من السيارات الذاتية، إلى القيادة، إلى المصانع “المتصلة” بالإنترنت، مروراً بالزراعة “الذكية” أو الجراحات عن بعد، تبشر شبكة الجيل الخامس من الاتصالات بـ”ثورة صناعية” جديدة في العامين المقبلين، كما من شأنها إدخال تغييرات جذرية في قطاعات اقتصادية برمتها.
فبعدما قدّم الجيل الأول إمكان إجراء مكالمات صوتية عبر الهواتف المحمولة، لتضاف إليها الرسائل النصية في الجيل الثاني، وبعدها القدرة على إرسال صور في شبكة الجيل الثالث، ثم تطوير قدرات الاتصال عبر الإنترنت في الجيل الرابع، من شأن الجيل الخامس إدخال تطورات كبرى على الاتصالات مع زيادة سرعة الاتصال بالإنترنت عشرة أضعاف.
وفي ما يلي لمحة عن الاستخدامات المتعددة التي من المتوقع أن يتيحها الجيل الخامس.
تغييرات جذرية في الصناعة
مع إمكان الإفادة من الشبكات الخاصة القادرة على تشغيل مصانع “ذكية” مزروعة بأجهزة الاستشعار والإكسسوارات المتصلة، يؤمل من الجيل الخامس أن يفتح صفحة جديدة في القطاع الصناعي من شأنها تحسين الإنتاجية إلى مستويات فُضلى.
وفي نهاية أيلول/سبتمبر، قدّمت شركة “أورنج” للاتصالات و”شنايدر إلكتريك” للكهربائيات أول مشروع تجريبي لنشر شبكة الاتصالات المستقبلية في مصنع بفرنسا، في منطقة فودروي شمال البلاد.
ومن بين الاستخدامات الملموسة روبوتات يمكنها إجراء زيارات للمواقع من بُعد وتطبيق “للواقع المعزز” يتيح لفنيي الصيانة النفاذ إلى بنك معلومات عن آلة من خلال مسح رمز.
سيارات ومدن “ذكية”
تواكب شبكة الجيل الخامس ابتكارات جمة في قطاعات النقل والتنظيم اللوجيستي والتخطيط المدني. ومن أبرز النماذج على ذلك هي السيارة الذاتية القيادة.
وقال الخبير في شركة “كابجيميني” الفرنسية الاستشارية، ميشال غيغا، إن هذا النوع من المركبات “قادر على إجراء تقويم دائم لوضعه في البيئة المحيطة، لناحية الأشخاص الآخرين في المحيط ووضع الطريق والعقبات الموجودة بالقرب منها… سواء التقطت المركبة نفسها هذه المعلومات أو جُمعت من مصدر خارجي، يتعين جمع كميات بيانات ضخمة ومعالجتها في كل لحظة”.
وقد جعلت شبكة الجيل الخامس هذه المهمات ممكنة، وهي تقنية الاتصالات الوحيدة القادرة على نقل كمية البيانات اللازمة لرصد الحركة وتحليلها واستثارة رد مناسب عليها في جزء من الثانية.
تطبيب وجراحات من بُعد
شهد مؤتمر برشلونة للأجهزة المحمولة، نهاية شباط/فبراير 2019، إنجازاً طبياً نُقل مباشرة، تمثل بإجراء أنطونيو دي لاسي أول عملية جراحية في العالم تمت من خلال “إشراف من بُعد” من طريق شبكة الجيل الخامس.
وخلال العملية، أتاح الاتصال بالجيل الخامس جودة صورة أفضل بكثير من تلك المتوفرة في الشبكات السابقة، ما يقلص احتمالات الخطأ. ومن شأن ذلك السماح للجراحين بإجراء عمليات من بُعد في المستقبل، بالاستعانة بأذرع آلية.
ولمواكبة الانتشار المتزايد للتطبيب من بُعد خصوصاً خلال جائحة كوفيد-19، على شبكة الجيل الخامس أيضاً السماح بـ”زيادة كبيرة في تبادل البيانات الصحية بين المستخدم ومنصة وإدارة أخرى لتحليل البيانات”، وفق ما أوضح رئيس اتحاد شركات التطبيب من بعد فرنسوا ليسكور لوكالة “فرانس برس”.
وأشار إلى أن هذه التقنية “ستتيح التحرك استباقياً بدرجة أكبر بكثير، على سبيل المثال مع البيانات التي ستنقلها مستقبلاً قمصان مليئة بالمستشعرات، والتي ستصبح بمثابة جلد ثان قادر على تسجيل وتيرة نبضات القلب والتنفس”.
غير أن الجيل الخامس يطرح تحدياً كبيراً يتعلق بـ”خدمات إيواء بيانات الجيل الخامس وأمنها”، وفق ليسكور.
زراعة “ذكية”
من المتوقع أن تدخل شبكة الجيل الخامس تغيراً جذرياً أيضاً في القطاع الزراعي، مع قدرات جديدة تتمثل على سبيل المثال بتربية المواشي من بُعد واقتلاع الأعشاب الضارة آلياً والجرارات المستقلة.
غير أن إيمريك أودان المدير العام لشركة “أكس أنفيرونمان” التي تُسوّق أدوات زراعية متصلة بالإنترنت قال إن شبكة الجيل الخامس تبقى “غير مكيّفة نسبياً” مع الحاجات في القطاع الزراعي.
وأوضح أن “القيمة المضافة” التي تحملها التقنية الجديدة على البنى التحتية القائمة “كبيرة بما يكفي مقارنة مع الأضرار المحتملة لنشر الجيل الخامس على البيئة”.
المصدر: الميادين