اتفاق 9 ايلول الروسي الاميركي حول وقف الاعمال العدائية في سوريا يمكن ان تُستشف خطوطه العريضة من التصريحات الاميركية والروسية، ولكن لماذا رفضت اميركا فكرة اعلان بنوده التفصيلية حتى الآن؟. فهذا الاتفاق الذي ينص على إيصال المساعدات الإنسانية وإقامة مركز تنسيق عسكري اميركي روسي مشترك لاستهداف الارهابيين، يثير موضوع نشره موجة تجاذب روسية اميركية لافتة.
بل حتى بعض الدول الحليفة لاميركا مثل فرنسا ناشدت واشنطن اعلامها مضمون الاتفاق لكنها تمنّعت، وفيما تسعى روسيا الى صدور قرار من مجلس الامن يدعم الاتفاق فإن ذلك لم يكن ممكنا خلال جلسة المجلس بالامس والغيت الجلسة في ضوء عدم موافقة اميركا على اطلاع اعضاء المجلس حاليا على فحواه.
ولكن التبرير الاميركي لهذا الرفض كان التحجج بالامور الانسانية وان اعلان الاتفاق ربما يؤثر على اجراءات ايصال المساعدات. هو تبرير يبدو واهياً فلا رابط وصلة مباشرة يمكن ايرادها منطقيا بين الامرين كما ان اي عاقل لا يصدق ان اميركا حريصة كل الحرص على الشأن الانساني السوري. وبشكل واضح اتهم المندوب الروسي في مجلس الامن البعثة الاميركية في الامم المتحدة بتصرفات سيئة حيال الاتفاق ومحاولة تفسيره بشكل آخر قائلا “بطريقتهم المعهودة توصلوا (الاميركيون) الى شيء مختلف تماما وهم يحاولون تفسير واعادة تسفير الاتفاق”. واضاف انهم “لا يتصرفون بطريقة صائبة”.
روسيا تركز على ضرورة الفصل بين الإرهابيين (داعش وجبهة النصرة) وما يسمى المعارضة المعتدلة وهو ما حث عليه مجددا وزير الخارجية الروسي نظيره الاميركي في اتصال هاتفي امس، ولكن يبدو ان واشنطن لا تزال في فترة مناورة في هذا الامر رغم انها ليست في وضع يسمح لها بكثير من المناورات في ظل الوقائع الميدانية والسياسية القائمة على الارض السورية.
هل تسعى اميركا الى التستر على غير الملتزمين بالهدنة من المعارضة والإرهابيين في سوريا كما رأى تقرير ل “روسيا اليوم” حول موضوع رفض اميركا نشر بنود الاتفاق؟ يقول التقرير ان ” روسيا مصممة على ضرورة قيام الولايات المتحدة بدورها في فصل المعارضة عن الإرهابيين ومن دون القيام بهذاه الخطوة، فإن الأمور تصبح أكثر تعقيدا،. ويضيف الجانب الأمريكي يرى أن الحرب ضد “داعش” أمر مفروغ منه ولا جدال فيه، ولكنه في الوقت نفسه يؤكد بأن لا تعاون مع روسيا في الحرب ضد “داعش”، إلا إذا وافقت على شروط ما أمريكية أو مكافحة الإرهاب تحت راية التحالف الدولي. وفي ما يتعلق بـ “جبهة النصرة”، فهناك خلافات حادة بين موسكو وواشنطن، حيث غيرت الجبهة اسمها من جهة، ولا تزال تضم تنظيمات “معتدلة” من جهة أخرى، وتتعاون جزئيا مع المعارضة المسلحة من جهة ثالثة. وهو ما يعطي انطباعا بأن واشنطن تريد التستر على غير الملتزمين بالهدنة من المعارضة والإرهابيين في سوريا”.
في هذا الاطار يمكن من زاوية تحليلية ان نورد عدة نقاط:
-عدم نشر الاتفاق يمنح الجماعات المتصلة بالنصرة هامشا ميدانيا
– يمكن ان يكون نشر الاتفاق احراجا لواشنطن امام جماعات مسلحة كانت تدعمها وقد تبدو في موقع المتنازل والمتخلي عنها.
-تحفُّظ بعض الفصائل المدعومة من اميركا على الاتفاق ورفضها استهداف جبهة النصرة لا يزال يبدو نوعا من استغلال عدم نشر الاتفاق حتى الان
-ينظر العديد من الفصائل الى جبهة النصرة انها سند مهم لهم واذا اعلنت اميركا الحرب العلنية ضدها فهو خسارة كبيرة
– الاتفاق بنظر كثير من المحللين وصولا الى الاعلام الاميركي والصهيوني مكسب لموسكو ودمشق.
ففي افتتاحية ل “واشنطن بوست” في الساعات الماضية قالت إنه إذا نجح وقف إطلاق النار بسوريا فإن الرئيس الروسي سيكون قد حقق طموحه بفرض إرادته على الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وتضيف ان هذا الاتفاق سيعزز وضع نظام الرئيس السوري بشار الأسد ، كما أن المعارضة السورية قد تلقت ضربة قوية، وأن الولايات المتحدة ستوافق على مطلب روسي طالما طالب به بوتين وهو أن تشارك واشنطن موسكو في استهداف التنظيمات التي يُقال إنها “إرهابية”.
تضيف قائلة إذا التزمت موسكو ودمشق بالاتفاق الحالي فسيكون السبب أنهما يريان أن وقت استغلال الإدارة الأميركية الحالية -التي تراجعت عن خطوطها الحمر – قد أزف.
صحيفة “معاريف” قالت ايضا تعليقا على الاتفاق الروسي الاميركي “انه غير جيد ل”اسرائيل” لانه يعزز موقف الاسد والايرانيين وحزب الله”.
ربما تقبل اميركا بنشر الاتفاق او لا تقبل ولكن في كل الاحوال فاتفاق الهدنة تلتزم به دمشق حتى الآن وتخرقه الجماعات المسلحة واذا سقطت الهدنة فالامر يعني عودة الوضع الميداني الذي كان قائماً وهو وضع لم يكن لصالح المسلحين. فلا بالهدنة تعتبر اميركا ومن تدعمهم هي الرابحة ولا بالميدان كانت من الرابحين.
المصدر: موقع المنار