لعل مجمل التطورات التي تحصل بخصوص العلاقات اللبنانية السعودية منذ سنوات عديدة وخاصة منذ بدء امساك زمام الأمور في الداخل السعودي من قبل ولي العهد محمد بن سلمان، تطرح علامات استفهام حول ماذا تريد القيادة السعودية من لبنان والاطراف السياسية فيه؟
فرغم كل الاخذ والرد الذي كان موجودا سابقا، برزت قمة النفور عندما تم استدعاء رئيس الحكومة اللبناني (الرئيس المكلف اليوم) سعد الحريري الى الرياض ومن ثم ظهوره لتقديم استقالته في إطلالته الشهيرة امام عدسات الكاميرات، وما تبع ذلك من أسلوب جامد بالتعاطي مع لبنان سواء في زمن حكومة الرئيس حسان دياب ومن ثم فترة تكليف سعد الحريري لتشكيل الحكومة العتيدة، حتى ان الكثير من المصادر تؤكد ان الجمود في الملف الحكومي اللبناني سببه عدم وجود أي ضوء أخضر سعودي بهذا الإطار.
وتاليا جاء القرار السعودي بمنع دخول الفاكهة والخضروات اللبنانية كرد على جريمة تهريب مخدرات الى السعودية، وهي جريمة مدانة بكل المعايير ويعاقب عليها القانون اللبناني، ويتحمل مسؤوليتها كل من يثبت ضلوعه فيها أيا كان وبأي طريقة من الطرق او دور من الادوار سواء كان مشاركا او مساعدا او مسهلا او غير ذلك، وبالتالي لا يتحمل مسؤولية هذه الجريمة كل الدولة والشعب في لبنان، خاصة ان المعلومات التي تنتشر في وسائل الاعلام وبعض القنوات الاخرى تظهر ان المسؤول عن هذه الجريمة ليس لبنانيا، أما اتخاذ القرار بمقاطعة فئة وشريحة كبيرة من اللبنانين(العاملين في القطاع الزراعي: زراعة او تجارة) ومحاربتهم بلقمة عيشهم فهذا بالتأكيد لا يتعلق فقط بمكافحة تجارة المخدرات وإنما يحمل في طياته دلالات وإبعادا سياسية.
والأكيد ان من يريد مكافحة الجريمة على أنواعها ومنها تهريب المخدرات يمكنه اتباع القنوات الأمنية والتقنية والقضائية ولذلك أساليب عديدة لا تقتصر على إغلاق الحدود والمعابر بوجه بعض المنتوجات اللبنانية، وكما قال رئيس حكومة تصريف الاعمال في لبنان حسان دياب خلال الاجتماع الذي دعا اليه الرئيس ميشال عون للبحث بتداعيات القرار السعودي “نحن على ثقة أن السعودية وكل دول الخليج يعرفون جيدا أن التوقف عن استيراد الزراعات اللبنانية لا يمنع تهريب المخدرات الذي يعتمد طرقا مختلفة، وأن التعاون بيننا يساعد على ضبط هذه الشبكات”، أي انه بكل وضوح فالتعاون لكشف شبكات تهريب المخدرات يفيد اكثر من إغلاق الحدود ومنع دخول المنتوجات، وبالتالي فإن هذه الجرائم المدانة والمعاقب عليها قانونا في لبنان كما في غيره من الدول، تحتاج الى تضافر الجهود لا الى التنافر والتباعد ورمي المسؤوليات وتحميل الامور اكثر مما تحتمل وإلقاء التهم جزافا هنا وهناك.
وبكل الاحوال صدرت الكثير من المواقف اللبنانية التي دعت السعودية الى التراجع عن قرارها، كما اتهم البعض السعودية ان القرار لا يتعلق بتهريب المخدرات بقدر ما يتعلق بالسياسة، إلا ان كل ما جرى ويجري يدعو الى التساؤل عن حقيقة ما تريده السعودية، فهل هل فعلا تريد التعاون مع لبنان في شتى المجالات أم انها تدفعه يوما بعد يوم للابتعاد عنها والبحث عن التعاون مع غيرها؟ الواضح ان السعودية لو كانت تريد العلاقات الطيبة والتعاون مع لبنان لكان التعاطي مختلفا تماما عما يحصل اليوم، فردود الفعل القاسية وغير المتوازنة مع جريمة تهريب المخدرات تظهر ان هناك خلفيات اكبر من الموضوع الامني والقضائي للموضوع، ولا يشفع ذلك بعض التصريحات والتبريرات التي يقدمها بعض حلفاء السعودية في لبنان.
وبالتالي فإن تكرار التعاطي السعودي مع لبنان بهذه الطريقة وإقفال باب الحوار والاستماع لكل الاصوات اللبنانية -سواء من حلفاء السعودية او غيرهم- سيدفع بالنهاية الى البحث عن مصادر اخرى لتصدير المنتوجات اللبنانية وللتعاون في مختلف المجالات السياسية وغير السياسية، لان البقاء على الموقف اللبناني بالتقارب مع السعودية بدون اي تجاوب من قبل الرياض سيكون أمرا غير مقبول بكل المعايير وأشبه بـ”الحب من طرف واحد” من قبل بعض اللبنانيين، وذلك سيدفع لبنان عاجلا ام آجلا لتغيير مواقفه والبحث عن بدائل.
المصدر: موقع المنار