ركزت افتتاحيات الصحف اللبنانية الصادرة في بيروت صباح اليوم الخميس 15 تشرين الاول 2020 ، على تأجيل الرئيس ميشال عون الاستشارات النيابية الملزمة الى الخميس القادم، وترقب موقف الرئيس الحريري، وانطلاق الجولة الاولى من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية برعاية الامم المتحدة في الناقورة، وتوضيح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة حول السحوبات بالليرة اللبنانية من المصارف اللبنانية…
الاخبار
تأجيل الاستشارات النيابية: الحريري على خطى مصطفى أديب؟
أُرجِئت الإستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المُكلّف تشكيل الحكومة لأسبوع كامِل، بعدما كانَ من المُقرر إجراؤها اليوم، وسطَ حظوظ بدَت شبه محسومة لصالح سعد الحريري. وجاءت «الأسباب الموجبة» للتأجيل إلى الخميس المُقبل، في بيان مقتضب صدر عن القصر الجمهوري مساء أمس قال انه حصل «بناء على طلب بعض الكتل النيابية ولبروز صعوبات تستوجب العمل على حلها». وبحسب المعلومات، فإن التأجيل أتى بسبب إصرار الحريري على الفوز بورقة تكليفه رئيساً للحكومة، وعدم تقديم أي ضمانات للكتل التي تريد تسميته، مكرراً في ذلك تجربة السفير مصطفى أديب.
وفيما أشيع امس ان فرصة الأسبوع التي وفّرها التأجيل سببها تصميم النائب جبران باسيل على أن يسبق التكليف لقاء أو اتصال بينه وبين الحريري للتفاوض حول تشكيل الحكومة، أكّد باسيل أن التأجيل لن يغيّر موقف تكتله، ما يعني التمسك برفض تسمية الحريري.
وبدا عشية الإستشارات أن معظم الكتل النيابية، باستثناء حزب «القوات» و«التيار الوطني الحر»، أبدَت ميلاً لتسمية الحريري الذي كفلَ في جيبه معاودة تكليفه بما لا يقلّ عن ستين صوتاً نيابياً. فإلى جانب كتلة «المستقبل»، أعلن رئيس حزب «المردة» سليمان فرنجية تأييد الحريري، كما كانت أصوات حركة أمل والطاشناق وكتلة «الوسط المستقل» ستصبّ لصالحه، وسطَ معلومات تحدّثت عن اتجاه «اللقاء التشاوري» الى تسميته أيضاً، فيما بقي موقف حزب الله غير معلن.
ولم يُخفِ رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، استياءه من التأجيل، إذ نقلت عنه قناة «ان بي ان» بأنه «ضد التأجيل ولو ليوم واحد». فيما لفتت مصادر في فريق 8 آذار الى أن حزب الله لا يمانع التاجيل، وربما يطلبه، لجهة عدم رضاه عن اداء الحريري الذي يكرر التجربة نفسها التي خاضها بالسفير مصطفى أديب، إذ لا يزال يرفض تقديم أي وعود او ضمانات بشأن تأليف الحكومة، مستنداً إلى زخم دولي، وخاصة فرنسي يدعمه. وتبيّن ان الوفد النيابي الذي أرسله الحريري للقاء الكتل النيابية، برئاسة عمته النائبة بهية الحريري، لم يخض جدياً في أي مشاورات، بل اكتفى بسؤال الكتل التي يلتقيها عما إذا كانت لا تزال تؤيد المبادرة الفرنسية.
وقبيل صدور بيان إرجاء الإستشارات سُجّلت إتصالات مكثفة، قامَ بجزء منها بحسب المعلومات الرئيس بري لتأكيد إجراء الإستشارات، فيما أعلنت مفوضية الإعلام في الحزب الإشتراكي، في بيان، أن رئيس الحزب وليد جنبلاط تلقى اتصالاً من الحريري. وبحسب المعلومات كانَ «اتصالاً إيجابياً» أفضى الى قرار جنبلاط بتعديل موقفه نحو تسمية الحريري. كما تلقى جنبلاط، بحسب البيان، اتصالاً من «مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باتريك دوريل، بهدف إنجاح المبادرة الفرنسية وتنفيذ الإصلاحات التي تضمنتها».
من جهة أخرى، واصلت كتلة «المستقبل» برئاسة النائبة بهية الحريري جولتها على الكتل النيابية، وزارت مقر تكتل «لبنان القوي»، حيث التقت أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان، فيما تغيّب باسيل عن اللقاء. ثم زار الوفد «اللقاء التشاوري»، كما التقى وفداً من كتلة «الوفاء للمقاومة». أما تكتل «الجمهورية القوية» فعقد اجتماعاً مطولاً تحدث بعده رئيس حزب «القوات» سمير جعجع، معلناً: «إننا لن نسمي لا الحريري ولا سواه، في استشارات الغد، لأن المواصفات لتشكيل حكومة إنقاذ فعلية غير موجودة في أي شخصية».
من جهة أخرى، التقى البطريرك الماروني بشارة الراعي مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر ترافقه السفيرة الأميركية في بيروت دوروثي شيا. وخلال اللقاء، عبّر شينكر عن «اهتمام خاص بطرح البطريرك الراعي حول حياد لبنان الناشط» واستمع منه إلى عرض مفصّل حوله. كما تطرّق إلى موضوع الحكومة الجديدة، مشدّداً على أنّ «ما يهمّ الولايات المتحدة هو تشكيل حكومة فاعلة شفّافة، تقدّم الخدمات الأساسية للشعب اللبناني، بغضّ النظر عن اسم رئيسها».
مفاوضات غير مباشرة… بلا صورة: أوّل خلاف «كبير» بين عون وحزب الله
إصرار رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون على ضمّ مدنيّين إلى الوفد اللبناني المفاوض في الناقورة، أصاب علاقته بحزب الله. هو أوّل خلاف حول قضيّة «استراتيجيّة» بينهما، منذ عام 2006. خلاف لن يضرب التحالف، لكنه شكّل محطّة مفصليّة في العلاقة بينهما
ذاتَ يوم، قبلَ أربعة عشرَ عاماً، قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إن «للجنرال دَيناً في رقابنا» سيُحفَظ إلى يوم القيامة. كانَ ذلك بعد عدوان تموز، حينَ وقفَ العالم كلّه ضدّ المقاومة، وقالَ عون «إنه زمن الحرب وسنقاتل». كثيراً ما أثار دعم الحزب لحليفه استغراب الأصدقاء والخصوم على حدّ سواء. كانَ رضى الجنرال فوق كل اعتبار، وأحياناً كثيرة على حساب رضى الأقربين. إنه الوفاء «لتفاهم» أرادته حارة حريك متيناً، رغمَ كل المفترقات الداخلية، والتي هي بالنسبة إلى الحزب تحتمِل الاختلاف. لكن يبدو صعباً على حزب الله أن يتفهّم «خلافاً» في موضوع استراتيجي كالعداء لإسرائيل. والأصعب منه أن يتقبّل ذلك، من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.
«إسرائيل» تخفض منسوب «الاحتفاء» بالمفاوضات: سنعطيها فرصة!
يحيى دبوق
لم تتغيّر علاقة الوئام التي جمعت عون ــــ نصر الله طوال السنوات الماضية. في عزّ الاختلافات أو الأزمات بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ لم تتزعزع العلاقة. دائماً ما كانت تنمو بينهما بذور حوار، حتى عندما كان يختار الوزير جبران باسيل التمايز في ملفات تكتيكية، كانت دفة السفينة سرعان ما تعود الى برّها، لأجل الجنرال أيضاً. حين ذهب الحزب الى سوريا، لم يطلب موقفاً داعماً. أيّده عون سرّاً، ثم جهاراً بالحديث عن «الحرب الاستباقية». ولعون حرية العلاقة مع سوريا التي لم يزرها رئيساً، رغم وعده بذلك، كما إيران أيضاً. وبالنسبة إلى الموقف من حرب اليمن، كلّها أمور لم تكُن لتجعل العلاقة بين الطرفين سيئة، ولم يكُن تخندق كل منهما في معسكره الخاص كافياً لهدم أركان «مار مخايل». لكن الأزمة هذه المرة مختلفة. هناك، بالنسبة إلى حزب الله قضايا لا يسري عليها قانون المراعاة، ولا الاختباء وراء الأصابع. قضايا لا تحتاج إلى من يُفسّر مدى أهميتها بالنسبة إلى المقاومة. لذا عزّ على حارة حريك أن يُصرّ رئيس الجمهورية على موقفه بشأن تركيبة الوفد المفاوض. فموضوع المفاوضات غير المباشرة بالنسبة إلى حزب الله، هو حدث مترابط استراتيجياً وزمنياً مع ما يحصل في المنطقة. لذا كان الحذر واجباً إلى أقصى حد، من أجل أن لا يُستغلّ أميركياً وإسرائيلياً. فالقضية على صلة وثيقة بعمل المقاومة التي تحفر بالإبرة لتثبيت المعادلات، وقد كلّفها ذلك دماءً وشهداء، وهي قضية تمسّ بذات المقاومة التي تتعرّض اليوم لأعتى أنواع الحصار والضغط والابتزاز. كان موقف ميشال عون مفاجئاً، رغم أنّ باسيل آخذ منذ فترة بتوسيع هامش تمايزه في ملفات عديدة: «المُبعدون إلى إسرائيل»، قانون العفو، الخطاب الأيديولوجي، الترويج لانسحاب حزب الله من سوريا. وترك باسيل لنواب في تكتّله هامشاً أكبر إلى حدّ تخيير بعضهم الحزبَ بين المقاومة والجوع، كما فعل النائب زياد أسود. لكنّ أحداً لم يتوقّع أن يصرّ عون على عدم حصر الوفد المفاوض بضباط الجيش اللبناني، بعدما أغرق العدوّ وفده بأعضاء سياسيين وحكوميين من أجل إعطاء المفاوضات طابعاً سياسياً، كما لم يكُن يتوقّع أحد أن يخرج أمس أسود نفسه ويسأل «ما المشكلة في التفاوض المباشر مع إسرائيل»؟ طبعاً ليس لباسيل سلطة على جميع نواب تكتّله.
كان موقِف عون مفاجئاً رغمَ أن باسيل آخذ منذ فترة بتوسيع هامش تمايزه في ملفات عديدة
لطالما كان الحزب متحفّظاً على التفاوض مع العدو، وفي الوقت نفسه كان يؤكّد أن ترسيم الحدود هو وظيفة الدولة، إلا أن قرار ضم أعضاء مدنيين إلى الوفد اللبناني ليس تفصيلاً بسيطاً يُمكن تجاهله. مع ذلك بقي حزب الله وحركة أمل حتى ساعات متأخرة قبل جلسة التفاوض الأولى في الناقورة يتحدثان إلى عون مباشرة أو عبر باسيل وينصحانه بعدم الوقوع في هذا الخطأ للحفاظ على الطابع التقني للمفاوضات، لكن عون أبى ذلك. لذا كان بيان الفجر. لا شكّ أن هذه الخطوة بالنسبة الى حزب الله خطأ، ولا شكّ أنها تركت أثراً لدى قيادة المقاومة. وإن كانت حارة حريك لا تزال تؤكّد أن هذا القرار لن يُحدث شرخاً، وأن «هناك ثقة بعون وبحرصه على السيادة والموارد الاقتصادية»، لكن ما لا يُمكن إغفاله أن ما حصل هو أول خلاف على ملف «استراتيجي» بين الطرفين.
بات جلياً أن العهد والتيار يريدان إبراز صورة جديدة لهما، مع ميلها الى التمايز أكثر فأكثر عن حزب الله وتحقيق ما يريان فيه مصلحة لهما. لكن لن يُعلن حزب الله أيّ «فُكاك» مع حليفه. وهو ليس في وارد استسهال ضرب التحالف، ولا هو هاوي خلافات داخلية تكلّف البلاد مزيداً من الأزمات.
مفاوضات بلا صورة
وانعقدت أمس الجلسة الافتتاحية للمفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية بين لبنان و«إسرائيل»، وأحيطت بالتكتّم الشديد، واختتمت بعد نحو ساعة على انطلاقها، في مقرّ لقوة الأمم المتحدة «اليونيفيل» في الناقورة. المفاوضات جرت بحضور مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر، الذي عمل على تسيير الجلسة الافتتاحية، فيما اضطلع سفير بلاده السابق لدى الجزائر، جون ديروشيه، بدور الوسيط بالمفاوضات. وقد شهدت الناقورة تدابير أمنيّة مشدّدة اتّخذها الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» عبر تسيير دوريات على مدار الساعة.
رئيس الوفد اللبناني العميد الركن الطيار بسام ياسين ألقى كلمة خلال الجولة الأولى، فقال «لقاؤنا اليوم سوف يطلق صفارة قطار التفاوض التقني غير المباشر، ويشكل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل حول ترسيم الحدود الجنوبية، وانطلاقاً من مصلحة وطننا العليا نتطلع إلى أن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكّننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة». وتابع «نحن هنا اليوم لنناقش ونفاوض حول ترسيم حدودنا البحرية على أساس القانون الدولي، واتفاقية الهدنة عام 1949 الموثّقة لدى دوائر الأمم المتحدة، واتفاقية بوليه/ نيوكومب عام 1923 وتحديداً بشأن ما نصّت عليه هذه الاتفاقية حول الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً». وأضاف ياسين «في المقابل، نتطلع إلى قيام الأطراف الأخرى بما يتوجّب عليها من التزامات مبنية على تحقيق متطلبات القانون الدولي والحفاظ على سرية المداولات، وإنّ تثبيت محاضر ومناقشات اجتماعات التفاوض التقني غير المباشر، كذلك الصيغة النهائية للترسيم، يتمّ بعد تصديق السلطات السياسية اللبنانية المختصة عليها». وبعد الجلسة، استقبل رئيس الجمهورية الوفد، واطّلع من ياسين على وقائع الاجتماع. يُذكر أن الاجتماع الثاني سيعقد في 26 تشرين الأول الجاري. وبخلاف الرغبة الأميركية، لم يحصل شينكر على صورة تجمعه بالوفدين اللبناني والإسرائيلي، إلى جانب الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، يان كوبيتش، وباقي أعضاء الوفدين الدولي والأميركي. إذ رفض رئيس الجمهورية، والجيش اللبناني، التقاط صورة تجمع الوفدين يقفان حول شينكر وباقي أعضاء الوفدين. وقد أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن بلاده ستسعى إلى التوصل إلى اتفاق بين لبنان و«إسرائيل»، مرحّباً بانطلاق المفاوضات.
الليرة «مقطوعة» بأمر من سلامة!
مأساة فرض سقف لسحوبات الليرة من المصارف: «اللبناني مقطوع»
حدّد مصرف لبنان للمصارف الكميّات المسموح سحبها من حساباتها الجارية لديه بالليرة اللبنانية، ما يعني أنّه بعدما حُرم المودعون من سحب دولاراتهم، سيُفرض عليهم «التقنين» بالليرة أيضاً. يُريد «المركزي» إعادة امتصاص الكتلة النقدية التي ضخّها بنفسه، بحجّة «حماية الليرة» ومنع المضاربات في سعر الصرف، وإعادة المال إلى المصارف. بعد أشهر من التضخم، الاقتصاد أمام مرحلة من الانكماش التي ستكون تبعاتها كارثية
يكرر وزير المال اليوناني السابق، يانيس فاروفاكيس، مقولة أنّ «الاقتصاد أهمّ من أن يبقى في أيدي الاقتصاديين». يُمكن في لبنان تأكيد أنّ الاقتصاد أخطر من أن يبقى في أيدي «مسؤولين» قرّروا أن يُحوّلوه إلى «حقل تجارب» لإجراءاتهم المالية، وتدفيعه ثمن كلّ سياساتهم في كلّ مراحل اقتصاد ما بعد الـ 1992. منذ أكثر من شهر، بدأت مصارف مُعيّنة تفرض سقوفاً على السحوبات بالليرة اللبنانية، إن كان من الصندوق أو من صرّافات السحب الآلي التي باتت تعمل وفقاً لدوام مُحدّد ولا تُغذّى بالنقد سوى في ساعات ما قبل الظهر. وحين كان الزبائن يواجهون الموظفين، يأتيهم الجواب: «مصرف لبنان لا يسمح لنا بالحصول على الكميات المطلوبة من حسابنا الجاري لديه». أثار الأمر ريبة المودعين من أن يكون المصرف الذي يتعاملون معه على أبواب الإفلاس… قبل أن يظهر المحجوب. يوم أمس، أصدر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة «توضيحاً» ينفي فيه تحديد سقوف المبالغ الممكن سحبها من قبل المصارف بالليرة، فـ«الآلية التي اعتمدها هي وضع سقوف للمصارف لما يمكن أن تسحب من حسابها الجاري لدى مصرف لبنان. وعند تخطّي هذه السقوف تُحتسب المبالغ المطلوبة من حسابات المصارف المُجمّدة لدى مصرف لبنان. ولذلك ليس هناك أي سقف للمبالغ الممكن سحبها من مصرف لبنان. وعندها يكون مصدر التمويل لهذه السيولة مختلفاً، ما يعني أنّه ممكن أن يتمّ السحب من الحساب الجاري لحدّ سقف معيّن، وما يفوق هذا السقف من شهادات إيداع أو من الودائع لأجل». من يكتب بيانات «المركزي»، يتقصّد أن لا يكتب ببساطة حتى لا يفهم المواطنون مغزى الإجراءات. عملياً، قام مصرف لبنان بـ«حماية نفسه» أمام المودعين وأصحاب حسابات الرواتب من أي «موجة غضب»، مُلقياً بعبء المسؤولية على عاتق المصارف.
يقول «المركزي» إنّه لا يمنع المصارف من سحب المبلغ الذي تُريد من الليرات الموجودة لديه، لكنّه أرسل إليها كتاباً يُحدّد فيه السقف الأعلى للسحوبات ممّا يُسمّى «الحساب الجاري»، تتراوح بين 2 مليار ليرة و5 مليارات ليرة شهرياً، تتفاوت بحسب حجم رأسمال المصرف. في السابق، كانت المصارف تحصل على ما تُريد من هذا الحساب. أما الآن، وفي حال أرادت المصارف الحصول على كمية أكبر من الليرات لتغطية طلبات زبائنها، فستُشطب كلّ زيادة إما من حسابات المصارف المُجمّدة لدى «المركزي» وكانت تحصل مقابلها على فوائد مرتفعة، أو من الديون التي أقرضتها لمصرف لبنان، أو من شهادات الإيداع. مثلاً، إذا كانت الفائدة على شهادة الإيداع 10%، وباقٍ 5 سنوات لاستحقاقها، وطلب مصرف «إكس» مبالغ بالليرة تفوق «الكوتا» المُخصّصة له، فستُشطب الفائدة عن كلّ سنوات الاستحقاق وليس عن السنة الحالية فقط. هذا الإجراء تُعدّه المصارف «خسارة» لها، بعدما تحوّل مصرف لبنان إلى الزبون شبه الأوحد للمصارف، ولم يعد لها «مصدر إيرادات» غيره. في اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان أمس، انتُقدت المصارف بأنّ «المبلغ بالليرة الذي كانت تسحبه شهرياً، باتت تطلبه أسبوعياً»، وقد سمع الحاضرون اتهاماً من سلامة للمصارف بأنّها «تأخذ الليرة وتُبادلها بالدولار لدى الصرّافين»!
بمعزل عن لعبة المدّ والجزر بين جناحَي القطاع المصرفي، لقرار سلامة تأثير عميق على قدرة المواطنين الشرائية وتأمين احتياجاتهم. بمليون أو مليونَي أو ثلاثة ملايين ليرة لبنانية شهرياً، كيف ستتمكّن عائلة مُكونة من أربعة أفراد من دفع الإيجار أو قسط المنزل، وتأمين الحاجيات الأساسية، ودفع أقساط المدارس، وشراء الأدوية، ودفع فحص «كورونا»؟ لن تقدر. المواطنون في لبنان سيكونون أمام نوعٍ جديد من الذُلّ المفروض عليهم من مصرف لبنان والمصارف من جهة، والدولة من جهة أخرى التي تخلّت عن دورها ولا تُريد أن تحسم ما هي سياستها الاجتماعية والاقتصادية.
«عِوض أن يقوم المصرف المركزي بخفض قيمة العملة، قام بخفض قيمة رواتب وأموال الناس، عبر تحديد عمليات السحب. يتمّ استخدام أدوات نقدية لإحداث تغييرات جذرية في السلوك». التعليق للخبير المالي، دان قزي الذي يشرح أنّ «سلامة يُريد إلغاء الدعم على السلع الأساسية، ورئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب رفض الإجراء، فقرّر الحاكم أن يُخفّض الاستهلاك. حالياً، بات المواطن مُضطرّاً شهرياً الى أن يُحدّد على ماذا سيصرف المبلغ القليل الذي يحصل عليه: يشتري البنزين أم يذهب إلى المطعم أم يشتري الدواء المدعوم؟». يُقارن قزّي بين إجراء تخفيض الاستهلاك في لبنان، وبين دول أخرى «كالولايات المتحدة التي تزيد نسبة الضرائب لتدفع الناس إلى تخفيف استهلاك البنزين، لأنّ هذه يجب أن تكون سياسة حكومية».
يُدافع مصرف لبنان عن نفسه بأنّه في الأشهر الماضية ضخّ قرابة الـ 14 ألف مليار ليرة في السوق، «للسماح للمودعين بسحب دولاراتهم العالقة على سعر صرف 3900 ليرة مقابل الدولار، ولنؤمّن الطلب المُتزايد، ولكن ارتفعت الضغوط على الليرة وازدادت الكتلة النقدية بشكل مُخيف». ما تتناساه المصادر أنّ هذه «الكتلة» لم ترتفع من تلقاء نفسها، بل إن مصرف لبنان هو الذي كان يطبع الليرات بما يفوق العرض والطلب، وكان واحد من أهدافه الرئيسية تقليص كتلة الودائع في المصارف، لتخفيف المطلوبات في موازناتها وموازنته. «نعم»، تجيب المصادر، «ولكن أصبحت الكتلة ضخمة واكتشفنا أنّها لم تكن تُصرف، بل إما تُخزّن أو تُستخدم للتحويل إلى الدولار». وترى أنّ الطريقة الجديدة التي قررها سلامة «ستمنع التجار من تخزين المواد، بل استيراد الحاجات فقط».
بعد أشهر من دفع التضخّم إلى أعلى مستوياته، قرّر مصرف لبنان تعديل «استراتيجيته» وامتصاص الليرة من السوق، ما يعني انكماشاً اقتصادياً. وحين يحصل انكماش، تكون النتائج عادةً انخفاض الطلب بسبب تراجع الاستهلاك، وعجز الاقتصاد عن خلق وظائف، وازدياد معدلات البطالة، وارتفاع حالات الإفلاس، وانخفاض قيمة الأصول والإيرادات الضريبية… يشرح دان قزّي أنّ الإجراء «سيخنق الاقتصاد، ويُقلّص الدخل القومي، ويؤدّي إلى انكماش القدرة الشرائية». وسنشهد فارقاً في القيمة بين الليرة المحجوزة في المصارف، التي ستفقد قيمتها، والليرة النقدية. مثلاً شيك بقيمة 10 ملايين ليرة، سيُمكّن مالكه من شراء سلع بـ 5 ملايين ليرة.
أعضاء من المجلس المركزي، بقوا مُصرّين في جلستهم أمس على أنّ «هناك كتلة نقدية بالليرة مُخبأة في المنازل، هذا الإجراء سيسمح باستهلاكها وعودتها إلى المصارف. ومن يُخبّئ دولارات لديه، سيُحوّلها إلى الليرة. وسنُقلّص اقتصاد الكاش عبر تخفيف تداول الليرة». ولكن يؤّكد قزّي أنّ هذا القرار «سيؤثّر على كلّ القطاعات، إذ بات كلّ بحاجة إلى سيولة». في هذا الإطار، لا يستبعد خبراء في الأسواق المالية أن «يهرب الناس مُستقبلاً حتى من توطين الرواتب». لا بل أكثر من ذلك، تسأل مصادر مصرفية «كيف سيتدبّر التاجر أموره إذا كنا سنخنقه بالليرة؟». المُشكلة مُضاعفة لأنّها تأتي بعد التعميم الوسيط الرقم 573 لمصرف لبنان الذي أجبر تجار المحروقات والدواء والقمح على تسديد النسبة المطلوب منهم تغطيتها – لتأمين ثمن السلع المدعومة المستوردة – بالليرة، ونقداً. فمن الذي سيقبل بعد اليوم بالدفع عبر البطاقة؟ ومن أين سيُؤتى بالليرات الكافية إذا كان «المركزي» يُريد سحبها من السوق، لا ضخّها؟ «راديكالية» مصرف لبنان في الحلول غير المُستندة إلى أي منطق علمي، تُنذر بكارثة كبيرة.
اللواء
لغز التأجيل: شروط التكليف.. وصلاحيات المفاوضات والتعديل!
موقف للحريري اليوم وباسيل مصر على منعه من العودة إلى السراي..
مهما يكن من أمر الحيثيات التي استند إليها الرئيس ميشال عون لاتخاذ قرار، غير مُنسّق، مع الرئيس نبيه برّي في تأجيل الاستشارات النيابية التي كانت مقررة اليوم، لمدة أسبوع أي الخميس في 22 ت1 الجاري، بالتوقيت نفسه، والمواعيد المحددة للكتل، فإن مسارعة رئيس المجلس لرفض القرار، حتى «ولو كان ليوم واحد»، يكشف عن أزمة، قد يكون الرئيسان عون وبري طرفين فيها، أو ان وراء الأكمة ما ورائها، بالعودة إلى تبرير التأجيل الرئاسي بأنه جاء «بناءً على طلب بعض الكتل النيابية»، وبذريعة «بروز صعوبات تستوجب العمل على حلها».
وعلمت «اللواء» ان موقفاً سيصدر عن الرئيس سعد الحريري، الذي فوجئ، كما الرئيس برّي، بالتوجه إلى التأجيل.
وبالعودة إلى الوقائع التي سبقت القرار، فإن بلبلة عصفت بموقف تكتل لبنان القوي، بين معلومات تحدثت عن لقاء وفد المستقبل مع وفد التيار الوطني الحر في ميرنا شالوحي من ان التكتل سيسمي الحريري، ولكن مساءً، انقلب المناخ، وتحدثت معلومات أخرى ان لا تسمية، في وقت حمل فيه النائب طلال أرسلان من «تكتل لبنان القوي» على الرئيس الحريري متسائلاً عمّا إذا كان الرئيس ايمانويل ماكرون طلب إليه «فحص دم الكتل» لمعرفة موقفها من المبادرة الفرنسية..
وسادت ليلاً أجواء ان لا استشارات ولا تكليف اليوم..
مصادر قريبة من بعبدا، قالت لـ«اللواء» ان الواضح ان تأجيل الأستشارات اتى بفعل طلب عدد من الكتل النيابية المزيد من التشاور ما يتيح للرئيس الحريري ان يزيد من رصيده كي لا يكلف بأكثرية ضئيلة.
وافادت المصادر ان رئاسة الجمهورية لم تكن ترغب في تأجيل الأستشارات الى الخميس المقبل لأن هم الرئيس عون التكليف ثم التأليف لأن وضع البلد لا يحتمل اي تأجيل للحل.
واوضحت ان المهلة الجديدة مناسبة للمزيد من التشاور والبحث مشيرة الى ان هناك سببا حاسما دفع عون الى التأجيل وان من حق الحريري المرشح الأقوى في طائفته الأتيان الى رئاسة الحكومة بأصوات مريحة وذكرت بما كان قد شدد عليه عون لجهة اهمية التشاور قبل التكليف.
وكان اللافت، استباق محطة الـO.T.V الناطقة بلسان التيار الوطني الحر قرار التأجيل، بالاشارة إلى انه «وارد في كل لحظة، لأن مصير التكليف غير محسوم بعد»، الأمر الذي يعني ان قرار تكليف الحريري لم يكن ناضجاً بعد عند فريق بعبدا، والنواب الذين ينضوون أو يدورون في فلك التيار العوني.
ما هي الصعوبات التي طلبت الكتل التأجيل، وتجاوب القصر معها، حسب المصادر المطلعة من النقاط العالقة لتشكيل الحكومة التي لم يتم الاتفاق حولها، وعمر الحكومة المحددة بـ6 أشهر.
وهذان الطلبان أو الشرطان للتيار الوطني الحر، الذي صدمت اوساطه بالتجاهل شبه التام لا سيما من فريق رئيس المجلس وكتلة المستقبل، في ما خص رغبة النائب جبران باسيل بتعديل دستوري، طرحه في كلمته أمس الأوّل لمناسبة ذكرى 13 ت1، لناحية تحديد مهلة شهر للتكليف ومهلة شهر للتأليف، بتعديل دستوري، مفاجئ وبتوقيت وبهدف لا صلة له بالمبادرة الفرنسية ولا بحكومة المهمة التي ستتشكل على أساسها.
ومن الطلبات الشروط أيضاً، رغبة بعبدا بالسير بتوزيع الوزارات السيادية الأربع على الطوائف الأصغر، منعاً لما تصفه بالاستئثار، أو الحؤول دون حصر وزارة المالية مع الطائفة الشيعية، حتى ولو كانت لمرة واحدة، وهو ما أشار إليه باسيل بالفريق اللبناني الذي يسعى إلى تكريس اعراف مرفوضة.
بالمقابل، وصفت مصادر سياسية قرار الرئيس عون بتأجيل موعد إجراء الاستشارات النيابية الملزمة بانه يمثل ذروة الاداء غير المريح، بل السيء للرئاسة الاولى وتجاوز مصلحة البلاد العليا والاستهتار بالدستور وتوظيف صلاحيات الرئيس لمصلحة صهره النائب جبران باسيل وتوجهاته الشخصية. وتساءلت هل كان يقدم عون على تأجيل الاستشارات لو ان كتلا او تيارات اخرى ارتأت ذلك وحبذا لو اخذ حيزا بسيطا من هذه المبررات الممجوجة في تشكيل الحكومة المستقيلة التي افتقدت الىأدنى مقومات التمثيل لمرجعياتها السياسية والطائفية.
واذ اعتبرت ان هذا التصرف الشاذ على هذا النحو في هذه الظروف الاستثنائية والصعبة التي يتطلع فيها اللبنانيون بلهفة لتشكيل حكومة جديدة تنتشل لبنان من مخاطر الانهيار المحدقة من كل الاتجاهات، يمعن عون بتوظيف صلاحياته الدستورية لاعاقة وتعطيل انتظام آلالية الدستورية لتسمية رئيس جديد للحكومة للمصلحة الشخصية والحسابات الضيقة،لان مسار الاستشارات المرتقبة، لا يؤشر بانها تصب في المصلحة الشخصية لصهره جبران باسيل وتياره، بل باتجاه مصلحة لبنان العليا ولو كانت على ايدي خصومه السياسيين.
باختصار شديد عون اجل الاستشارات بايعاز معلوم من باسيل لقطع الطريق على تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة الجديدة الذي بات يحظى بموافقة ملحوظة من الاكثرية بهذا الاتجاه وسعيا لاعادة خلط الأوراق من جديد، لعل في مثل هذه العبثية الدستورية الممجوجة تتحقق اهداف رئيس التيار العوني بابعاده نهائيا عن تولي هذه المسؤولية من جديد ولو كان على حساب عملية انقاذ لبنان من الكارثة.
وقال مصدر واسع الاطلاع لـ«اللواء» ان باسيل يتصرف بطريقة شخصية «كيدية» لجهة ان الرئيس الحريري لم يتصل به، على صعيد اللقاءات كما حصل مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وهو الأمر، حسب المصدر، الذي يطالب الرئيس عون بحصوله أيضاً.
ولم يعرف، مسار التطورات بعد قرار التأجيل، وبأي وجهة ستسير المفاوضات، لئلا ينسف موعد الخميس المقبل، في ظل تفاقم المآزق الداخلي، مع العجز عن حل اللغز الحقيقي لقرار التأجيل، الذي سارع الرئيس برّي لرفضه، ولو كان ليوم واحد..
وعلق السفير البريطاني في لبنان كريس رامبلينغ على قرار التأجيل بهاشتاغ «استشارات» مرفقة بوجه تعبيري متجهم.
على ان باسيل المعني مباشرة بالتأجيل، غرد ليلاً: «لكل من يتفلسف ويتكهن ويراهن: مع احترامنا لقرار رئيس الجمهورية بتأجيل الاستشارات النيابية، فإن هذا لن يغيّر في موقفنا».
واستغرب النائب طوني فرنجية التأجيل، وقال: «البلد منهار والشعب بطل يحمل تأجيل حرام».
وغرد هادي أبو الحسن عضو كتلة اللقاء الديمقراطي: «ظنوا اننا سنقاطع وحاولوا الاختباء وراء موقفنا ليسقطوا تسمية الحريري ونسوا بأننا نضع مصلحة البلد قبل مصلحتنا».
وتخوفت أوساط مراقبة من ان يكون وراء الأكمة ما وراءها، لجهة تضارب الصلاحيات في ما يتعلق بإطلاق المفاوضات، والتباين بين الرئيس عون وفريقه و«الثنائي الشيعي» في ما خص الوفد الذي شكله الرئيس لجهة ابعاد المدنيين عنه، واقتصر على المفاوضين العسكريين، وتمسك بعبدا بصلاحية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية، فضلاً عن نقزة الرئيس برّي من فكرة التعديل الدستوري بهذا التوقيت.
البناء
الوفد اللبنانيّ في الناقورة يجسّد الالتزام بالثوابت الوطنيّة ويؤكد الإطار التقنيّ للتفاوض
تحفظات أمل وحزب الله تقوّي موقع الوفد التفاوضيّ وتكسر حدّة الضغوط
تأجيل الاستشارات النيابيّة: الحريري يلوّح بسحب ترشيحه… وباسيل لن نغيّر
كتب المحرّر السياسيّ
بعد أن تخطّى لبنان مطبات أميركية «إسرائيلية» في المفاوضات غير المباشرة التي انطلقت أمس، في الناقورة برعاية أمميّة ووساطة أميركيّة لترسيم الحدود، فجسّد الوفد التفاوضيّ ورئيسه العميد الركن بسام ياسين الثوابت الوطنية والتمسك بالطابع التقني للتفاوض، سواء عبر الكلمة التي ألقاها باللغة العربية، أو عبر رفض الصورة التذكارية، وتحول البيان الصادر عن ثنائي حركة أمل وحزب الله حول تركيبة الوفد التفاوضي وتضمينه مدنيين إلى مصدر قوة للوفد، لجهة المزيد من الحذر من تمرير أي إيحاءات تتيح لوفد العدو الاستثمار على منح التفاوض بعداً سياسياً، أو تحقيق مكاسب إعلامية وسياسية من خلاله، ولجهة إفهام الوسيط الاميركي بأن المزيد من الضغط للخروج عن اتفاق الإطار سيفقد المفاوضات التغطية الوطنية اللازمة لنجاحها، خصوصاً أن الأميركي ومن خلفه «الإسرائيلي» لم يأتيا إلى التفاوض إلا لحاجتهما إليه بعدما تعذّر تحييد وتقييد سلاح المقاومة لوضع اليد على ثروات الغاز من دون تفاوض، ولأن سلاح المقاومة كمصدر تهديد لأي استثمار للثروات اللبنانية لم يعد ممكناً تحييده لضمان هذا الاستثمار إلا بتفاوض يرضى به لبنان، ويثبت للمقاومة أن الرضى الرسمي اللبناني لم يأتِ تحت الضغط ولم يفرّط بأي من الحقوق، ولم يخرج عن الإطار التقني بعيداً عن كل إيحاءات التطبيع، تطبيقاً لما ورد في اتفاق الإطار.
ربط النزاع حول ملف التفاوض، وتجاوز مطبات تأثيره السلبي على التفاوض ومساره وقوة الموقف التفاوضي للوفد اللبناني، لم يتحقق مثله في الملف الحكومي، حيث تحوّل النزاع السياسي حول الاستشارات النيابية لتسمية رئيس مكلف بتشكيل الحكومة الجديدة إلى عنوان أزمة لم تظهر تداعياتها حتى منتصف ليل أمس، بعدما بدا من ساعات بعد الظهر أن الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري قد بات الاسم المحسوم للتسمية في استشارات اليوم إذا تمّت، مع الاجتماعات المتواصلة بينه وبين ثنائي المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي النائب علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل، وتوصلها لرسم صورة لعناوين تفاهم بخطوطه العريضة حول الحكومة الجديدة، بمنح الكتل النيابية المشاركة في الحكومة الحق بترشيح اختصاصيين للحكومة يمثلونها مقابل حق رئيس الحكومة بطلب تعديل التسميات وفقاً للمعايير التي يضعها لطبيعة الحكومة.
بالإضافة للموقع المحوري لتفاهم الحريري مع الخليلين، ذلّل الحريري عقدة التفاهم مع النائب السابق وليد جنبلاط، وتشكلت لدى الحريري صورة تسميته من قبل قرابة السبعين نائباً بغياب كل من نواب التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، وقالت مصادر متابعة لمسار التكليف إنه لا يمانع بهذه النتيجة ليتولى مهمة تشكيل الحكومة، وسط تساؤلات في قصر بعبدا عن البعد المسيحي لميثاقية تسمية يغيب عنها التكتلان الكبيران في التمثيل المسيحي نيابياً، رغم وجود عدد من النواب المسيحيين سيشاركون في التسمية يفوقون عدد النواب السنة الذين قاموا بتسمية الرئيس حسان دياب، وبالحصيلة فاجأ رئيس الجمهورية الجميع بقرار تأجيل الاستشارات النيابية لأسبوع، حتى الخميس المقبل، وما أثاره التأجيل من ردة فعل لدى الرئيس الحريري لجهة التلويح بسحب ترشيحه، وهو ما بقي موضوع مشاورات واتصالات حتى ساعة متأخرة فجراً، وربط مصادر الحريري للتأجيل بالضغط على الحريري للتواصل مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في ظل العلاقة المتوترة مع القوات اللبنانية، وردّ باسيل بأن موقفه لن يتغيّر رغم التأجيل لجهة رفض تسمية الحريري ليزيد الصورة سلبية، والتساؤل عن مبرر التأجيل.
تأجيل الاستشارات
وفيما سارت الأمور بشكل طبيعي في ملف ترسيم الحدود البحرية مع انعقاد أولى جلسات التفاوض بين لبنان والعدو الإسرائيلي في الناقورة، لم يكن الملف الحكومي على الموجة نفسها بعد تعثر المشاورات المكثفة التي استمرت طيلة يوم أمس، لتكليف رئيس لتشكيل الحكومة، ما دفع برئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى إرجاء الاستشارات إلى الخميس المقبل.
وأعلن المكتب الإعلامي في رئاسة الجمهورية في بيان مساء أمس، أن رئيس الجمهورية قرر تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة التي كانت مقررة اليوم أسبوعاً، وذلك بناء على طلب بعض الكتل النيابية لبروز صعوبات تستوجب العمل على حلها.
وسبقت تأجيل الاستشارات مروحة لقاءات واتصالات على كافة الخطوط السياسية دخل على خطها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عبر مستشاره السياسي، وذلك في محاولة للتوصّل إلى تفاهم حول تكليف المرشّح الوحيد حتى الآن الرئيس سعد الحريري.
التأليف قبل التكليف
لكن المفاوضات لم تنضج بعد بحسب ما قالت مصادر نيابية مطلعة على الملف الحكومي لـ«البناء»، وذلك بعد مواقف كتل نيابية عدة تحفظت على مسار التفاوض وتكليف الحريري من دون تفاهم مسبق وخريطة طريق واضحة حول المرحلة المقبلة، لا سيما بعد موقف تكتل لبنان القويّ والقوات اللبنانية بعدم تسمية الحريري ما أعاد مسألة الميثاقية المسيحية الى الواجهة، ما اقتضى بحسب المصادر مزيداً من المشاورات لا سيما بين الحريري والتيار الوطني الحر.
وإذ حسمت بعض الكتل موقفها بتسمية الحريري كـ«التكتل الوطني» و«اللقاء الديمقراطي» و«الوسط المستقل» الى جانب كتلة المستقبل لم تحسم كتلتا «الوفاء للمقاومة» و«التنمية والتحرير» موقفهما حيث أشارت مصادر الكتلتين لـ«البناء» الى أنّهما يدعمان الحريري مع الاتفاق على معالم مرحلة التأليف والبرنامج الاقتصادي والسياسة الخارجية للدولة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة ومستجدات مفاوضات ترسيم الحدود البحرية ما يستوجب حكومة بمشاركة سياسية من الاحزاب والكتل النيابية، لأنّ الاتفاق المسبق على التأليف يسهّل ولادة الحكومة لكسب الوقت وللحؤول دون عرقلة التأليف، وبالتالي اعتذار الرئيس المكلف. وجددت المصادر تأكيد أنّ الكتل النيابية ستسمي ممثليها في الحكومة من الاختصاصيين وغير الحزبيين بالتشاور مع الرئيس المكلّف.
وأشارت مصادر عين التينة الى أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي ضدّ تأجيل الاستشارات النيابية ولو ليوم واحد.
اتصال الحريري بجنبلاط
أما على صعيد كليمنصو – بيت الوسط فشهدت انفراجاً بعدما أجرى الحريري اتصالاً برئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ناقشا خلاله المستجدات الراهنة وعرضا في أجواء من الصراحة والوضوح عدداً من النقاط الأساسية المتعلقة بالاستحقاق الحكومي. وقد وضع جنبلاط كتلة اللقاء الديمقراطي في اجتماعها مساء أمس، بأجواء اتصال الحريري وفي أجواء الاتصالات المتواصلة بينه وبين مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لشؤون شمال أفريقيا والشرق الأوسط، باتريك دوريل، بهدف إنجاح المبادرة الفرنسية وتنفيذ الإصلاحات التي تضمنتها والهادفة إلى معالجة الوضع الاقتصادي في لبنان. وعُلم أن كتلة «اللقاء الديمقراطي» ستسمّي الحريري في الاستشارات النيابية الملزمة».
القوات
أما القوات اللبنانية فقرّر رئيسها سمير جعجع عدم تسمية الحريري. وأعلن بعد اجتماعه بوفد المستقبل بأنّ «المواصفات لتشكيل حكومة إنقاذ فعليّة غير موجودة في أيّ شخصيّة».
لبنان القويّ
فيما أشارت مصادر تكتل لبنان القوي لـ«البناء» إلى أن التكتل قرّر عدم تسمية الحريري بعد اجتماعه الموسّع أمس، برئاسة رئيس التيار النائب جبران باسيل.
وكان وفد كتلة المستقبل واصل جولته على الكتل النيابية. والتقى الوفد برئاسة النائب بهية الحريري في ميرنا الشالوحي امين سر تكتل لبنان القوي النائب ابراهيم كنعان بحضور النائبين جورج عطا الله وسيزار ابي خليل والوزير السابق منصور بطيش، في غياب النائب باسيل.
وأكد كنعان بعد اللقاء أن الحوار والتواصل بمعزل عن العلاقات السياسية أساسيان خصوصاً في المرحلة الاستثنائية الراهنة، قائلاً: اذا خسرنا الوطن فلا تفيدنا السلطة والمطلوب الالتقاء على إنقاذ الوطن. من جهتها، لفتت الحريري الى «أننا لمسنا في نقاشنا ان الوطني الحر يطمح الى أبعد من ورقة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهناك فرصة، وهذه الفرصة ضمن التفاهم الوطني على برنامج يفترض ان يؤدي الى الخروج من الأزمة».
ولفتت مصادر اللقاء الى أنه لم يتطرق الى الشأن الحكومي، والتيار أبلغ المستقبل ان ما يطلبه على مستوى الإصلاحات هو أبعد من الورقة الاقتصادية الفرنسية. كذلك أشارت المصادر الى أن «بهية الحريري قالت إن موضوع التكليف هو خارج الزيارة ونبحث عن الورقة الاقتصادية الفرنسية».
وأوضحت مصادر الاجتماع أنه «كان هناك كلام ان لا استثناءات على المستوى في اي قطاع في الدولة، كما هو وارد في الورقة الاصلاحية الفرنسية، وأن كل المؤتمرات التي عقدت لمساعدة لبنان والتي تتضمن اصلاحات لم تأخذ طريقها الى التنفيذ». وبحسب المصادر نفسها، فإن التيار الوطني الحر أكد انه كان دائماً مبادراً ومتعاوناً، مشدداً على أن المطلوب اليوم خريطة مستقبلية إنقاذيّة للوطن لا سيما في الملفات الاقتصادية والمالية والنقدية والاجتماعية. وهذا يغلب على أي شيء آخر».
الوفاء للمقاومة
كما التقى الوفد كتلة الوفاء للمقاومة في حارة حريك وبعد اللقاء قالت الحريري: «اللقاء كان جيّداً والحزب أكّد الموافقة الكاملة على 90 في المئة مما جاء بلقاء قصر الصنوبر والمبادرة الفرنسية». واضافت « الأهم اليوم هو الاتفاق على البرنامج الحكومي وليس تشكيل الحكومة لأننا يمكننا أن نشكّل حكومة اليوم ولكن من دون برنامج إصلاحي ما النفع؟».
وفد المستقبل في منزل كرامي
وكانت لافتة زيارة وفد المستقبل منزل النائب فيصل كرامي، حيث اجتمع بنواب اللقاء التشاوري للسنة المستقلين، وذلك بعدما رفض الحريري استقبال اللقاء التشاوري لمدة طويلة!
وعرض الوفد بحسب ما علمت «البناء» رؤيته لعملية الإنقاذ التي تحملها مبادرة الحريري؛ وفيما استوضح اللقاء التشاوري من الوفد مقاربته للسياسة الاقتصادية والمالية، لم يسمع أي أجوبة مقنعة؛ فربط اللقاء التشاوري تصويته للحريري بأجوبة جدية على الأسئلة والاستيضاحات والشروط التي وضعها. وأكد عضو اللقاء النائب وليد سكرية لـ «البناء» أنّ اللقاء لم يعِد وفد المستقبل بالتصويت للحريري بل «وضعنا شروطنا وإذا تحققت نبني على الشيء مقتضاه بعد التشاور مع الحلفاء».
أرسلان
وغرّد رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان على «تويتر»: «ليس لدينا علم بأن المبادرة الفرنسية صنفت الرئيس الحريري في صفوف الاختصاصيين… كفى استهتاراً بعقول الناس ولا أحد أكبر من لبنان واللبنانيين مهما بلغت ثروته المالية الشخصيّة… كفانا تجارب.. واللي جرّب المجرّب كان عقله مخرّب».
الجسر: لا فيتو سعوديّ على الحريريّ
في المقابل لفت النائب سمير الجسر الى أن لا فيتو سعودياً على الحريري، موضحاً أن الميثاقية هي اختراع أدّى الى تعسير معظم الامور بدلاً من تيسيرها، وهناك إمعان باستخدام الميثاقية. وهذا الامر يؤدي الى تعطيل البلد». فيما نفى المكتب الإعلامي للحريري حصول لقاء بين رئيس المستقبل ومعاون الأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل.
صندوق النقد
وكان لافتاً تزامن موقف صندوق النقد الدولي مع المشاورات الحكومية، إذ أعلنت مديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا أن الصندوق على أتمّ استعداد لمساعدة لبنان، لكنه بحاجة إلى شريك في الحكومة اللبنانيّة. وشدّدت جورجيفا في حديث لشبكة «CNN» على أن «الصندوق راغب للغاية للعمل مع لبنان لحل مشاكله المالية وإعادة هيكلة ديونه… لكن رقصة التانغو تحتاج إلى شخصين. نحن مستعدون ومستعدون جداً للمساعدة، لكننا بحاجة إلى شريك». ورأت أن «الانقسام المستمرّ في لبنان يعيق البلاد ويمنع التقدّم في خطة اقتصادية جديدة ويجر لبنان إلى الأسفل».
مفاوضات الترسيم
في موازاة التعقيد السياسي في الملف الحكومي، شهدت الناقورة الجولة الأولى من مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي في اجتماع وُصف بالبروتوكولي الاستكشافي، برعاية الأمم المتحدة وبوساطة أميركية للبحث في ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، أكدها حضور مساعد وزير الخارجية الأميركية دايفيد شنكر في الناقورة. وفي حين حُدّد 26 الحالي موعداً للجولة الثانية، ركّزت المفاوضات وفق المعلومات على العناوين التي وردت في بيان بعبدا حول الترسيم البحري وفق خط بوليه – كومنب والدراسة التي أعدتها قيادة الجيش.
وألقى رئيس الوفد اللبناني للتفاوض العميد الركن بسام ياسين كلمة أوضح فيها «ان لقاءنا اليوم سيُطلق صفّارة قطار التفاوض التقني غير المباشر، ويُشكّل خطوة أولى في مسيرة الألف ميل حول ترسيم الحدود الجنوبية، وانطلاقاً من مصلحة وطننا العليا نتطلع لأن تسير عجلة التفاوض بوتيرة تمكننا من إنجاز هذا الملف ضمن مهلة زمنية معقولة». أكد «أننا هنا اليوم لنناقش ونفاوض حول ترسيم حدودنا البحرية على أساس القانون الدولي، واتفاقية الهدنة عام 1949 الموثقة لدى دوائر الأمم المتحدة، واتفاقية بوليه/ نيوكومب عام 1923 وتحديداً بشأن ما نصّت عليه هذه الاتفاقية حول الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة براً. وأضاف: «نتطلع لقيام الأطراف الأخرى بما يتوجب عليها من التزامات مبنية على تحقيق متطلبات القانون الدولي والحفاظ على سرية المداولات، وإن تثبيت محاضر ومناقشات اجتماعات التفاوض التقني غير المباشر، كذلك الصيغة النهائية للترسيم يتمّ بعد تصديق السلطات السياسية اللبنانية المختصة عليها».
وجرت مفاوضات الترسيم في خيمة أنشئت خصيصاً لهذا الاجتماع مقابل القيادة الرئيسية لقوات الطوارئ الدولية في الناقورة، وتحديداً في القاعة التابعة للكتيبة الإيطالية التي تشهد اجتماعات اللجنة الثلاثية برعاية الأمم المتحدة.
ومن حيث الشكل جلس الوفد اللبناني مقابل وفد العدو الإسرائيلي واعتمدت اللغة الانكليزية في الاجتماع وتحدّث الوفد اللبناني بالعربية مع ترجمة فورية للغة الانكليزية. وأثارت الصورة التذكارية بلبلة في جلسة التفاوض، حيث أصرّ الجانبان الأميركي والاسرائيلي على ضرورتها في حين رفض الجانب اللبناني، قبل ان يتم حسم الجدل بشأنها واتّخاذها من دون الوفد اللبناني، كما أشارت المعلومات.
ونقلت رويترز عن العدو الإسرائيلي إنه ستواصل المحادثات الحدودية مع لبنان «لإعطاء فرصة للعمليّة».
وكان لافتاً الاهتمام الأميركي بالمفاوضات عبر سلسلة تصاريح للمسؤولين الاميركيين، كان ابرزهم وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، الذي عبر عن ترحيبه «بالمحادثات بين لبنان وإسرائيل بهدف ترسيم الحدود البحرية بينهما ونحن ملتزمون بإنجاحها».
وكان رئيس الوفد اللبناني زار رئيس الجمهورية وأطلعه على وقائع الاجتماع الأول من المفاوضات غير المباشرة، وتم عرض المواقف التي صدرت من الاطراف المشاركين في الاجتماع على أن يعقد الاجتماع الثاني في الناقورة يوم الاثنين 26 تشرين الاول الحالي.
وأوضح النائب العميد وليد سكرية لـ«البناء» الى أن «الوفد اللبناني يجب أن يتمسك بالثوابت الوطنية اللبنانية التي حدّدها رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وأهمها التأكيد على أن المفاوضات تقنية وليست سياسية، والاتفاق اولاً على نقاط اساسية بترسيم الحدود: أين رأس الناقورة، اذا حدد الوفد رأس الناقورة شمالاً، لبنان يخسر مساحة من مياهه، أما اذا تم تصحيح مكان رأس الناقورة وانطلق الوفد منه، بالتالي لبنان يكسب مساحة جنوباً»، موضحاً أنه «يجب تحديد صيغة الحل وفق قانون البحار حينها يكون الوفد الاسرائيلي مجبراً على إحضار فنيّين ولن يتكلم بعدها سياسياً».
وأكد سكرية أن لبنان ليس ذاهباً للتطبيع كما يُشاع، لكن صورة الوفد التي يريدها الأميركي هي بأن هناك ترسيم حدود بحرية بين لبنان وإسرائيل وبرعاية اميركا لاستثمارها انتخابياً من قبل الادارة الاميركية، والاسرائيلي يريد ان يقول إنه يفاوض لبنان في إطار سياسيّ لأن وفده سياسي»، لافتاً إلى أن «الإسرائيلي يعلم ان لبنان لن يوقع أي تطبيع مع العدو الإسرائيلي لكننا نصل الى ترسيم حدود مع مراعاة المصالح اللبنانية لترسيم الحدود، والإسرائيلي يريد هذا الترسيم كي يتمكّن من استثمار الحقول».
المصدر: صحف