ألقى مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان خطبة عيد الفطر السعيد في جامع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد الأمين، في وسط بيروت، وأم المصلين في حضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسان دياب والنائبين فؤاد مخزومي وعدنان طرابلسي وأمين الفتوى في الجمهورية الشيخ أمين الكردي وقائد شرطة بيروت العميد محمد الأيوبي وعلماء وأعضاء من المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وحشد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والنقابية والعسكرية.
وقال المفتي دريان في خطبة عيد الفطر “أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، لقد كان شهر رمضان هذا العام، شديد الوطأة على كل الناس، هو شديد الوطأة بسبب الوباء، وشديد الوطأة بالانهيار الاقتصادي والمالي، وشديد الوطأة بالظروف الاجتماعية والمعيشية والحياتية الصعبة، فالوباء بلاء عالمي، ما نجت منه دولة من الدول، ولا شعب من الشعوب، وقد تعرض لبنان لما تعرض له الآخرون، وما نزال نحن وغيرنا تحت وطأة الجائحة، والأخذ والشد والجذب، والمراوحة بين الأمل واليأس، والمسالة هنا ليست مسألة إدانة أو امتداح، بل الدرس الأبرز في الوطنية والكفاءة هو أن مؤسساتنا الصحية، كان لديها المبادرة الضرورية، وصمدت المستشفيات الحكومية والخاصة، وفي طليعتها مستشفى رفيق الحريري، فتحية تقدير وامتنان للأجهزة الطبية على ما قاموا ويقومون به لمواجهة تداعيات كورونا”.
وتابع المفتي دريان “أيها اللبنانيون، إن المؤسسات العامة التي أعمل بها الجميع هدما وتخريبا، هي الباقية للوطن والمواطن، والتي ينبغي إعادة بنائها، لصون حياة الناس بدون أوهام، نعم، لا يبقى للبنانيين غير دولتهم، وغير مؤسساتهم العامة، فلا ينبغي أن يسمح لأحد بهدمها، أو التسبب في تصديعها. فلنلتفت إلى الانهيار المالي والمصرفي والاقتصادي، الذي حصل قبل الوباء، والذي سيستمر بعده، في هذا الصدد، فإن المسؤوليات واضحة. المسؤولية الأولى تقع على عاتق القوى السياسية، ثم المصرف المركزي، ثم الجهاز المصرفي. إنه المثلث الحاكم، الذي أعمل معاول الهدم في ثروات المواطنين وحياتهم ومعيشتهم، من المسؤول عن إفلاس الدولة، وعن دمار عيش المواطنين، أين ذهبت كل هذه المليارات التي كان ينبغي إنفاقها على صون مصالح المواطنين، وعلى إمدادهم بالكهرباء والمياه، ومعالجة أزمة النفايات، وتحسين الاتصالات، والنهوض بالزراعة والصناعة والخدمات، ولماذا تراكم دين عام بلغ التسعين مليار دولار، منها خمسون مليارا أهدرت على الكهرباء الدائمة الانقطاع، ثم من المسؤول عن احتجاز أموال المودعين، التي يبشرنا الذين استنزفوها كل يوم، أنها ضاعت إلى غير رجعة؟”.
وقال “أيها اللبنانيون، تعمل الحكومة على مكافحة الفساد، واستعادة المال المنهوب، فهذا عمل يسجل لها وتشكر عليه، وعلى ما تقوم به من مجهود لصالح الوطن والشعب، ونتمنى لها ولرئيسها التوفيق والنجاح، للنهوض بلبنان، والخروج به من أزماته المحدقة، ونطالب الحكومة بالإسراع في اتخاذ الإجراءات الحازمة، ووقف نزيف انهيار العملة الوطنية، وهذا أمر خطير، لأن الناس ضاقوا ذرعا، فلا هم قادرون على تأمين لقمة عيشهم بكرامة، ولا هم قادرون على الحصول على مدخراتهم متى يشاؤون، ولا هم مطمئنون إلى أنها مصانة، وأنها ستعود إليهم ولو بعد حين”.
وأضاف “دولة الرئيس، أنت مؤتمن على مصالح الناس، وأنت مسؤول عن قضاياهم وحل أزماتهم، إنهم يعلقون أملهم عليك، فلا تخيب أملهم، والأمر لا يحتمل التأخير، لأن التأخير ليس في صالح الناس والوطن، الذي يعاني ترهلات عديدة. والمواطنون يعرفون الناهبين والمتجاوزين واحدا واحدا. ولا يكافح الفساد إلا بالقضاء، ونخشى إذا فسد القضاء أن تفسد الدولة، القضاء هو مضغة الجسد، التي إذا فسدت فسد الجسد كله، وهنا نسأل، كيف سيظهر حكم القضاء المستقل، وكيف يسود، ولماذا لم تصدر التشكيلات القضائية التي اقترحها مجلس القضاء الأعلى، وهو صاحب الصلاحية الأول والأخير؟ ثم أين قانون العفو العام الشامل، الذي كان ينبغي أن يصدر قبل سنوات عدة، ولم يصدر حتى الآن، وهذا أمر مستهجن، وتأخير إصدار هذا القانون، يتحمل مسؤوليته جميع السياسيين الذين وعدوا بالإفراج عنه، ولم يتحقق ذلك حتى الآن؟ ماذا نقول للموقوفين ظلما، وماذا نقول لأهلهم الذين يعيشون مرارة سجن أبنائهم دون محاكمتهم، سنتحلى بالصبر، فكل آت قريب؟”
وتابع “أيها اللبنانيون، نعيش مرحلة صعبة ومقلقة من تاريخ لبنان، الذي عانى حروبا عبثية، ويعاني اليوم أزمة سياسية واقتصادية ومعيشية، أقسى من الحروب التي مررنا بها، هذه الحروب المستجدة، نشعر بدقتها وخطورتها، وكلنا مسؤولون ومؤتمنون، ولا يمكن لأحد أن يعفي نفسه من المسؤولية أو الأمانة، ولكن لن نفقد الأمل، بتلاقي الإرادات الطيبة والنوايا الحسنة، والكل يدرك أن بناء الدولة، وحماية الوطن، لا يكون إلا باجتماع إرادة اللبنانيين. فلنمد أيدينا إلى بعضنا، وإلى إخواننا العرب، الحريصين على وطننا بأمنه واستقراره وازدهاره، فنحن منهم وهم منا، ولن نتخلى عن عروبتنا التي نعتز بها ونفتخر، قائلاً “أيها اللبنانيون، أيها السياسيون، إن وطننا لبنان، هو أحوج ما يكون إلى الكلمة الطيبة التي تبني ولا تهدم، وتجمع ولا تفرق، وتؤلف ولا تشتتت، وتوحد ولا تقسم. علينا أن نتعلم من أخطائنا، وأن نعتبر مما حصل معنا كي لا يتكرر المشهد، وتطول المأساة”، مضيفاً “أيها المسلمون، أيها اللبنانيون، نحن لا نقبل الإخلال بالدستور، ولا تهميش رئاسة الحكومة أو المس بصلاحيات رئيس الحكومة، ليس لأن في ذلك تجاهلا لتراتبية المؤسسات الدستورية، وحقوق طائفة من مكونات لبنان الرئيسية فقط، بل لأن الإخلال بالدستور، يصنع أزمة سياسية، تقع في أصل الانهيار الكبير الذي يعانيه لبنان. كان لبنان دائما رائدا في مجال العيش الإسلامي – المسيحي، ومجال الحوار والتعاون من أجل السلام والأمن والعيش الواحد بين أبنائه”.
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام