بلا شك ان منطقتنا من المحيط الى الخليج التي تعيش مخاضا مؤلما، على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، منذ اتفاقية سايكس- بيكو ، يحدوها الامل بفجر جديد ، في ضوء المنجزات التي تتراكم ، ولا سيما بعد ان ادركت الدول العربية بغالبيتها ، انها مجرد مصرف لتمويل برامج تحقق امال الغربيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الاميركية.
رغم كل ما قدمته الانظمة العربية المتناسلة من رحم سايكس – بيكو ، للغرب ، لم تحظ ولو بفرصة حقيقية للتطور التكنولوجي رغم اقتصادياتها المهولة ، مقارنة باوروبا الغربية ، بعد الحرب العالمية الثانية ، سيما ان الاخيرة كانت تدور عمليا في الفلك النازي الهتلري ، ولم يتسن لاي من الدول العربية في امتلاك مشاريع مستقلة عن الغرب ، كما ان كل مشروعات الجامعة العربية المتعلقة ب “الاتحاد الاقتصادي” – سوق عربية مشتركة – على الاقل، بددتها بذور الخلافات التي زرعها الغربيون عبر محاكاة الغرائز في زعامة هذه الدولة او تلك .
اما الان فان الثروات المالية الناتجة عن النفط ،والمكدسة في البنوك الغربية وبالاخص الاميركية ، لم تعد مستقرة لاصحابها او المودعين لها ، والارجح ان يصادرها الغرب الذي يتدهور اقتصاده ، وقد تدهور فعلا، جراء جائحة كورونا ، والفتوى جاهزة مع “ثورة” انقاذ المناخ ، كضرائب الكربون الناتج عن الوقود الاحفوري وغير ذلك من بدع تجهز لها غرف القتلة الاقتصاديين .وبالتالي فان اقتصادات الدول العربية ستكون في مهب الرياح .
لم تتمكن الدول العربية الموجودة في المتاهة الاقتصادية الغربية ، وضمنا لبنان، من تقديم انموذج يحفظ الثروات الوطنية وينميها في خدمة شعوب المنطقة ، تماما كما لم ينجح في المجال السياسي والانساني في حفظ السيادة الوطنية ، واقامة ساتر يمنع التغلغل الاسرائيلي في مفاصل الدول ، وصولا الى التخلي عن اقدس قضاياه- القضية الفلسطينية .
بلا شك ان لبنان الذي كان دخل الفرد فيه في ستينيات القرن الماضي من بين الدول العشرين الافضل في العالم ، والطبقة الوسطى فيه ميزان الحفاظ على الاستقرار العام ، بات اليوم من الدول العشرين الادنى للدخل ، وسط تخبط رسمي في متاهة القرارات ، وضغط من القريب والبعيد ، ولا سيما ممن يفترض انهم اخوة النسل العربي ، عبر وقف استيراد المنتجات اللبنانية ، ومع ذلك هناك بارقة امل جدية ، وحقيقية لانتشال لبنان من دوامة تعد له ما لم يتنازل عن قضايا سيادية .وهذه البارقة تساوي في اهميتها ان اعتمدت كنموذج ،انجاز تحرير الارض من الاحتلال .
يدعو الباحث والكاتب الروسي المخضرم الكسندر نازاروف الى استلهام تجربة “حزب الله” لاقتبس منه التالي : إنني لا أتحدث هنا عن حزب الله تحديداً، ولا يهمني ما إذا كانوا شيعة أو بوذيين أو حتى من كوكب المريخ، ما أنا بصدده هو وجهة النظر المنهجية في هذا الموقف. فحزب الله هو الحزب الوحيد المعادي للغرب، والقادر على أن يصبح نخبة وطنية غير كومبرادورية. ولو كان مكانه أي طرف آخر لتحدثت عن ذلك الطرف الآخر بنفس الكيفية.
ويتابع : الآن، وقد أفلس لبنان، لم يعد أمامه سوى طريقين فقط، وأعتقد أنه قد أصبح من الواضح للجميع أي الأحزاب اللبنانية قادرة على تبني أي المواقف استناداً إلى هاتين النقطتين:
أولاً، تنفيذ “الإصلاحات” التي يفرضها صندوق النقد الدولي والغرب، والتي بموجبها سيتم إلغاء الدعم الاجتماعي أو تخفيضه على نحو كبير. لكن صندوق النقد الدولي الذي، سيمنح البلاد أموالاً من أجل تخفيف هذه الصدمة قليلاً، ولفترة قصيرة، سيركز أمواله بشكل أساسي على إعادة تمويل ديون لبنان، التي لن يتم إلغاؤها. وبالتالي، ستستمر الكارثة الاجتماعية، ومعها لبنان في عبوديته تجاه الغرب، دون أدنى فرصة للتنمية، وستنفق حينئذ أموال كبيرة على مدفوعات الديون.
ثانياً، إن إلغاء أو تخفيض الإعانات وخفض مستويات المعيشة هو أمر لا مفر منه، بغض النظر عمّن يتربع في السلطة. لكن، من الممكن إعلان التخلف عن سداد الديون، التي تستهلك جزءاً كبيراً من موازنة الدولة، ورفض سداد هذه الديون للغرب. بالطبع، وكما في النقطة الأولى، يمكن أن تدمّر الكارثة الاجتماعية وحدة البلاد، لكن رفض الديون سيسمح بالحد من هذه الكارثة ويقلّص من مدّتها، ولن تصبح لانهائية، وهي فرصة للخلاص. ستحصل البلاد حينها على فرصة للتنمية الاقتصادية في الاتجاه الصحيح.
لا تتمتع الدول العربية بفرص للازدهار، وربما لن يكون لها مثل هذه الفرصة في ظل النظام العالمي الأمريكي، نظراً لضعف احتمال ظهور النخب الوطنية، بما في ذلك، أو حتى بسبب التدخل الخارجي في المقام الأول. إن مصير سوريا والصراع المستمر حول تورّط حزب الله في السلطة بلبنان هو مثال رائع على ذلك.
ان الثبات على المواقف مع تشخيص سليم للازمات ، وقليل من الصبر سوف تحقق الامنيات ، فايران نجحت استراتيجيا في لي ذراع اميركا وهذا وسيظهر بما سيتمخض من نتائج نووية ، ودروب سوريا ستتحول الى محجة من الذين كانوا يرسلون عبرها الارهابيين واسلحتهم ، واليمن الى انتصار وبشروط شعبه ، وحزب الله قدم انموذجا في المجالات المتعددة ، وفلسطين المقاومة تنتصر كل يوم.
ان المنطقة ستشهد تحولا رزينا هادئا ، بعد انكشاف الصورة الحقيقية للغرب ولا سيما رأسه ، اي الولايات المتحدة ، وليس المطلوب انعطافات واسعة.
الموقع غير مسؤول عن النص وهو يعبر عن وجهة نظر كاتبه
المصدر: خاص