ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الاربعاء 2 كانون الاول 2020، على ملف تشكيل الحكومة وعلى قرار حاكم مصرف لبنان برفع الدعم عن المواد الاساسية وموقف مجلس النواب من هذا الامر، والعقوبات الاميركية على المؤسسات والشخصيات كسياسة ضغط تمارسها على لبنان…
الاخبار
البنك الدولي: سياسات سلامة ضريبة على الفقراء
“الركود المتعمّد” ليس مجرّد عنوان لنشرة «مرصد الاقتصاد اللبناني» الدورية التي أصدرها البنك الدولي أمس، بل هو خلاصة سرد مفصّل لمؤشرات الأزمة والمخاطر المحتملة. لم يقدّم البنك أرقاماً ومؤشرات غير معروفة عن تدهور سعر الصرف وتعدّد أسواقه، تقلّص الاقتصاد والنمو السلبي… لكنه حدّد الجهة التي رسمت المسار عمداً نحو هذه الهاوية: إنها السياسات النقدية الاستنسابية التي أدّت إلى اقتطاع الودائع وضربت العمّال ومدخراتهم والمؤسسات الصغيرة أيضاً، وخلقت تضخماً أصاب الفقراء والمهمشين، بدلاً من أن تكرّس حلولاً للإنقاذ الداخلي تبدأ بمساهمي المصارف، وبفرض ضريبة على الثروة. البنك الدولي لا يستبعد أن تؤدي هذه السياسات إلى دوامة من التضخّم، أو ما يسمى «التضخّم المفرط»
يقول البنك الدولي في نشرة «مرصد الاقتصاد اللبناني» إن «التعديل الجاري» في القطاع المالي يعتبر تنازلياً إلى حدّ بعيد لأنه يركّز على المودعين الأصغر، وعلى اليد العاملة المحلية، وعلى المؤسسات الأصغر حجماً. المقصود بـ«التعديل الجاري»، هو التصحيح الذي ينتج من الأزمة والسياسات التي اعتُمدت لمواجهتها. هذه السياسات كانت نقدية (يتفرّد مصرف لبنان برسم هذه السياسات وتنفيذها) وأدّت إلى النتيجة الآتية: «يُعتبر تحويل الودائع بالدولار الأميركي، إلى الليرة اللبنانية، والاقتطاع من الودائع بالدولار، أمراً واقعاً رغم الالتزام الرسمي من جانب المصارف التجارية ومصرف لبنان بحماية الودائع». أما الأعباء الناتجة عن هذه الإجراءات فكانت من نصيب «المودعين الصغار الذين يفتقرون إلى أي مصدر آخر للمدّخرات»، ووقعت هذه الأعباء أيضاً على عاتق «اليد العاملة المحلية التي تتقاضى أجورها بالليرة اللبنانية»، وكذلك على عاتق «المؤسسات الأصغر حجماً».
هكذا صدرت نشرة البنك الدولي الدورية بعنوان «الركود المتعمد». هو الركود الذي أنتجته سياسات مصرف لبنان النقدية التي نفذت على مدى الأشهر الاثني عشر الماضية. ولم يكتف البنك الدولي بإلقاء اللوم على مصرف لبنان، بل خصّص ملحقاً كاملاً في النشرة الدورية، لتعداد وتحديد إجراءات مصرف لبنان منذ تشرين الأول الماضي. فقد تبيّن أن هناك 22 تعميماً، منها 10 تعاميم صنّفها البنك الدولي تحت عنوان السياسات النقدية وسعر الصرف، واثنان في إطار التنظيم المصرفي، والباقي في إطار الدعم الاقتصادي والاجتماعي (وخصوصاً بعد انفجار المرفأ).
كيف حصل هذا الأمر؟ الرواية التي يقدّمها البنك الدولي في نشرته الدورية، هي الرواية نفسها التي تردّدت مراراً وتكراراً على مدى الأشهر الماضية، وخصوصاً عن إفلاس سعر الصرف عمداً وتعدّد أسواقه، وإصدار النقود لتذويب الودائع، ونفخ التضخّم… لكن البنك الدولي يعيد تقديم هذه الرواية في إطار متخصص وتقني ومدعّم بالأدلة والبراهين.
رواية البنك الدولي تبدأ مع إقرار الحكومة خطّة للتعافي المالي. لاقت هذه الخطّة معارضة واسعة من مصرف لبنان والقطاع المصرفي، وقد استقال عدد من الأعضاء الأساسيين في الفريق الذي وضعها بعد خلاف على تحديد حجم الخسائر. وهذا الخلاف يعدّ حيوياً من أجل إعادة هيكلة الدين، نظراً إلى حجم الدين العام الكبير المحمول من مصرف لبنان والمصارف. هذه الأخيرة، كما يقول البنك الدولي، تدافع عن آليات للاستحواذ على الأصول العامة مثل «احتياطيات الذهب، والعقارات المملوكة من الدولة، من أجل تغطية الخسائر في ميزانياتها. هذا الأمر هو بمثابة عملية إنقاذ من الخارج (bailout)، وهو أمر يتعارض مع مبادئ إعادة الهيكلة التي تحمي دافعي الضرائب. تشمل هذه المبادئ حلول الإنقاذ الداخلي (bail in) بالاستناد إلى هرمية الدائنين، بدءاً بمساهمي المصارف. كما يمكن الحكومة أن تفرض ضريبة على الثروة (على الاصول المالية والحقيقية) كأداة لإعادة هيكلة القطاع المالي بشكل تقدّمي».
بكلام آخر، يعتقد البنك الدولي أن لبنان غارق في ركود شاق وطويل المدى، نظراً إلى النقص في السياسات المطلوبة. «فالضغوط التي تواجه سعر الصرف ستواصل خنق عمليات التبادل والتمويل التجاري وسط اقتصاد مدولَر بشكل مرتفع، وستمنع تدفق رؤوس الأموال والسلع، وستضرب سلاسل الإمداد بكاملها». ويشير إلى أنه في ظل غياب قانون للقيود على رؤوس الأموال («كابيتال كونترول»)، فإن الهوّة بين المصارف، وبينها وبين زبائنها من جهة والزبائن في المصرف الواحد أيضاً، ستزداد وستغذّي ردود الفعل العنيفة. «الدافع الاساسي لتطبيق قيود غير نظامية على حركة السحب والتحويل يعود إلى النقص في الشفافية والامتثال… فقد أتيح لعدد من الزبائن تحويل أموالهم إلى الخارج رغم وجود هذه القيود».
إذاً، ما هو السيناريو الذي ينتظر لبنان في ظل هذا الواقع؟
الإجابة التي يقدّمها البنك الدولي من دون تبنٍّ كامل لها، هي على شكل سيناريو يختصر السجال الحالي المتعلق بدعم السلع ومصير سعر الصرف واستعمال الودائع الاحتياطية بالدولار… فالمشكلة حالياً ليست في ذلك السجال غير المجدي حول خفض سقف الاحتياطيات بالعملات الأجنبية وكونها ودائع، بل هي تكمن في وجهة استعمال هذه الأموال. هذا الأمر الذي تطرّق إليه مراراً وتكراراً عدد من الاقتصاديين اللبنانيين، عن ضرورة معرفة حجم الأموال المتاحة للاستعمال لتحديد وجهتها في إدارة خطّة شاملة وعادلة للمعالجة، بات اليوم هو مطلب البنك الدولي. فالبنك يعتقد أن ذوبان الاحتياطيات بالعملات الاجنبية لدى مصرف لبنان بشكل ثابت ينطوي على مخاطر الدخول في دوامة الركود التضخمي. ما هي هذه الدوامة؟ «عندما يوقف مصرف لبنان دعم استيراد السلع الحيوية، وخصوصاً المحروقات، والأدوية، والسلع الغذائية الاساسية، فإن المستوردين سيبحثون عن الدولارات في السوق الموازية، ما يفاقم الضغوط التضخمية على مستويي الدفق والمخزون. أسعار السلع ستزداد، ما ينعكس مباشرة زيادة في الطلب على الدولار في السوق الموازية (السوق السوداء)، وهذا بدوره ينعكس على سعر الصرف، ما يغذّي التضخم أيضاً. وبذلك، سيزداد مخزون النقد المتداول، وسيضع مزيداً من الضغوط على سعر الصرف. كذلك ستنتقل الثروة من المودعين إلى الدائنين…». التعبير الأكثر دقّة لهذه الدوامة هو التضخم المفرط.
وسواء كان الأمر عبارة عن تضخّم مرتفع كالذي يحصل الآن بعد بلوغ التضخّم 120% في آب الماضي، أو تضخّم مفرط سيحصل لاحقاً، فإن المسبب هو واحد: سياسات مصرف لبنان النقدية. «فالسياسات النقدية تعكس الأزمة المالية والاقتصادية التي تتمحور حول ضغوطات سعر الصرف التي أطلقت تضخّماً من ثلاثة أرقام»، كما يقول البنك الدولي، لكنه يضيف تعريفاً عن التضخّم على النحو الآتي: التضخّم هو ضريبة تنازلية (عكس تصاعدية) تصيب الفقراء والمهمّشين وأصحاب المداخيل الثابتة مثل المتقاعدين.
في النتيجة، يتوقع البنك الدولي أن يزداد مستوى الفقر ليتجاوز عدد الفقراء نصف عدد سكان البلاد بحلول عام 2021. وسيؤثر الفقر على كل الفئات السكانية من خلال قنوات مختلفة، مثل فقدان العمالة الإنتاجية، والتراجع في القوّة الشرائية الفعلية، وتعليق الحوالات الدولية.
نهاية سعر الصرف الثابت: 3550 ليرة مقابل الدولار معدّل الـ 12 شهراً الماضية
انتهى نظام «سعر الصرف الثابت» ليحلّ محلّه «سعر الصرف المتعدّد». حتى الآن، هذه هي الحصيلة الحقيقية في السوق. بحسب البنك الدولي، فإن معدل الأشهر الاثني عشر الماضية بلغ 3550 ليرة مقابل الدولار. هذه النتيجة مستخرجة من فرضية مبنية على معادلة تقنية ــــ رياضية، بالاستناد إلى أوزان الاستهلاك وحجم تبادلات السلع والخدمات بالأسعار المختلفة.
حالياً، يعتقد البنك الدولي أن هناك ثلاثة أسعار لليرة مقابل الدولار:
ــــ سعر الصرف السابق الذي يشتهر بأنه السعر الرسمي عند متوسط 1507.5 ليرات وسطياً، وعلى أساسه هناك مجموعة من التبادلات التجارية التي تنفذ في السوق.
ــــ سعر صرف المنصّة التي خلقها مصرف لبنان لتسديد الودائع بالليرة واستيراد سلّة من السلع الغذائية.
ــــ السوق الموازية التي يصفها البنك الدولي بأنها «السوق السوداء».
هذه الحال من التعدّدية في أسعار الصرف استمرّت طوال الأشهر الاثني عشر الماضية، ما يثير سؤالاً أساسياً: ما هو المعدل الذي يجب اعتماده لقياس المؤشرات، في ظل غياب حادّ للإحصاءات والبيانات المتعلقة بحجم التبادلات النقدية بالعملات المختلفة؟
الإجابة التي يقدّمها البنك الدولي مختلفة عن تلك التي اعتمدها صندوق النقد الدولي. الأخير أصدر مؤشرات عن حجم الناتج المحلي تختلف جذرياً عن تلك التي أصدرها البنك الدولي أمس. الصندوق قدّر أن يتقلص الناتج المحلي إلى 18٫7% وأن يكون النمو السلبي 25%، ثم أظهرت طريقة الاحتساب أن سعر الصرف المحتسب يبلغ 6000 ليرة مقابل الدولار. في المقابل، يقدّر البنك الدولي أن يبلغ الناتج المحلي الإجمالي في نهاية 2020 نحو 32٫1 مليار دولار، وأن يكون النموّ سلبياً بنسبة 25% وأن يكون معدل سعر الصرف 3550 ليرة.
حسابات البنك الدولي لم تعتمد على مقارنة حجم الكتل النقدية في السوق وحجم العمليات التي تتم بالعملة المحلية والأجنبية، بل اعتمد طريقة ثانية مبنية على كون لبنان بلداً مستهلكاً بدرجة كبيرة، وبالتالي تحتسب أوزان الاستهلاك وسعر الصرف المعتمد لكل منها وحجم العمليات لكل منها. وقد عمد البنك إلى تجزئة أوزان السلع والخدمات التي استخدمت في هذه الحسابات على الشكل الآتي:
ــــ سلع مستوردة تمثّل 85% من مجمل استهلاك السلع، وتتوزع على ثلاثة أنواع: السلع الأساسية بالنسبة إلى المستهلك وهي مدعومة من مصرف لبنان على السعر الرسمي للدولار 1507.5 ليرات، فيدعم 85% منها، والسلع الأقل حيوية المدعومة على سعر صرف 3900 ليرة للدولار، والسلع العادية التي تحتسب على سعر صرف السوق الموازية.
ــــ سلع منتجة محلياً احتسبت على أساس سعر الصرف الرسمي (1507.5 ليرات للدولار). تقدّر قيمة هذه السلع من الاستهلاك العام للبضائع بنسبة 15%.
ــــ خدمات مستوردة تقدّر كلفتها بنسبة 40% من مجمل الإنفاق على الخدمات، وتحتسب على أساس سعر السوق الموازية.
ــــ خدمات محليّة للإنتاج تقدّر كلفتها بنسبة 60% من الإنفاق على الخدمات عامةً ومحتسبةً على سعر الصرف الرسمي.
بنتيجة المعادلة الرياضية، تبيّن أن معدل سعر الصرف يبلغ 3550 ليرة مقابل الدولار. لكن هناك فرضيتان ستحكمان هذا التطور للسنة المقبلة. ففي حال ارتفاع سعر الصرف في السوق الموازية إلى 10٫000 ليرة قد يصبح معدل سعر الصرف 5303 ليرات في نهاية كانون الأول 2021، وإذا ارتفع سعر الصرف إلى 15٫000 ليرة مقابل الدولار في السوق الموازية، سيصبح معدل سعر الصرف 6465 في نهاية كانون الأول 2021.
يبقى التذكير أن هذه الأرقام عبارة عن فرضيات ومعادلات رياضية تتغير نتيجتها بتغيّر العناصر التي يتم إدخالها ضمن المعادلة أو الفرضية، ولا يمكن الجزم بأنها ستتحوّل إلى حقيقة أو أنها نتائج حتمية، بل هي عبارة عن تقديرات في إطار سيناريوات لقراءة أوضاع متباينة مستقبلاً.
دعم السلع الحيوية: مجلس النواب يُغطي اليوم قرار «المجلس المركزي»
غداً السفيرة الأميركية تهدّد بالانهيار الشامل!
وصل سوء الاحوال في لبنان إلى الذروة. هجوم أميركي شرس، إلى حد التهديد بالانهيار الشامل، على لسان السفيرة دوروثي شيا. في موازاته، طبقة حاكمة عاجزة عن إدارة الازمة الداخلية، ومتواطئة إلى حد تهديد قدرة سكان لبنان على شراء السلع الحيوية، عبر بدء إجراءات إلغاء الدعم
لم تعد السفيرة الأميركية في بيروت، دوروثي شيا، تخفي توجهات بلادها في الشهرين الأخيرين من ولاية دونالد ترامب. باتت تقول بوضوح إنها ترى ان لبنان محكوم بتحالف من «المافيا والميليشيا»، وإن كل القوى السياسية، حتى تلك «الصديقة» للولايات المتحدة الاميركية، متعايشة مع هيمنة حزب الله، ولا بد من سقوط تلك القوى ليسقط حزب الله. وتضيف أن أي مساعدات لن تأتي من الخارج من دون حدوث تغيير جذري. وعندما يقول بعض من يلتقون السفيرة لها إن ما تقوله يعني سقوط لبنان نحو هوّة الانهيار الشامل، ترد بأن «كلفة التعايش مع حزب الله اكبر من كلفة أي خيار آخر، وليست مسؤوليتنا إنقاذكم إن لم تُنقذوا انفسكم». بعض زوار السفارة يناقشون شيا بأن الضرر الذي سيلحق بحزب الله نتيجة الانهيار الشامل لن يتجاوز نسبة 10 في المئة من الضرر الذي سيلحق بالآخرين، لأن «الحزب أكثر قدرة على إدارة مناطقه» ويستطيع استيراد الادوية والنفط من سوريا وإيران. لكن شيا تعتبر أن هذا الكلام مبالغ فيه.
كلام السفيرة يعبّر عن رأي إدارة راحلة قريباً. لكن احداً لا يستطيع ضمان تغيير جوهري في توجهات الإدارة المقبلة. ومن الإشارات السلبية أيضاً، تلك الآتية من باريس. فصحيح أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لا يزال متمسكاً بمبادرته تجاه لبنان إلى حد إصراره على الحضور إلى بيروت قبل نهاية العام الجاري، إلا أن المؤتمر الذي سينظمه تحت عنوان دعم لبنان، على مستوى رئاسي، سيكون مخصصاً حصراً «لتثبيت المساعدات التي أعلِن عنها بعد انفجار المرفأ»، ولن يتضمّن أي إعلان عن مساعدات جديدة، بحسب ما تشير مصادر دبلوماسية متابعة.
هذه الاجواء الدولية «القاتمة»، تقابلها أجواء داخلية أشد قتامة، نتيحة عجز الطبقة الحاكمة عن إدارة الانهيار، وصولاً إلى دخول مرحلة إلغاء الدعم عن السلع الحيوية.
عادة ما يهتز وضع البلد الاقتصادي، أي بلد، تدريجيا وعلى مراحل ربما تمتد لسنوات. الا أن الانهيار اللبناني الشامل دخل سريعا مرحلته الأخيرة في غضون بضعة أشهر. فبعد حجب الدولة كل الخدمات المرتبطة بالاقتصاد وبالحاجات اليومية للمواطن، كان الدعم بمثابة القشة التي يتمسك بها أكثر من نصف الشعب اللبناني للاستمرار بالعيش، برغم الوضع المالي الهش وفقدان الودائع وهبوط قيمة الليرة. لكن من الواضح أن الدعم بصيغته القديمة انتهى أو على وشك الانتهاء، لتبدأ مرحلة جديدة تبشر بفوضى اجتماعية شاملة. يجري الحديث عن رفع الدعم مقابل بطاقات اجتماعية تغطي نحو 600 ألف عائلة لبنانية، تُستعمل لشراء المواد المدعومة. وقُدّرت الكلفة الإجمالية لهذا المشروع بنحو مليار و300 مليون دولار في السنة، الا أن خلافا وقع حول هوية الممول له، الدولة أم مصرف لبنان. فحاكم البنك المركزي رياض سلامة يريد رفع هذا «الهمّ» عن كاهله معتبرا أن مسؤوليته تقع على عاتق الحكومة. وقد بشر اللبنانيين مساء أمس، خلال مقابلته على قناة «العربية – الحدث» أن بامكانه «الابقاء على الدعم لمدة شهرين فقط»، معوّلاً على «ما ستخرج به جلسة اللجان النيابية التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم»، أكان ذلك عبر اقتراح «بطاقة اجتماعية أو تأمين موارد أخرى»، كما قال. ولأن سلامة يعتقد أن الأموال المودعة في مصرف لبنان بمثابة خزنته الخاصة، شكا رمي كل التمويل من كهرباء الى ماء الى بنزين وقمح وغيره على المصرف سائلا: «هل فقط هناك مصرف لبنان، سؤال ينبغي طرحه على المسؤولين بالبلد». كلام الحاكم يتقاطع مع ما أبلغه لرئيس الجمهورية ميشال عون عن قدرته على التصرف بنحو مليار ونصف مليار دولار فقط، وبعدها ينفض يديه من الأزمة التي أوجدها بنفسه. وهو في هذا السياق متفائل بزيادة المصارف لرساميلها مع بداية العام الجديد طبقا للتعاميم التي سبق له اصدارها في آب الماضي والتي منحت المصارف مهلة 6 أشهر لزيادة رساميلها.
مؤتمر الدعم في باريس سيكتفي بـ«إحصاء» المساعدات المعلنة بعد انفجار المرفأ
وسط ذلك كله، جرى تأجيل اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان الذي كان مقررا اليوم للبحث في آليات الدعم خلال الفترة المقبلة، ومن المرجح أن يكون السبب انتظار ما ستؤول اليه جلسة اللجان النيابية المشتركة اليوم لنيل الغطاء اللازم قبل اتخاذ أي قرار مصيري. على أن آراء نائبي الحاكم سليم شاهين وبشير يقظان تؤيد إلغاء الدعم وتحرير سعر صرف الليرة بذريعة ان «السوق ستصحح نفسها بنفسها لاحقاً؟»! اما زميلهما في نيابة الحاكم ألكسندر موراديان فلا رأي له ليقدمه، فيما يؤثر النائب الاول وسيم منصوري الابقاء على موقفه ضبابيا مع انحياز لصالح رفع الدعم وسحب فتيل القنبلة من المصرف لرميها عند الحكومة على اعتبار أن هذه المسألة ليست من مسؤولية البنك المركزي أصلا. علما أن قانون النقد والتسليف حدد للمصرف دورا واضحاً في ادارة التضخم وحماية النقد والاقتصاد. غير أن ما يجري حاليا لا يعدو كونه مخططاً احتيالياً جديداً لحماية أموال كبار المودعين على حساب كل الناس، ويجري تغليفه بمظهر «انساني» يتعلق بعدم امكانية التصرف بالاحتياطي الالزامي الذي يتكون من أموال المودعين، في حين تمّ تبديد أكثر من 100 مليار دولار من هذه الأموال من دون أن يرف جفن للحاكم أو أي مسؤول. يتذرّع مؤيدو رفع الدعم بأموال المودعين، من دون ان يكترثوا لمعيشة أكثر من 50 في المئة من السكان المصنفين فقراء، بشهادة دولية، عبر رفع الدعم عن الدواء والقمح والمحروقات من دون توفير أي بديل جدّي وعادل لهم. فحتى الساعة، كل حديث عن بطاقة اجتماعية لا يصرف في بلد عجز عن تحديد العائلات الأكثر فقرا غداة الاغلاق الأول لجائحة «كورونا».
وما استرسال البعض في شرح آلية غربلة المحتاجين عبر هيئة إدارة السير (النافعة) للكشف عن عدد السيارات المستعملة في كل منزل وثمن كل منها سوى مجرد طروحات عبثية لا تستند الى أي مسوّغ علمي. وهنا، يفترض طرح سؤال رئيسي عما حال دون مناقشة هذه الأفكار والمشاريع منذ أشهر مع بداية الحديث عن رفع الدعم، ولماذا جرى الاستخفاف بملف يتعلق بحياة الناس وقدرتهم على العيش وتأمين المستلزمات الضرورية لأسرهم؟ فتم ترحيل النقاش الى حين الدخول في حال الطوارئ ليطبخ الحل سريعا بالطريقة التي يريدها هؤلاء والتي تتناسب ومصالح مصرف لبنان والمصارف والسياسيين ومن يمثلون الـ1% في البلد؟ ولماذا جرى هدر ملايين الدولارات على سلة غذائية كان الهدف الظاهري منها تخفيف الفاتورة الشرائية على المواطن، فانتهت بخدمة التجار والمحتكرين؟
ما سبق يقود الى طرح علامات استفهام كثيرة حول دور بري في ما يحصل واصراره على زجّ المجلس النيابي في ما يفترض أن يكون من مهام الحكومة، الا اذا كان القصد من اجتماع اللجان فرض مشروع قانون لدعم الطبقات الفقيرة والمتوسطة. أما اذا لم تأت الجلسة بتشريعات تخدم الصالح العام، فإنها تسعى باطنيا الى تغطية قرار سلامة برفع الدعم أو ما تروّج له الكتل النيابية بـ«ترشيد الدعم»، لكن من دون خطة واضحة. وليس أداء بري طوال الفترة الماضية منفصلا عن مسار التوأمة مع سلامة بدءا باسقاط خطة التعافي المالي الحكومية مرورا باسقاط قانون الكابيتال كونترول وصولا الى توسيع دائرة التدقيق الجنائي للاطاحة به.
شيا تعتبر ان غالبية القوى السياسية متعايشة مع «هيمنة حزب الله»
في هذا السياق، أتت رسالة وزير المال غازي وزني الى سلامة أمس، لتؤكد المسعى الرئيسي بدفن التدقيق عبر ابتداع شروط ظاهرها «اصلاحي» وباطنها لا يخدم الا فساد سلامة والتغطية على هدر أموال المودعين والناس. فقد تمنى وزني «تنفيذ قرار مجلس النواب، وإخضاع جميع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي وذلك وفقا للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، ومع حفظ حقوق الدولة لأي جهة كانت». ولم يأت الأخير على ذكر الحسابات المتبادلة بين مصرف لبنان والمصارف، حاصرا المشكلة بحسابات الدولة التي أنجزت في عهد الوزير علي حسن خليل والموجودة في ديوان المحاسبة، أي أنها لا تحتاج الى التدقيق فيها ولا الى قانون خاص لتسليمها، بخلاف امارة سلامة التي يتعذر الدخول الى دهاليزها.
سعر الدواء سيتضاعف خمس مرات!
«رايحين عفوضى اجتماعية عارمة، وبدايتها رح تكون من القطاع الصحي»، يقول رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي. لن يكون الأمر قبل انهيار المؤسسات الضامنة، بما فيها مؤسسات الجيش وقوى الأمن. هذه المؤسسات تصرف سنوياً نحو 500 مليار ليرة على الدواء. في حال رفع الدعم، سيتضاعف الرقم 5 مرات ليلامس 2500 مليار ليرة. سينسحب الأمر على سعر الدواء الذي سيصبح ثمنه أغلى بخمسة أضعاف، ما سيضع حياة عشرات الآلاف على المحك وخصوصاً من يعانون من أمراض مستعصية وضغط وسكري وقلب. من جهة أخرى، يشدد عراجي على ضرورة «ترشيد الدعم» بمعنى تخفيض عدد الأدوية المدعومة والتي لا يخدم إبقاؤها على لائحة الدعم سوى التجار. ثمة خطة سريعة برفع الدعم عن الأدوية «البراند» التي يمكن الاستعاضة عنها بأدوية «جينيريك»، وهنا يصبح شراء «البراند» بالسعر الأعلى خيار المستهلك. يفترض بتلك الخطة أن تترافق مع منع تهريب الدواء. إلا أن عراجي متشائم ويبشر بكارثة كبيرة ستفجر البلد. فالاجتماعات مع اللجنة الوزارية منذ أشهر غير مجدية وتسعى إلى حماية أرباح التجار وكأن شيئاً لم يتغيّر.
سلامة يغسل يديه من حجز الاموال في البنوك: الودائع في المصارف… ولم نُقرِض الدولة بالدولار!
لم يكن رياض سلامة يوماً بالضعف الذي بدا عليه في مقابلته مع قناة «العربية – الحدث» السعودية أمس. خرج عن هدوئه اكثر من مرة، وهو المعروف ببرودته. ولا مجال للمقارنة بين مقابلات اجراها معه المقدّم نفسه، بسام أبو زيد، على قناة «أل بي سي آي»، وتلك التي اجراها معه امس. في السابق، كان سلامة «ملك الشاشة»، واحياناً يبدو «مالكها». اما يوم امس، فبدا ضعيفاً في موقف دفاعي محرَج. أهمية مقابلة أمس ليست في الشكل وحسب، بل في المضمون في المقام الاول.
للمرة الاولى، يعلن سلامة بالفم الملآن ان الودائع في المصارف اللبنانية لن تُرد إلى أصحابها بالدولار. الرجل الذي رعى على مدى 26 عاماً دولرة الودائع والاقتصاد، قرر أمس التشبّه «بكل دول العالم، حيث لا يسحب المودعون من المصارف اموالاً بعملة غير العملة الوطنية». بهذه العبارة، يمنح سلامة المصارف حق عدم منح المودعين اموالهم بالعملة التي اودعوها بها، وبهذه العبارة أيضاً، ينفّذ سلامة «قصاً للشعر» على الودائع، بقيمة مجهولة. فهو لم يحدد وفقاً لأي سعر صرف ستُرد الودائع إلى أصحابها. وفي تلاعب واضح بالأرقام والكلمات، أكّد أن اكثر 30 مليار دولار سُحبت من المصارف، وان 20 مليار دولار منها استخدمت لإطفاء ديون. عملياً، هذه الودائع لم تُسحب، بل جرى استخدام أرقامها لشطب قروض مستحقة للمصارف، في عمليات جرى جزء منها عبر تجارة الشيكات المصرفية التي صارت تُباع بنحو 36 في المئة من قيمتها الإسمية.
مرة جديدة، رمى سلامة كرة الودائع المحجوزة في ملعب المصارف. قال بوضوح: «الودائع موجودة لدى المصارف والدليل أن أي مصرف لم يُفلس. اعطينا المصارف الدولارات التي تريدها، إضافة إلى 13 مليار دولار». وغسل يديه من إجراءات المصارف بالقول إن «مصرف لبنان لا يديرها بل يضع السياسات فقط» هو إذاً يقول إن مصرف لبنان يعطي المصارف كل ما تريده من دولارات، لكنه لم يوضح ما إذا كان يقصد انه يرد لها ودائعها حين استحقاقها، او انه رد لها كامل المبالغ التي كانت اودعتها في «المركزي» (وهو أمر مستحيل)، والتي بلغت، بحسب بعض التقديرات، نحو 70 مليار دولار، مضافاً إليها 13 مليار دولار، ولم يترك لديه سوى «الاحتياطي الالزامي». كذلك فإنه لم يحدد ما إذا كان قد رد لها الدولارات بصورة وهمية (أرقام على الشاشة)، ام أنها دولارات حقيقية، وهو أمر مستحيل أيضاً.
وفي الوقت عينه، دافع سلامة عن عدم منح المودعين اموالهم بالليرة، قائلاً إن كل دول العالم تضع سقوفاً للسحوبات.
واللافت في كلام سلامة انه «عيّر» المصارف بما كانت ترتكبه برعايته وبعلمه، إذ لفت إلى انها موّلت في 3 سنوات الاستيراد بأكثر من 60 مليار دولار، وبعد بيع البضائع المستوردة في السوق بالليرة اللبنانية، اشترت المصارف دولارات بها من مصرف لبنان، ثم اعادت إيداعها لدى مصرف لبنان.
نسف سلامة التدقيق الجنائي: كشف حسابات المصارف بحاجة إلى تعديل قانوني
كذلك نسف سلامة في مقابلته الرواية التي لطالما روّج لها حزب المصرف، لجهة أن الودائع ضاعت لان المصارف أقرضت جزءاً منها للدولة، وأودعت جزءاً آخر في مصرف لبنان الذي أقرض الدولة بدوره. فقد اكّد سلامة ان مصرف لبنان لم يقرض الدولة بالدولار، بل بالليرة اللبنانية التي يمكنه طبعها.
وفيما أكّد سلامة، كغيره من أركان الطبقة الحاكمة، قبوله بالتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، أكّد انه سيسلم حسابات الدولة إلى وزارة المالية، لكنه نسف التدقيق الجنائي في اللحظة عينها عبر تأكيده ان كشف حسابات المصارف لدى مصرف لبنان امام أي جهة بحاجة إلى تعديل قانوني.
ودافع سلامة عن نفسه، مستغرباً عدم محاسبة سياسيين و«استسهال الهجوم على حاكم مصرف لبنان لأنني مستقل وغير متحزّب»!
اللواء
مؤتمر المساعدات نحو «صندوق إنساني».. وسلامة يمدّد الدعم حتى شباط
شيا تطالب برّي بمسافة مع حزب الله.. والبنك الدولي يدين المنظومة الحاكمة
اشارتان ايجابيتان من شأنهما ان تبلسما هموم اللبنانيين وجراحاتهم، في الشهر الاخير من عام الازمات والانهيارات:
1 – انعقاد مؤتمر باريس للمساعدات الانسانية للشعب اللبناني.
2 – اعلان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة امكانية المصرف على توفير الدعم للسلع الحيوية حتى مطلع شباط المقبل، خلافا للاجواء التي سادت من ان اجراءات قاسية ستتخذ فيما خص بداية وقف الدعم التدريجي عن السلع الحيوية.
واشارت مصادر لبنانية مطلعة لـ «اللواء» ان ما يمكن ان يخرج من المؤتمر هو انشاء «صندوق لمساعدة لبنان» في مجالات الدعم للشعب اللبناني، وليس الدعم المالي، الذي ينتظر تشكيل «حكومة مهمة» منسجمة مع ما جاء في المبادرة الفرنسية.
وتوقعت هذه المصادر ان تتضمن كلمة ماكرون رسائل هادفة، وذات مؤشرات حول كيفية تعاطي المجتمع الدولي مع الاوضاع في لبنان في ضوء ترنح عملية تأليف الحكومة الجديدة.
لقاء غير مريح
وفي هذا الاطار، كشفت مصادر سياسية على إطلاع لـ «اللواء» ان لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع السفيرة الاميركية في لبنان دورثي شيا قبل يومين، لم يكن مريحا، اذ طالبت السفيرة شيا الرئيس بري ان يكون على مسافة ما من «حزب الله».
وعكست المصادر اجواء مفادها ان الادارة الاميركمية ماضية في فرض العقوبات على شخصيات لبنانية داعية الى تنفيذ افضل للقرار 1701 من الناحية اللبنانية، ملمحة الى ان واشنطن لن ترضى بأي حكومة يتمثل فيها وزراء من «حزب الله».
وفي سياق متصل، رحبت وزارة الخارجية الاميركية باعلان حكومة لاتفيا انها تعتبر حزب الله في مجمله منظمة ارهابية ودعمها تنفيذ الولايات المتحدة للعقوبات المتعلقة بحزب الله، موضحة ان لاتفيا ابدت استعدادها لفرض حظر سفر وطني على الافراد المرتبطين بحزب الله.
مؤتمر المساعدات
ويعقد في باريس، مؤتمر المساعدات الانسانية للبنان، بتقنية «الفيديو» بمشاركة رؤساء ورؤساء حكومات ما يقرب من35 دولة، بهدف جمع المساعدات اليومية، من دواء وغذاء وربما مساعدات للجيش اللبناني، خارج مساهمة الحكومة اللبنانية وليس عبر طريقها..
وحسب بيان لقصر الاليزيه، فإن الرئيس ايمانويل ماكرون سيترأس المؤتمر، مع الامين العام للامم المتحدة أنطونيو غوتريش، والهدف من المؤتمر، حسب بيان الاليزيه، تقييم المساعدات التي قدمها المجتمع الدولي، وطرق توزيعها منذ مؤتمر 9 آب الماضي، من اجل تقييم الاحتياجات الجديدة والعمل على تلبيتها في سياق الازمة في لبنان.
وابقى ماكرون عقد المؤتمر الجديد على الرغم من عدم ايفاء الطبقة السياسية اللبنانية بتعهداتها تشكيل حكومة جديدة من اختصاصيين مستقلين من اجل اطلاق اصلاحات هيكلية يطالب بها المجتمع الدولي مقابل دعم طويل الامد للبنان.
وخلال الاشهر الاخيرة، ازدنان التي وصفها البنك الدولي بـ«الكساد المتعمد» في تقرير نشر امس منددا بـ«غياب التوافق السياسي حول الاولويات الوطنية» الذي «يعوق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات انمائية متبصرة طويلة الاجل».
ورجح البنك الدولي تراجع معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بشكل حاد الى -19،2 في المئة عام 2020، بعد انكماشه بنسبة -6.7 في المئة عام 2019، وقال ان انهيار العملة ادى الى «معدلات تضخم تجاوزت حد المئة في المئة».
وبالاضافة الى تراجع غير مسبوق لقيمة العملة اللبنانية والتضخم، لا تزال القوى السياسية جراء الانقسامات والخلاف على الحصص عاجزة عن تشكيل حكومة بعد ثلاثة اشهر من استقالة رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب، رغم الضغوط الدولية التي تقودها فرنسا.
وقال البنك الدولي في تقرير المرصد الاقتصادي للبنان ان الفقر سيواصل التفاقم على الارجح، ليصبح اكثر من نصف السكان فقراء بحلول 2021، فيما من المتوقع ان تبلغ نسبة الدين الى الناتج المحلي الاجمالي 194 بالمئة ارتفاعا من 171 بالمئة في نهاية 2019.
واشار البنك في بيان صحفي الى انه «بعد عام من تفجر الازمة الاقتصادية الحادة في لبنان، ادى الغياب المتعمد لاجراءات فعالة على صعيد السياسات من جانب السلطات الى تعريض الاقتصاد لركود شاق وطويل». وقال: «يعاني لبنان من استنزاف خطير للموارد، لا سيما رأس المال البشري، فيما اصبح نزيف العقول خيار اليائسين على نحو متزايد».
وألقى البنك الدولي باللائمة على الطبقة الحاكمة، «فالسلطات اختلفت فيما بينها بشأن تقييم الازمة وتشخيصها وحلولها»، موضحا ان «النتيجة كانت سلسلة من تدابير السياسات غير المنسقة، وغير الشاملة، وغير الكافية، والتي فاقمت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية». بما يشبه الادانة المباشرة للسياسات المتبعة، بما في ذلك الفساد وسوء الادارة..
وعشية انعقاد مؤتمر باريس، اجتمع الرئيس عون مع سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان السفير رالف طراف، ونائبة المنسق الخاص للامم المتحدة في لبنان نجاة رشدي، والمدير الاقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جها، الذين اطلعوا رئيس الجمهورية على «اطار الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار للبنان»، الذي اعدته الجهات الثلاث والتي قدرت تكلفته بمليارين و500 مليون دولار. ولفت السفير طراف الى ان هذا الاطار يشكّل خطة عمل وضعت في ضوء التقرير الاول الذي قدم في آب الماضي تحت عنوان «تقييم الاضرار والحاجات السريعة» بعد انفجار المرفأ والاضرار التي نتجت عنه.
واشار الى ان الاطار يجيب عن ثلاثة اسئلة اساسية هي: آلية التنسيق والتشاور، الاصلاحات واولوياتها، التمويل. وقال ان الاطار يهدف خصوصاً العائلات الاكثر تضرراً وفقراً.
كما تحدثت رشدي عن أبرز عناوين العمل، معتبرة ان مؤتمر باريس سيكون بداية لوضع اطار العمل موضع التنفيذ لتفادي وقوع اي ازمة انسانية في لبنان، مشيرة الى اهمية تفاعل المجتمع الدولي مع لبنان ومساعدته انسانيًا لاسيما حفظ حق الناس في الصحة والتربية والسكن والرعاية الاجتماعية.
اما السيد كومار جها، فعرض لمساعدة البنك الدولي في «إطار الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار» التي تشمل مرفأ بيروت ومحيطه والمواقع الاثرية والتراثية، وقال ان الاطار يفترض استحداث صندوق جديد لتسهيل تمويل لبنان لتحقيق الاصلاح والانماء، متوقعًا إطلاقه اليوم في مؤتمر باريس. ولفت الى العمل مع الهيئات الرسمية والمجتمع المدني والجهات المانحة لتلبية الحاجات الضرورية للبنانيين المستهدفين في خطة العمل. ويلحظ الاطار تقديم دعم لخمسة آلاف مؤسسة صغيرة، قائلاً ان كل دولار سوف ينفق من الصندوق سوف يخضع لمراقبة مستقلة حول جهة استعماله.
ورحّب الرئيس عون بإنشاء صندوق مالي لإعادة اعمار ما تضرر بعد انفجار المرفأ ومساعدة المتضررين، محدداً الاولوية لإصلاح المساكن والمدارس والمستشفيات وتوفير الخدمات الضرورية للمجتمع.
فضلاً عن اللقاءات مع الجهات الدولية المعنية، نقل عن الرئيس عون سلسلة مواقف، قالها امام ضباط متقاعدين «من مجموعة الميثاق العسكري»، وسط تساؤلات في اوساط «رابطة قدامى القوات المسلحة»، التي هي كيان رسمي، يجمع المتقاعدين في مختلف الاسلاك غير المدنية عن عدم استقبال بعبدا لها، مع العلم ان «تجمع المتقاعدين» يعلن عنه لأول مرة.
واعتبر الرئيس عون أن «الازمة الاقتصادية اشتدت نتيجة الحرب في سوريا وتداعيات العدد الكبير من النازحين السوريين، فضلا عن تداعيات كورونا، وانفجار مرفأ بيروت وأضراره».
لكن الرئيس لاحظ اننا «استطعنا كدولة ان نحافظ على «الاستقرار الامني» ملمحاً إلى امكان «تجاوز الظروف الصعبة التي يعيشها لبنان».
الاهم ما نقل عن لسان الرئيس لجهة تشديده على انجاز اقرار التدقيق المالي الجنائي في مجلس النواب، واهميته في استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان.
يشار الى ان الرئيس عون تلقى برقية تهنئة بالاستقلال الـ77 من كل من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الامير محمد بن سلمان.
وفي اطار محلي مالي متصل، كان الوضع المالي موضع بحث امس بين وزير المال غازي وزني وممثل الامين العام للامم المتحدة يان كوبيش، لا سيما لجهة تحضير موازنة العام 2021. حيث دعا كوبيش الى ان تكون «موازنة أكثر واقعية نظراً إلى التطورات الشائكة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً في البلاد. نأمل أن تركّز بشكل خاص على الاحتياجات والحماية الاجتماعية للمواطنين».
الى ذلك، أرسل وزني امس، كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول موضوع إخضاع جميع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي. ونصّ الكتاب على ما يلي: عطفاً على قرار مجلس النواب المتخذ في جلسته المنعقدة في 27/11/2020، إثر مناقشة رسالة رئيس الجمهورية إليه بشأن التدقيق الجنائي، والذي نصّ على أن «تخضع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة، بالتوازي، للتدقيق الجنائي دون أي عائق او تذرع بسرية مصرفية او خلافها». بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، وعطفاً على اجتماعاتنا ومشاوراتنا السابقة ذات الصلة، نتمنى عليكم تنفيذ قرار مجلس النواب، وإخضاع جميع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي وذلك وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، ومع حفظ حقوق الدولة لأي جهة كانت».
وفي الاطار المالي، ارجأ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة جلسة المجلس المركزي التي كانت مقررة اليوم للبحث في مسألة الدعم الذي يوفره المصرف للسلع الرئيسية الحيوية مثل الدواء والقمح والمحروقات، الى غد الخميس،بانتظار ما سيسفر عنه اجتماع اللجان النيابية المشتركة اليوم، في ما خص رفع الدعم او استمراره وكيف مستفيدا من حيثيات التوجه النيابي سلباً او ايجاباً.
واعرب سلامة عن امله في «وضع قانون يقر سياسة جديدة لها علاقة بسعر صرف الليرة والاعتماد على عناصر السوق منعا للمضاربة».
واكد سلامة: نحن مع التدقيق الجنائي، وسلمنا حساباتنا، وسنلتزم بتسليم حسابات الدولة لوزارة المالية تمهيدا للتدقيق الجنائي.
وكشف سلامة عن «امكانية بالبقاء على الدعم لمدة شهرين».
وفي اول موقف من نوعه رد سلامة على الاتهامات الموجهة اليه: اقوم بواجبي في خدمة اللبنانيين، والاتهامات الموجهة لي غير صحيحة، ولست جزءاً من الفساد، وانا مستقل وغير متحزب.
واكد سلامة لـ «العربية- الحدث» أن ودائع اللبنانيين موجودة في المصارف، وليس في البنك المركزي، والدليل ان لا مصرف اعلن افلاسه.
وقال سلامة: العجز بموازنة الدولة لايخص مصرف لبنان، وهو يموّل الدولة اذا افتقرت للتمويل وفقا للقانون.
جنبلاط غاضب
حكوميا، وفيما الانظار تتجه الى اللقاء المرتقب بين الرئيس عون وسعد الحريري، والمرجح غداً، او قبل نهاية الاسبوع، اوضح رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، رداً على سؤال عن التواصل بينه وبين الرئيس الحريري، أن لا تواصل بيننا، مستطرداً: «والله انا حكيتو وأريد التحفظ هنا عما قلت له وما سمعته منه». وقال: يبدو انهم يعملون على خلق عقدة درزية وهي غير موجودة. لكن اذا كان الإتجاه وفق هذه الطريقة، فمن الأفضل ان نتعاطى مع الحكومة المقبلة كما فعلنا مع حكومة حسان دياب».
وفي المواقف كذلك، سجل تكتل «لبنان القوي» في بيان اثر اجتماعه الدوري إلكترونيا، برئاسة النائب جبران باسيل، «التباطؤ المتمادي والتأخير غير المبرر في عملية تأليف الحكومة»، مكررا تخوفه من «ربط التأليف بأمور خارجية لا يجوز التذرع بها اساسا لشل البلاد».
وشدد على أنه «لا يزال ينتظر معرفة الأسس التي سيتفق عليها رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة، فيحدد بناء عليها موقفه من دعم الحكومة أو عدمه».
موظفو مستشفى صيدا بلا رواتب!
وفي سياق المطالب المزمنة، وتقاعس المسؤولين عن تلبيتها، وبعد مرور اربعة اشهر من دون قبض رواتبهم، أطلق موظفو مستشفى صيدا الحكومي صرخة الى المعنيين «وزير الصحة ووزير المال والنواب» مطالبين اياهم برفع الظلم اللاحق بهم جراء تأخير صرف الرواتب.
وفي بيان صادر عنهم اشار موظفو مستشفى صيدا الحكومي انهم «لم يقبضوا رواتبهم منذ اربعة اشهر بالاضافة الى الوضع المأساوي الذي يعيشونه كمواطنين في هذا البلد نتيجة ازمة الدولار وفيروس كورونا.. بينما المفترض ان الذي يتحمل عبء فيروس كورونا في صيدا والجوار ويتحمل الاخطار يجب ان يقبض رواتبه دون تأخير، لكن نسينا اننا نعيش في دولة لا تكترث لجيشها الابيض سوى بالبيانات والمؤتمرات التي لا تصرف بأي مصرف» .
129414
صحياً، اعلنت وزارة الصحة عن تسجيل 1511 اصابة جديدة، و15 حالة وفاة، ليرتفع العدد التراكمي الى 129414 اصابة.
البناء
مؤتمر باريس للمساعدات الإنسانيّة: توقعات بتأمين 500 مليون دولار من مليارين
اللجان المشتركة اليوم والمجلس المركزيّ غداً لترشيد الدعم والبداية المحروقات
سلامة: الدعم مستمرّ لشهرين… وسنسلّم وثائق التدقيق حول حسابات الدولة لا المصارف
كتب المحرّر السياسيّ
لا حكومة، أمر بات مسلَّماً به، بالنسبة لكل متابعي المسار الحكومي، حتى لو ظهر الرئيس المكلف سعد الحريري حاملاً ملفاً يتضمن مسودة حكومية في قصر بعبدا، للقاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. وكورونا لا يزال يتوسّع والقلق من المزيد مع زحمة الأعياد والتسوّق في موسمها، والإجراءات الحكوميّة التي كان الإقفال آخرها لم تظهر نتائج تذكر. واللبنانيون يتصرفون على قاعدة أن ما باليد حيلة في هذين الملفين، بانتظار اللقاح الموعود من الخارج في كل منهما، ومعهما ملف ترسيم الحدود الذي يبدو ان عليه الانتظار أيضاً حتى تتبلور صورة الوضع الدولي الجديد مع تسلم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مقاليد الحكم وانطلاق التفاوض الروسي الأميركي الذي سيكون من محاوره مستقبل الغاز في البحر المتوسط، ونزاع الأنابيب لنقله الى أوروبا.
في ظل هذا التأقلم مع الانتظار، عيون اللبنانيين شاخصة الى باريس التي تشهد انعقاد مؤتمر الدعم المخصص للمساعدات الإنسانية، بدعوة من الرئيس الفرنسي امانويل ماكرون ومشاركة الأمين العام للأمم المتحدة نيكولاس غوتيريس، والمؤتمر هو بديل للمؤتمر الذي تم تأجيله مرتين تحت عنوان النهوض بالاقتصاد ومعالجة الأزمة المالية الذي ينتظر الحكومة الجديدة وخطتها الإصلاحية وانطلاق مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، وفقاً للمبادرة الفرنسية، بينما مؤتمر اليوم هو تتمة لمؤتمر سابق خاص بالمساعدات الإنسانية للمتضررين من تفجير مرفأ بيروت، ولو أن المؤتمر وضع على جدول أعماله إعادة إعمار ما تهدم في تفجير المرفأ وجرى تقدير المبالغ المطلوبة بملياري دولار، فإن مصادر على صلة بالتحضيرات الخاصة بالمؤتمر توقعت أن يؤمن المسعى الفرنسي مبلغ خمسمئة مليون دولار تضخ في الاقتصاد اللبناني عبر منصة تشرف عليها فرنسا تشترك فيها جمعيات ومؤسسات مثل بلدية بيروت والصليب الأحمر والدفاع المدني، وتخضع أعمالها لتدقيق مالي ومحاسبي من قبل مكاتب فرنسيّة.
الاهتمام الشعبي ينصبّ على معرفة ما سيلحق بدعم المستوردات الذي يتولاه مصرف لبنان. وعلى هذا الصعيد تنعقد اللجان النيابية المشتركة اليوم وينعقد المجلس المركزي لمصرف لبنان غداً للبحث في سبل توفير العملات الصعبة لمواصلة دعم ما هو الأشد ضرورية، خصوصاً تخفيض الاحتياط الإلزامي للمصارف من 15% الى 12%، فيما كان حاكم مصرف لبنان يعلن أن الدعم سيستمر لشهرين، ما لم تتأمن موارد جديدة، كاشفاً عن نيته تسليم الوثائق المطلوبة للتدقيق المالي الجنائي في حسابات الدولة ومؤسساتها، رابطاً تسليم ما يتصل بحسابات المصارف بقانون يرفع السرية المصرفية.
على صعيد ملف الدعم قالت مصادر مالية إن أول ما سيطاله التوقف هو دعم المحروقات، حيث يتوقع زيادة ساعات تقنين الكهرباء بنتيجة تراجع كميات الفيول المستورد، وزيادة سعر تنكة البنزين الى 50 الف ليرة كمرحلة أولى ربما تصل الى 100 الف لاحقاً، لأن القضية الأهم هنا، برأي المصادر ليست سعر شراء الدولار من مصرف لبنان لتغطية مستلزمات الاستيراد، بل توقف مصرف لبنان عن تأمين دولارات الاستيراد، وبالتالي توجه المستوردين الى السوق طلباً للدولار وبالتالي تشكيل قوة ضغط في السوق ستؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار بطريقة تخرج عن السيطرة، وبنسب يصعب توقعها.
خيارات بديلة عن رفع الدعم
وفيما بقي الملف الحكومي في دائرة الجمود والتعقيد بانتظار صيغة حكومية يقدمها الرئيس المكلف سعد الحريري الى رئيس الجمهورية خلال زيارته المرتبة الى بعبدا، تقدّمت إلى واجهة الاهتمام الرسمي والشعبي الملفات المالية والاقتصادية وسط تحذيرات من انحدار الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي إلى الأسوأ نتيجة عجز مصرف لبنان عن الاستمرار بسياسة الدعم للمواد الأولية والسلع الغذائية، ما سيفرض على المصرف المركزي والدولة البحث عن حلول لحماية ما تبقى من احتياطات نقدية بالعملة الأجنبية أطول مدة معينة، خصوصاً في حال طال أمد ولادة الحكومة الجديدة وفي الوقت نفسه عدم تحميل المواطنين عبئاً إضافياً.
وأشار خبير اقتصاديّ لـ«البناء» إلى أن «موضوع رفع الدعم موضوع زاد تعقيداً وحساسية، لأن المسؤولين وضعوا المواطن في وضع لا يُحسد عليه وبات علينا الاختيار بين السيئ والأسوأ، وأي من الخيارات سينعكس سلباً على المواطن وقدرته الشرائية». وأضاف: «هناك إجراءات مرحلية ترشيدية مؤقتة يمكن اتخاذها لتخفيف حدة الأزمة، ومنها تجزئة الدعم انطلاقاً من القاعدة التي ينطلق منها الاقتصاديون وهي مرونة الطلب على سلعة ما بالنسبة الى سعرها، فالدواء مثلاً لا يتأثر الطلب عليه إن ارتفع سعره لأنه سلعة أساسية وضرورية للمواطن لا يمكن الاستغناء، في المقابل يمكن تخفيض استهلاك مشتقات الطحين باستثناء الخبز، وكذلك الأمر يمكن تقنين المحروقات رغم أن الدولة لم تبنِ نظاماً للنقل العام كي تفرض على المواطنين تخفيض تنقلاتهم واستخدام النقل المشترك، لكن لكون لبنان في وضع وظروف استثنائية وحرجة من الممكن تقنين استهلاك المحروقات». وأوضح الخبير أن «الدواء رغم أنه خط أحمر لكن يمكن اتخاذ إجراءات لتقنين استيراد الأدوية لا سيما التي لا تستخدم لعلاج الأمراض المزمنة والمستعصية والتي يوجد بديل عنها في السوق المحلي، علماً أن أغلب الأدوية لها ما يوازيها في السوق المحلية، وبالتالي يجب تخفيض أو ترشيد الدعم في قطاع الأدوية الى حد كبير». ولكن هذا لا يكفي بحسب الخبير فيجب تحويل المرحلة الصعبة الى فرصة لتطوير الصناعات المحلية لا سيما صناعة الأدوية المحلية واستيراد السلع الوسيطة التي تحتاج اليها صناعة الأدوية، وبالتالي الوصول الى تغطية حاجة البلد من الأدوية بعد ثلاث سنوات»، وتحدث الخبير عن 4000 دواء مرخص في لبنان بينما هناك دول عدد سكانها 300 مليون نسمة تعتمد على لائحة منظمة الصحة العالمية التي تتراوح بين 400 و600 دواء فقط».
ولفت الخبير إلى «أن هذه الحلول مؤقتة في ظل الظروف الصعبة، أما الحل الجذري فهو إقرار الإصلاحات الأساسية التي لم تقر منذ سنوات، والسير وفق رؤية اقتصادية وتحديد الثقب الأسود وتوزيع الخسائر وإقرار قوانين التحويلات إلى الخارج والتدقيق الجنائي بكل المؤسسات العامة وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وإصلاح النظام الضريبي لكن كل ذلك يحتاج الى حكومة فاعلة وقرار سياسي حاسم».
وأطلق رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي صرخة حذّر فيها من أن «الأمن الغذائي في خطر في حال استمرّ العمل بتدبير مصرف لبنان والمصارف القاضي بخفض السحوبات بالليرة من المصارف لا سيما بالنسبة للشركات المستوردة لهذه المواد»، مؤكداً أن دراسة أجرتها النقابة أظهرت ان استيراد المواد الغذائية سينخفض في وقت قريب الى النصف جراء هذا التدبير المجحف.
وتعقد اللجان النيابية المشتركة جلسة اليوم لبحث موضوع «الدعم» في ضوء تآكل احتياطي «المركزي».
ومن المتوقع أن يعقد المجلس المركزي لمصرف لبنان اجتماعاً خلال اليومين المقبلين لدراسة الخيارات المتاحة. وعلمت «البناء» أن القرار حسم لجهة اتخاذ قرار نهائي بموضوع رفع الدعم قبل نهاية العام، وذلك لأن سياسة الدعم لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل، وهذا الأمر محط إجماع الحكومة ومصرف لبنان والمجلس النيابي، لكن الخلاف الحاصل هو حول آليات رفع الدعم بشكل لا تؤذي الطبقات الفقيرة والمتوسطة.
وأكد تكتل لبنان القوي خلال اجتماعه الدوري الكترونياً برئاسة رئيس التكتل النائب جبران باسيل أنه «مع سياسة دعم الأفراد وليس السلع، ومع الدعم الموجّه وليس الدعم المعمّم. وهذا موقفه الثابت منذ أن طالب عام 2010 برفع تعرفة الكهرباء عوضاً عن تكبد الخزينة مليارات الدولارات كتكلفة لسياسة دعم سلعة الكهرباء. والمفارقة ان بعض المسؤولين عن هذه السياسة عاب على التكتل مطلبه وراح يسميه فساداً». ودعا الى «توفير دعم تمويلي مباشر للأفراد والعائلات المستحقة ومساعدتهم مادياً لتأمين الغذاء بما فيه القمح والدواء والمحروقات كمواد أساسية، والكفّ عن دعم الميسورين وغير المحتاجين لا بل المنتفعين. ويعتبر أنه هذا هو الهدر بحد ذاته».
تقرير البنك الدولي حول لبنان
وأكد البنك الدولي أن لبنان يعاني من ركود شاق وطويل. وقال في تقرير المرصد الاقتصادي للبنان إن «الفقر سيواصل التفاقم على الأرجح، ليصبح أكثر من نصف السكان فقراء بحلول 2021، فيما من المتوقع أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 194 بالمئة ارتفاعاً من 171 بالمئة في نهاية 2019».
وأشار في بيان الى أن «بعد عام من تفجر الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان، أدى الغياب المتعمد لإجراءات فعالة على صعيد السياسات من جانب السلطات إلى تعريض الاقتصاد لركود شاق وطويل».
وبعد انخفاض ملحوظ إلى ما دون الـ8000 ليرة، عاد سعر صرف الدولار في السوق السوداء للارتفاع وسجل مساء أمس 8000 ليرة للشراء، مقابل 8100 ليرة للمبيع. وكان تراوح دولار السوق السوداء صباحاً ما بين 7700 ليرة للشراء و7800 ليرة للمبيع.
سلامة: سنستمرّ بالدعم لشهرين
وفي أول تصريح له بعد عودته من فرنسا كشف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ان المصرف المركزي بإمكانه الاستمرار بسياسة الدعم لمدة شهرين فقط. وأشار إلى أن الاتهامات الموجهة له غير صحيحة. وأضاف: «لست جزءاً من الفساد فأنا مستقل وغير متحزّب».
وأعلن سلامة في حديثٍ تلفزيوني أن «ودائع اللبنانيين موجودة في المصارف وليس في «البنك المركزي»، والدليل أن لا مصرف أعلن إفلاسه». وأوضح أن «المصارف اللبنانية لديها إدارتها للمخاطر ونحن نضع السياسات فقط».
ولفت إلى أن «شهرياً هناك ما لا يقل عن 600 مليون دولار يتم سحبها تلبية لحاجات اللبنانيين»، وأردف أن «كل دول العالم تضع حداً للسحوبات النقدية».
وكشف سلامة أن «حتى آخر أيلول 2020، أرجع مصرف لبنان كل الدولارات للمصارف»، وقال إن «المصرف المركزي يموّل الدولة إذا افتقرت للتمويل وفقاً للقانون»، وأشار إلى أن «العجز بموازنة الدولة لا يخص مصرف لبنان».
وتابع: «مليار ومئة مليون خرجت من لبنان وليست هي سبب الأزمة، ونحن مع التدقيق الجنائي وسلمنا حساباتنا».
مؤتمر دعم لبنان
ويُعقد اليوم «المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني» في بيروت بواسطة تقنية الفيديو، بدعوة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي سيرأس الاجتماع مع الأمين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس، على أن يلقي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كلمة تتناول الأوضاع الاقتصادية الراهنة والصعوبات التي تواجه اللبنانيين في هذه المرحلة لا سيما بعد الانفجار في مرفأ بيروت وتداعيات جائحة «كورونا».
عون
واطلع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من سفير الاتحاد الاوروبي في لبنان رالف طراف ونائبة المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان نجاة رشدي والمدير الاقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه، على «اطار الاصلاح والتعافي واعادة الاعمار للبنان»، الذي اعدته الجهات الثلاث والتي قدرت تكلفته بمليارين و500 مليون دولار.
ولفت عون الى «أن لبنان يعول كثيراً على المؤتمر الدولي الثاني الذي دعا اليه الرئيس ماكرون والأمين العام انطونيو غوتيريس، لا سيما أن اعمال المؤتمر ترتكز على التقرير الذي صدر عن البنك الدولي والاتحاد الاوروبي والأمم المتحدة لتقييم الخسائر والحاجات».
وأبلغ رئيس الجمهورية المجتمعين «ان الرسالة التي وجهها الى مجلس النواب ودعا فيها النواب الى اتخاذ موقف واضح بشأن التدقيق الجنائي لقيت تأييد المجلس الذي أصدر قراراً بإخضاع حسابات مصرف لبنان والوزارات والمصالح المستقلة والمجالس والصناديق والمؤسسات العامة بالتوازي للتدقيق الجنائي من دون أي عائق او تذرع بسرية مصرفية». واعتبر «ان هذا التدقيق سيمكن من معرفة كل دولار انفق او سينفق في لبنان ما يحقق صدقية الدولة تجاه المجتمع الدولي ولا سيما الدول المانحة».
كتاب وزني الى مصرف لبنان
وفي تطوّر لافت، وبعد توصية المجلس النيابي، أرسل وزير المال في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني كتاباً إلى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول موضوع إخضاع جميع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي. ومما جاء فيه: «بعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء، وعطفاً على اجتماعاتنا ومشاوراتنا السابقة ذات الصلة، نتمنى عليكم تنفيذ قرار مجلس النواب، وإخضاع جميع حسابات الإدارات العامة للتدقيق المحاسبي الجنائي وذلك وفقاً للقوانين والأنظمة المرعية الإجراء، ومع حفظ حقوق الدولة لأي جهة كانت».
الحكومة
في غضون ذلك، لم يسجل الملف الحكومي أي جديد، وسط تساؤلات حول تأخير الرئيس المكلف زيارته الى بعبدا بعد تسريبات متتالية مصدرها بيت الوسط أكدت حصول الزيارة خلال ساعات. فيما أكدت مصادر «البناء» ان الحريري تريث بانتظار المشاورات الفرنسية – الاميركية من جهة ونتيجة التواصل الفرنسي مع الجهات اللبنانية، منها الرئيس عون وحزب الله.
واكدت اوساط نيابية مطلعة في تيار المستقبل للبناء ان الحريري «أبلغ الكتلة انه بصدد زيارة بعبدا حاملاً في جعبته مسودة لتشكيلة حكومية مطلع الأسبوع الحالي لكن لم يعرف المستجدات التي دفعته للتأخير»، ولفتت الى ان «الرئيس المكلف يجري مشاوراته بتكتم شديد، كي لا تحترق الطبخة». وفي ردها على تكتل لبنان القوي لفتت الاوساط الى ان الحريري «لا يراهن على متغيرات دولية ولا يعول على التغيير في الادارة الاميركية ولا على انتقال الرئاسة الاميركية من ترامب الى بايدن لا سيما أن الاستراتيجيات والسياسات ثابتة بمعزل عن توجّه الرئيس».
ونفت الاوساط الاتهامات للرئيس الحريري بأنه يسعى الى تهميش احد الاطراف او اقصاء التيار الوطني الحر او رئيس الجمهورية، مشدداً على ان الحريري مصرّ على احترامه صلاحية وموقع رئيس الجمهورية وأصر منذ البداية على ان يشكل الحكومة بالتعاون والتنسيق والتشاور مع رئيس الجمهورية، ولفتت الى ان «معايير اختيار الوزراء هي الكفاءة ونظافة الكف والاستقلالية».
وفي المقابل انتقد تكتل لبنان القوي «التباطؤ المتمادي والتأخير غير المبرر في عملية تأليف الحكومة»، وكرّر تخوّفه من ربط التأليف بأمور خارجية لا يجوز التذرّع بها أساساً لشل البلاد.
وشدّد التكتل على أنه لا يزال ينتظر معرفة الأسس التي سيتفق عليها رئيس الجمهورية مع رئيس الحكومة المكلف لتشكيل الحكومة، فيحدّد بناءً عليها موقفه من دعم الحكومة أو عدمه. كما رفض التكتل «أي محاولة أصبحت واقعاً لتجاوز الأحكام الدستورية والقفز فوق صلاحيات رئيس الجمهورية الذي هو وفق الدستور شريك كامل في عملية التأليف».
وفيما يصل الوسيط الاميركي في ملف ترسيم الحدود السفير جون دو روشيه الى بيروت اليوم، في الموعد الذي كان مقرراً لاستكمال الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة على أن يجول على المسؤولين اللبنانيين، يزور لبنان خلال الأيام القليلة المقبلة وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني جايمس كليفرلي.
الراعي: نرفض استقالة الرئيس
وبرز موقف للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أعلن فيه رفضه الدعوات التي تطالب باستقالة رئيس الجمهورية، مشيراً الى ان «الرئيس لا يعامل بهذا الأسلوب بل وفق الأصول الدستورية».
وأكد الراعي خلال استقباله وفداً من طلاب الجامعة اليسوعية رفضه لأن يكون لبنان ورقة مساومة امام اي حل اقليمي او دولي داعياً الى الاسراع في تشكيل الحكومة من دون أي شروط. وأعلن ان مشكلتنا في لبنان اننا نخالف الدستور والميثاق عند كل استحقاق. وأكد ان الفيدرالية او التقسيم حلّ غير وارد على الإطلاق داعياً الى ضرورة تطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة.
خطف سفينة على متنها لبنانيون
على صعيد آخر، تعرضت سفينة على متنها عدد من الأشخاص من بينهم ثلاثة لبنانيين الى عملية خطف في سواحل نيجيريا.
وكشف مالك السفينة المختطفة بالقرب من السواحل النيجيرية، اللبناني عدنان الكوت، أن «مصريين إثنين و3 مواطنين لبنانيين من بين المختطفين». ونقلت صحيفة «اليوم السابع» عن مالك السفينة أنه «كان هناك 10 أفراد على متن السفينة»، مشيراً إلى أن «القراصنة اختطفوا السفينة عند سواحل نيجيريا خلال رحلتها إلى الكاميرون».
وأكّد الكوت، أنه قام بتأجير السفينة إلى أحد الأشخاص ويدعى تافو لورانس، وأوضح أنها «كانت ترفع علم سانت كيتس، دولة تقع في الكاريبي، وكانت تقوم بنقل بضائع من نيجيريا إلى الكاميرون».
وأفادت مصادر اعلامية أن صاحب شركة النفط الذي استأجر الباخرة هو من يقوم بالتفاوض مع خاطفي السفينة، واللبنانيين الثلاثة هم القبطان بلال ريداني وحسام حيدر ومصطفى عجاج.
ولفت سفير لبنان في نيجيريا حسام دياب في حديث تلفزيوني أنه تم اختطاف السفينة لدى دخولها الى المياه الاقليمية النيجيرية متجهة الى الكاميرون وعلى متنها 10 اشخاص بينهم 3 لبنانيين مخطوفين.
المصدر: صحف