ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الخميس 12 ايار 2022، على المعادلة التي رسمها خطاب الثنائي الوطني، وتمحورت حول “النفط والغاز يضمنان ودائع اللبنانيين وسلاح المقاومة يضمن النفط والغاز”… اما انتخابياً فغداً تبدأ المرحلة الثانية من الاستحقاق الانتخابي من خلال تصويت الموظفين في المراكز المحددة قبل ان يبدا الاحد العرس الانتخابي الكبير في كل لبنان.
البناء:
اغتيال شيرين أبو عاقلة… وجنسيّتها الأميركيّة والتطبيع الإعلاميّ للجزيرة لم يوفّرا لها حصانة
غضب شعبيّ عربيّ وفلسطينيّ ومطالبة بطرد السفارات وإيقاف كل أشكال التطبيع
«الثنائيّ» يرسم معادلة خلال شهر: الغاز والنفط يضمنان الودائع والسلاح يضمن النفط والغاز
كتب المحرّر السياسيّ
خيم الحزن والغضب على الشارعين العربي والفلسطيني منذ الصباح الباكر ليوم أمس، مع شيوع نبأ إقدام جيش الاحتلال على اغتيال الصحافية الفلسطينية في قناة الجزيرة الفضائية شيرين أبو عاقلة بدم بارد وبرصاصة قناص مستهدِفة، ولم توفر للشهيدة شيرين جنسيتها الأميركية حصانة بوجه قرار الاغتيال، ولا وفر هذه الحصانة دور قناة الجزيرة في تسويق مشروع التطبيع الإعلاميّ مع رموز الكيان تحت شعار الرأي والرأي الآخر، ولا الخدمات التي أدّتها وتؤديها دولة قطر المالكة لقناة الجزيرة لحساب السياسات الأميركية ولا تلك التي أدتها وتؤديها قناة الجزيرة في السياق نفسه، والشواهد ممتدة من الحرب على سورية إلى الحرب في أوكرانيا، وشيرين التي فجّرت موجة حزن وغضب باستشهادها لما مثلته من صدق في حملها لراية الدفاع عن شعبها في فلسطين وإظهار مظلوميته بوجه الاحتلال، فشيّعتها فصائل المقاومة في مخيم جنين حيث استشهدت، وتناقلتها أكتاف الفلسطينيين من بلدة إلى بلدة بين جنين ورام الله، حيث وصل جثمانها بعد ظهر أمس، أطلقت موجة عبرت عنها تظاهرات الغضب في عدد من العواصم العربية أبرزها في عمّان تطالب بطرد السفارات الإسرائيلية وإلغاء كل أشكال التطبيع مع كيان الاحتلال في كل البلاد العربية، ودعوة الإعلام العربي ومؤسساته الى التعبير عن حزنه وتضامنه مع شهادة شيرين أبو عاقلة بوقف التطبيع الإعلامي، والامتناع عن استضافة كل مَن وما يمت للاحتلال بصلة، وفقاً لشعوذة الرأي والرأي الآخر، بعدما أصبحت العمالة مجرد وجهة نظر.
الإدانات الدولية الرسمية والشعبية والصادرة عن المنظمات الحقوقية والصحافية، لم تظهر ما يشير الى فرصة لتحويل اغتيال شيرين إلى نقطة تحول بإحالة الجريمة الى المحكمة الجنائية الدولية، بعدما ذيلت واشنطن ما وصفته بالحزن الشديد على الصحافية الفلسطينية الأميركية كما قالت، بدعوتها لتشجيع الاقتراح الإسرائيلي المرفوض فلسطينياً بتحقيق ثنائيّ في الجريمة، وبالتوازي لم يظهر لا في بيان الحكومة القطرية ولا في بيانات قناة الجزيرة، رغم الحملة الواسعة تحت عنوان الحدث الجلل، أية إشارة أو تلويح لنيات وقف أشكال التطبيع، خصوصاً على المستوى الإعلامي، وبقيت تغريدة الإعلامية في قناة الجزيرة خديجة بن قنة عن الدعوة لوقف استضافة الإعلاميين «الإسرائيليين» مجرد رأي أو اقتراح.
المصادر الفلسطينية التي واكبت جريمة الاغتيال، تؤكد أن الوقائع الميدانيّة لما جرى لا تترك أي التباس حول كون عملية القتل ترجمة لقرار رفيع المستوى في الكيان، فالموكب الذي ضمّ شيرين وزملاءها كان في منطقة بعيدة عن أي شكل من أشكال المواجهة، والرصاص الذي توجّه نحو الموكب كان متقطعا أي أنه رصاص قناص، واستهدف فريق الجزيرة وتوقف عند إصابة شيرين برصاصة في أسفل الرأس، ما بين الخوذة والسترة الواقية المدموغتين بإشارات واضحة يضعها الصحافيون، ما يفتح الباب أمام تكهنات من نوع الاستعداد الإسرائيلي لمعركة غزة التي تبدو أنها وراء الباب بعد إعلان رئيس حركة حماس في غزة عن فتح ملف الحصار نحو الحل بالقوة إذا فشلت المفاوضات بتحقيق ذلك. وقالت المصادر من غير المعلوم ما إذا كانت الرسالة الإسرائيلية الدموية موجهة لحكومة قطر لممارسة الضغط على حركة حماس أم هي لقناة الجزيرة طلباً لتموضع يبتعد عن حركة حماس في الحرب المقبلة؟
لبنانياً، أكدت مصادر سياسية أن ما صدر عن كل من رئيس المجلس النيابي نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حول ثروات النفط والغاز والودائع، يرسم معادلة جديدة لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، وهو ليس مجرد تقاطع مواقف بالصدفة، بل هو حصيلة تشاور وتنسيق، خصوصاً لجهة مهلة الشهر الممنوحة للتفاوض قبل البدء بالتنقيب بمعزل عن مسار التفاوض، ومضمون هذه المعادلة سيشكل برنامج ثنائي حركة أمل وحزب الله لمرحلة ما بعد الانتخابات، والعنوان هو أن ترجمة التمسك بحماية حقوق المودعين سيكون باعتبار ثروات النفط والغاز ضمانة الودائع، والتمسك بالحقوق في النفط والغاز وتسريع استثمارها يترجم باعتبار السلاح ومعادلة الردع، هما ضمانة صيانة هذه الثروات واستثمارها في فترة قريبة مقبلة.
وفيما دخلت البلاد في فلك الصمت الانتخابي الثاني عشية اقتراع الطاقم الإداري الذي سينظم العملية الانتخابية في 15 أيار المقبل، بقيت الساحة الداخلية متأثرة بالمواقف التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خلال المهرجانين الانتخابيين المتزامنين اللذين نظمهما حزب الله وحركة أمل في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت.
وتضمّن الخطابان مواقف بارزة وهامة على المستويات كافة رسمت خريطة طريق للمرحلة المقبلة بعد الانتخابات النيابية المليئة بالاستحقاقات الدستورية المتتالية والهامة، بدءاً بانتخاب رئيس للمجلس النيابي فتكليف رئيس للحكومة وتشكيل حكومة جديدة ثم انتخاب رئيس جديد للجمهورية في تشرين المقبل.
وأشارت مصادر مطلعة على موقف الثنائي أمل وحزب الله لـ«البناء» الى أن «كلمة الرئيس بري وخطابي السيد الأول والثاني قدما الحلول العملية والواقعية للأزمات الداخلية السياسية والاقتصادية والمالية والنقدية فضلاً عن أزمة ترسيم الحدود مع العدو الاسرائيلي»، لافتة الى «التنسيق الواضح بين بري ونصرالله وتكامل الخطابين والتقائهما عند نقاط مشتركة عدة يعكس التكامل بين الدولة والمقاومة». واضافت المصادر أن الخطابين هما «أهم برنامج انتخابي واضح وعقلاني وموضعي يمكن أن يقدمه فريق سياسي لبناني».
وأوضحت المصادر أن «السيد نصرالله قدم بالقراءة التاريخية والموضوعية والأدلة القاطعة والساطعة الخطر الاسرائيلي على لبنان وحاجة المقاومة للدفاع عن لبنان، حيث بات يعتبر النقاش حولها اعتداء على الحق المشروع بالدفاع عن النفس»، مضيفة: «أما خطاب نصرالله الثاني فهو موضوعي وعقلاني وواقعي ويرفض عملية الإقصاء والإلغاء ويؤكد على أن لبنان للجميع وبأن لا طائفة قائدة ولا حزب قائد ولا أكثرية لأن لبنان بلد اقليات ولا اقلية تحكم الآخرين وبالتالي الحل الوحيد هو التفاهم والمشاركة وعدم الإقصاء إلا مَن يُقصي نفسه بنفسه».
وتوقفت المصادر عند «المعادلة التي ظلل بها نصرالله معركة ترسيم الحدود التي تكرس معادلة الجيش والشعب والمقاومة كما حصل في الحرب مع «إسرائيل» والإرهاب. فمن جهة ترك مسؤولية استكمال الترسيم للدولة ومن جهة ثانية قدم المقاومة كضامنة للحقوق، ولم يقل سأحل مكان الدولة وأرسم الحدود وأستخرج النفط، بل الدولة تستكمل والمقاومة تحمي الحقوق».
وفي هذا السياق وبعد تهديد نصرالله لـ«إسرائيل» ولشركة التنقيب رجح خبراء عسكريون ومتابعون لملف الترسيم للبناء ان لا تقدم «إسرائيل» على بدء التنقيب في المنطقة المتنازع عنها على الحدود وان تحجم الشركة عن مباشرة العمل خشية استهدافها، وتوقعوا تجميد الملف حتى تأليف الحكومة الجديدة.
وطرح السيد نصرالله بحسب مصادر الثنائي استعداد أمل وحزب الله للتعاون بتأليف الحكومة وإنقاذ البلد ومعالجة الازمات المختلفة، لكن كله معلق على نتائج الانتخابات وتشكيل الحكومة وأية هوية ستصبغها. وتوقعت المصادر ـن يعيد الأميركيون مراجعة سياساتهم ومواقفهم بعد اعلان نتيجة الانتخابات التي ستدفن خطة وزير الخارجية الاميركي السابق مايك بومبيو التي بدأ تنفيذها في اذار الـ 2019.
واعتبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان «أن المعركة الانتخابية معركة خيار وطني يريد لبنان سيداً لا دكانة للسفراء، مستقلاً لا مستعمرة، حراً لا ملحقاً، وطناً لا مرتعاً لأنابيب النفط». متوجها «لأهلنا في البقاع والجنوب والضاحية وزحلة وباقي دوائر لبنان» بالقول: «الخيار وطن مستقل وقرار حر وسلطة سياسية شجاعة وكرامة وطنية تلفظ المال اللقيط والعسس اللقيط، سلطة تقول لا لعوكر، سلطة تمنع سفارات النفط الوقحة من تفخيخ البلد بالمال الأسود، سلطة قادرة على أخذ قرار سياسي باتجاه الشرق، سلطة قادرة على حماية مواردها الوطنية، سلطة تمنع لعبة دكاكين الدولار والأسعار وتجار الأزمات من نهش البلد واستنزافه، سلطة قادرة على التغيير النقدي والبطش بالفاسدين، سلطة أقرب للفقراء، سلطة قادرة على التصحيح المالي، سلطة قادرة على قمع مصارف الأزمة ومافيا الودائع، سلطة ذات سيادة سياسية نقدية، وهذا يعني ضرورة الاقتراع الكثيف للثنائي الوطني وحلفائه يوم الأحد الكبير، لأن المعركة بين خيار مقاوِم وخيار مقاوِل».
في المقابل وفي توقيت «انتخابي مشبوه» يضاف الى تدخل السفارات والمراجع الروحية السنية بالعملية الانتخابية والتأثير على الناخبين وفي محاولة لإقحام البطريركية المارونية بالمعركة الانتخابية بعد توريط دار الفتوى بهذا الأمر، أطل البطريرك الماروني مار بشارة الراعي عبر شاشة تلفزيون لبنان أمس، مطلقاً سلسلة مواقف من الملفات المطروحة، قبل ثلاثة أيام من المرحلة الثالثة والاخيرة من الانتخابات وفي مرحلة الصمت الانتخابي متماهياً مع عنوان الحملات الانتخابية لقوى 14 آذار ومجموعات المجتمع المدني اي سلاح حزب الله، ما يطرح علامات استفهام عدة بحسب مصادر سياسية حول أخذ بكركي لتكون طرفاً في الانتخابات، من خلال استخدام التأثير الديني على توجهات الناخبين.
وتساءلت المصادر عن توقيت الإطلالة قبيل الانتخابات علما أن إطلالات الراعي الاعلامية التلفزيونية تحديداً شبه نادرة!
واعتبر البطريرك ان «هذه الانتخابات مفصلية لأنها تهيئة لانتخاب رئاسة الجمهورية وهي مهمة لنأتي بنوعية الرئيس»، ورداً على سؤال حول ما اذا كان انتخاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أمراً طبيعياً، أجاب: «منوقف الجمهورية لنجيب فلان!».
وسأل الراعي: «لماذا على «المقاومة» أن تكون فقط لفريق واحد من اللبنانيين؟ يأخذ القرار بالسلم والحرب؟ لماذا؟ من غير الممكن أن يكون في دولة أياً تكن، سلطتان وجيشان وإدارتان وسياستان، من غير الممكن، وعلينا أن نرى مقاومة «حزب الله» ضد مَن؟ خرجنا من المقاومة ضد «إسرائيل» وأصبحنا في سورية والعراق واليمن وروسيا».
وتابع: «يجب طرح موضوع «المقاومة» على طاولة وطنية بين المسؤولين وإلا قد تتفاقم الأمور، وللدولة جيشها الواحد هو المسؤول عن أمن البلاد والمواطنين، والمقاومة هي لكل الشعب اللبناني واستعمال السلاح يبقى بيد الحكومة بحسب الدستور والحكومة بثلثي الأصوات تقرر الحرب والسلم».
تابع البطريرك: «عندما أطرح أن الحل يحتاج إلى مؤتمر دولي خاص أحدد نقاطه، أولاً تطبيق الطائف نصاً وروحاً والالتزام به نصاً وروحاً، ثانياً، قرارات مجلس الأمن، التي تختص بسيادة لبنان 1559، 1680 و1701 نحن لا يمكننا تطبيقها ونحن بحاجة إلى الأسرة الدولية لتطبيقها. على المؤتمر الدولي أن ينظر بقضية الفلسطينيين، وعلى المؤتمر الدولي إعلان حياد لبنان. لا يمكن للبنان أن يدخل بأحلاف ولا صراعات وحروب لا في الغرب وفي الشرق هو موطن للحوار والحريات. فاتفاق الطائف تحدث باللامركزية الإدارية لماذا لا تطبق؟ وفي منطقة من المناطق لا تدفع واجباتها للدولة هؤلاء الأشخاص هم من لا تناسبهم اللامركزية».
وتساءلت مصادر سياسية عبر «البناء»: ألم يرَ غبطة الراعي ما جرى في فلسطين أمس، أم ان ما كتب خلال الإعداد للمقابلة قد كتب لتخدم أهدافا سياسية انتخابية انسجاماً مع حركة وتوجهات واهداف السعودية في لبنان؟ هل يريد البعض تقييد وتجميد سلاح المقاومة لكي تستفرد «إسرائيل» بلبنان كما تفعل بالشعب الفلسطيني والمقدسات الاسلامية والمسيحية في فلسطين؟ ما هو البديل عن سلاح المقاومة؟». ولماذا لم يجب الراعي على دعوة السيد نصرالله للحوار حول الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان وسيادته وثرواته؟
ولوحظت مسارعة الحكومة عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات المالية الى «رشوة» الموظفين في الاسلاك المدنية والعسكرية الذين سينخرطون في تنظيم عملية الانتخابات ادارياً وأمنياً وقضائياً وذلك لتدارك اي تقاعس او حركة اعتراضية عن المشاركة في الانتخابات.
وقد أوعز رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى وزير المالية يوسف خليل بوجوب صرف المساعدة الاجتماعية التي أقرها مجلس الوزراء للجيش والقوى الامنية والموظفين وغيرهم وذلك بالسرعة الممكنة. كما وقع مرسوم زيادة غلاء المعيشة للمستخدمين والعمال الخاضعين لقانون العمل.
ودعا وزير العدل هنري خوري رؤساء النيابات العامة في لبنان الى اجتماع عقده صباح أمس، في مكتبه في الوزارة استكمالاً للبحث بالتحضيرات المتعلقة بيوم الاستحقاق الانتخابي الأحد المقبل، وبحث المجتمعون في كيفية معالجة أي تجاوزات قد تحصل وتتعلق بسير العملية الانتخابية السليمة، علماً أن رؤساء النيابات العامة سيكونون متواجدين طوال النهار الانتخابيّ في مراكز عملهم لتلقي الشكاوى والمخالفات والتصرف على اساسها منعاً لحصول أية تجاوزات او ارتكابات.
وتتفاقم الاوضاع الاقتصادية اكثر مع الارتفاع الإضافي بسعر صرف الدولار في السوق السوداء وارتفاع أسعار المحروقات بشكل قياسي. ما ينذر بكارثة اجتماعية وإنسانية تنتظر لبنان بعد الانتخابات وانفجار اجتماعي قادم لا محال.
واعتبر رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، في تصريح، ان «الارتفاع المستمر والصاروخي لأسعار المحروقات يعكس إصراراً وتواطؤاً بين جهات وغرف سوداء تدفع البلاد نحو الانفجار الكبير». واشار الى ان «لا يبدو ان هناك فائدة من الحوار العقلاني مطالباً الحكومة الاستمرار بدعم القمح والجهات المعنية فيها برفع بدل النقل فوراً الى 150 ألف ليرة عن كل يوم عمل في القطاعين الخاص والعام وبرفع قيمة المنحة المدرسية والتعويضات العائلية». كما طالب وزير العمل بدعوة لجنة المؤشر الى اجتماع فوري لمناقشة جدية وحاسمة لموضوع الحد الأدنى للأجور وملحقاتها وشطورها».
وقبيل أيام من تحولها الى حكومة تصريف أعمال يكثف رئيسها نجيب ميقاتي إطلالاته الإعلامية ومواقفه السياسية ومقاربته للملفات المالية والاقتصادية.
وطمأن ميقاتي المودعين بأن أول مئة ألف دولار لهم وفي كل البنوك باتت مضمونة مئة بالمئة.
وكشف ميقاتي أننا «نحمي المصارف لأنها جزء أساسي من الدورة الاقتصادية في البلد ولا نحمي مصرفيين. كما آن لبنان يحتاج الى المصارف والى القطاع الخاص من أجل انطلاقته من جديد».
وعن رفض القطاع المصرفي خطة الحكومة قال: «هناك نوع من معايير يضعها صندوق النقد الدولي بشأن قدرة الدولة على القيام بواجباتها. ليس هدفنا حماية المصارف أو ضربها، علماً أن الخطة لم تبت نهائياً. صندوق النقد وضع إطاراً للحل، ولا شيء يقرّ بالإكراه ومن لديه اقتراحات أفضل فليتفضل».
على صعيد موازٍ أعلن وزير الاشغال العامة والنقل علي حمية خلال مؤتمر صحافي ان «الدفعة الاولى من الباصات الفرنسية ستنطلق من فرنسا يوم الأحد المقبل في 15 أيار الحالي وستصل إلى مرفأ بيروت في 23 الحالي»، مرحبّاً بأية دولة «تريد الاستثمار في سكك الحديد في لبنان سواء شرقًا أو غربًا».
وفيما العيون شاخصة الى الخامس عشر من أيار موعد الاستحقاق الانتخابي، خطفت جريمة العدو الاسرائيلي اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة الأضواء المحلية، وقد استدرجت الجريمة البشعة حملة ردود فعل واسعة على المستويين الرسمي والشعبي.
وفي سياق ذلك أبرق رئيس الجمهورية ميشال عون، أبرق الى رئيس دولة فلسطين محمود عباس، معزيًا باستشهاد الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، برصاص الغدر الإسرائيلي، لافتًا إلى «أنني تلقيت بألم نبأ استشهاد الإعلامية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، برصاص الغدر الإسرائيلي، وهي تمارس عملها الصحافي في خدمة الحقيقة والرأي الحر».
ومن جهتها تقدمت العلاقات الإعلامية في حزب الله من «قناة الجزيرة ومن عائلة الصحافية شيرين أبو عاقلة ومن الزملاء الإعلاميين في مختلف وسائل الإعلام الفلسطينية ومن الشعب الفلسطيني بأحر التعازي والمواساة باستشهاد الزميلة شيرين أثناء قيامها بتغطية العدوان الاسرائيلي على مخيم جنين في الضفة الغربية، وهي الإعلامية المقاومة التي لم تتأخر يوماً في تغطية وقائع الإجرام الصهيوني ضد شعبها طيلة 20 عاماً».
ودان الحزب في بيان «الجريمة البشعة»، مطالبا «المنظمات الإعلامية الدولية والأمم المتحدة والجهات الحقوقية بإدانة «إسرائيل» في المحافل الدولية ومنعها من التعرض للإعلاميين والاعتداء عليهم».
وأدان الحزب السوري القومي الاجتماعي جريمة اغتيال أبو عاقلة والتي تعمّد العدو الصهيوني قتلها أثناء قيامها بواجبها المهني في تغطية اقتحام جيش العدو لمخيم جنين.
وقال «القومي» في بيان أصدرته عمدة الإعلام: إن جريمة قتل الصحافية أبو عاقلة، تندرج في سياق الجرائم الإرهابية الموصوفة التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني بحق أبناء شعبنا، دونما تمييز بين أفراده. فعلى الرغم من ارتداء الشهيدة أبو عاقلة ما يثبت مهنتها كصحافية، إلا أن ذلك لم يحل دون قتلها بدم بارد.
أضاف: إنّ استهداف الصحافيين وقتلهم أثناء تأدية واجبهم، هو خرق للقوانين والمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحافيين، غير أن العدو الصهيوني دأب على انتهاك كل المواثيق والقوانين، في ظل صمت وتواطؤ ما يُسمّى المجتمع الدولي. لذلك ندعو إلى أوسع تحرك إعلامي وقانوني لمقاضاة العدو على جرائمه بحق الصحافيين وكل أبناء شعبنا.
وختم البيان: تحية إكبار للشهيدة شيرين أبو عاقلة، التي بذلت دمها الزاكي فداء فلسطين وحماية لشعبها، وأحر التعازي لعائلتها ومحبيها والأسرة الإعلامية ولكل أبناء شعبنا.
الاخبار:
«سعد محدود والسنيورة بخيل وسامي يعاني مشاكل نفسيّة!»: وشايات القوات على الحلفاء في الرياض
صحيح أن الرئيس سعد الحريري، بعد استعادته من أسره السعودي في تشرين الثاني 2017، لم «يبق البحصة» كاملة، محتفظاً حتى الآن بـ «تفاصيل الرواية الحقيقية لغدر سمير جعجع به»، لكنه لم «يبلعها» كلها. سرّب الحريري بعض أسرار هذا الغدر، وفي أحيان كثيرة وجّه الاتهام بشكل علني، تاركاً العنان لجمهوره وبعض المسؤولين في التيار في الهجوم. اللسعة القواتية لا تزال آثارها حاضرة، وترجمتها رفض سنيّ لدعم لوائح القوات في الانتخابات أو التصويت لمرشحين قواتيين، رغمَ كل الدعم السعودي لجعجع.
ومع أن تحريض القوات اللبنانية على الحريري لدى السعوديين خرج إلى العلن بعد التسوية الرئاسية مع العماد ميشال عون، إلا أن «كتابة التقارير» كانت سابقة لذلك، وتعود إلى المرحلة التي كان فيها الملف اللبناني في يد بندر بن سلطان حتى عام 2014 (عندما كانَ رئيساً للاستخبارات السعودية). واستمر التحريض بوتيرة أعلى، لاحقاً، في ظل قيادة خالد الحميدان لجهاز الاستخبارات السعودي مع بدء «عصر» محمد بن سلمان. وهو ما يؤكّده مضمون وثائق خاصة حول علاقة التنسيق بينَ القوات والاستخبارات السعودية (خلال ولاية بندر خصوصاً)، والتي كانَ يديرها عن معراب النائب بيار بو عاصي عندما كانَ يتولّى مسؤولية مكتب القوات في باريس. في هذا المكتب، كانت تعقد اللقاءات التنسيقية بينَ الطرفين بإشراف بو عاصي ومساعده زياد لحد، ورحاب مسعود، الموظف «المقرب جداً» من الأمير بندر.
السنيورة مدقق حسابات وبخيل
بعد قرار ولي العهد محمد بن سلمان إقصاء الحريري عن المشهد السياسي في لبنان وإجباره على عدم الترشح للانتخابات النيابية، بدأ الحديث عن «حالة فوضى وتشتت» في الطائفة السنية، وتزايدت الدعوات المُطالبة بمقاطعة الانتخابات، خصوصاً من جمهور المستقبل. الانكفاء السني وتداعياته السلبية على وضعية بعض مرشحي القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، دفعت معراب إلى مطالبة الرياض بتكليف الرئيس فؤاد السنيورة العمل على ملء الفراغ الذي خلّفه غياب الحريري. لكن النتائج جاءت مخيبة للآمال مع رفض قسم وازن من جمهور تيار المستقبل ومن قيادييه التعامل مع السنيورة. الأداء السعودي التدميري للواقع السني في لبنان (الذي يساهم فيه بشكل كبير السفير السعودي في بيروت وليد البخاري)، استفزّ قيادات سعودية كانت معنية في فترات سابقة بالشأن اللبناني، من بينها الفريق التابع لبندر بن سلطان، وعلى رأسه رحاب مسعود. ويحمّل هؤلاء جعجع مسؤولية ما آلت إليه أوضاع الطائفة السنية في لبنان بفعل تحريضه المستمر على الحريري بسبب رفض الأخير الصدام مع حزب الله وإقحام السنّة في محرقة. أوساط قريبة من مسعود كشفت عن بعض مضامين التحريض الذي مارسه جعجع ضد الحريري، ولم تسلَم منه قيادات أخرى في 14 آذار كانت تُعتبر حليفة للقوات، مثل حزب الكتائب وبعض الشخصيات المسيحية المستقلة.
لم تترك القوات، في إطار تحريضها على الحريري، صفة تضرب صورته إلا وأدرجتها في رسائلها. بحسب مضمون رسائل اطلعت «الأخبار» على بعضها، يتمتّع الحريري، في رأي القوات، بـ«حضور شعبي وإعلامي جيد لدى الطائفة السنية، لكنه يفتقِد الحس السياسي والرؤية الاستراتيجية، كما يفتقِر لمعرفة كيفية إدارة أي مواجهة. ولا تنسجِم خطواته في أغلب الأحيان مع الأهداف التي يريد بلوغها». ومن ضمن ما نقلته الرسائل القواتية التحريضية أن الحريري «لا يتمتّع بشخصية قوية وقدراته التنظيمية محدودة، فضلاً عن تأثّره بالمحيطين به وحتى بعض مرافقيه، وتنقصه صفات القيادة الحقيقية». وفي السنوات الأخيرة، «فقد الحريري الكثير من مصداقيته في الدول الغربية، حيث لم يثبُت فعالية أثناء تولّيه رئاسة الحكومة لأن قدرته على التركيز والعمل الجدي محدودة، وثقافته الفكرية والسياسية ضعيفة».
التحريض القواتي، وإن كانَ موجهاً على الحريري بشكل كبير، لم يستثن قيادات أخرى في 14 آذار. التقارير التي أرسلت إلى «المشغّل» السعودي طاولت الرئيس السنيورة الذي تعتبره القوات «أكثر صلابة وثباتاً من الحريري، لكن تنقصه صفات القيادة الحقيقية». وهو، إضافة إلى أنه «بخيل، تطغى عليه صفة مدقّق الحسابات. ليسَ شفافاً ولا يُعبّر عن آرائه العميقة. يصلح أن يكون ضمن فريق عمل لا أكثر إذ لا امتداد شعبياً له».
ومن بين الوشايات القواتية، واحدة تناولت العلاقة بين الحريري والسنيورة، جاء فيها أنه «بعدَ استشهاد رفيق الحريري، بدأ صراع بينَ الرجلين بقيَ صامتاً. وقد بدأ الصراع إثر اختيار السنيورة لترؤس أول حكومة بعد ثورة الأرز، ما جعل الحريري والفريق المحيط به يتخوفان من احتلال السنيورة للواجهة السياسية. ومنذ عام 2005 كانَ هدف جماعة الحريري احتواء السنيورة في دور محدد. فعند تسلّم الحريري رئاسة الحكومة قام بتبديل الكثير من كبار الموظفين في السراي الحكومي، لأنهم من فريق السنيورة». وبحسب رسائل التحريض القواتية «احتدم الصراع لاحقاً بسبب بعد الحريري عن الساحة الداخلية وبقاء السنيورة في الداخل، ما جعله (السنيورة) نقطة استقطاب لكل العلاقات والاتصالات السياسية، بالتالي تخوّف الحريري من أن يتحوّل السنيورة إلى رقم صعب في معادلة تيار المستقبل الداخلية، لذا كانَ يعمد إلى ضرب عرض الحائط بكل ما كان يفعله السنيورة في الداخل للقول بأنه هو صاحب القرار».
الكتائب يشبِه قطر
شبّهت الرسائل القواتية دور حزب «الكتائب» بـ «دور دولة قطر في مجلس التعاون الخليجي، حيث الهمّ الأساسي هو التمايز عن بقية المكونات». إضافة إلى ذلك «يعيش آل الجميل همّ إعادة أمجاد الماضي رغم أنهم بعيدون كل البعد عنها. فالدور الذي يطمحون إليه أكبر بكثير من إمكانات أمين وسامي الجميل الفردية أو الشعبية». وتقول الرسائل إن «الرئيس أمين الجميل مر عليه الزمن، ولا يُمكِن أن يلعب دوراً فعلياً في المستقبل، وتطغى عليه المصلحة الآنية المباشرة»، وأن الجميل الأب كما السنيورة «بخيل، وهذا كلّفه السقوط في الانتخابات النيابية عام 2007». وذكّرت «القوات» بـ «عهد الجميل الفاشل، إذ كادت أن تنتهي الجمهورية مع انتهاء عهده»، متهمة إياه بأنه «قصير النظر إلى حدّ تسليم السلطة لميشال عون عام 1988».
وصفت رسائل القوات للرياض الحريري بأنه يتأثر بالمحيطين به وحتى بعض مرافقيه ويفتقد صفات القيادة الحقيقية
رغم ذلك، قد تُعتبر الوشاية القواتية بأمين الجميل «أرحمَ» من تلكَ الخاصة بنجله سامي الذي وُصف بأنه «نسخة مشوهة من والده وعمه بشير، ويعاني مشاكل نفسية وشخصية عميقة جداً». ومع أن «ثقافته السياسية والقانونية كما مقاربته الإعلامية جيدة»، لكن «الخلفية الأساسية لمواقفه هي التمايز عن الآخرين ما يجعل التعامل معه في غاية الصعوبة، لأن مواقفه لا تنبع من مبادئ ورؤية بل تهدف للتمايز وهذا ما يفسر علاقته بوالده وبالقوات».
وشايات متفرقة
إلى ذلك، تولّت الرسائل القواتية تصنيف عدد من قيادات 14 آذار. من بين هؤلاء نائب رئيس مجلس النواب السابق فريد مكاري الذي وصفته بأنه «محسوب على تيار المستقبل»، وميشال فرعون «المقسوم بين القوات والمستقبل»، إضافة إلى بطرس حرب ودوري شمعون وميشال معوض الذين «يدورون في فلك المستقبل وهم أقرب إلى سعد الحريري».
دي شوتر يتّهم القيادة السياسية ومصرف لبنان والمصارف: إفقار سكان لبنان مفتعل
في إطار الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان، صدر أمس، تقرير المقرّر الخاص أولييفيه دي شوتر بشأن زيارته للبنان في تشرين الثاني 2021. يعيد التقرير رسم الأحداث التي أدّت إلى إفقار السكان بشكل «مفتعل» ويوجّه الاتهامات للمؤسسة السياسية الأوسع نطاقاً بالشراكة مع مصرف لبنان والمصارف، ويحمّلهم المسؤولية بصورة مشتركة وفردية
كان لافتاً أن يكون عنوان البند الرابع من تقرير أوليفييه دي شوتر بشأن زيارته للبنان في تشرين الثاني الماضي: «الفقر في لبنان: ظاهرة من صنع الإنسان». والتقرير لا يكتفي بالإشارة إلى الأحداث والنتائج، بل يحدّد من صنعها ومن اغتنى من هذه العمليات ومن يجب محاسبته.
تحت هذا البند، يعيد التقرير رسم الأحداث بطريقة واضحة جداً. برأيه «كان يمكن تجنّب انهيار الاقتصاد»، إذ كانت هناك تحذيرات من الخبراء الاقتصاديين والماليين منذ عام 2015، لكن ما حصل هو أن «القيادة السياسية تجاهلت عمداً هذه التحذيرات».
وأوليفييه لا يكتفي بهذا الاتهام، بل يذهب أبعد نحو تحميل المسؤولية، مشيراً إلى أن «الحكومة والمؤسسة السياسية الأوسع نطاقاً، ومصرف لبنان والقطاع المصرفي، يتحملون المسؤولية بصورة مشتركة وبصورة فردية، عن انتهاكات حقوق الإنسان التي نتجت من الأزمة المفتعلة التي يعيشها لبنان اليوم».
ويلفت التقرير إلى ثلاثة قرارات اتّخذها مصرف لبنان، أسهمت في خفض قيمة العملة اللبنانية وأدّت إلى إفقار للسكان:
ــــ أولاً، يشكّل انعدام الشفافية في مصرف لبنان عقبة تحول دون مساءلة الدولة. فالمصرف لا يبلّغ بوضوح عن خسائره في ميزانياته العمومية كل أسبوعين. إذ تبيّن لمراجعي حسابات المصرف في عام 2018 أن سياساته المحاسبية «تختلف عن المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية». وفي كانون الأول 2015، أظهرت وثائق سرية لصندوق النقد الدولي احتياطات صافية سلبية لم يكشف عنها بلغت 4.7 مليارات دولار. كما أن مصرف لبنان لم ينشر بيانات الأرباح والخسائر منذ عام 2002، ويعتمد على إيرادات مستقبلية بالعملة الأجنبية تتجاوز بكثير حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهي ممارسة طالما انتقدها صندوق النقد الدولي. وممارسات مصرف لبنان المبهمة في إعداد التقارير وعدم الإقرار بالخسائر التي تقدّر بأكثر من 50 مليار دولار في الوقت الراهن، تمنع تدقيق العموم لاستخدامه الثروة الوطنية.
بالأرقام
80%
من أطفال لبنان أو 1.8 مليون طفل يعانون من فقر متعدّد الأبعاد
77%
من الأسر تفتقر إلى ما يكفي من المال لشراء الأغذية
60%
من الأسر تشتري الأغذية بواسطة الائتمان أو بواسطة الاقتراض
400.000
طفل محرومون من المدرسة في 2020
80%
من الأشخاص ذوي الإعاقة لا يعملون أو لم يعملوا قطّ
63%
من شريحة الـ 10% الأشدّ فقراً يفتقرون مقارنة بنحو 6.5% فقط من الأفراد في فئة الـ 10% الأكثر ثراءً
والحيل المحاسبية في ما يتعلق بخسائره، تعني أنه خلق سرّاً، ديناً عاماً ضخماً خارج إطار عملية شفافية لاعتمادات الميزانية، ما سيثقل كاهل اللبنانيين لأجيال. وما يثير القلق أنه في الوقت الذي تدقق فيه اللجان والجلسات النيابية عادة في عمل المصارف المركزية المستقلة، لم تسائل لجنة المال والموازنة في مجلس النواب اللبناني قط قيادة مصرف لبنان بشأن ممارساته الشاذّة في الإبلاغ، ولذلك يجب أن تشمل الخطوة الأولى نحو الإنعاش الإقرار بالخسائر ومراجعة حسابات مصرف لبنان. ينبغي أن تضع الحكومة حداً لقانون السرية المصرفية الضارّ الذي يحول دون المساءلة الحقيقية في القطاع المالي.
ــــ ثانياً، من أجل اجتذاب الدولارات وبالتالي الحفاظ على سعر صرف ثابت، عرض مصرف لبنان أسعار فائدة مرتفعة بشكل غير متناسب على المصارف التجارية والمودعين الأثرياء. وقد اعتبر صندوق النقد الدولي، أسعار الفائدة هذه أعلى من السوق في عام 2016، وأنها تمثّل أرباحاً غير متوقّعة للمستفيدين بما يعادل 10% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي حين يمكن القول إن هذه العملية عزّزت احتياطات رأس المال لدى المصارف، إلا أنها أضعفت الاستقرار المالي للقطاع المصرفي بالتسبّب في خسائر كبيرة في الميزانية العمومية لمصرف لبنان، ما أدّى في نهاية المطاف إلى انهيار العملة وتدمير ثروة المودعين. وبمجرد إقرار الخسائر، يجب على الحكومة أن تضمن تحملها من قبل المساهمين والمودعين الأثرياء الذين استفادوا من أسعار الفائدة المرتفعة وليس من قبل 1.2 مليون حساب لصغار المودعين الذين تقلّ ودائعهم عما يعادل 75 ألف دولار، ولا من قبل عامة الناس من خلال التضخم كما هو الأمر حالياً.
ــــ ثالثاً: يمثّل الحفاظ على أسعار صرف متعدّدة حالياً عقبة أمام المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ومن المعروف أنه يؤدي إلى الفساد. وعندما يبيع مصرف لبنان دولار الولايات المتحدة، وهو أصل عام محدود في لبنان، بمعدل أقل من سعر السوق الموازية، يمكن للصرافين تحقيق أرباح صافية عن طريق شراء العملة وبيعها، بينما تتضاءل الاحتياطات الأجنبية لمصرف لبنان. كما يستفيد من أسعار الصرف المتعدّدة، المستوردون الذين يمكنهم بيع السلع المدعومة بأسعار غير مدعومة. ويستخدم مصرف لبنان الأموال العامة لتستفيد منها هذه الجهات الفاعلة بشكل مباشر على حساب بقية السكان.
أسهمت السياسات النقدية في تدهور العملة وتدمير الاقتصاد وتبديد مدّخرات الناس مدى الحياة
وقد أسهمت هذه السياسات في تدهور العملة وتدمير الاقتصاد وتبديد مدّخرات الناس مدى الحياة، وأسهمت في نهاية المطاف في الزجّ بالسكان في دوامة الفقر. ومع تطوّر الأزمة، هرع الأفراد النافذون الذين كانوا على علم بالكارثة الوشيكة إلى نقل رؤوس أموالهم إلى خارج لبنان، وسهّل عملهم الفراغ القانوني في مراقبة رؤوس الأموال.
ورغم الاختلال الواضح للثروة الوطنية، لم يُجرَ أيّ تقييم على الإطلاق لأثر قرارات مصرف لبنان المتعلقة بأسعار الفائدة وأسعار الصرف على مختلف فئات المجتمع، وهو شرط مسبق رئيسي لضمان امتثال السياسات النقدية لحقوق الإنسان الدولية. وفي الوقت الذي تحترم فيه الحكومة استقلال مصرف لبنان، يجب عليها أن تكفل في تعريف ولاية مصرف لبنان ألّا تؤدي السياسات النقدية إلى انتهاك التزاماتها في مجال حقوق الإنسان.
استعراض أمام الدائنين
قدّم أمس، نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي، ووزير المال يوسف الخليل، عرضاً لدائني الدولة، يظهر توقعاتهم وافتراضاتهم للمؤشرات الاقتصاديّة مستقبلاً بعد سريان برنامج التمويل مع صندوق النقد الدولي. وتشير التوقعات إلى بقاء معدّل النمو الاقتصادي سلبياً في عام 2022 (-2.5%)، على أن يصبح إيجابياً مع بداية برنامج صندوق النقد عام 2023 (2.2%)، وأن يبلغ 3.1% في عام 2026. وبحسب الشامي، تعتمد الحكومة في افتراضها أن النموّ سيتحقّق من خلال الاعتماد على «اقتصاد المعرفة» ومن خلال «استغلال الخبرات والطاقات اللبنانية الموجودة في الداخل والخارج». كما تشير التوقعات إلى بقاء معدلات التضخّم مرتفعة، حتى في أوّل عام من برنامج صندوق النقد (42%)، على أن تنخفض تدريجاً لتبلغ 5% في عام 2026. أما بالنسبة إلى العجز في الحساب الجاري نسبة إلى الناتج المحلّي، فتتوقع الحكومة انخفاضه تدريجاً من 14% في 2021 إلى 6% في 2026، وهذا مبنيّ على افتراض زيادة الصادرات.
تفكيك مؤسسة الكهرباء من أجل «الشراكة»
أعرب المقرّر الخاص لمجلس حقوق الإنسان أولييفيه دي شوتر، عن قلقه من أن تؤدي الشراكة مع القطاع الخاص في قطاع الكهرباء إلى زيادة «تسعيرات تجارية أعلى مما لو كان مرفق التوزيع مملوكاً من القطاع العام»، لافتاً إلى أن «الهدف من الشراكة زيادة الأرباح إلى أقصى حدّ، بدلاً من تقديم الخدمات الأساسية». ولمّح إلى أن الشراكة تُفرَض بالاحتيال، مشيراً إلى أن «تفكيك مؤسّسة كهرباء لبنان سيؤدي إلى تقسيم القطاع وفتحه أمام مشاركة القطاع الخاص، ما يسمح في نهاية المطاف بنقله إلى القطاع الخاص بالكامل».
صمت سعودي على صحّة سلمان: هل حانت لحظة الانتقال الصعب؟
كانت الأيام التي أمضاها الملك سلمان بن عبد العزيز في المستشفى حتى الآن، كافية لإثارة أسئلة كبيرة حول مستقبل الحُكم في السعودية، خاصة أنّ سلطات الرياض لم تقدّم منذ بيان الأحد الماضي الذي أُعلن فيه أن الملك أُخضع لمنظار في القولون كانت نتيجته «سليمة»، وأنه سيبقى لبعض الوقت في المستشفى، أيّ تحديث حول صحته، على رغم أن وسائل التواصل الاجتماعي تشهد تداولاً محموماً للأخبار حوله
تمرّ السعودية، هذه الأيام، بمرحلة حرجة من تاريخها، تتميّز بالبحث عن دور جديد في عالم متغيّر، لم تَعُد تكفي فيه العلاقة مع واشنطن كضمانة لأمن النظام، فيما تقف المملكة على عتبة انتقال السلطة من جيل أبناء عبد العزيز إلى جيل أحفاده. وهي عملية يبدو أنها ستكون أصعب ممّا كان مُتخيّلاً في أسوأ السيناريوات، بوجود وليّ العهد محمد بن سلمان، الذي يواجه معارضة كبيرة من الركيزتَين الأساسيتَين للحكم، أي الأسرة الحاكمة والولايات المتحدة. أُدخل الملك سلمان إلى المستشفى في جدة الأحد الماضي، لإجراء منظار في القولون وبعض الفحوصات الأخرى، على حدّ إعلان الديوان الملكي الذي قال إن الفريق الطبّي قرّر بقاءه في المستشفى لبعض الوقت، على رغم تأكيده أن نتيجة المنظار «كانت سليمة». ومنذ ذلك الوقت، لم يقدّم الديوان أيّ تحديث في ما يتعلّق بصحّة الملك البالغ من العمر 86 عاماً، غير أنّ خالد الجبري، نجل المعارض سعد الجبري المعروف بعلاقته القوية بالاستخبارات الأميركية والمستمرّة حتى الآن، منذ أن كان اليد اليمنى لمحمد بن نايف طوال 20 عاماً، وهو نفسه طبيب، يقول إن منظار القولون نادراً ما يتطلّب دخول المستشفى، ولا يُوصَى به بشكل روتيني لِمَن هم فوق الـ85 عاماً، مرجّحاً أن يكون المنظار الذي أُجري للملك تشخيصياً علاجياً طارئاً لنزيف الجهاز الهضمي السفلي، ما استلزم دخوله المستشفى. وما يعزّز هذا الافتراض أن سلمان كان قد أُدخل إلى المستشفى في الرياض في آذار الماضي لإجراء فحوصات طبية و«تغيير بطارية منظّم ضربات القلب»، لكنه يومها أُخرج منها بعد تلك الإجراءات مباشرة.
وفي ظلّ الصمت الرسمي، حفلت وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار صحّة الملك وتمنّيات له بالعافية، بما يوحي بأن الأمر يختلف هذه المرّة في وجدان السعوديين الذين وطّنوا النفس على انتقال صعب للسلطة من جيل أبناء عبد العزيز إلى جيل أحفاده، بالنظر إلى المشكلات التي واجهت ابن سلمان منذ تولّيه منصب وليّ العهد في انقلاب القصر الشهير على ابن عمّه، ابن نايف، في حزيران 2017، والذي ترك العائلة مشروخة، وكذلك سوء العلاقة مع الإدارة الأميركية، والتي تراجعت إلى مدارك لم تعرفها طوال 80 عاماً من تاريخها، بعد رفض ابن سلمان طلب الرئيس الأميركي، جو بايدن، زيادة إنتاج النفط، وإدانة الحرب الروسية في أوكرانيا. لو كان الوضع طبيعياً في السعودية، لما كان لصحّة الملك هذه الأهمية. فالملوك السعوديون على مدى حُكم آل سعود، كانوا يظلّون في مناصبهم حتى ولو صورياً في حال العجز عن أداء مهامهم، وكان وليّ العهد الذي هو عادة شقيق أو أخ غير شقيق للملك يتولّى الإدارة اليومية للبلد، ثمّ عند وفاة الملك ينتقل الحُكم بكلّ سلاسة إلى وليّ العهد. حينها، لم يكن وليّ العهد يواجه تحدّيات كبيرة داخل الأسرة، باعتبار أن الاتفاق كان قائماً بين الأخوة على آلية التوارث، وكانت العلاقات مع الضامن الأميركي مستقرّة – بخلاف ما هي عليه اليوم -، نتيجة حاجة الولايات المتحدة إلى هذه المنطقة الاستراتيجية. لكن بعد انتقال مركز الصراع إلى آسيا، تراجعت تلك الحاجة، لتنفتح العلاقات السعودية الأميركية بكلّ مضامينها، على احتمالات التغيير التي أقلقت مؤسّسة الحُكم في المملكة. ومن هنا، تكتسب صحّة سلمان أهمية استثنائية، ويراقبها العالم بعناية بالغة، وإن بصمت. فما دام الملك موجوداً، حتى وإن كان عاجزاً، فإنه يوفّر غطاءً شرعياً لحُكم ابنه، ما يرجئ ظهور تداعيات الانتقال وآثارها على الوضع في الشرق الأوسط برمّته، وأيضاً على سوق النفط العالمية في هذه الفترة المضطربة التي تشهدها.
السعوديون وطّنوا النفس على انتقال صعب للسلطة من جيل أبناء عبد العزيز إلى جيل أحفاده
في حال لم يخرج الملك من المستشفى في الأيام المقبلة، من المحتمل أن يجد ابن سلمان نفسه في حاجة إلى إجراء استباقي ما، إمّا باسم أبيه وإمّا باسمه شخصياً، مِن مِثل نقل سلطات الملك إليه، إلى حين اتّضاح مآل الأخير. وفي هذه الحال، ستَظهر من جديد الانشقاقات داخل العائلة المالكة، والتي تَسبّب بها انقلاب وليّ العهد، ثمّ قمَعها بالقوّة، مستنداً إلى سلطة أبيه، وإلى دعم الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، حين اعتقل عدداً كبيراً من أفرادها، وفي مقدّمتهم محمد بن نايف وأحمد بن عبد العزيز، اللذان يشكّلان أكبر تهديد له. وبلا شكّ، سوف تُرافق عمليةَ الانتقال، فترةٌ من عدم الاستقرار السياسي، إن لم يكن أكثر من ذلك، خاصة وأنها سوف تجري على خلفيّة عدم استقرار عالمي، يتّخذ خلاله ابن سلمان موقفاً عدائياً من الرئيس الأميركي، جو بايدن، ولكنّه في الوقت نفسه يعتمد إجراءات تَعتبر الولايات المتحدة أنها مضرّة بمصالحها، مِن مِثل رفض زيادة إنتاج النفط، والتحالف مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في الحرب ضدّ أوكرانيا، ما مكّن الأخير من تجنّب آثار العقوبات الغربية على خلفية تلك الحرب، كما التقارب مع الصين، لتتجاوز المسألة الاعتبارات الشخصية، وهو ما يحتّم على الأميركيين اتّخاذ إجراءات مقابلة، كبدء النقاشات رسمياً داخل الكونغرس لاعتماد قانون «نوبك» الذي يصنّف «أوبك» منظّمة احتكارية، ويدعو إلى فرض عقوبات عليها، ولكنّه يستهدف بالخصوص معاقبة السعودية والإمارات.
في الأساس، لم يكن ابن سلمان، المتقلّب، شخصاً مرغوباً فيه في أوساط الاستخبارات وفي وزارتَي الدفاع والخارجية ومجلس الأمن القومي في الولايات المتحدة، وكان الجميع يفضّلون تولّي ابن نايف الحُكم. ولذلك، ربّما صار يستشعر الخطر، على رغم أنه تحوّط بجملة إيحاءات بأنه ينوي تعزيز العلاقة مع إسرائيل بعد تولّيه العرش. وبدأ بعض مشغّلي منصّات البثّ على «يوتيوب» التابعين له وللإمارات، مِن مِثل الفلسطيني يوسف علاونة والسوري عبد الجليل السعيد وغيرهما، الترويج لصفقة قادمة بين ابن سلمان وبايدن مفادها أن الأخير وافق على تسليم سعد الجبري إلى الرياض، مقابل تلبية السعودية الطلب الأميركي برفع إنتاج النفط، علماً أن الجبري مقيم في كندا وليس في أميركا ولا سلطة مبدئياً للرئيس الأميركي عليه. وهذا إذا صحّ، يعني عملياً قبول إدارة بايدن بحُكم ابن سلمان. لكن الاحتمالات الخطرة على وليّ العهد، قائمة بقوّة، ولا سيّما منها احتمال أن تستغلّ إدارة بايدن الإرباك وتعقد صفقة مع المعارضين الأقوياء في الأسرة، لتنفيذ انقلاب ضدّه، مشابه لذلك الذي نفّذه هو في إطار صفقة مع دونالد ترامب، ضدّ ابن نايف.
المصدر: صحف