برعاية وزير الثقافة اللبناني القاضي محمد وسام المرتضى وفي أجواء الذكرى الثالثة والأربعين لانتصار الثورة الاسلامية في ايران وضمن فعاليات أيام الفجر الثقافية في لبنان وتكريسًا للقيم المشتركة بين الاسلام والمسيحية ،أحيت المستشارية الثقافية الايرانية في لبنان بالتعاون مع المركز العالمي لحوار الحضارت اللقاء الفكري الحواري بعنوان : التعددية الثقافية بين المواطنة والانتماء.
بعد النشيدين اللبناني والايراني افتتح اللقاء بتلاوة عطرة من القرآن الكريم بصوت فضيلة الشيخ عدنان ناصر (من علماء أزهر البقاع) تلاها تلاوة مباركة للانجيل المقدس بصوت قدس الأب ايلياس ابراهيم (من البطريركية الكاثوليكية في لبنان)
افتتح سعادة المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار المحور الأول بكلمة ترحيبية مشيرًا إلى أهمية الحوار بين الأديان والثقافات المتعددة ومؤكدًا على دور الجمهورية الاسلامية الرائد في التقارب بين الأديان .
واعتبر المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار ان الأديان ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة. ومن صميم الانتماء الديني، تتجذّر عقيدة الإنسان وعلاقته الإيمانية بخالقه، وتحكم سيره التكامليّ وحياته الاجتماعية مجموعةٌ من النظم الأخلاقية التي شاءت الأديان السماوية أن تكون لخدمة حياة البشر وتنظيمها. هذه النظم تُكسبُه منظومةً أخلاقيةً وثقافيةً تتشكّلُ معها هويّتُه الوجوديّة وكينونته في هذا العالم.
وعن التعددية تحتضنها إيران بشكلٍ لافت اشار المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار الى اقامة الكثير من ندوات الفاتيكان وكنائس العالم بكل أشكالها واتجاهاتها في طهران التي استضافت هذا النوع من اللقاءات الحوارية التي تعني المسيحيين في إيران بشكلٍ خاص، الذين حفظ لهم دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية كما سائر المواطنين الغير مسلمين كامل حقوقهم في المواطنة والمشاركة في الرأي والسياسة والوظائف الإدارية والممارسات والأنشطة الدينية الخاصة بهم وغير ذلك.
تابع المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار “أما لبنان، فيتميّز بالتنوّع الثقافي الذي يحمل الاختلافات والتعددية من داخل المجتمع العربي الواحد. وهذا مصدر قوة لهذا البلد، يجب أن تُستثمرَ في إغناء الحضارة بمختلف ثقافاتها التي تتعايش وتتداخل، لتشكّلَ هذا المزيج الجميل وهذه الفسيفساء الزاهية التي أكسبت لبنان لقب عروس الشرق”.
اضاف المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار ” في الواقع هذه التعددية والتنوّع هي مصدرُ قوةٍ ووحدةٍ وعيشٍ مشترك. ولأنّ الأعداء يعرفون جيدًا هدفهم ويدركون أن زعزعة استقرار الأوطان يكون عن طريق بثّ التفرقة والتباعد والتنافر، لذلك فهم يستهدفون هذه الوحدة والألفة والعيش المشترك، من خلال إيهام المواطن بأنّ أخاه المواطن المختلف عنه في الدين هو عدوٌّ له يحاولُ إبعادَه وإقصاءَه. وهذا جزءٌ من الأزمة في لبنان ربما، حيث ينبغي العمل على التصدّي لهذه المحاولات، ولهذا الخطاب الإلغائي، خطاب الكراهية والطائفيّة والعنصرية أحيانًا”.
وختم المستشار الثقافي الدكتور عباس خامه يار “هكذا، نرى التعددية من أجمل سمات لبنان ومشرقنا ككلّ، والتنوّع من أرقى مظاهره، ونرى أن القادة الدينيين من كل الأديان والطوائف هم أبطال المشهد الذين يحملون هذه الرسالة، رسالة توحيد الصفوف والدعوة إلى الحوار المفتوح البنّاء، الذي يقدّمُ معرفةً كاملةً وحقيقيةً للإخوة في الوطن، وذلك من أجل وطنٍ حرٍّ قويٍّ بشعبه. من هذا المنطلق دافعنا وسنظل ندافع عن هذه التعددية وهذه الفسيفساء في مشرقنا بكل ما نملك ولو بالقوّة وبدماء شهدائنا من أمثال الشهيد الحاج قاسم سليماني الذي دافع عن المسجد والدير والكنيسة وأعراض كل الطوائف دون أدنى تمييز. فبهذا التنوّع تنمو الإنسانية وتزداد الحضارة غنىً”.
ثم كلمة راعي اللقاء الوزير مرتضى التي أكد فيها على الوحدة من أجل بناء دولة حقيقية يقومون أبناءها بتجسيد هوية البلد الذي يوحدنا جميعًا لنحافظ على تميزنا الثقافي ضمانًا لثقافتنا المتنوعة بعيدًا عن المصالح السياسية التي تزعزع جمال ثقافاتنا .
ثم كلمة وزير الثقافة والارشاد الايراني الدكتور محمد مهدي اسماعيلي والتي أشار فيها إلى الحوار المستمر الذي يقام في ايران بين الطوائف المختلفة مؤكدًا على وجود الجامعات المتنوعة والمتخصصة بهذا الشأن واختتم بالدور الريادي للجمهورية الاسلامية في دعم الشعوب لاستقلالها مشيرًا إلى الأداء المتميز الذي لعبه القائد الشهيد سليماني الذي دافع عن الشيعة والسنة والمسيحيين .
وبعدها افتتح المحور الثاني للقاء المفتي الجعفري الممتاز سماحة العلامة الشيخ أحمد قبلان مشيرًا في كلمته إلى أن اختلاف الرؤى لا يمنع انسانيتنا من التعامل مع بعضنا البعض مختتمًا بمواقف الامام السيد موسى الصدر الذي عمل على الوئام بين أتباع المسيح ومحمد وأن المشكلة اليوم تكمن في المدارس الانتهازية التي البسها ساستها ثوب الدين والرسالات السماوية بريئة منها وأن الخلاص منها يبدأ من مدرسة المواطنة .
بعد ذلك كانت كلمة قداسة بطريرك الأرمن الارثوذكس في لبنان الارشمندريت فران فاتاريان حيث أشار إلى أننا نعيش في عالم معولم حيث تتواجد الأديان بتنوعها لذا يجب التعايش بحوار الحياة ولا يمكننا أن نعيش منعزلين .
ثم تحدث المسؤول الثقافي المركزي في حركة أمل المفتي الشيخ حسن عبدالله أشار فيها إلى العيش المشترك الاسلامي المسيحي مذكرًا بمبادىء ورؤى الامام الصدر التي أكدت على الوحدة الوطنية وقيام الدولة على مبدأ العدالة الاجتماعية وهذا هو مطلب كل مواطن وبالتالي مسؤولية الدولة صون الوطن من كل اعتداء فكري وقيمي .
ثم تلاها كلمة سيادة مطران السريان في جبل لبنان والشمال جورج صليبا أكد فيها أن الحوار هو أبلغ رسالة لسانية أوجدها الله لخلقه وفيه التأكيد على التواصل بين جميع المكونات مشيرًا إلى أنه حضر في ايران مناسبات دينية كثيرة ورأى العلاقة المميزة بعد انتصار الثورة الاسلامية التي قادها الامام الخميني “قده”.
وجاءت بعد ذلك كلمة رئيس أمناء تجمع العلماء المسلمين فضيلة الشيخ غازي حنينة مؤكدًا على أن أي لقاء فكري حواري يجب أن يبدأ من خلال العمل الوحدوي بين ابناء الوطن الواحد ودعم الحوار المقاوم من أجل عودة الشعب الفلسطيني ومحاربة الارهاب بشتى أنواعه .
وكانت بعدها كلمة رئيس الاسقفية للحوار الاسلامي المسيحي في لبنان سيادة المطران شارل مراد مؤكدًا أن الحوار هو تجسيد لتبديد الفوارق على أنواعها وأهم ركن فيه هو الاعتراف بالخصائص الثقافية واحترامها وتأكيد المشتركات والعمل على تحقيقها وأن أصعب موقف على الانسان أن يكون بلا هوية أو وطن فنحن مواطنون ولسنا غرباء أو نزلاء بل رعية من القديسيين .
ثم كلمة متروبوليت زحلة والبقاع للروم الارثوذكس المطران انطونيوس الصوري التي أشار فيها إلى أن المسيحية مبنية على المثلث في الوجود والتمايز في الوحدة ومفهومنا للتعددية لا ينفصل عن الحرية التي تنبثق عن الخليقة وتنخرط بالثقافات تحت سقف القانون المشترك وأن كل طريق ومنهج ودعوة لا تحترم التعددية باطلة لأنها لا تجسد الانسانية .
تلاها كلمة مسؤول الاعلام في مشيخة عقل الموحدين الدروز في لبنان فضيلة الشيخ عامر زين الدين مشيرًا إلى أن المواطنة على حقيقتها دون تمييز بين طائفة او مذهب ودون استقواء لأحد على الآخر وأن تعميق مفهوم التعايش الاسلامي المسيحي يتطلب منا جهود لتعزيز بنائنا الوطني .
ثم كلمة أمين عام هيئة العمل التوحيدي في لبنان فضيلة الشيخ بلال شعبان مشيرًا إلى أن الانسان غاية الدين والدين معاملة والايمان بالله يبدأ من نفع العباد والله يأمر بالعدل والاحسان والواعون هم من يبحثون عن المشترك ويدرسون كيفية توحيد المشتركات وتذليل الفروقات
ثم كلمة الاكاديمة الحبرية المريمية العالمية ورئيس المركز المريمي لحوار الأديان في لبنان قدس الأب وسام أبو ناصر مشيرًا إلى أنواع الانتماءات وأهمية المواطنة التي تمنح الفرد أحقية البناء الثقافي الصحيح وأن لبنان الغني بتعدديته يشكل عروس الشرق.
ثم كلمة نائب رئيس جامعة الاديان الشيخ الدكتور محمد مهدي تسخيري الذي دعا إلى التصدي للخطابات العنصرية وحملات الغاء المواطنة وصناعة الرآي داعيًا رجال الدين من مختلف الطوائف إلى تكريس منطق التواصل والانفتاح واللقاء ليبقى لبنان وطن حر متنوع بشعبه .
اختتم اللقاء بكلمة رئيس مركز حوار الأديان والثقافات في لبنان وعضو الهيئة الحبرية العالمية الاسلامية المسيحية السيد الدكتور علي السيد قاسم مشيرًا إلى أن الحوار في ميثاق الامام السيد موسى الصدر يقوم على احترام جميع المكونات والعمل الدؤوب على تكريس الايجابية في الخطاب الديني تعزيزًا للمشتركات وتنظيمًا للمختلفات وقدَّم في الختام مجموعة اقتراحات لتعزيز لغة التعددية الثقافية ومنها الدعوة إلى وحدة اسلامية مسيحية مستدامة للدفاع عن القدس الشريف.
وبعدها توالت المداخلات من الحاضرين منها مداخلة الاستاذة المحامية سندريلا مرهج التي اشارت إلى ارساء قواعد المواطنة وتنظيم التعددية الثقافية ودور العولمة في العصر الحديث ثم مداخلة للاستاذة جيهان بدير وفيها الاشارة الى القواعد التربوية في صياغة التعددية. ومداخلة للدكتور طلال حاطوم وفيها التأكيد على استمرار اللقاءات والمؤتمرات الفكرية لتطال أكبر شريحة مجتمعية في لبنان تعزيزًا للقيم المشتركة .
المصدر: موقع المنار