قبل الدخول الروسي العسكري في الميدان السوري كان لموسكو حضور في المعادلة السياسية التي دعمتها بالقوة النارية بقرار كبير شكل منعطفا في السياسة الروسية في المنطقة وحمل معاني كبيرة تجاه الاميركي ونفوذه في “الشرق الاوسط”. كان الدخول الروسي بعنوان دعم الحليف السوري ومحاربة الارهاب ولكن ايضا تحت عنوان الامن القومي الروسي نظرا الى تزاحم المصالح في المنطقة اضافة الى الخطر الارهابي داخل روسيا نفسها وهكذا قدمت روسيا هذا القرار الكبير للداخل الروسي. أما على صعيد العلاقة مع واشطن فقد كان قرارا يحمل مخاطر حساسة وهي علاقة تستمر ما بين التزاحم ومحاولات التنسيق ازاء سوريا، أملاً في عدم انفجارها وما يمكن ان يحمله ذلك من كوارث.
وقد تدخلت روسيا في وقت كان قد مر اكثر من عام على انطلاق التحالف بقيادة واشنطن لتقول لها ان هذا التحالف لم يحقق ما يمكن ذكره، أطلقت روسيا عمليتها الجوية في 30 أيلول الماضي، بموجب طلب سوري، اضافة الى الصواريخ البعيدة، وهي عملية تكلف يوميا بحسب الارقام الروسية نحو 2.87 مليون دولار.
ماذا حقق التدخل الروسي؟
-شكل التدخل قوة اسناد كبيرة للجيش السوري وحلفائه وساهم باستعادتهم الكثير من المناطق الاستراتيجية.
-بتحريك روسيا طائراتها المقاتلة وقاذفاتها وصواريخها البعيدة المدى وجهت رسالة كبيرة حول القدرات والموازين العسكرية لمن يهمه الامر.
-كان للتدخل اثر كبير على المسار العسكري ضد داعش والنصرة وغيرهما والحق بقدراتهم العملانية اضرارا جسيمة وبموارد تمويلهم و”نفطهم” وادى لمقتل المئات منهم ومن قياداتهم.
-ساهم التدخل بشكل كبير في ضرب مقرات قيادية للارهابيين بناء على القدرة المعلوماتية والتقنية الروسية مما افقدهم التوازن في اكثر من ميدان.
– قدمت روسيا منظومات الاتصلات والحرب الإلكترونية التي دعمت عمليات عسكرية كبرى.
-بالاضافة الى انجازات الجيش السوري وحلفائه فقد ساهم التدخل الروسي في بعض التغييرات الاميركية وصولا الى اكثر من هدنة والى الاتفاق الروسي الاميركي الذي لم تنفذه واشنطن .
– ساهم هذا التدخل في التاثير على سياسة تركيا تجاه داعش ولو نسبيا، لانه جعلها تحت امر واقع لا يمكن تجاهله.
– بحسب ما قال رئيس مجلس الدوما الروسي ف”عملية القوات الجوية الفضائية الروسية في سوريا أظهرت لمواطنينا وللعالم بأسره، أن جيشنا لديه قدرة عالية على التحرك وتجهيز جيد وهو مستعد لتنفيذ أي مهام قتالية”.
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي العميد علي مقصود لوكالة سبوتنيك إنه كان لدخول الروس والحضور العسكري أثر كبير في إحداث انقلاب في المعادلة الاستراتيجية والتحول الكبير في الميدان الاستراتيجي الذي أنهى المرحلة الهجومية من قبل المجموعات الإرهابية.
بحسب سبوتنيك يرى الخبراء أن الحديث عن نصر كامل سابق لأوانه. وقال رئيس أكاديمية القضايا الجيوسياسية، قسطنطين سيفكوف: “لم يتم تحقيق الأهداف السياسية المعلنة للحرب. تم الإعلان عن نية وقف الأعمال العسكرية قبل رأس السنة، ولكنها لم تتوقف، ولم يتم القضاء على “داعش”. يعني ذلك أنه لا يمكن اعتبار العملية ناجحة تماما من وجهة نظر النصر العسكري”.
اذاً النتائح الكبرى التي حققها التدخل الروسي لا تلغي حقيقة انه افتقر الى انجازات سريعة كان البعض يتوقعها من جيش روسي ذي امكانيات عالمية وكان يمكن ان يشكل ذلك أثرا اكبر على التنظيمات الارهابية ويفقدها التوازن بشكل اوسع، الا انه يمكن ان يكون لهذا الامر نظرة روسية خاصة متصلة بحساسية الميدان السوري والعلاقة مع واشنطن. موسكو وإن كانت حققت في اشهر قليلة ما لم يحققه تحالف واشنطن في عامين لكنها لم تصل الى حسم العديد من الامور الميدانية ولم توصل الى حسم المسار السياسي.
خلاصة الامر، لا شك ان الدخول الروسي شكل مرحلة كبرى جديدة وهو ان كان امامه عقبات عدة ولم يصل للنصر النهائي ولكنه طبع بصماته في سوريا لمراحلها القادمة، وهو حمل بعد مرور عام نتائج لا يمكن تجاهلها في المقاييس السياسية او الاستراتيجية او الميدانية وأسّس لمعادلات جديدة مبنية على مواجهة الإرادة الاميركية والتنسيق مع سوريا وحلفائها بشكل فعال.
المصدر: موقع المنار -سبوتنيك