رأى رئيس المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع عبد الهادي محفوظ في حديث تلفزيوني عن “دور الاعلام في ادارة الازمات” ان “الاعلام في لبنان هو بمثابة السلطة الاولى لانه هو الذي يكون الرأي العام ويوجهه حيث يشاء، انما الاعلام في لبنان ينتمي بغالبيته الى طوائف وبالتالي يرتبط الى حد ما بالوظيفة الطائفية، لذلك يفقد معناه الوطني، ومن هنا تتنوع تأثيراته وتكون احيانا ايجابية وغالبا تكون سلبية، وهذا يرتبط الى حد بعيد بأن في لبنان تشابكا معقدا بين الازمات المالية منها والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، بالاضافة الى أزمات تتعلق بالمستقبل والهوية، لذلك لا يمكن للاعلام وحده ان يحدد المخرج بسبب الانتماء الطوائفي من جهة ومن جهة ثانية ان الرؤية تحتاج إلى ما هو ابعد من الاعلام ومثل هذه الرؤية غائبة حاليا في البلد”.
وقال: “نلمس أن في الاعلام ثمة تأرجحا يضيع المستمع او المشاهد وتختلف المسألة من الاعلام التقليدي الى الاعلام الجديد إعلام التواصل الاجتماعي، فالاعلام التقليدي يملك وقتا اكثر للتحقق من المعلومة وايصال الحقيقة بينما اعلام التواصل يفتقر احيانا الى المهنية والصدقية ودقة المعلومة وهذا مضر ولكن الاخطر في الأمر هو عندما يلجأ الاعلام الكلاسيكي الى تشويه الحقائق او تقديم معلومات مغلوطة او اثارة النعرات السياسية او الطائفية، ذلك لان هذا الاعلام يرتبط بالتزامات محددة يفرضها القانون وهي الموضوعية والشفافية وعدم اثارة الطوائفية والسياسية وعدم تعريض امن المجتمع الى خضات.
أضاف: عندما تتغلب المسألة الطائفية والاشتباك الطائفي والسياسي تتراجع فكرة الدولة وعندها تزدهر الاشاعات والاقاويل وكل ما لا يمت إلى القانون بصلة، وفي ظل اشتباكات اهل السلطة تسقط سمعة الدولة وهيبتها ونحن الآن نعاني الأمرين، لذلك لا يمكن محاسبة المرتكبين ايا كانوا، وطالما في لبنان يتم تغليب فكرة المواطن في الطائفة على فكرة المواطن في الوطن، يعني اننا امام ازمات مستمرة وحروب اهلية تقطعها هدنات موقتة. ولقد وصلنا الآن الى مكان صعب بحيث كما يتبين ان لا مخرج داخليا كما يقول البعض ما يعني اننا نعرض الوطن الى مخاطر كثيرة قد يكون منها الافتقاد الى الهوية الواحدة والتمهيد لكانتونات في البلد”.
وأكد أنه “يمكن للاعلام ان يلعب دورا ايجابيا اذا تم تطبيق القوانين اما الآن فلا تطبيق لقانون المطبوعات ولا لقانون المرئي والمسموع ولا مواثيق الشرف”، وقال: “أنا مع الحرية الاعلامية التي يتميز بها لبنان ولكن هذه الحرية لا تعني الفوضى والاساءة الى الآخر وترويج الاشاعات واثارة الطائفية ولكن عندما يتم انتقاد اي مؤسسة او اي اعلامي بأنه تخطى حدود القانون، يسارع كثر الى اعتبار ان هناك اعتداء على الحرية الاعلامية. واعتقد ان في لبنان فائضا من ممارسة الحرية الاعلامية وهو امر مطلوب ولكن احترام القوانين مطلوب أيضا”.
وأشار محفوظ الى أن “المجلس الوطني للاعلام يرفع توصيات الى الحكومة لمتابعة الاداء الاعلامي وهي ملزمة للحكومة ولكن للاسف، عندما يلجأ المجلس الوطني الى تصويب اداء اي مؤسسة اعلامية يخرج بعض الوزراء ويتهمونه بالتعرض للحرية الاعلامية لان السياسيين يريدون صورتهم على الشاشة، لذلك المطلوب ان تتوافر في الحكومة ارادة واحدة لضبط المسائل وحماية الحرية الاعلامية، وهي غير متوافرة واذا بحثنا في أسباب التقصير نجدها في مكانين اثنين الحكومة والقضاء”.
وتابع: “إن المجلس الوطني يعقد جلسات باستمرار ويلتقي رؤساء مجالس الادارة في المؤسسات المرئية والمسموعة التي تلتزم ما يتم الاتفاق عليه في النقاش ولكن المسألة تتجاوز احيانا المؤسسات الاعلامية والمجلس الوطني للاعلام وتدخل في اطار ما تبرره الاشتباكات السياسية والطائفية، لذلك هذه مسألة يعالجها قانون المرئي والمسموع الموجود لدى لجنة الادارة والعدل والذي يعطي المجلس الوطني للاعلام صلاحيات تقريرية واسعة تحصر متابعة الاداء الاعلامي به وتحصر صدور اي قرار بحق اي مؤسسة به ايضا خارج اي استنساب سياسي ولكن حتى الآن لم تدرس لجنة الادارة والعدل مشروع القانون هذا”.
وابدى محفوظ تأييده للاعلام الاستقصائي “الذي يلعب دورا توجيهيا واساسيا للفت المسؤولين الى الاخطاء او الى تصويب الاداء والا يكون هذا الاعلام موجها للنيل من جهة معينة فيفقد ما يطلبه منه القانون ويصبح مضرا للمجتمع، انما الصحافة الاستقصائية اجمالا مطلوبة وهي صحافة متخصصة وتستند الى وثائق ومعلومات وتنير المستمع والمشاهد في حال كانت تبغي الحقيقة ولا تبغي غايات اخرى”.
واعتبر أن “الوظيفة الايجابية ترتبط بالاعلام المستقل في لبنان، والمخرج الوحيد لهذا الاعلام كي يبقى مستقلا هو في دمج المؤسسات التي اصبحت تعتمد على التمويل الخارجي في ظل تراجع سوق الاعلانات وهذا التمويل السياسي لا يخدم الغايات اللبنانية ما ادى الى تراجع دور الاعلام الذي كان رائدا وكانت تأثيراته مخيفة في العالم العربي اما اليوم فهذا الاعلام المستقل يتراجع وتتراجع معه صورة لبنان”.
وأكد أن “من واجب الاعلام ان يقدم الحقيقة والمعلومة الصحيحة والدقيقة وان يكون المصدر موثوقا ففي موضوع فيروس كورونا مثلا انتشرت إشاعات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المحطات ولكن لا يمكن ان ننكر ان الاعلام قام بدور ايجابي من خلال نشر التوعية على الاجراءات الوقائية، كما كانت بعض المؤسسات تضع اعلانات خاصة بها اضافة الى الاعلانات الصادرة عن وزارتي الصحة والاعلام. اما في ما يتعلق بالمعلومات المتضاربة حول اللقاحات والارباك الذي نتج عن ذلك عند المواطنين لا يمكن تحميل الاعلام وحده المسؤولية وكان على وزارة الصحة ونقابة الاطباء تحديد الاختصاصيين المخولين للشرح عن هذا الموضوع. ولقد شكلنا لجنة في المجلس الوطني للاعلام لمتابعة الاداء الالكتروني ومراقبة الاشاعات والاخبار والكاذبة ليصار الى اتخاذ التدابير بحق المخالفين وتم ضبط الموضوع الى حد ما ولكن لا يمكن ضبطه بالكامل من دون تطبيق القانون ولا حل الا من خلال قضاء نظيف، والمشكلة معقدة وتحتاج الى حاملة اجتماعية للتغيير وهي غير متوافرة حاليا وهي بحاجة الى دور النخب في مرحلة مقبلة وبالتالي فان تصويب الاداء السياسي والاعلامي مهمة ملحة وفي حال اسهم الاعلام في ايجاد المخارج لتأزم العلاقة بين الرئاستين الاولى والثالثة عبر تشكيل حكومة اختصاصيين يمكن ان يكون لبنان قد خطا نحو ايجاد مخارج ونحو تجاوب المجتمع الدولي معه لان ما يتهدد لبنان قد يكون كبيرا وعلى اللبنانيين ان يخرجوا لبنان من عنق الزجاجة بتفاهمات على الحد الادنى لبنانيا وهذا يتطلب نوعا من الرأي العام الضاغط الذي لا يتشكل الا بمساهمة فعلية من الاعلام، لذلك فان دور الاعلام اهم حاليا من دور السياسيين “.
وشدد على ان “الموضوعية مطلوبة في الاعلام بعيدا عن اعتماد السبق الصحفي الذي يمكن ان يلحق الضرر والعنف في المجتمع لان الوضع حساس جدا في البلد وبالتالي فان دور الاعلام البناء يكمن في تعزيز المشترك بين اللبنانيين وتغليب فكرة الحوار والخروج من الاعلام الطوائفي والتمتع بالمسؤولية الاخلاقية، وللاسف فان البعض احيانا ينصب نفسه قاضيا ومحكمة ، في حين ان المحكمة هي للقضاء وليست لاي مؤسسة اعلامية التي يمكنها ان تصوب وان تنتقد شرط ان يكون هذا النقد بناء ولا يبغي الاساءة واثارة النعرات “.
ورأى ان” الانقسامات في لبنان تصيب ايضا الاعلاميين ويقوم بعضهم بضرر مقصود ولا حل لهذا الامر الا بتوافر ارادة واحدة على مستوى الحكومة واجزم عندها ان الاعلام يكون في الطريق الصحيح”.
واكد محفوظ ان” المجلس الوطني للاعلام ليس ناطقا رسميا باسم النظام بل نحن ننتقد النظام بموضوعية ونريد للاعلام ان ينتقد وان يصوب الاداء والا يكون منحازا ومشهرا ويلجأ الى اساليب لا يريدها القانون ولا الرأي العام الذي يريد بناء دولة في لبنان”. وأبدى “استعداد المجلس لرفع توصيات للحكومة في كل الامور، لكن في ظل الحروب الكلامية فإن مفتاح الحل في البداية هو وزير الاعلام الذي يمكنه، اذا ما تبنى هذه التوصيات، ان يطرحها امام الحكومة وان يخلق رأيا مؤيدا لها ولكن طلما الآن ليست هناك ارادة واحدة ولا جرأة على اتخاذ الموقف المناسب فان هذه الحروب الاعلامية سوف تستمر واذا استمر هذا التشنج السياسي في البلد سوف نشهد حروبا اعلامية اكثر ضراوة وقد تكون اخطر من اطلاق الرصاص”.
ووصف محفوظ “كل ما نعيشه في لبنان من أزمات سياسية وحروب اعلامية بالحالة الاسرائيلية التي تخدم اسرائيل وبالتالي ينبغي معالجة هذه الحالة من خلال الحوار والتلاقي وتحديد المسؤوليات”، مؤكدا ان “لا علاقة لاي وسيلة اعلامية باسرائيل ومنذ فترة بعيدة وقفنا ضد ان يكون هناك اي مراسل لاي وسيلة اعلامية من داخل الاراضي المحتلة”.
وختم محفوظ موضحا ان “المجلس الوطني للاعلام لم يبلغ بعد عن موعد اجراء اللقاح للاعلاميين علما ان اللوائح رفعت الى وزيرة الاعلام في حكومة تصريف الأعمال الدكتورة منال عبد الصمد نجد”، مشيرا الى ان “اللقاح سيشمل لاحقا جميع الاعلاميين لكن الاولوية لكبار السن والعاملين على الارض”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام