاجتماعي والمعيشي من مجتمعات وبيئات اخرى نتيجة هذه الروحية الايمانية والانسانية التي تدفع الخيرين نحو العطاء والانفاق والتكافل ولا ننسى المغتربين الذين يضخون اموالا ويساعدون اهلهم يخففون من تداعيات الازمة كما ن التقديمات والمبادرات الاجتماعية والانسانية التي يقوم بها حزب الله تساهم بشكل اساسي في التخفيف من معاناة الناس ونحن سنستمر في الوقوف الى جانب الناس وتقديم كل ما يمكن تقديمه والقيام بكل ما يمكن القيام به على الصعيد الاجتماعي والمعيشي وغيره .
هذه المقاومة وانطلاقا من خلفيتها الثقافية والانسانية والوطنية تقوم بمسؤولياتها الاجتماعية والسياسية وعلى كل الصعد من اجل ان يعيش اللبنانيون في بلدهم أعزاء بكرامة، وهي تصنع اليوم اقوى المعادلات لفك الحصار الامريكي عن البلد وانقاذه وتحصيل حقوقه والحفاظ على ثرواته، فيما بعض اللبنانيين ممن اعتادوا على الارتهان للخارج وانتقاد المقاومة يكتفون بالمواقف اللفظية ولا يقدمون أية حلول او بدائل للخروج من نفق الازمة .
نقول لكل الذين ينتقدون المقاومة والذين لم نسمع منهم الا الصراخ والاعتراض والتشكيك والتهويل: المقاومة هي خيار لانقاذ البلد وهي تقدم حلا يساعد على اخراجه من ازمته الاقتصادية والمعيشية، واذا كانت لديكم خيارات اخرى فتفضلوا وقدموها وكفوا عن التنظير والمواقف التي لا تقدم ولا تؤخر.