بينما يطور العلماء في جميع أنحاء العالم لقاحات وعلاجات “كوفيد-19” المنقذة للحياة، ما يزال الكثيرون يتساءلون عن سبب كون المرض مميتا لدى البعض ومعتدلا عند آخرين.
ولحل هذا اللغز، يحتاج العلماء إلى فهم متعمق لكيفية استجابة العديد من أنواع الخلايا المناعية في الجسم لـ SARS-CoV-2 ، الفيروس الذي يسبب مرض “كوفيد-19”.
والدراسة الدولية الجديدة بقيادة باحثين في معهد لا جولا لعلم المناعة (LJI) وجامعة ليفربول وجامعة ساوثهامبتون، هي الأولى التي تقدم لمحة مفصلة عن كيفية استجابة خلايا CD4 + T في الجسم لفيروس SARS-CoV-2 .
ومن بين النتائج التي توصلوا إليها، أنه في وقت مبكر من المرض، يطور المرضى الذين يعانون من حالات حادة من “كوفيد-19” مجموعة فرعية جديدة من الخلايا التائية التي يمكن أن تقتل الخلايا البائية وتقلل من إنتاج الأجسام المضادة.
وتوفر الدراسة، التي نُشرت في 6 أكتوبر 2020، في مجلة Cell، أساسا حاسما لمزيد من التحليل التفصيلي، وتُظهر قوة تقنية متطورة تسمى تسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادية الخلية (RNA-seq).
ويقول البروفيسور المساعد باندورانغان فيجاياناند، الحاصل على الدكتوراه في الطب من معهد لا جولا لعلم المناعة، والذي قاد الدراسة لفترة طويلة، بالتعاون مع كريستيان إتش أوتينسمير، أستاذ في جامعة ليفربول الأستاذ المساعد في معهد لا جولا لعلم المناعة: “تستخدم هذه الدراسة خلية واحدة من RNA-seq لتحليل جزيئات الحمض النووي الريبوزي المعبر عنها بواسطة خلايا CD4 + T التي تتعرف على SARS-CoV-2 على وجه التحديد”. وأضاف: “يتيح لنا هذا، لأول مرة، إظهار الطبيعة الكاملة للخلايا التي تستجيب لهذا الفيروس. هذه هي البداية.. كنا بحاجة إلى مرجع لننظر إليه مرة أخرى لإجراء مزيد من الدراسات، وهذا العمل جديد، وفي الوقت المناسب، ومفصل، ومبتكر ومفتوح”.
وكان فيجاياناند وزملاؤه في معهد لا جولا لعلم المناعة رائدين في استخدام تسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادي الخلية (RNA-seq) في علم المناعة.
ويمنح RNA-seq الباحثين نافذة جديدة على أنماط التعبير الجيني التي يمكن أن تجعل الاستجابة المناعية لكل شخص للفيروس مختلفة.
وفي الدراسة الجديدة، ركز الباحثون على خلايا CD4 + T التي تلعب العديد من الأدوار الحاسمة في مكافحة العدوى.
ويقول المؤلف المشارك الأول للدراسة بنجامين ميكيف: “تلعب خلايا CD4 + T دورا مركزيا في تنظيم الاستجابة المناعية. هي مجموعة غير متجانسة من الخلايا المناعية التي تقوم بمجموعة واسعة من الوظائف، وقد تمكنا على وجه التحديد من تحليل استجابتها لـ SARS-CoV-2″.
ودرس الباحثون عينات من 40 مريضا بـ”كوفيد-19″ في مجموعتين. ضمت المجموعة المقيمة في المستشفى 22 مريضا (تسعة منهم عولجوا في وحدات العناية المركزة). وكان لدى المجموعة التي لم يتم إدخالها إلى المستشفى 18 مريضا عانوا من أعراض أكثر اعتدالا لـ”كوفيد-19”.
واستخدم العلماء تسلسل الحمض النووي الريبوزي أحادي الخلية لتحليل أنواع خلايا CD4 + T التي تستجيب لـ SARS-COV-2 في هؤلاء المرضى.
ويلعب كل نوع من الخلايا التائية دورا في مكافحة الفيروسات: فبعضها (الخلايا التائية المساعدة CD4 + T) تنبه الجسم إلى العدوى وتجنِّد الخلايا المناعية الأخرى، بينما يرسل البعض الآخر (خلايا TFH) إشارات للخلايا البائية لصنع الأجسام المضادة. وأخيرا، يقوم البعض (Tregs) بعمل مهم يتمثل في تثبيط الخلايا التائية الأخرى، ما يحافظ على جهاز المناعة من إتلاف أنسجة الجسم.
ويقول فيجاياناند: “هناك أنواع متعددة من الخلايا التائية تستجيب لهذا الفيروس”.
وبشكل عام، تمنح الدراسة المجتمع العلمي نقطة انطلاق لاستكشاف استجابات خلايا CD4 + T لـSARS-CoV-2، ويضع العمل أساسا لمقارنة الاستجابات لدى الأشخاص بمرور الوقت أو مع حالات شدة المرض المختلفة. ولدعم هذه الجهود، جعل الباحثون بياناتهم متاحة على الفور عبر الإنترنت، بعد شهرين فقط من بدء المشروع.
ويقول المؤلف الأول المشارك في الدراسة سيرو راميريز سواستيغي، وهو متخصص في المعلوماتية الحيوية في معهد لندن للجامعات: “كان علينا أن نتحلى بالسرعة. إن توفير البيانات للجميع أمر ضروري. هناك بالتأكيد المزيد لاستكشافه”.
وفي الواقع، يمكن أن تكون البيانات وطريقة البحث مهمة لأكثر من أبحاث الأمراض المعدية. حيث أن الفهم الأفضل لكيفية استجابة الجسم للفيروسات يمكن أن يوجه أيضا الأبحاث المستقبلية في العلاجات المناعية للسرطان، والتي من شأنها أن تستخدم جهاز المناعة في الجسم لاستهداف وقتل الخلايا السرطانية.
المصدر: ميديكال اكسبرس