خسرت السعودية منذ أيام معركة دخول مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، على ضوء رفض عضويتها من بعض الدول، بسبب سجلِّها السيء في هذا المجال، والإنتهاكات التي يتعرَّض لها النشطاء، سواء في الداخل عبر رميهم في المعتقلات، أم في ملاحقتها للمعارضين السعوديين في الخارج، عبر الدور الأمني المشبوه الذي تقوم به السفارات السعودية في العديد من الدول التي لجأ إليها سعوديون.
وفي هزيمتها للحصول على العضوية، جاء ترتيبها خامساً لمقاعد آسيا والمحيط الهادي، وحصلت على المقاعد الأربعة كلٌ من باكستان وأوزبكستان والنيبال والصين، مما يُعيد الى الأمم المتحدة بعضاً من الوعي الملموس بجدارة الوصول الى هكذا مجلس، خاصة أن السعودية فازت بالعضوية عام 2013، مما أثار استهجان وسخط العديد من الدول، التي اعتبرت أن فوز المملكة يومذاك كان بضغط مالي في محاولة منها لتبييض صفحتها السوداء لجهة اغتيال حقوق الإنسان على أراضيها.
فوز السعودية بالعضوية عام 2013، مهَّدت له المملكة بدفع المال المُباشر وغير المُباشر أيضاً، من خلال إنشاء “مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز الدولي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات”، الذي افتتح عام 2012 في العاصمة النمساوية فيينا، وكان هدفا متكرراً للإنتقادات في النمسا نظراً لسجل السعودية في مجال حقوق الإنسان.
وفي العام 2019، أعلنت الحكومة النمساوية أنها تعتزم إغلاق هذا المركز الذي تموله السعودية في فيينا، وأيد البرلمان النمساوي إجراءً يدعو فيينا إلى الإنسحاب من المعاهدة التي تأسس بموجبها المركز، وإلغاء اتفاق يسمح بوجوده في العاصمة، ويدعو الإجراء أيضا الحكومة ووزارة الخارجية لاستخدام كل الوسائل السياسية والدبلوماسية المتاحة، لمنع إعدام مرتجى قريريص وهو شاب في الثامنة عشرة من عمره، قالت جماعات حقوقية إنه يحاكم بتهم مرتبطة بالمشاركة في احتجاجات مناهضة للنظام السعودي، ولم يتسنَّ لمنظمات حقوقية نمساوية الوصول إلى المركز أو السفارة السعودية.
وإذا كان البطش السعودي بمعارضي عرش آل سعود، تعتبره هذه المملكة / المهلكة شأناً سيادياً داخلياً، سواء عبر رمي المعارضين في السجون، أو ملاحقتهم عبر السفارات السعودية، أو حتى تصفيتهم كما حصل للخاشقجي في سفارة بلاده باسطنبول، فإن أبرز قرار عرَّى المملكة من عباءة حقوق الإنسان الدولية، جاء على خلفية الجرائم التي ترتكبها في اليمن، ونصّ هذا القرار، على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما أنشأت “مجلس حقوق الإنسان”، بموجب القرار 251/60، أوردت ضمنه، أنه للجمعية العامة أن تقرر بأغلبيـة ثلثي الأعضاء الحاضـرين والمـشتركين في التـصويت، تعليــق حقــوق عــضوية المجلــس الــتي يتمتــع بها أي مــن أعــضائه إذا مـا ارتكــب انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان”.
وحيث أن المملكة السعودية قد ارتكبت انتهاكات جسيمة ومنهجية لحقوق الإنسان خلال فترة عضويتها في المجلس، ووظفت موقعها في المجلس لتحصين نفسها في وجه المساءلة عن انتهاكاتها في اليمن، هي التي تتزعم التحالف الذي يقاتل في اليمن، وتستضيف عاصمتها الرياض هيكل القيادة والسيطرة للتحالف، فهي منذ 26 مارس/آذار 2015، تقود هجمات التحالف التي خرقت فيها أحكام القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك هجمات جوية عشوائية وغير متناسبة قتلت وجرحت العديد من المدنيين، ودأبت وبصورة متكررة، على استعمال الذخائر العنقودية المحرمة دولياً، على المناطق المأهولة بالسكان المدنيين.
لقد ظلت الأمور، وعلى الرغم من الانتهاكات الموثقة جيداً التي ارتكبها التحالف بقيادة السعودية في اليمن، تسير دون مساءلة، فامتنعت السعودية عن إجراء تحقيقات ذات مصداقية ومحايدة وشفافة في جرائم الحرب المحتملة، ووظفت موقعها في “مجلس حقوق الإنسان”، بدعم من حلفائها، لمنع إنشاء تحقيق دولي مستقل، فضلاً عن ذلك، استخدمت المملكة أسلوب التهديد بسحب التمويل الذي تقدمه لبعض البرامج الهامة للأمم المتحدة لإجبار الأمين العام للأمم المتحدة على حذف اسم التحالف من “قائمة العار” لقتل الأطفال وقطع أطرافهم، وشن الهجمات على المدارس والمستشفيات في اليمن، مما استدعى قرار الجمعية العامة إلى تعليق حقوق المملكة السعودية في عضوية “مجلس حقوق الإنسان”.
وجاء القرار الأممي الواضح لإنصاف الشعب اليمني المظلوم كما الصفعة لهذه المملكة، عبر فريق الخبراء المعني باليمن التابع للأمم المتحدة، والذي أنشئ بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 2040 (2013)، حيث قام هذا الفريق عبر تقرير نُشِر على الملأ، في 26 يناير/كانون الثاني 2016، بتوثيق 119 طلعة جوية للتحالف مرتبطة بانتهاكات لقوانين الحرب.
وبناء على ما ورد من قرارات أمميَّة أقصت مملكة آل سعود عن مجلس حقوق الإنسان، يحق للشعوب المقهورة وللشعب اليمني على وجهٍ خاص، إعلان النصر المزدوج على المجرمين المكابرين، سواء عبر الإنتصارات التي تتحقق على أرض اليمن وصولاً الى الجنوب السعودي، أو عبر الإنتصارات الديبلوماسية التي أظهرت حقيقة مملكة السيف والمنشار أمام كل العالم…
المصدر: موقع المنار