يجب أن يستمد الأشخاص الذين يعانون من اكتئاب العودة إلى العمل بعد عطلة الصيف شجاعتهم، بعد أن اكتشف العلماء أن فوائد العطلات جسدية، بالإضافة إلى كونها نفسية، وأنها تستمر لمدة شهر بعد العودة إلى المنزل.
وعلى الرغم من أن الدراسات السابقة، أثبتت أن الذهاب في عطلة له تأثير إيجابي على الصحة العقلية، إلا أن هذا البحث الذي نشر في مجلة الطب النفسي ونقلته صحيفة The Telegraph البريطانية، هو الأول الذي يثبت أن العطلات يمكنها في الواقع أن تُغير طريقة عمل الجينات.
إذ أجريت الدراسة على 94 امرأة يتمتعن بصحة جيدة تتراوح أعمارهم بين 30 و60 سنة، حيث طُلب منهن البقاء في منتجع للتأمل في ولاية كاليفورنيا لمدة ستة أيام، كما طُلب من نصفهن أن يسترخين ببساطة في العطلة، في حين انضمت الأخريات إلى البرنامج الذي احتوى تدريبات التأمل واليوغا والتأمل الذاتي.
وقد وجد العلماء في كلية ايكان للطب بجامعة هارفارد وكاليفورنيا أن قضاء عطلة من ستة أيام فقط تُحفز التغيرات الجينية التي تُخفف من حدة التوتر، وتُعزز جهاز المناعة، وتُقلل من مستويات البروتينات المرتبطة بالجنون والاكتئاب.
كما أن بعض من هذه التأثيرات الإيجابية يظل موجوداً لمدة شهر بعدها، حيث تقول إليسا إيبيل، أستاذة الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، والمؤلفة الأولى لهذه الدراسة: “من البديهي أن أخذ عطلة يُقلل العمليات البيولوجية المرتبطة بالتوتر، ولكن يظل مثيراً للإعجاب رؤية التغييرات الكبيرة في التعبير الجيني من البقاء بعيداً عن وتيرة الحياة السريعة، في بيئة مريحة، لفترة قصيرة مثل هذه”.
وتتابع قولها: “تشير نتائجنا إلى تأثير مهم للعطلة استفادت منه جميع الفئات، من إخماد الاستجابات المرتبطة بالتوتر، كما وجد الفريق أيضاً أن العطلات التي اشتملت ممارسة التأمل كان لها فائدة صحية إضافية”.
كان الفريق يأمل في اكتشاف التأثير طويل المدى على “تأثير العطلة” و”تأثير التأمل”، ومعرفة ما إذا كان أحدهما أفضل من الآخر، لذا قاموا بجمع عينات من الدم، واستقصاءات على الصحة العامة، من جميع المشاركين قبل وبعد إقامتهم مباشرة، بعد شهر واحد ومرة أخرى بعد عشرة أشهر، ثم قارنوا نشاط 20 ألفاً من الجينات لتحديد ما إذا كان هناك أي تغيير أثناء وبعد تجربة المنتجع.
كما أظهرت النتائج أن المجموعات كلها كان بها تغيرات كبيرة في أنماط الشبكة الجزيئية بعد قضاء الأسبوع في المنتجع، مقارنة مع نتائجهم قبل العطلة، وكانت أهم التغييرات في نشاط الجينات متعلقة بالاستجابة للتوتر والوظائف المناعية.
فيما قيم الباحثون معايير الصحة العامة، وفي حين أظهرت جميع المجموعات تحسناً نفسياً استمر لمدة شهر واحد في بعدها، فبعد 10 أشهر أُصيب المتأملون أيضا بأعراض أقل للاكتئاب والضغط من غير المتأملين، بينما يقول الفريق إن هذه الاكتشافات تُثبت أن التأمل يمكن أن يؤدي إلى تغيرات جسدية مهمة.
ويقول الدكتور رودولف تانزي، أستاذ علم الأعصاب في جامعة هارفارد: “بناءً على نتائجنا، فالفائدة التي نتمتع بها من التأمل ليست نفسية بالكامل، بل هناك تغير واضح وقابل للقياس في وظائف الجسد، اللتأمل هو أحد الطرق للاندماج في الأنشطة التصالحية التي يمكنها توفير الراحة لجهاز المناعة وتخفيف الإجهاد اليومي على الجسم الذي يحاول باستمرار حماية نفسه، وما نتوقعه هو أن هذا سيُؤدي بعد ذلك إلى الوصول إلى سن الشيخوخة بصحة أفضل”.
ويضيف تانزي: “يبدو أن الآثار النفسية تكون مستمرة، ومن غير المعروف كم من الفوائد طويلة المدى التي يمكن أن تكون راجعة إلى استمرار الممارسة أو التغييرات في الطريقة التي ينظر بها الناس للأحداث في حياتهم”.
هذا ويأمل الفريق في إجراء المزيد من الدراسات التي تظهر ما إذا كان هذا التأثير موجود فقط عطلات المنتجعات، أو ما إذا كان يمكن العثور على نفس التأثير من خلال البقاء في المنزل، إذ تقول مؤلفة الدراسة: “لا بد من تكرار هذه النتائج في الدراسات القادمة، لمعرفة ما إذا كانت هذه التغيرات موثوق بها في نفس الظروف، ومقارنتها مع مجموعة مراقبة في المنزل”.
المصدر: هافينغتون بوست