لقد هاجمت السعودية الوزير جورج قرداحي بشكل غير مسبوق وأرادت ان تحاكمه بمفعول رجعي بحجة تصريحه في وقت سابق كإعلامي “بأن الحرب على اليمن عبثية وان الحوثيين يدافعون عن أنفسهم” .
وباتت الحملة على الوزير قرداحي الشغل الشاغل لكل وسائل الإعلام مع إعتماد التصعيد التدريجي في المواقف والمطالب. ونجحت السعودية في نقل المعركة إلى داخل الحكومة وأشركت قنواتها في الهجوم على قرداحي وأطلقت الذباب الإلكتروني بكثافة على وسائل التواصل في معركة غير متكافئة نظرًا للمكانة التي يحتلها قرداحي بين مختلف شرائح المجتمع اللبناني. وتصريحه بأنه لن يعتذر لأنه لم يخطئ دفع السعودية إلى الإستعانة بمجلس التعاون الخليجي للمساندة والمؤازرة. وهذا يدفعنا إلى البحث عن السبب الحقيقي لأن محاسبة قرداحي بمفعول رجعي هو غير منطقي ولا يمكن تصديقه.
فهذه الحملة هي تخطيط أمريكي سعودي مشترك لإختصاص أمريكا بالفوضى “الخلّاقة” وهذه المرة نفذتها السلطة السعودية فنجحت حيث فشلت كافة المحاولات سابقًا من قطع للطرقات ومضاربات بالدولار وحتى إرتكاب مجزرة في محاولة زعزعة، الإستقرار الداخلي وجر حزب الله لفتنة مذهبية وطائفية لتنفيذ الفوضى الشاملة تنهيدًا لإسقاط النظام برمته”.*
فقد إستطاعت وسائل الإعلام ترك كل مشاكل العالم والتركيز على قضية قرداحي. ولقد نفذ خبراء في الحرب النفسية هذه المهمة بدقة متناهية بتطبيق نظرية التأطير؛ فلنتعرف سويًا على هذه النظرية:
“نظرية غوبلز (وزير الدعاية الألماني إبان حكم هتلر) في السيطرة على العقول وفق نظرية التأطير (Framing Theory) والتي أصبحت وسيلة مهمة في تمرير السياسات فيما بعد . وتَعريف النّظريّة ، أن يَعمد سارد القصّة إلى إبرَاز جوانب من القصَّة أو الحدث والتّركيز عَليها وإغفال أو تَجاهُل أو طَمس أجزَاء أُخرى؛ حَسب هَوى المُتحدِّث وميوله بالنّسبة للأشخَاص، وحَسب مُوافقتها لسلّم الأولويّات في القَنَاة الإعلاميّة”.
وكان إهتمام كافة وسائل الإعلام في داخل الإطار الذي حددته امريكا دون البحث فيما يحدث خارج الإطار وأهمها :
1-زيارات أفراد سعوديين إلى فلسطين المحتلة وزيارة حاخام إلى الرياض.
2- وصول بني غانتس بشكل سري إلى الرياض وإجراء محادثات سرية مع ولي العهد. وهبوط أول طائرة سعودية في مطار بن غوريون.
3- المفاوضات الجارية مع إيران
4- فشل مخطط مجزرة الطيونة في أحداث فتنة طائفية.
5- هزائم متسارعة جدًا في اليمن نتيجة لإنتصار وتقدم أنصار الله في الجبهات على محافظة مأرب وبات سقوط مدينة مأرب قاب قوسين او أدنى.
فامريكا والسعودية لا تريدان العالم أن يلاحظ الصورة الشاملة؛ بل إخترعا قصة ليشغلا الجميع بها وحولوا كافة الأنظار إليها لتحول الأنظار عن التطبيع التدريج العلني بين السعودية والعدو، وعن الخسائر الفادحة في جبهات القتال في محافظة مأرب ومقتل عدد من الضباط السعوديين رفيعي المستوى خلال هذا الشهر.
وقد “بق البحصة” وزير الخارجية السعودية صباح اليوم مطبقًا نظرية التأطير ونظرية غوبلز “إكذب إكذب حتى يصدقوك”، وقال فيصل بن فرحان، يوم السبت، إن أحدث أزمة مع لبنان ترجع أصولها إلى التكوين السياسي اللبناني الذي يعزز هيمنة جماعة حزب الله المسلحة ويتسبب في استمرار عدم الإستقرار” حسب قوله، وهذا التصريح يدين السعودية لتدخلها السافر في الأمور الداخلية اللبنانية . فلم تتحمل السعودية فشل مؤامرتها المختلفة في لبنان والمنطقة فقررت قلب الطاولة في لبنان.
وبالتالي فعلى كل الجهات التي أقامت الدنيا ولم تقعدها لتنفيذ الأوامر والإبتزازات السعودية لإيجاد مخرج لإقالة أو إستقالة قرداحي تحت حجة مصلحة لبنان أن تنتفض لكرامتها.
*كاتب ومحلل سياسي
المصدر: بريد الموقع