أدى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب صلاة الجمعة في مقر المجلس، والقى خطبة قال فيها: “قال تعالى في كتابه العزيز “والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين امنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”، ان اي نشاط بشري في الحياة لا يمكن ان يكون ذا مغزى اذا لم يكن له هدف يسعى الانسان نحو تحقيقه، وهذا الهدف لا بد ان يكون له قيمة واهمية تدفع الانسان نحوه، هذه الاهمية تحتاج الى معايير، وباي معيار نقول ان هذا مهم وغير مهم، ان من يسعى لنشاط تجاري لا بد ان يكون لهذا النشاط هدف، وهذا الهدف يحتاج الى دافع للسعي نحوه، وهو ما نعبر عنه بالاهمية، وهكذا فان من يطلب العلم يحتاج الى ما يدفعه لخوض هذا الجهد، ومثل من يسعى للشهادة يبذل الروح. وهكذا فان اي جهد انساني لا بد ان يكون له هدف واهمية وقيمة تدفع الانسان الى التضحية وبذل الجهد وتحمل العواقب”.
اضاف: “من هذه المقدمة يمكن لنا ان نعود الى الاية المباركة التي تحمل عنوان سورة العصر، والتي ابتدأت بالقسم بالعصر الذي هو عبارة عن الزمن والوقت، والله تعالى يقسم هنا بالعصر، وقسمه بالعصر يعني ان لهذا الوقت قيمة كبيرة واهمية قصوى، يريد سبحانه ان يبينه لنا ويظهره علينا، لان الزمن عبارة عن الحياة وعن الوجود، وانه من دون اعطاء الاهمية له يعني انه ليس لدينا قيمة لاي شيء في هذه الحياة ، فكل شيء يأخذ حيزا من هذا الوجود وبالتالي يستقي اهميته منه. لذلك فان الزمن اساس القيم في الحياة، والاستخفاف به يعني استخفافا بهذا الاساس، وهو يعني الخسارة والنهاية، ومن هنا ربطه الله تعالى به بعد ذلك، فربط به معيار الفوز والنجاح، ان الذين لا يعطون الزمن هذه القيمة والاهمية، يقسم تعالى انهم خاسرون. اما كيف نتجاوز هذه الخسارة التي هي اعظم خسارة يمكن ان يتصورها انسان، فيحددها الله تعالى خالق هذا الانسان وهذا الكون، يقول تعالى: “والعصر ان الانسان لفي خسر الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”.
وتابع: “يحدد سبحانه الطريقة في أمور اربعة، أولها بالايمان الذي يعني ادراك نعمة الزمن وهذا الوجود والاعتراف بعظمة الله تعالى وانه مصدر وعلة هذا الوجود وهذا الزمن، واستغلال هذا الزمن بالعمل الصالح وتكون حياة منتجة وذات منفعة، والثالث التواصي بالحق فلا يمكن للانسان أن يحقق هذه النتيجة بعمل فردي الا بالتواصي بالحق. ولا بد من التعاون مع الاخرين والسير على هذا الهدي. وبيان الحق أولا ودعوتهم الى التمسك به ثانيا. الرابع بالتواصي بالصبر، في اشارة منه تعالى الى أن السير على هذا الطريق ومداومة هذا النهج تواجهه مصاعب يحتاج الانسان معها الى السلاح، هذه المسيرة المليئة بالمتاعب تحتاج الى التضحيات كما تحتاج الى البصيرة والوعي، والسلاح الامضى في هذه المواجهة هو سلاح الصبر”.
واعلن ان “شروط النجاح هي شروط متراتبة تبدأ بالايمان الذي يعني المعرفة ثم الاعتقاد، يتلوها العمل الصالح الذي تقتضيه هذه المعرفة وهذا الاعتقاد. وهذا يحتاج تحقيقه الى عوامل النجاح التي حددها في أمرين، الأول التواصي بالحق والثاني التواصي بالصبر، لا يكفي الايمان وحده كما لا يكفي لتحقيق هذا الفوز والفلاح أن يحقق ذلك في نفسه فلا بد من دعوة الاخرين وارشادهم الى الصواب وبيان الحق لهم والتعاون في ذلك، وكذلك يحتاج الى التواصي بالصبر والتواصي بالحق تشارك من الجميع في ذلك وعمل وتعاون، مصداقا لقوله تعالى: “وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان”، فكلما اتسعت دائرة التعاون يكون العمل اكثر فعالية وجدوى ويحقق جزيل الثواب من الله تعالى”.
واضاف: قال تعالى “من كان يريد العزة فلله العزة جميعا، اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه”. فالغاية للانسان المؤمن هي الحصول على الحصانة وعلى الرفعة والمنعة وأن يكون عزيزا محصنا من السقوط والفشل والخسران، لذلك عليه ان يعود الى اتخاذ هذه المعايير وكل ما يمكن أن يتصور الأنسان أن فيه عزته وحصانته من دون الله تعالى، فقد أخطأ الطريق وجانب الصواب، وانما الذي يرفع الانسان ويجعل لعمله قيمة هو هذا الطريق دون غيره. انما يكون له قيمة حقيقية هو العمل الذي يرتبط بالله تعالى وما يتقبله الله تعالى هو ما قاله الرسول أن صلاح العمل يكون صلاحه بالنية،”انما الاعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى”. فصلاح القصد هو الذي يجعلنا قريبين من الله تعالى، ولكل امرئ كما قال رسول الله صلاح الاعمال بصلاح النية. وبمقدار ما يرتبط عمل الانسان برضى الله تعالى، فانه يحقق الاجر العظيم والثواب الكبير، وحينما يكون الناس بحاجة الى العون من مال ولقمة عيش ودواء فان الواجب ان نبادر الى العمل الصالح في مد يد العون. وهنا يتجسد الايمان ويقترن بالعمل الصالح، فليس عقلك وقوتك وثرواتك هي عنوان ومصدر الغنى، فان كل ذلك يزول وينتهي، فهذا التفكير القاصر ان الغنى منهم وليس من الله، والله هو الغني الحميد”.
واكد الخطيب “ان المطلوب ممن يمتلكون امكانات ان يستفيدوا من فرص الله ونعمه التي فتحها الله ليسيروا في طريق الخير والفوز والفلاح فيبادروا الى البذل والعطاء والتحسس بالاخوة الانسانية من خلال الايثار وتقديم المال ومد يد عون دون ان نخشى الفقر، فالله يضاعف العطاء لاصحابه كما قال تعالى:” مثل الذين ينفقون اموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل، في كل سنبلة مائة حبة، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم”.
وقال: “لقد اخطأنا الطريق، ووقعنا نحن كلبنانيين في الخسران لاننا افتقدنا شروط النجاح، فلم نستثمر الوقت وعنصر الزمن في العمل الصالح ولم نتواص بالحق في ما بيننا، ولكن انطلق كل منا من أنانياته وطائفياته التي تشكل عنصر الشر في حياتنا الوطنية، ومع كل الخسائر التي يعترف الجميع بها لانه لم يعد بامكانهم اخفاء هذه الحقيقة، ومع كل ذلك يحاول البعض ان يبرىء نفسه ويحمل الاخرين هذه النتائج وان يستمر في طريق الخطأ، فيقلب الامور ويستمر في نفس الاداء والسير على نفس الخطأ. نحن ندعو جميع الاطراف الى تدارك الامور والعمل سريعا على تأليف الحكومة لوقف الانهيار، الذي ان استمر التعاطي مع الوضع على هذه الوتيرة فاننا سنفتقد الوطن، وسيتبين اننا غير جديرين به”.
ورأى “ان بعض القوى السياسية المتشبثة بمواقفها ومطالبها وبهذا النظام الطائفي يأخذ البلد الى الهاوية، ونحن اصبحنا في منزلق هذه الهاوية، وعن اي شيء نتحدث؟ عن الغلاء الفاحش وعن الاحتكار لحبة الدواء للمرضى او عن لقمة العيش التي يحرم منها اللبنانيون بفعل عدم المسؤولية والاستهتار الذي اصبح سمة عامة وتجاوز بعض الذين يحملون مسؤوليات وزارية الى الكثير من المواطنين الذين اصبحوا مصدرا لانتقال العدوى لجائحة الكورونا، بسبب عدم التزامهم التعليمات الصحية”.
وقال: “لذلك، ندعو الى تأليف الحكومة بأقصى سرعة لاخراج البلاد من هذا النفق المظلم والالتفات الى شكوى المواطنين من تأمين الضروريات، الى الضرب على يد المحتكرين، الى تطبيق القوانين واحترام المسؤولين لتوقيعاتهم كما في موضوع تأمين الدولار الطالبي والاهتمام بأوجاع هؤلاء الناس الذي يشكل ابناؤهم مصدر ثروة للبلد، وعدم التعاطي مع الامور بهذا الشكل غير المقبول. فلا يجوز ان يعيش الطلاب اللبنانيين في الخارج القلق والخوف من ضياع عامهم الدراسي فيما يعيش اهلهم نفس القلق، مضافا اليه هم تأمين الاقساط، لذلك لا بد من تحسس معاناة الطلاب واهاليهم”.
المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام