لا شك ان الشعب الفلسطيني يعاني بصورة مستمرة من الظلم والاضطهاد والاحتلال من قبل العدو الاسرائيلي الذي لا يتوقف عن ارتكاب أبشع الجرائم وتهجير السكان الأصليين من أرضهم بصورة شبه يومية وتنفيذ اعتقالات وهدم المنازل والتنكيل بالأسرى في أصعب ظروف الاعتقال وعوائلهم، وهذا الشعب الفلسطيني يحاول بشتى الوسائل الرد على هذا الظلم المستمر منذ عشرات على مرأى الكثير من دول ومنظمات العالم التي تتشدق بشعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان، وبعض الانظمة العربية التي تلهث خلف التطبيع مع العدو حفاظا على بعض المناصب الزائلة.
واليوم يواجه الشعب الفلسطيني وكل أحرار الامة موجة جديدة من المخططات الصهيوينة المدعومة أميركيا وضمنا من أنظمة التطبيع العربي والخليجي، والمتمثلة بمخطط “ضم” أجزاء من أراضي الضفة المحتلة الى سلطة الكيان الاسرائيلي الغاصب، بشكل إرهابي سافر وغير قانوني وبدعم لاأخلاقي من إدارة الرئيس الاميركي دوالد ترامب الذي يقدم كل شيء للصهاينة في محاولة منه للخروج من مآزقه الداخلية لحصول على دعم اللوبيات الصهيونية في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وبالمقابل يعمل الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وفصائله على رفض ومواجهة هذا المخطط التآمري الجديد الذي تكامل مع ما سبق ان أعلنه ترامب وسُمي بـ”صفقة القرن”.
وفي هذا الإطار، يسجل للشعب الفلسطيني قدرته على مقارعة العدو الإسرائيلي وإشغاله بمختلف الطرق منها سواء السلمية أو العسكرية لإيلام الصهاينة في مختلف المناطق الفلسطينية، سواء في قطاع غزة المحاصر او بالضفة والقدس المحتلتين، ولا بد من الاشارة هنا الى ان الفلسطينيين نظموا سابقا (قبل أزمة انتشار وباء كورونا) بدءا من مارس/ آذار 2018 مسيرات العودة على طول السياح الحدودي الفاصل بين شرق قطاع غزة وبقية الاراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك للمطالبة بعودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم، ورفع الحصار الظالم عن القطاع.
وقد تمكنت سابقا “الهيئة الوطنية العليا لتنظيم مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار” من تثبيت موعد المسيرة الاسبوعية عند عصر كل يوم جمعة، واستخدمت خلال التظاهرات أشكالا عديدة ومتنوعة لاقلاق راحة العدو واشغاله منها احراق الدواليب البلاستيكية قرب الحدود واطلاق الطائرات الورقية باتجاه المستوطنات الصهيونية القريبة ورمي الحجارة والمفرقعات وغيرها من الصور التي تخيف وترعب عناصر جيش العدو، وبالفعل كانت هذه المسيرات تقلق الصهاينة وشكلت جزءا من حرب نفسية، وظهر ذلك من خلال الاستنفار الاسرائيلي الذي كان يحصل على طول الحدود لمواجهة المظاهرات، وبرز من خلال استخدام الرصاص الحي والمطاطي لمواجهة المتظاهرين العزل، وقد ارتقى عشرات الشهداء وجرح الآلاف.
وبعد تثبيت فعالية هذه المسيرات اتخذت “الهيئة الوطنية لمسيرات العودة” قراراها انه خلال العام 2020 لن تنظم المسيرات والفعاليات على حدود غزة بصورة اسبوعية كما حصل خلال العامين الماضيين وانما سيتم تنظيمها فقط بصورة شهرية وفي المناسبات الوطنية البارزة وسيعلن عن ذلك في وقته، وهذا يعتبر “خطوة تكتيكية” من قبل المنظمين كي يحافظوا على رونق المسيرات عند تنظيمها وكي تكون اكثر فعالية وتوصل للهدف المنشود منها، خاصة انه خلال العامين الماضيين وصلت الرسالة واضحة للعدو ان الشعب الفسطيني قادر على ابتداع الاساليب الجديدة لاشغال العدو وإتعابه والتأكيد ان نفسه طويل جدا فهو لم يتعب منذ عشرات السنين رغم كل التضحيات والصعوبات.
فإشغال العدو له منافعه في الحربين النفسية والميدانية خاصة بمواجهة الجبهة الداخلية الاسرائيلية وكيان العدو بشكل عام المعروف عنه ضعفه وقد اشتهر بذلك الوصف الذي أطلقه عليه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بأنه “أوهن من بيت العنكبوت”، وهذا الإشغال هو أحد صور المقاومة التي تتكامل بكل صورها وأشكالها لتحقيق الغاية منها بالانتصار على العدو والقضاء على كيانه الغاصب وتحرير فلسطين.
هذا التكامل ضروري على الصعيد الجغرافي بين مختلف أذرع المقاومة التي تتوزع في العديد من البلدان وتشكل فيما بينها ما بات يعرف بمحور المقاومة الذي لا تفرق بينه الحدود المصطنعة ولا تمنعه من التكامل بُعد المساحات أيا كانت، وهذا المحور بدأ منذ سنوات بمزيد من التعاون الذي تطور كما ونوعا بشكل مضطرد، والرابط والجامع بين كل عناصره هي فلسطين والعمل لتحريرها وإزالة العقبات التي تقام أمام هذا الهدف السامي والنبيل.
ولا شك ان نموذج الشهيد الكبير القائد الحاج قاسم سليماني يمثل صورة واضحة لمثل هذا التعاون بين قوى محور المقاومة، فهذا القائد قضى عمره على طريق القدس وكرس حياته لها ولقضية فلسطين ودعم مقاومتها، فهو لم يُغتال إلا لأنه عمل حقا من أجل مقارعة العدو الاسرائيلي ولأنه ساهم بتعطيل المشاريع الاميركية الهادفة لعرقلة المقاومة بوجه الصهاينة، وارتقاء الشهيد سليماني على ارض العراق الى جانب الشهيد القائد ابو مهدي المهندس ورفاقهما، بُعيد قدومه من سوريا التي قهرت الارهاب، هو خير نموذج على هذا التعاون الذي نتحدث عنه بين قوى المقاومة الحية في منطقتنا، فالشهيد سليماني كان احد الروابط الاساسيين بين كل عناصر المقاومة وكان يعمل على اكثر من ملف في مواجهة العدوين الاسرائيلي والتكفيري، وهو كما قال عنه السيد نصر الله في الاحتفال التأبيني للشهيدين سليماني والمهندس في 5-1-2020 انه “أينما ذهبوا يوجد واحد متكرر اسمه قاسم سليماني…”.
هذا النموذج المدرسة التي مثلها وأسسها قاسم سليماني يجب الاستفادة منها وتعميمها وزيادة مستوى التعاون والتنسيق والتكامل بين جميع أعضاء قوى محور المقاومة للوصول الى الأهداف السامية بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين ويضاف إليه اليوم إنهاء الاحتلال الاميركي للمنطقة، ومن المنطقي انه بتحقيق الهدف الثاني سيكون الهدف الأول أمرا بديهيا او ما يمكن التعبير عنه “بتحصيل حاصل” او اسهل بكثير مما نتصور، وهذا بالتحديد ما اشار اليه السيد نصر الله في نفس المناسبة المذكورة اعلاه حيث قال “يجب أن تكون إرادتنا في محور المقاومة وهدفنا هو التالي: الرد على دماء قاسم سليماني وأبو مهدي هو إخراج القوات الأمريكية من كل منطقتنا”، وتابع “إذا تحقق هذا الهدف، وسيتحقق هذا الهدف ان شاء الله، سوف يصبح تحرير القدس واستعادة الشعب الفلسطيني والأمة لفلسطين وللمقدسات في فلسطين سوف تصبح على مرمى حجر”.
وبالخلاصة، يمكن لمحور المقاومة إيجاد الآلية المناسبة لرفع مستوى التعاون بين قواه في مختلف المجالات وليس فقط العسكرية والسياسية وتوسيعها الى المجالات الامنية والاقتصادية والاعلامية وغيرها من الصعد، خاصة ان الاعداء لا يوفرون أي مجال إلا ويحاولون فيه حصار قوى المقاومة ودولها لتحقيق بعض المكاسب التي عجزوا عنها بالميدان، وبكل الأحوال يجب ان يكون أحد الغايات لمحور المقاومة هو مراكمة الخبرة والقدرات بما يخدم في تحقيق الأهداف الموضوعة وصولا لطرد الاحتلال الاميركي من المنطقة والاحتلال الاسرائيلي من فلسطين وتحرير المقدسات هناك، فمن نتائج اقتدار المقاومة ورسوخها في يومياتنا هو تحقيق الهدف بتحرير فلسطين كل فلسطين وفي قلبها القدس، هذا الهدف الذي رسم منذ عشرات السنين وشحذ الامام الخميني الهمم من أجله وقدمت على طريقه الكثير من التضحيات وعلى رأسها تقديم الشهداء وخيرة الشباب والقادة من أمثال فتحي الشقاقي والشيخ احمد ياسين والسيد عباس الموسوي والحاج عماد مغنية والشهيد ابو مهدي المهندس والقائد قاسم سليماني.. ومن منهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
المصدر: موقع المنار