تُعد سياسة خلق الأعداء والمخاطر والتحدّيات الوهمية والإفتراضية، واحدة من أهم سمات السياسة الخارجية الأمريكية بل من الركائز التي تستند عليها نظرية الأمن القومي الأمريكي.
فمنذ إنتصار الثورة الإسلامية في إيران وسقوط الشاه، وبعد أن كانت الولايات المُتحدّة الأمريكية تتصرف رسمياً وعلنياً وكأنها صاحبة حق ثابت في إيران حيث شمل النفوذ الأمريكي منذ عام 1953 وحتّى 1979, كل الصعد في إيران السياسية منها والاقتصادية والثقافية والعسكرية، كانت المتغيرات التي حصلت في إيران ضربة للمصالح الأمريكية سياسياً وأمنياً واقتصادياً، فضلاً عن معاداة النظام الجديد في إيران (لدول الإستكبار العالمي) وعلى رأسهم الولايات المُتحدة الأميريكية .
وكان أول ما قامت به الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979 هو طرد سفير الكيان الإسرائيلي من طهران ووضع العلم الفلسطيني على مبنى سفارة ” الكيان الإسرائيلي ” في إيران الذي سلّمته الثورة الإسلامية الإيرانية إلى “منظمة التحرير الفلسطينية”. وجاءت هذه الخطوة ضربة قويّة للولايات المُتحدة الأمريكية كون “الكيان الإسرائيلي” حليفها الأول ومركز نفوذها في المنطقة .
وهنا بدأت الدعاية الأميركية إستناداً لنظرية خلق العدو الوهمي، بإشاعة فكرة أن إيران عدوة العرب ، وأوهمت الكثير من الرأي العام العربي بأن لدى إيران مشروع توسعي لاحتلال الدول العربية ونشر مذهبها “الشيعي”، حيث كان الهدف من الحملات السياسيّة والإعلامية بناء نوع من العقيدة لدى بعض الأنظمة العربية وشعوبها بأنّ إيران “عدو العرب” ، الأمر الذي يفتح الباب مشرعا لأمريكا للتدخل وبناء قواعدها في أكثر من دولة خليجية، وانطلاق مواسم الإبتزاز لأنظمة هذه الدول لأخذ أموالها بدعوى الحماية من الخطر الإيراني المُحدّق بها، فضلاً عن تغييب العداء للكيان الإسرائيلي لدى الأنظمة والشعوب العربية.
وفي السنوات الأخيرة نشطت الحملات التضليلية والدعائية عبر وسائل التواصل الإجتماعي (فايسبوك – توتير- إنستغرام..) لشيطنة إيران وتشويه صورتها وتقديمها “عدو العرب” الأول وتغييب العداء للكيان الإسرائيلي وطمس القضية الفلسطينيّة بالتزامن مع الحملات الإعلامية عبر وسائلها المُختلفة، ولكن جرى ثقل الجهود في الميدان الشبكي تحديداً وذلك مع تعاظم دور وسائل التواصل الإجتماعي وتأثيرها في الرأي العام وسهولة نقل المعلومة ونشرها، ضمن عملية مُمنهجة تُديرها مراكز متخصّصة في الإعلام الرقمي والشبكي في ميدان التواصل الإجتماعي مُتصلة بمؤسسات الإدارة الأمريكية وبتمويل من بعض الدول الخليجية مدعومةً بالجيوش الالكترونية التي تعمل على الترويج والنشر ضمن نطاقٍ واسع، وذلك عبر نشر شائعات وأكاذيب فيما يخص السياسات الخارجية الإيرانية من جهة والبعض من الفبركات التواصلية ( صور – مقاطع فيديو ..) ذات الطابع الطائفي التحريضي من جهةٍ أخرى.
وللأسف الشديد تمكّنت المنظومة الدعائية الأمريكية بممارستها البلطجية الرقمية تقديم إيران كعدو وهمي لدى البعض من الشعوب العربية عبر اللعبة القذرة بالتاثير على العواطف وشدّ العصب الطائفي، فإنّه لا يوجد مُسلم او عربي واحد يجادل في مصيرية القضية الفلسطينية ومركزيتها ولأجلها ظهر العداء العقائدي الذي يحمله المسلم تجاه الصهاينة المغتصبين للأرض العربية في فلسطين، وهناك وحدة شعبية وعقائدية يشعر بها كل مسلم بإعتبار “الكيان الإسرائيلي” هو العدو الحقيقي لهذه الامة، من يستطيع أن يزايد على الإيرانيين بعدائهم للكيان الإسرائيلي ومواجهتهم له ولسياساته وخططه خلال كل هذه السنوات ؟ ومن وقف وساند ودعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية في حربها الدائمة مع الكيان الإسرائيلي ؟ من الذي رسّخ في نفوس المسلمين وعقولهم وضمائرهم ثقافة النضال والممانعة في وجه الكيان الإسرائيلي؟ من دعم وساند الفصائل الفلسطينية في غزة وقوى المقاومة ضد العدوان والاحتلال في العديد من دول المنطقة العربية؟ ويخرج بعض ضحايا البلطجية الأمريكية الرقمية في ساحات التواصل الإجتماعي ليتحدّث عن عدو إسمه ( العدو الإيراني ) ليسخر من العقول وليأخذ الشباب العربي الى معارك جانبية، الغرض منها ابعادهم عن مواجهة عدوهم الحقيقي المغتصب لارضهم والمُدنّس لمقدساتهم.. هذا ما أنتجته البلطجة الأمريكية الرقمية “إيران عدو العرب الوهمي”. ولكن سيبقى العداء العقائدي في قلوب وعقول وضمائر كل الأحرار للكيان الإسرائيلي الغاصب .
_________________________________
* كاتب لبناني مقيم في لندن.
متخصص في العلوم السياسية وخبير في الاعلام الرقمي
المصدر: موقع المنار