على أرض دمشق تجولت خطى الشهيد، ومنها نحو باقي المساحات السورية، بكل محبة وإخلاص تناقلت الأماكنَ، حرَّرت ما وصلت إليه، وما لم تصله؛ وصل تأثيرُ القاسم مرتفعاً على همم المقاتلين، فزاد الصلابةَ إيماناً بالنصر، وشغفاً للانتصار، هكذا كانت الأرض تحكي بعد عام من رحيله، وأرادت أن توصل رسائلها إلى جنة العلياء مباركة للحاج سليماني ما ناله من شرف الجهاد والتحرير.
على مسار القيادة والشهادة مع السيد عباس الموسوي، ومع العماد والقنطار وبدر الدين، والشهداء القادة، مضى اللواء قاسم سليماني ورفيق دربه أبو مهدي المهندس، ولكن ماذا عن الجيل الوارث للتعاليم؟
منذ تموز 2006 ،أزهرت براعم المقاومة في كل بلدان المحور، ليمتلىء بالمقاومين الأشبال، تابعوا بدورهم ما تابعوه من بطولات المجاهدين في التصدي للعدو الصهيوني، مرت الايام، وهم يبحثون عن دروب المقاومة، وهي ذا تتوسع بكوادرها، النهج يستمر في طريق من انتهجوه وجدوه، وما زالت الأيام تمضي..
في سورية إحدى ساحات المقاومة البارزة، جاء العام 2008، نبأ استشهاد الحاج عماد مغنية يملأ الأصداء، الوجهٌ الأبرز في المقاومة، هنا بدأ الشباب يبحث، وجذبته فكرة المقاومة، وازداد الأبطال إيماناً وشغفا، يتحدث أحدهم وهو من يحمل اسمه الجهادي “ساجد”، مسؤولين في أحد القطاعات الشابة للمقاومة في الساحة السورية، الراوية باختصار تفاصيل من رحلة العمل الجهادي، أسماء تتوارد من قوافل الشهداء ويتقدمهم القادة في هذا المسلك الأسمى كما يرونه ويؤمنون به، السيد مصطفى بدر الدين، والشهيد علاء البوسنة، واللقيس، والقنطار من مؤسسيها الرئيسيين في سورية وقبلهم الشيخ أحمد ياسين، والشيخ الرنتيسي. أما أكثرهم تأثيراً كان الشهيد القائد جهاد عماد مغنية (القائد جواد) كونه من جيلهم والأقرب لتفكيرهم في المنطق الإنساني والمنهج الجهادي، فمن العماد إلى من بعده، ولا ينسون في طفولتهم كيف كانت تبكيهم أنباء استشهاد القادة الشهداء أو الكوادر المقاومة، هم يريدون أن يكبروا سريعاً ليكونوا معهم في الساحات والجبهات.
– الطريق لا يتوقف عند استشهاد أحد القادة..
من خلال ما تقدم به “ساجد” المجاهد الشاب السوري ضمن أحد فصائل محور المقاومة، استأنف كلامه بنبرتة المتأثرة من عظمة ما يتحدث به، وقال أن الطريق لا يتوقف عند استشهاد القادة إنما يتوقف إذا لم نكمله نحن، لذا تحتم علينا المضيّ في هذا الدرب، خاصة أننا كنا شهوداً على استشهاد قادة لنا بعد انضمامنا إلى المحور بشكل ميداني.
من هنا انتقل بنا ساجد عبر ذاكرته الى الحدود السورية مع فلسطين المحتلة، باختصار عبارة “استنشقنا عبق دماء القادة الشهداء الذين رحلوا على درب فلسطين”، وتابع بنبرة تحمل هواء تلك المنطقة “وقفت أنا وشاب يدعى شهيد، وقلنا لبقية الأخوة أنها ليست طويلة.. سنحررها”.
– القاسم والمهندس في عيون المهندس ساجد..
بعد إعلان تحرير العراق وبيان النصر على داعش، تعمق الشباب بتجربة الشهيد أبو مهدي المهندس، عرف شباب المقاومة تجربة لتحرير في العراق من الأمريكي وما أتى بعدها من تحرير أراضيها من التكفيريين. ولا يخفي ساجد المقاوم، صدمته واستغراقه الوقت بتقبله لنبأ اسشهاد كل من القاسم والمهندس..
خصوصية العمل الجهادي لم تسمح لساجد أن يعطينا كامل التفاصيل وأهها ما يتعلق بالعمل السري. لكنه أستحضر صورة القائد المتواضع..
في مقام السيدة رقية في دمشق عام 2018 تقف سيارة متواضعة ويترجل منها ثلاث أشخاص أحدهم من يحلم بلقائه كل مقاوم، الحاج قاسم سليماني في الحقيقة، لا مرافقة ولا ضجيج ولا قطع طرقات ولا إجراءات أمنية، وزع ابتساماته المحملة بالتحية لكل من مرت عيونه أمامه، وليس لدى الجميع علم بمن يكون هذا الرجل المتواضع البسيط كما بدا حينها.. الشباب في المقاومة بالساحة السورية تعلموا منه الكثير.. يتابع ساجد بكل شجن..
استمر بحث الشبان عن الحاج قاسم سليماني لمعرفته، أبرز ما حصلوا عليها أنه مؤسس محور المقاومة في كل البلدان الإسلامية والمضطهدة، فخبروا عن نهجه وآلياته وطموحاته في النصر وصولاً إلى تحرير فلسطين وهو الهدف الأسمى للمقاومة، هنا فهموا تماماً ماذا يعني أن يكون الرجل قائداً لقوة تدعى فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني.
ليست دروسا نظرية ما أتاهم به، بل كانت تجارب على الأرض من رجل يعمل بصمتٍ ولا يتحدث إنما يريهم النتائج من خلال ما يطبقه من عمل يتقنه ويخطط له، ويثمر انتصارات أينما ذهب بإيمانه وعزيمته لتحرير المناطق التي يحتلها الإرهاب التكفيري الداعشي، من حلب إلى دير الزور والغوطتين في دمشق وحمص وحماه وتدمر وما لم يعلم به أحد من أمور لم يأذن الوقت بعد بإخراجها إلى العلن، فكان نعم القائد والمعلم المتواضع العارف بعمله وكيف يكون قدوة يتأثر بها المقاومون.
ساجد يوضح أن دماء الشهداء قد أثمرت جيوشاً في المنطقة، ويكرر ما قاله الرئيس الأسد بعد استشهاد الحاج قاسم “أن ذكر الشهيد سليماني سيبقى خالداً في ضمائر الشعب السوري الذي لن ينسى وقوفه إلى جانب الجيش العربي السوري في دفاعه عن سورية ضد الإرهاب وداعميه وبصماته الجلية في العديد من الانتصارات ضد التنظيمات الإرهابية”، ويعيد ما قاله سماحة السيد حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله “لقد ترك لكم عماد مغنية خلفه عشرات الآلاف من المجاهدين المدربين الجاهزين الحاضرين للقتال والشهادة”، وهنا يأتي بعد استشهاد القائد الحاج سليماني تأكيد على الثقة في البذرة الجهادية التي زرعها القادة الشهداء في قلوب الشباب بما قاله سماحة الإمام القائد علي الخامنئي أدام الله ظله حول ما ذكره في يوم استشهاد الحاج قاسم أنه ترك لنا خلفه جيوشاُ في المنطقة.
المصدر: موقع المنار