كان لافتا استنفار الكثير الشخصيات والجهات الاعلامية والسياسية للدفاع عن “كرامة” السعودية وعدوانها الظالم على اليمن، جراء تصريح وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي الذي وصف هذه الحرب بالعبثية ودعا الى وقفها، فمن يشاهد كل هذا الحماس للسعودية وكرامة حكامها يستغرب غيابه عندما كان الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب يتعرض للسعودية وملكها سلمان بن عبد العزيز وولي عهده حامل لواء العدوان على اليمن محمد بن سلمان.
فلماذا كل هذا الهجوم على الوزير قرداحي؟ ولماذا لم يخرج أحد لانتقاد غيره ممن تناولوا السعودية وانتقدوا حربها على اليمن لا سيما من مسؤولين اميركيين او غربيين؟
الواقع أن “إستفاقة” السعودية وحكامها وأدواتها في المنطقة أيا كان توصيفهم او دورهم، جاءت متأخرة وتمت في الموضع الخاطئ، لان كلام قرداحي أصلا لم يتضمن أي إهانة بل هو أقرب الى النصيحة لانه فعلا هذه الحرب التي يقودها ابن سلمان في اليمن لم تحقق أي نتائج إيجابية للسعودية بل بالعكس هي أدت الى تراكم الخسائر والهزائم السعودية على مختلف المستويات.
والحقيقة ان من يتجرأ اليوم على الوزير قرداحي لم يجرؤ سابقا على مواجهة ترامب وإهاناته، خاصة رأس الحكم في السعودية وولي عهده الذي طالما سعى لنيل الرضى الاميركي عنه في اعتقاد ان ذلك سيؤمن له الوصول الآمن والسلس للجلوس على كرسي الملك في مملكة آل سعود لسنوات طويلة، لكن خسارة ترامب وعودة الديمقراطيين عبر فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الاميركية ضربت مخططات ابن سلمان بالوصول السريع الى رأس السلطة، وما يؤكد ذلك تغير مزاج العلاقة مع الاميركيين وعودتها الى سابق عهدها كما كانت أبّان فترة حكم الرئيس الاسبق باراك اوباما.
إلا ان من يتابع مجريات الأزمة السعودية المفتعلة مع لبنان، يدرك ان مشكلة الرياض ليست مع تصريح من هنا او موقف من هناك بل مع المقاومة كمشروع، وهذا ما ظهر في كلام لوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان الذي سعى لتحميل مسؤولية ما يجري لحزب الله، ومحاولا تحريض اللبنانيين على بعضهم البعض، وحول ذلك قال الامين العام لحزب لله السيد في خطابه خلال يوم شهيد حزب الله في 11-11-2021 ان مشكلة السعودية ليست “… مع حزب الله كحزب الله، وليس كحزب سياسي، مع حزب الله كمقاومة وبالتالي مع المقاومة ومع مشروع المقاومة في لبنان..”.
هذه الازمة الجديدة وكما جرى سابقا من أزمات افتعلت مع دول اخرى، توضح ان السعودية عبر ولي عهدها صعدت من جديد الى الشجرة وستبحث لاحقا عمن يساعدها على النزول، فهي سبق ان وقعت بمثل هذا الامر عندما افتعلت مشكلتها الشهيرة مع قطر ودفعت أغلب الأنظمة الخليجية بالانضمام اليها.
وكذلك فعلت السعودية في العدوان على اليمن الذي تم الاعلان عنه بشكل مفاجئ وسريع وتدحرجت الامور فيه بشكل متسارع حتى غرقت السعودية ومعها الامارات في هذا المستنقع الكبير، ورغم كل الدعم الاميركي والغربي على اكثر من صعيد لا تعرف الرياض وابو ظبي الخروج منه، بل تزداد في كل يوم الخسائر الميدانية لهما ناهيك عن الخسائر البشرية لقوى العدوان وما يستتبعها من تكاليف باهظة، بالاضافة الى الجرائم التي تسجل كل يوم في عنق من يقوم ويدفع باستمرار هذا العدوان لا سيما حكام السعودية والامارات.
وبالتالي يتوجب على السعودية والامارات الاستماع فعلا الى النصائح التي تقدم لهما والنزول عن الشجرة عبر الذهاب الى وقع العدوان ورفع الحصار عن اليمن بشكل فوري، وفي هذا الاطار قال السيد نصر الله في كلمته خلال يوم شهيد حزب الله “أنا أقول للسعودية اذا كنتم حقاً تريدون ان تتخلصوا من موضوع اليمن ليس طريقه الضغط على لبنان ولا على حزب الله في لبنان ولا على اي احد في الكرة الارضية، هناك طريق واحد بأن تقبلوا بوقف اطلاق النار ورفع الحصار والذهاب الى المفاوضات السياسية…”.
المصدر: موقع المنار