شهدت السعودية، الزعيم الفعلي لأوبك وأكبر مصدر للنفط، أيامًا أفضل مما تعيشه حاليًا، أفضل بكثير.
يرجع ذلك إلى قرارها سيء السمعة في نوفمبر/ تشرين الثاني عم 2014 بتخليها عن دورها كمنتج متأرجح، حيث قامت فعليًا برفع إنتاجها في وقت كانت الأسعار تتجه فيه للتهاوي، وهو ما أضرها أكثر مما أضر صناعة النفط الصخري الأمريكي الذي أرادت أن تحجمه.
وفي العامين التاليين لهذا القرار، تضررت خزينة الدولة السعودية بفعل انهيار أسعار النفط والذي انخفض بسبب زيادة المعروض، ووصل عجز الموازنة في المملكة، التي تعتمد على النفط في 92% من دخلها، لرقم تاريخي بلغ 98 مليار دولار، في الوقت الذي كانت التوقعات تشير إلى 87 مليار دولار عجز في هذا العام.
واضطرت السعودية للمرة الأولى أن تلجأ لجمع المال عن طريق بيع سندات دولية بقيمة 16.5 مليار دولار، في وقت ما من هذا الشهر. كما تعتزم بيع جزء من شركتها الوطنية للنفط، أرامكو، عن طريق الاكتتاب العام المزمع في 2018 والذي تبلغ قيمته 2 تريليون دولار، ومن المنتظر أن يصبح أكبر اكتتاب عام في التاريخ.
على الرغم من ذلك، إن لم تتعافى الأسعار، فلن تكون قيمة الشركة كما كانت من قبل.
وأثر عجز الميزانية على نمط حياة المواطنين، الذين اعتاد معظمهم الإنفاق بسخاء والتمتع بالمزايا التي تقدمها الدولة. وتبلغ نسبة السكان ممن هم أقل من 15 عامًا 30% من السكان بواقع 32 مليون نسمة، ومتوسط الأعمار في المملكة 28.6 عامًا فقط.
والآن، كل ذلك يتغير.
ويقول «رضا يجاني شكيب»، أستاذ دراسات الشرق الأوسط بكلية فولرتون: «مع النمو السكاني السريع ومعدل البطالة الكبير، وفرت المملكة الأموال للناس بالإضافة إلى خدمات شبه مجانية في السكن والرعاية الصحية. لكن في العامين الأخيرين، تسبب العجز الكبير في الموازنة في عدم قدرة المملكة على الحفاظ على نفس مستوى الإنفاق».
ويقول «شكيب» أنّه برغم هذه التطورات، لازالت المملكة غير قادرة على تقليص حجم إنتاجها من النفط نظرًا للحرب الضروس التي تخوضها من أجل الحفاظ على حصتها من سوق النفط في آسيا وأوروبا ضد روسيا، ثاني أكبر مصدر للنفط عالميا، وأكبر منتج للنفط بواقع 11 مليون برميل يوميًا. وكذا ضد إيران التي لازالت تتعافى من سنوات العقوبات الغربية التي أضرت بقطاعها النفطي.
ووصلت روسيا بإنتاجها إلى ملامسة قمة تاريخية للاتحاد السوفييتي سابقًا بواقع 11 مليون برميل يوميًا، بينما لازالت إيران بعيد بضع مئات الآلاف من البراميل يوميًا عن مستويات إنتاجها التي وصلت إليها قبل العقوبات بـ 4 مليون برميل يوميًا. وتقاتل العراق أيضًا، ثاني أكبر منتجي النفط في أوبك بواقع 4.5 مليون برميل يوميًا، لتحافظ على حصتها من السوق.
وفي الأسبوع الماضي، طالب وزير النفط العراقي، «جبار علي اللعيبي»، من منتجي النفط والغاز في بلاده بالاستمرار في زيادة الإنتاج حتى نهاية العام وفي 2017. ووفقًا للموقع الإلكتروني لوزارة النفط العراقية، فإنّ هدف الوزارة هو الوصول لإنتاج 6 مليون برميل يوميًا.
وتأتي مطالبات «اللعيبي» مناقضة لما تم الحديث عنه قبل أسابيع عن احتمال الوصول لقرار تقليص الإنتاج من قبل أوبك بواقع 1% خلال الاجتماع القادم في فيينا في نوفمبر/ تشرين الثاني.
وحتى إذا توصل أعضاء أوبك وروسيا إلى تقليص الإنتاج، فإنّ هذا سيعطي الفرصة لزيادة إنتاج الوقود الصخري من قبل الولايات المتحدة، ولاسيما إذا وصل سعر النفط إلى 60 دولارا للبرميل.
ويقول «شكيب»: «لا يملك السعوديون خيارًا آخر سوى الحفاظ على مستويات الإنتاج الحالية بالتضحية بـ1% فقط، لضمان عدم فقدان جزء من السوق لصالح المنافسين، وأن تستطيع إدارة اتجاهات السوق إذا أرادت ذلك».
ويضيف «شكيب»: «ولا يبدو أنّ السعودية قادرة على التضحية بميزانيتها الدفاعية، حيث تستعد لعهد ما بعد أمريكا، التي تخشى السعودية أنها تتركها وحدها في المنطقة، ويستحوذ الجيش والأمن على 25% من الموازنة العامة للمملكة حاليًا».
ويبدو الأمر هنا في هذه الحالة أن السعودية بين المطرقة والسندان.
وقال «شكيب»: «السعودية لديها خيارات محدودة للغاية لتتجنب الانهيار الاقتصادي والاضطراب المجتمعي».
وأضاف: «من الممكن أن تكون خطة التنوع الاقتصادي خيارًا جيدًا، لكنها لن تكون خطة براجماتية ما لم تقلص الحكومة السعودية الدعم والإنفاق العام بشكل كبير، مع خطط تنظيم الأسرة وتحديد النسل، وتقليل نفقاتها في الحروب الخارجية، وتخفيض ميزانيتها العسكرية الفائقة. ثم تقوم بإنفاق المدخر من كل ذلك على التعليم والتوظيف. ولن تتعافى أسعار النفط إلى ما كانت عليه خلال السنوات القليلة القادمة، ويجب على السعوديين التعامل مع الواقع الجديد لسوق النفط العالمي».
وانخفضت أسعار النفط الخام نسبيا بفعل ارتفاع كبير في سعر الدولار وتقارير اقتصادية أظهرت استمرار منقبي النفط الصخري في أمريكا في نشاطهم مع ارتفاع سعر البرميل عن 50 دولار. واستقر سعر النفط الأمريكي المعد للتسليم في نوفمبر/ تشرين الثاني بانخفاض 9 سنت أو 0.18% عند 50.35 دولارا للبرميل في بورصة نيويورك التجارية (نايمكس). ووفق المؤشر العالمي للنفط، سجل خام برنت انخفاضًا بـ 8 سنت أو 0.15% ليصل إلى 51.95 دولار للبرميل.
ترجمة وتحرير – الخليج الجديد
المصدر: فوربس