سماء غائمة ممطرة ولا أثر للشمس في يوم من أيام أوائل يوليو/ تموز في ألمانيا هذا العام (2020)، يوم يفسر إلى حد كبير أسباب نقص فيتامين “د” لدى الكثير من لألمان: إنه ببساطة قلة أشعة الشمس، أحيانا حتى في فصل الصيف.
ويعاني أكثر من 30 في المائة من الألمان البالغين من هذه المشكلة، فيما تبلغ النسبة حوالي 40 في المائة في جميع أنحاء أوروبا. ويخضع مدى النقص في فيتامين “د” للتقلبات الموسمية، من بين أمور أخرى، إذ يكون العجز أكبر في فصل الشتاء مقارنة بالصيف.
دور الشمس الحيوي
يعتمد مستوى فيتامين “د” بشكل رئيسي على أشعة الشمس، فتلقي الجلد لما يكفي من الأشعة فوق البنفسجية يجعله قادرا على إفراز الفيتامين بنفسه. وحسب التقديرات، فإن نسبة تغطية حاجيات الجسم من فيتامين “د” عبر الغذاء يتراوح بين 10 و20 فقط.
لذلك من الواضح أن الأشخاص الذين يعيشون في المناطق المشمسة من العالم لا يعانون مبدئيا من نقص هذا الفيتامين كأفريقيا، على سبيل المثال، حيث تشرق الشمس معظم الوقت. ومع ذلك، فإن دراسة كينية نشرت نتائجها في مجلة “لانسيت” الطبية، كشفت مفارقة مفادها أن أعدادا كبيرة من سكان البلدان الأفريقية يعانون من نقص من “فيتامين الشمس”. في هذه الدراسة الضخمة حلل الباحثون 129 دراسة ضمت بيانات ما يقرب من 21.500 شخص من 23 دولة إفريقية مختلفة، وخلصوا إلى أن ثلت الأفارقة يعانون من نقص حاد في فيتامين “د”.
يدرس الدكتور يورغ رايخرات، كبير أطباء عيادة الجلد في مدينة هامبورغ، موضوع فيتامين “د” منذ أكثر من 35 عاما. وهو لم يفاجأ بنتائج الدراسة، لكنه في المقابل لم يكن يتوقع أن يعاني كل هذا العدد الضخم من الأشخاص من نقص هذا الفيتامين في قارة مشمسة كأفريقيا.
يعتقد أصحاب الدراسة كما الدكتور رايخرات أنه من المحتمل أن يكون زحف التمدن والعمران وأسلوب الحياة الذي تغير لدى الكثير من الناس، سببا في نقص فيتامين “د” حتى في المناطق المشمسة، لأن الشمس لا تشمل أولئك الذين يعيشون ويعملون في فضاءات أو مكاتب مغلقة.
وكشفت الدراسة الكينية بإشراف الباحث ريغان موغيري أن نقص فيتامين “د” أقل حدة في المناطق الريفية، حيث تقوم الحياة بشكل رئيسي في الهواء الطلق. أما غير ذلك، فيمكن مقارنة العجز مع ما هو موجود في أوروبا.
وظائف فيتامين “د” الحيوية
نقص هذا الفيتامين، يمكن أن تكون له عواقب متفاوتة، بعضها واضح والآخر مستتر. ولا يوجد إجماع بين الخبراء، حول المستوى الذي يمكن فيه الحديث عن عجز أم لا. وبدلاً من ذلك، غالبًا ما يتم الاعتماد على معايير مختلفة كمرجعية لتحديد النقص من عدمه.
ويمكن الحديث عن نقص شديد نقص في فيتامين “د” عندما تكون كمية الفيتامين في لتر من الدم أقل من 30 نانومول (أي حوالي 12 نانوغرام لكل مليلتر).
وإذا انخفضت النسبة عن هذا الحد، فقد يؤدي ذلك إلى تشوهات عظمية شديدة ومؤلمة، وبالتالي إلى مرض الكساح في سن الرضاعة والطفولة وإلى تلين العظام عند البالغين. كما أن هشاشة العظام أيضًا يمكن أن تطون نتيجة لنقص فيتامين “د”.
وبالإضافة إلى تنظيم مستوى الكالسيوم في الدم وأهميته في تكوين العظام، يتم ربط نقص فيتامين “د” أيضًا بأمراض القلب والأوعية الدموية، وارتفاع خطر الإصابة بالالتهابات، علاوة على مرض السكري من النوع 2 وبعض أنواع السرطان.
فيتامين صغير.. وتأثير كبير
يوضح الدكتور رايخرات قائلا إنه “خلال عشر السنوات الأخيرة، أُجريت أبحاث مكثفة حولفيتامين “د” كسبنا من خلالها معارف كبيرة”، مؤكدا أن العجز المستتر لفيتامين “د” له دور في مرض الكساح وفي أمراض أخرى كثيرة.
فيتامين “د” الذي يمتصه الجسم من خلال الإشعاع الشمسي أو الطعام ليس نشطا بيولوجيًا في البداية. ولا بد من بعض عمليات التمثيل الغذائي قبل تكوين الشكل النشط بيولوجيًا للفيتامين، ما يسمى بالكالسيتريول، في الكلى وإطلاقه في الدم من هناك.
أهمية أسلوب الحياة..
بنى الباحثون الكينيون دراستهم على أهمية فيتامين “د” من حيث وظيفته في جهاز المناعة. وكتب مؤلف الدراسة “أفريقيا تعاني من الأمراض المعدية وغير المعدية على سبيل المثال، القارة لديها أحد أعلى نسب مرض الكساح في العالم”.
ومع ذلك، من غير المحتمل أن يؤدي نقص فيتامين “د” الفعلي أو المحتمل إلى دفع الناس لترك العمل في المكاتب ليتحولوا إلى مزارعين.
المصدر: dw.com